Hawra Al-Nadawi نسبة من العراقيين لا يحبون هذا الرجل!
Hawra Al-Nadawi
نسبة من العراقيين لا يحبون هذا الرجل! ربما لأنه لا يشبههم في شيء، ولا يمثل ما تقترحه الافتراضات السائدة عن طبيعة الرجل العراقي عموماً. فرغم أنه ولد في الجيل الأكثر تعاسة بين الأجيال العراقية، إلا أنه استطاع بفرادة القفز على كل الظروف البائسة، لينطلق الى حياة مختلفة كلياً عن تلك التي كانت ستنتظره لو أنه بقي في العراق. كان أقرانه يفقدون أثمن أيام العمر بين حرب وأخرى، وينتقلون من أزمة للتي تليها، بينما يندفع هو في عالم النجاح والشهرة متجاوزاَ العراق الى الوطن العربي كله، مستعيناً بموهبته الاستثنائية، ومتخطياً كل الحواجز، ولا سيما "عراقيته" التي كانت منبوذة ومحاصَرة في فترة التسعينيات تحديداً، بعد كارثة حرب الخليج؛ حتى أنه ولفترة من الزمن، كان العراقي الوحيد الذي يُشار اليه بجنسيته، بعد أن تعمد العرب جميعاً فرض حصار ثقافي ومعنوي على العراق ككل، كنوع من التأديب!
ثم أنه لا يشبه الصورة النمطية في الذهنية العربية عن العراقي العتيّ، فملامحه لطيفة، أصابعه طويلة مثل عازف بيانو متمرس، رشيق وهيئته شبابية، وهو رقيق وهادئ وغير صدامي، وكلامه واهتماماته لا يعكسان التوجه العام للكائن العراقي، فأسلوب حياته وأدبياته يختلفان كلياً عن السائد، ما يعني أنه يعكس صورة هي على النقيض التام من تلك النمطية!
وبينما كانت هذه النسخة المتفردة تعزز من مكانته لدى الجمهور العربي ككل، كانت في المقابل تثير حفيظة بعض العراقيين أكثر فأكثر وعلى نحو مستمر ومتزايد، فهي تؤكد على كونه لا يشبههم في شيء! نجاحه يذكر حاسديه على الدوام بالفشل وضياع الأحلام والأيام، والرقي الذي يصنع به فنه يذكرهم بالرثاثة التي تحيطهم أينما التفتوا؛ أما تجربته الفنية الفريدة فلا يملكون نَسبها للمكان أو للسياق والثقافة العامَين لكي يخففوا من نجاحها، فكان أسهل ما يمكن للإيقاع بها هو التصيد لأجل النيل منها. وأسهل ما يستثير العقول الشعبوية والغوغائية، هو المساس بمشاعرها الوطنية الزائفة، ولذلك كان لا بد من تهمة مقاربة لكي يوصم الرجل بها، كأن يكون "أقل" وطنية مما هو مطلوب، فيتَخفف بذلك الناقم من بعض امتعاضه ويشعر بالرضا لبعض الوقت حتى تُستثار نقمته من جديد. والحقيقة هي أنهم مهما فعلوا أو قالوا، فستبقى ظاهرة كاظم الساهر الاستثنائية. سيبقى يذكرني بفترة المراهقة التي كان هو "بطل الفلم" فيها بعد أن كنتُ استمع لمايكل جاكسون (وما زلت)، وفرق الغناء الشبابية التي شاعت منتصف التسعينيات، مثل الباكستريت بويز والسبايس گيرلز وغيرها؛ استطاع هو أن يهذب سمعي، ويثري ذائقتي، ويؤيد حبي للغة العربية الفصيحة التي كان يغني بها، دونما اكتراث للصرعات الفنية والغنائية التي انتشرت في ذلك الحين. وفي رأيي أن الساهر لو امتلك ثقافة أو لغة غربية، لاستطاع الانتقال بفنه خارج المحيط العربي بسهولة. وما زلت أذكر تلك المقطوعة الموسيقية التي أرفقها في إحدى البوماته، وكنتُ استغرب من انه لم يعاود الكرة فيؤلف مقطوعات موسيقية دون غناء، أو لعله سيفعل، من يدري! فهو رغم كل ما يشاع حوله من كلام مرسل، مجتهد ومنتج ولا يعير أهمية للقيل والقال. وهو مثير للاهتمام حتى بالنسبة لمن لا يحبونه، فلا تملك الا الابتسام متعجباً من هذا النشر المستمر على مواقع التواصل في حقه منذ إذاعة اللقاء بالأمس.. فقد حرصوا على مشاهدة اللقاء كاملاً كما يتضح من انتقاداتهم.. ألم نقل انه لا يشبههم وتحقّقه يذكرهم بكل ما ليس فيهم؟!