×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

نساء على صفيح الحرب الكاتبه انوار الخزرجي

نساء على صفيح الحرب الكاتبه  انوار الخزرجي
 نساء على صفيح الحرب
الكاتبه انواررالخزرجي
نيرات ...إمراة مكافحة ..صقلتها الظروف التي مر البلد منذ الثمانينيات من القرن الماضي، اكتوت بفقد اعزاء عليها ابان الفتنة الطائفية، ثم عانت هي نفسها من سعار الفكر الطائفي اللقيط...
كرست جزءا كبيرا من وقتها للعمل الطوعي فعملت مع منظمات انسانية كثيرة كداعم ومساند من اموالها الخاصة احساسا منها بما تعانيه العراقيات بسبب الحروب وما آلت اليه الاوضاع في البلد.
اعتادت ، وكغيرها ممن اكتوى بنار الطائفية ، ان تشترط الا يصل فلسا مما تساهم به لما يعرف بعوائل الدواعش..مرت الامور على هذه الحال لسنوات...وهي لا تستقر في العمل مع منظمة وانما تدعم من ترى له اعلانا او تتعرف عليه من الناشطين.
يوما وهي تقدم تبرعها وتذكر شرطها اعترض عليها احد العاملين بان شرطها مجحف بحق نساء واطفال ، ذاكرا لها الآية الكريمة( لا تزر وازرة وزر أخرى ) وشارحا لها تأثير تركهم بدون معيل مما قد يؤدي بهم الى ممارسة الجريمة والرذيلة وفي ذلك فساد كبير !!
يبدو انه كان مدركا للأمور اكثر منها ، فهي تدعم من وراء حجاب العوائل الفقيرة ، اما هو فقد كان في خضم الموج الذي اجتاح البلد متصديا لهذا العمل وبالتأكيد فالتطبيق غير التنظير والواقع غير التصور دائما من حيث دقة المعلومة وسعة التصور.
اصرت على شرطها ، فقد عانت كثيرا وفقدت كثيرين بسبب هذا التوجه الاجرامي ولكنها بدأت تفكر فعلا بحال هؤلاء النساء.
ساق لها القدر تقريرا امميا عن طريق نشطاء تعرفت عليهم يتحدث عما تعانيه هذه الفئة من النساء من شظف العيش وقسوة الحياة وكيف ان بعضهن خضعن مجبرات للابتزاز الجنسي بسبب اوضاعهن ..فعادت تفكر بما ذكره لها ذلك الناشط يوما ..ولكن لا سبيل لتذكر من هو وكيف تعود اليه لتستطلع منه اكثر فاكثر...
تغيرت طريقة تفكيرها تجاه هذه الفئة من النساء، فعادت بحكم تواصلها مع النشطاء تسمع منهم الكثير بعد ان بدأت _ويبدو ان ذلك بفعل تأنيب الضمير _ تتحرى عن قصصهن ، خاصة بعد تسريب الكثير من التسجيلات المرئية عن حالات تحرش جنسي حقيقية ، وبعد ان ذكر مرصد حقوق الانسان حالات مماثلة.
بدأت القصص ترد لها تترى من خلال جهات عديدة...كانت اولاها تتعلق بسميحة الفتاة القروية البسيطة التي انتمى زوجها للتنظيم ...نجت من الموت ايان التحرير ولاقى هو جزاءه القسط ..لكن ابنها لم يحظ بأوراق ثبوتية رغم انها متزوجة قانونا ..فموظف دائرة النفوس يعرف من يكون والده وتبعا لذلك فهو يرفض اصدار جنسية لابن الداعشي. الطفل بلغ سن الدراسة ولا اوراق يمتلكها ليدخل المدرسة!!!
رغداء ..فتاة يتيمة، قتل والدها المنتسب للجيش العراقي على يد تنظيم القاعدة ، فنشأت في كنف والدتها مع اخوتها واخواتها ، غادروا بلدتهم بعد قتل والدها ليستقروا في احدى القرى التي اجتاحها لاحقا التنظيم. زوجت وهي في الخامسة عشرة من عمرها زواجا دينيا فقط من شاب انضوى تحت لواء ذلك التنظيم اللقيط. لاقى جزاءه القسط ليتركها مع والدتها اما لطفل وهي لا تزال طفلة ، لا تمتلك حتى وثيقة زواج رسمية ، مما اضطرها ان تسجل الوليد باسم غيرها من المتزوجات ليحصل على اوراق ثبوتية.
يوما جيء لها بقائمة اسماء طويلة، طلبا للمساعدة ، ترددت كثيرا عندما علمت بفعل ابنائهن او ازواجهن المشين ، لكنها عادت فتذكرت انهن ضحايا وقعن بين مطرقة ذويهن وسندان القانون . وافقت على مضض لتفاجأ بأكبر صدمة سمعت فيها في حياتها الممتدة ما يقرب من ستة عقود في عمق الزمن...فهؤلاء الضحايا وبدون ادراك منهن وكطريقة للتبرؤ من صلتهن بالإجرام والمجرمين، استغللن ضياع اوراقهن الثبوتية ليسجلن انفسهن بأسماء وهمية منعتهن من اي حق قانوني ، فأسماؤهن المستعارة جردتهن من حق العودة للديار، ليبقين خارج الحدود في مخيمات النازحين ، اسماء بلا جذور ولا تاريخ لا يمكنها بحال العودة للوطن وليكن ميتات على قيد الحياة ، لا يملكن مستقبلا وهن في مقتبل اعمارهن!
نامت ليلتها كما لم تنم من قبل ، متقلبة تعاني من كوابيس لا تدرك كنهها ، سيول اللعاب تنطلق من فمها بين حين واخر لتوقظها من نومها...لا تملك سوى ان تلعن اياد تركت الزناد الذي كان يفترض ان يدافع عن الوطن ، لتترك الوطن ونسائه فريسة للغرباء ومن بعدهم للمستقبل المجهول.