طه الهاشمي كتب الصديق Yousif Naser على صفحته التشكيل العراقي ..... منافذ الخراب !
طه الهاشمي
كتب الصديق Yousif Naser على صفحته
التشكيل العراقي ..... منافذ الخراب !
**************************************************************************
قبل أيام شاهدت صورة فوتوغرافية لحوالي ثمانية رجال عراقيين في لقاء صداقي ، بينهم سبعة يحملون لقب (دكتور فنان) ، بينما الاثنان الباقيان يحمل كل منهما شهادة أقل بكثير من الدكتوراه ، احدهما فنان والآخر ناقد للفن .
جعلتني هذه الصورة أعود لأستعرض بضع نقاط وردت في معرض تقديمي لامسية الصديق الفنان علي النجار في المقهى الثقافي العراقي في لندن يوم 26تموز الماضي 2024 ، حيث رايت ضرورة لاثارتها على أمل ان يتم التوسع في بحثها ودراستها من قبل المعنيين ، خصوصا واني لاحظت كغيري من المهتمين انها لم تحظ بما تستحقه من اهتمام أو يجري التغاضي عنها وحتى اهمالها.
سأخرج هذه النقاط الان عن سياق الامسية وأمرُّ بها سريعا ، لكن ذلك لا يعني انني لا ارى اهمية ودور الحركة التشكيلية العراقية الرائعة وانجازاتها الكبيرة السابقة وتاثيرها في ثقافتنا وثقافة المنطقة المحيطة بنا ، ولكن حرصي وخوفي على كل ذلك هو ما يجعلني اشير الى بعض اسباب ما تعانيه الان من تراجع وخراب وفوضى لم تعرفها من قبل حتى في أشد ايام العراق حلكة .
ذلك سيضعني ، طبعاً ، في مرمى المستفيدين من الخراب او الجاهلين له ، لكني اعرف أيضا ان هناك الكثيرين ممن يتالمون بصمت من الحال التي وصلنا اليها وسيكونون راضين بما اكتبه الان ، وربما سيغنونه بافكارهم وخبراتهم .
من هذه النقاط ارتفاع وتيرة منح شهادات عليا في الفن كالماجستير والدكتوراه لم تشهده حركتنا الفنية العراقية في افضل اوقات ازدهارها ، حيث يعلم الجميع ان رواد ومؤسسي هذه الحركة وخيرة اساتذتها وفنانيها لم يحصلوا على شهادات عليا بهذا الزخم ولم يسعوا من اجل الحصول عليها . وأكاد أن استنتج من ذلك أن صحة حركتنا الفنية وسلامتها تتناسب عكسياً مع زخم وتعداد الشهادات العليا ، ومن ذلك أيضا صحة البلاد وأهلها .
وعدا عن كون هذه الشهادات ليست معيارا لمقدرة واهمية اي فنان وهي تحدث في زمن هو ليس افضل الازمان للفن في العراق إذا لم يكن من بين اسوأها ، فاننا لا نرى لها اثراً ايجابياً في معالجة ذلك السوء ، إضافة لكل الملابسات والأسئلة التي تصاحب الحصول على الكثير من تلك الشهادات . لكن ذلك لا يشمل الجميع ، طبعا ، فهناك استثناءات دائما .
لدينا ، نحن المهتمين بالامر ، افكارحول اسباب هذه الظاهرة ونتائجها ، بعض هذه الاسباب لا يعود للفن او البحث ولايمت للتطوير والتقدم بأية صلة ، ويراه بعضنا جزءا من الفوضى العامة التي تضرب البلاد ومكمّلاً لتداعي اسسها ومقوماتها ، ولم اجد بين من أتابع منشوراتهم أو أتصل بهم من المهتمين من وجد إضافة ايجابية لصالح حركتنا الفنية المتراجعة في منح تلك الشهادات المتسارع.
أما نتائجها ، فهي إن لم تكن معيقة لتطور الحركة الفنية ، فهي ، حسب ما أرى ، لا فائدة منها وستعود عليها بنتائج سيئة وتضيف الى مشكلاتها همّاً آخر وتنحدر بالمستوى الذي من المفروض ان تصله كحركة لها تاريخ ممتاز وفيها اسماء رائعة .
تحدثت أيضا ،بعجالة، عن نقطتين إضافيّتين ، اولاهما تتعلق بالاعمّ الأغلب مما ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي ومقدمات بعض كتالوغات المعارض وغيرها باعتباره نقدا فنيا ، بينما أغلبها لايتعدى الرطانات والخزعبلات تتوارى خلف واجهات غير حقيقية ، ووصل الامر الى حدّ الايهام ان ذلك النوع من الكتابة هو الشكل الطبيعي للنقد الفني ( الجديد ) ، وينسبه البعض زوراً أو جهلا الى طرق واساليب زمن ( ما بعد الحداثة ) بينما يمكن في واقع الامر إرجاعه بسهولة الى زمن متهافت يقود فيه ثقافتنا الأميون والمحتالون والبعثيون الجدد، زمن يستحق ان يوصف ب( مابعد الرثاثة ) .
لا حاجة لي أن أُذكّر هنا أن الرطانة والكلام غير المفهوم ليستا دليلا على الحداثة ، فهذه النقود المحيرة ، والنصوص الملغزة التي تنتشر الآن في كل مكان ، لا تعني ان فيها ما يجب التمعن فيه ودراسته ، وأن الاشخاص التي كتبوها لديهم دراية بالفن وشؤون الكتابة . على العكس من ذلك فانها تدل على فراغ داخلي وعلى خواء عقلي ليس عند من كتبها ما يقوله ، وأن هناك اسباب ومطامح اخرى غير الفن تكمن خلف كتابتها .
النقطة الثانية هي مقدار التداخل والارتباط بين الحياة في العراق وبين الفن العراقي وبالاخص الفنون التشكيلية ، وذكرت أن الفنان علي النجار ، مع قلة من فنانين آخرين ، يرسم وعينه على الحياة ! طبعا سيأتي من يسأل : وهل هناك فنان يعمل وعينه ليست على الحياة ؟ والجواب ؛ نعم وهم الاكثرية بين فنانينا مع الاسف ، يرسمون وينحتون إمّا تقليدا لاخرين أو إعادة إنتاج لتجاربهم ( هم ) المحدودة ، او بإعتماد الصياغات الجاهزة ، أو باجتراح تهويمات وأفكار لا علاقة لها بالدنيا ، تورّطنا بكوارث دفعنا ولازلنا ندفع ثمنها فادحاً ، مثلما ورّطونا بالحروفية والعودة للماضي وغير ذلك.
هذا اذا لم نتحدث عن الرسم للتسلية وتمضية الوقت وهو أمر جميل ومقبول تماما .
كان بودي ان اتحدث عن اسباب اخرى لتراجع حركتنا التشكيلية مثل دور جمعية الفنانين وما يجري بين اروقتها ودور الحكومة وانتشار معاهد وكليات الفن وطبيعة مناهجها وغير ذلك ، لكني اتركها لمناسبات اخرى .
**********************************
اللوحة المرفقة لا علاقة لها بالمنشور أعلاه ، وهي لوحة الرسام الفلامنكي العبقري بيتر بروغل ، وعنوانها ( عبرة الاعمى ) رسمها سنة 1568 ، وحسب ناشر اللوحة فإن عنوان اللوحة مأخوذ من مقطع في العهد الجديد (متى 15: 14) حيث يقارن السيد المسيح العمى الروحي بالعمى الجسدي ويتحدث عن العمى الداخلي لديانة بعض الناس :-
"... هم مرشدون عميان يقودون عميانًا، وإذا كان أعمى يقود أعمى آخر، فسوف يسقطان كلاهما في حفرة ..."
يوسف الناصر
كتب الصديق Yousif Naser على صفحته
التشكيل العراقي ..... منافذ الخراب !
**************************************************************************
قبل أيام شاهدت صورة فوتوغرافية لحوالي ثمانية رجال عراقيين في لقاء صداقي ، بينهم سبعة يحملون لقب (دكتور فنان) ، بينما الاثنان الباقيان يحمل كل منهما شهادة أقل بكثير من الدكتوراه ، احدهما فنان والآخر ناقد للفن .
جعلتني هذه الصورة أعود لأستعرض بضع نقاط وردت في معرض تقديمي لامسية الصديق الفنان علي النجار في المقهى الثقافي العراقي في لندن يوم 26تموز الماضي 2024 ، حيث رايت ضرورة لاثارتها على أمل ان يتم التوسع في بحثها ودراستها من قبل المعنيين ، خصوصا واني لاحظت كغيري من المهتمين انها لم تحظ بما تستحقه من اهتمام أو يجري التغاضي عنها وحتى اهمالها.
سأخرج هذه النقاط الان عن سياق الامسية وأمرُّ بها سريعا ، لكن ذلك لا يعني انني لا ارى اهمية ودور الحركة التشكيلية العراقية الرائعة وانجازاتها الكبيرة السابقة وتاثيرها في ثقافتنا وثقافة المنطقة المحيطة بنا ، ولكن حرصي وخوفي على كل ذلك هو ما يجعلني اشير الى بعض اسباب ما تعانيه الان من تراجع وخراب وفوضى لم تعرفها من قبل حتى في أشد ايام العراق حلكة .
ذلك سيضعني ، طبعاً ، في مرمى المستفيدين من الخراب او الجاهلين له ، لكني اعرف أيضا ان هناك الكثيرين ممن يتالمون بصمت من الحال التي وصلنا اليها وسيكونون راضين بما اكتبه الان ، وربما سيغنونه بافكارهم وخبراتهم .
من هذه النقاط ارتفاع وتيرة منح شهادات عليا في الفن كالماجستير والدكتوراه لم تشهده حركتنا الفنية العراقية في افضل اوقات ازدهارها ، حيث يعلم الجميع ان رواد ومؤسسي هذه الحركة وخيرة اساتذتها وفنانيها لم يحصلوا على شهادات عليا بهذا الزخم ولم يسعوا من اجل الحصول عليها . وأكاد أن استنتج من ذلك أن صحة حركتنا الفنية وسلامتها تتناسب عكسياً مع زخم وتعداد الشهادات العليا ، ومن ذلك أيضا صحة البلاد وأهلها .
وعدا عن كون هذه الشهادات ليست معيارا لمقدرة واهمية اي فنان وهي تحدث في زمن هو ليس افضل الازمان للفن في العراق إذا لم يكن من بين اسوأها ، فاننا لا نرى لها اثراً ايجابياً في معالجة ذلك السوء ، إضافة لكل الملابسات والأسئلة التي تصاحب الحصول على الكثير من تلك الشهادات . لكن ذلك لا يشمل الجميع ، طبعا ، فهناك استثناءات دائما .
لدينا ، نحن المهتمين بالامر ، افكارحول اسباب هذه الظاهرة ونتائجها ، بعض هذه الاسباب لا يعود للفن او البحث ولايمت للتطوير والتقدم بأية صلة ، ويراه بعضنا جزءا من الفوضى العامة التي تضرب البلاد ومكمّلاً لتداعي اسسها ومقوماتها ، ولم اجد بين من أتابع منشوراتهم أو أتصل بهم من المهتمين من وجد إضافة ايجابية لصالح حركتنا الفنية المتراجعة في منح تلك الشهادات المتسارع.
أما نتائجها ، فهي إن لم تكن معيقة لتطور الحركة الفنية ، فهي ، حسب ما أرى ، لا فائدة منها وستعود عليها بنتائج سيئة وتضيف الى مشكلاتها همّاً آخر وتنحدر بالمستوى الذي من المفروض ان تصله كحركة لها تاريخ ممتاز وفيها اسماء رائعة .
تحدثت أيضا ،بعجالة، عن نقطتين إضافيّتين ، اولاهما تتعلق بالاعمّ الأغلب مما ينشر في وسائل التواصل الاجتماعي ومقدمات بعض كتالوغات المعارض وغيرها باعتباره نقدا فنيا ، بينما أغلبها لايتعدى الرطانات والخزعبلات تتوارى خلف واجهات غير حقيقية ، ووصل الامر الى حدّ الايهام ان ذلك النوع من الكتابة هو الشكل الطبيعي للنقد الفني ( الجديد ) ، وينسبه البعض زوراً أو جهلا الى طرق واساليب زمن ( ما بعد الحداثة ) بينما يمكن في واقع الامر إرجاعه بسهولة الى زمن متهافت يقود فيه ثقافتنا الأميون والمحتالون والبعثيون الجدد، زمن يستحق ان يوصف ب( مابعد الرثاثة ) .
لا حاجة لي أن أُذكّر هنا أن الرطانة والكلام غير المفهوم ليستا دليلا على الحداثة ، فهذه النقود المحيرة ، والنصوص الملغزة التي تنتشر الآن في كل مكان ، لا تعني ان فيها ما يجب التمعن فيه ودراسته ، وأن الاشخاص التي كتبوها لديهم دراية بالفن وشؤون الكتابة . على العكس من ذلك فانها تدل على فراغ داخلي وعلى خواء عقلي ليس عند من كتبها ما يقوله ، وأن هناك اسباب ومطامح اخرى غير الفن تكمن خلف كتابتها .
النقطة الثانية هي مقدار التداخل والارتباط بين الحياة في العراق وبين الفن العراقي وبالاخص الفنون التشكيلية ، وذكرت أن الفنان علي النجار ، مع قلة من فنانين آخرين ، يرسم وعينه على الحياة ! طبعا سيأتي من يسأل : وهل هناك فنان يعمل وعينه ليست على الحياة ؟ والجواب ؛ نعم وهم الاكثرية بين فنانينا مع الاسف ، يرسمون وينحتون إمّا تقليدا لاخرين أو إعادة إنتاج لتجاربهم ( هم ) المحدودة ، او بإعتماد الصياغات الجاهزة ، أو باجتراح تهويمات وأفكار لا علاقة لها بالدنيا ، تورّطنا بكوارث دفعنا ولازلنا ندفع ثمنها فادحاً ، مثلما ورّطونا بالحروفية والعودة للماضي وغير ذلك.
هذا اذا لم نتحدث عن الرسم للتسلية وتمضية الوقت وهو أمر جميل ومقبول تماما .
كان بودي ان اتحدث عن اسباب اخرى لتراجع حركتنا التشكيلية مثل دور جمعية الفنانين وما يجري بين اروقتها ودور الحكومة وانتشار معاهد وكليات الفن وطبيعة مناهجها وغير ذلك ، لكني اتركها لمناسبات اخرى .
**********************************
اللوحة المرفقة لا علاقة لها بالمنشور أعلاه ، وهي لوحة الرسام الفلامنكي العبقري بيتر بروغل ، وعنوانها ( عبرة الاعمى ) رسمها سنة 1568 ، وحسب ناشر اللوحة فإن عنوان اللوحة مأخوذ من مقطع في العهد الجديد (متى 15: 14) حيث يقارن السيد المسيح العمى الروحي بالعمى الجسدي ويتحدث عن العمى الداخلي لديانة بعض الناس :-
"... هم مرشدون عميان يقودون عميانًا، وإذا كان أعمى يقود أعمى آخر، فسوف يسقطان كلاهما في حفرة ..."
يوسف الناصر