ابجديات عائشة سلطان
ابجديات
عائشة سلطان
حين تحدثنا بأصابعنا !!
تاريخ النشر: السبت 21 يونيو 2014
هناك سلوكيات إنسانية شديدة الخطورة والأهمية، تنازل الناس عنها طواعية، أو بسبب تحولات الزمان وظروف الحياة، فالتحولات والتبدلات التي نخضع لها في مسيرة حياتنا القصيرة كبشر تدفعنا لتصرفات ما كانت تخطر ببالنا، أو ربما كنا نرفضها ذات يوم ونبالغ في السخرية والتهكم والهجوم عليها وعلى من يقوم بها، كما أن نفس هذه التبدلات والتحولات تدفعنا في اتجاه معاكس حين تجعلنا نتخلى عن سلوكيات كنا قد اعتبرناها من ثوابت حياتنا وتفكيرنا، ذلك أن الإنسان على ما يبدو مهما كبر وعظم شأنه وفكره إلا أنه لا يمكن أن يكون أكبر من سطوة الزمن وقوة التغيير !
ففي المدن الحديثة التي نعيش فيها اليوم هناك ما لا يحصى ولا يعد من النعيم ومظاهر الرغد والأمان والنعم، إن المدنية والحداثة التي أطلت على الناس بفضل اقتصاد الوفرة وسياسات النمو والتنمية قد أثرت وبدلت وحولت حياة أغلبنا من النقيض إلى النقيض، صحيح أن المدنية ليست شراً بحتاً والعولمة كذلك، إلا أن المهم هو كيف نستفيد منها ومن أي زاوية ننظر إليها ونقيمها، مع ذلك فلا شيء في هذه الحياة مطلق في شره أو مطلق في فضيلته، فهذه المدنية أو الحداثة قد أخذت من الإنسان شعوره بالاحتياج للآخر، كسرت ذلك المبدأ الذي أسست عليه المجتمعات الإنسانية حياتها اليومية والعادية وهو أن «الإنسان كائن مستطيع بغيره» ! هل لازلنا نحتاج بذات القدر والاندفاع للآخر، للصديق والجار والزوج والأبناء وال.... ؟
ليس في الأمر هجوماً من أي نوع، أو تجنياً على حياة الحداثة، لكن تجارب كثيرة في حقول التواصل والاجتماع والسلوك الإنساني أثبتت أن الناس في حضرة التلفاز والهواتف الذكية وشبكة التواصل الدولية الإنترنت، وفي ظل استلابنا أمام مواقع التواصل الاجتماعية والإعلام الجديد لم يعودوا بحاجة ماسة للقاءات حميمة ولزيارات عائلية وللسهرات والمكالمات الهاتفية، وحتى لتبادل الرسائل التي اعتبرت في يوم من الأيام شكلاً تواصلياً مرفوضاً، ولنحاول أن نكون واقعيين، وننظر إلى الزيارات العائلية الأسبوعية، أو إلى لقاءات الأصدقاء وحضورنا في الأعراس ومناسبات العزاء و... كيف تتحول بقدرة قادر إلى جلسات صامتة في معظمها كل منا منشغل عن الآخر بهاتفه يتابع آخر تعليقات الفيسبوك وتويتر، وآخر ما يظهر على الانستجرام و...
ما عاد الناس بحاجة لأن يتكلموا مع بعضهم بعضاً، هذه النتيجة الخطيرة قط لا تنعكس خطورتها على حياة الأصحاب والأقارب، لكنها تنعكس دماراً على علاقات الأزواج بعضهم ببعض وعلاقات الأسرة مع أبنائها، فالطفل يتعرض للكثير في الشارع والمدرسة وعلى يد الخادمة والسائق، وحتى بعض أفراد العائلة كما ثبت من حديث رجال الشرطة والقانون، إلا انهم لا يجدون من يحدثهم، من يفتح معهم حواراً عادياً بسيطاً وتلقائياً يقولون ما يخيفهم ويشكل علامات استفهام خطيرة أمام سني أعمارهم الغضة، المراهق لا أحد يحاوره في البيت، المراهقة، الزوج، الجارة، ال. . ... لماذا ؟ لأن هناك اكتفاءً ذاتياً من خلال الحديث بأصابع اليدين على أجهزة الهواتف الذكية، التي سلبت ذكاءنا الاجتماعي والعاطفي، وتركتنا هكذا كائنات كأننا من غبار !