في ذكرى رحيل الوالد ورفاقه من ضحايا مجزرة قاعة الخلد. ............................................................... غانم عبد الجليل سعودي
في ذكرى رحيل الوالد ورفاقه من ضحايا مجزرة قاعة الخلد.
...............................................................
غانم عبد الجليل سعودي
ولادة بغداد ـ الكرادة الشرقية سنة 1938، درس في ثانوية الشرقية، حاصل على بكارليوس حقوق جامعة بغداد، التحق بحزب البعث العربي الاشتراكي عام 1954، تم اعتقاله عدة مرات خلال العهد الملكي والقاسمي والعارفي، عام 1959 ألقي القبض عليه في قضية محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم رغم عدم مشاركته ولا موافقته على عملية الاغتيال، كان آنذاك عضو فرع بغداد والمسؤول عن منطقة الكرادة، خرج من السجن ضمن عفو عام سنة 1962، تم فصله من البنك المركزي، عمل خلالها في سلك المحاماة، قيل قيام ثورة تموز 1968 عاد الى عمله في البنك المركزي.
تدرج في الوضائف التالية: محافظ كركوك وعضو لجنة مفاوضات الحكم الذاتي (69 ـ 71)، محافظ ديالى (71)، مدير شركة الموانئ العامة (72)، أول رئيس مجلس إدارة شركة نفط الشمال (72)، مسؤول جبهة المصالحة الوطنية والقومية التقدمية أواسط السبعينات، وزير التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة الشمال بالوكالة، مسؤول المكتب المهني(77)، عضو القيادة القطرية ومجلس قيادة الثورة، مسؤؤل الصداقة العراقية ـ الهندية، مسؤول الصداقة العراقية ـ الكوبية، ومدير مكتب نائب رئيس مجلس قيادة الثورة لأكثر من مرة.
النشأة والشخصية:
نشأ غانم عبد الجليل في أسرة اصلها من منطقة باب الشيخ (بغداد) وسكن الكرادة الشرقية (بغداد)، عُرِف عنه الاستقلال بالرأي، شديد الحماس للقومية العربية، وفكر حزب البعث العربي الاشتراكي خصوصاً، أمضى عامين في دمشق، التحق خلالهما بكلية الحقوق، عاد بعد ذلك إلى بغداد بأفكاره الثورية التي أبعدته عن صفوف الدراسة عدة مرات.
المراحل السياسية:
محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم:
أعد أياد سعيد ثابت الخطة وعارضها غانم عبد الجليل لأنه كان ضد مبدأ الاغتيالات السياسية ولم يعلم بتنفيذها إلا من خلال التلفاز. تم تكليفه بالذهاب إلى البيت المستأجر في منطقة العلوية (الوكر) لزرق سمير عبد العزيز النجم المصاب بطلقٍ ناري بأبر البنسلين، حيث تم إلقاء القبض عليهما هناك، في المحكمة العسكرية برئاسة فاضل عباس المهداوي اعترف سمير النجم بكل التفاصيل، وكان الشاهد الأول في القضية، وتم الحكم على غانم عبد الجليل بتهمة التواطؤ وعدم الإبلاغ عن منفذي العملية، كان من ضمنهم صدام حسين، كبديل عن أحد المتخلفين عن المشاركة، رغم عدم اكتساب صدام عضوية الحزب إلا بعد هروبه إلى سوريا، منحه إياها المرحوم فؤاد الركابي في دمشق كما ذكر حازم جواد الذي كان حاضراً ترديده لشعار الحزب.
عام 1963 والانشقاق:
انضم غانم عبد الجليل إلى الحرس القومي بعد الإطاحة بحكم عبد الكريم قاسم، في تلك الفترة تم الانشقاق بين فرعي الحزب في العراق وسوريا (اليمين واليسار) وأيضاً بين القيادات البعثية في العراق، حازم جواد وعلي صالح السعدي، استغل عبد السلام عارف ذلك التصدع بين صفوف البعث، فقام بتصفية وجوده في الحكم واعتقال ومطاردة منتسبيه، ورغم كل ذلك ظل غانم عبد الجليل بين صفوف الحزب، لينتقل بعد إسقاط حكم عبد الرحمن عارف إلى مرحلة جديدة من حياته السياسية.
المناضل والمسؤول، أحداث وأسرار:
المناضل ليس بالضرورة أن يكون رجل دولة، يتقلد أرفع المناصب ويدير شؤون الحكم، هذا كان رأي غانم عبد الجليل عندما أصدر مجلس قيادة الثورة قرار تكليفه كمحافظ للعمارة، رضخ بعد ذلك لقرار تعيينه محافظاً لكركوك، أثبت كفاءة متميزة في كافة المهام الموكلة إليه، خاصة لدى مشاركتة كعضو في لجنة مفاوضات الحكم الذاتي مع الأكراد برئاسة المرحوم مرتضى سعيد عبد الباقي، انبثق عنها بيان 11 آذار سنة 1970، وكذلك مشاركته في إعداد وتنفيذ قرار تأميم النفط سنة 1972، إذ تولى رئاسة مجلس إدارة شركة نفط الشمال بعد استلامها من الشركات الأجنبية.
مع تنامِ القبضة الأمنية داخل البلاد وتحول الثورة إلى قناع للسلطة الحديدية، الأمر الذي يهدد كل الانجازات التي تحققت لوضع العراق على طريق التنمية، حاول غانم عبد الجليل الانسحاب من الحياة السياسية متعذراً بآلام فقرات ظهره التي أوجبت عليه المكوث في داره أكثر من شهر، وجد مرضه فرصة تفسح المجال أمامه لتقديم طلب إعفائه من منصب مدير مكتب نائب رئيس مجلس قيادة الثورة، كما قرر عدم الترشح لانتخابات القيادة القطرية مجدداً، فاجأه صدام بالزيارة وأبلغه أنه قد سأل طبيبه وعرف منه تماثله ـ غانم ـ للشفاء وطلب منه الرجوع إلى عمله.
تعرض ومحمد محجوب (وزير التربية والتعليم) وعدنان الحمداني (وزير التخطيط) للموت لدى رجوعهم من مجلس عزاء أحد أقارب صدام في تكريت، قبل توليه منصب رئاسة الجمهورية بحوالي شهر، خرجت شاحنة كبيرة من طريق جانبي وظلت تطارد السيارة التي كانوا يستقلونها، لولا مهارة سائق غانم عبد الجليل التي أنجتهم من محاولة الاغتيال تلك.
عام 1978 تم توقيع ميثاق العمل القومي بين العراق وسوريا تمهيداً لإقامة وحدة بين البلدين رداً على اتفاقية كامب ديفيد الموقعة بين مصر وإسرائيل، كجبهة عربية مضادة، بموجب الوحدة المزعم عقدها يصير أحمد حسن البكر رئيساً وحافظ الأسد نائباً له، الأمر الذي أزعج صدام لأنه يفقده أكثر صلاحياته بعد أن أنشأ دولة أمنية صارمة داخل الدولة العراقية، في 16 تموز 1979 أعلن البكر في خطاب بثه التلفزيون العراقي تنحيه بسبب المرض وكبر السن، وعهد برئاسة البلاد إلى نائبه، قبل ذلك طالب أعضاء القيادة القطرية الذين تم اتهامهم بالتآمر، وفي مقدمتهم محي الشمري ومحمد عايش بإجراء انتخابات حزبية لاختيار الرئيس الجديد، وتم اعتقال محي الشمري قبل الآخرين لإصراره على إجراء الانتخابات مما جعل صدام يأخذ ذلك الأمر على محمل شخصي ويعده معارضة له منذ البداية، بينما كان يمهد للتفرد بالحكم عبر اختزال الدولة والحزب إلى عشيرة، مختزلة بدورها في شخصه، فعمد إلى افتعال قضية التأمر لصالح النظام السوري للتخلص من قيد الوحدة، وأيضاً التخلص من أكثر الكوادر البعثية القديمة وأبرزها، والتي يمكن أن تكون مصدر قلق دائم على عرش الديكتاتورية.
يوم 11 تموز صدر قرار بطرد محي الشمري من الحزب، ويوم 12 تموز صدر قرار إعفائه من جميع مناصبه، وقد تم اعتقاله قبل الجميع، وقبل تولي صدام منصب رئاسة الجمهورية يوم 17 تموز.
تم اعتقال محمد عايش في 17 تموز.
غانم عبد الجليل, عدنان الحمداني، ومحمد محجوب في 20 تموز.
تم تنفيذ أحكام الإعدام يوم 8 ـ8 ـ 1979 الموافق 16 رمضان.
المؤامرة المزعومة
صدام إدعى على حين غفلة وجود مؤامرة، وفي تسجيل قاعة الخلد المعروف قال كل ما يؤكد عدم حدوث مثل هذا الأمر، وسأحاول تلخيص تفنيد هذا الزعم في النقاط التالية:
1 ـ كما بينت أعلاه أن أعضاء القيادة القطرية تم القبض عليهم في تواريخ متفرقة، بينما لو كانت هناك مؤامرة لتم القبض عليهم في يوم وساعة واحدة حرصاً على عدم الفرار أو القيام بعمل مباغت.
2 ـ صدام قال في قاعة الخلد أنه شعر بتحركات مريبة قبل خمس أشهر من ذلك التاريخ (22 تموز) وقتها لم يكن الرئيس البكر قد أعلن عن قرار التنحي حتى أمام مجلس قيادة الثورة، إذاً التآمر المزعوم كان ضد البكر لا ضد صدام الذي قال أنه ظل يراقبهم، مع بقائهم في مناصبهم المهمة، لعلهم يعودوا إلى المسار الصحيح، أو شيء من هذا القبيل، فإن حصل ذلك فهل كان سيثق بهم مجدداً ويتعامل معهم كأن شيئاً لم يحصل؟
3 ـ لماذا استمر صدام في مباحثات الوحدة مع سوريا ولم يبلغ البكر بتلك التحركات، التي لم يفصح عن تفاصيلها أو حتى المقصود منها على وجه التحديد، كي يوقف مسار آليات الوحدة وكشف خطة حافظ الأسد (التآمرية) مع قيادادت رفيعة المستوى في الحزب والدولة؟
4 ـ بغض النظر عن الظروف التي أجبرت المرحوم محي الشمري على الصعود إلى منصة قاعة الخلد، فأن ليس في كلامه أي دليل إدانة، كلام مرسل يعتريه الكثير من التناقض، وكأن صداماً أراد من خلال ذلك الارتباك المتعمد أن يستفز الحضور من الكوادر المتقدمة في الحزب في محاولة جس النبض ليرى من يتجرأ على الاعتراض أو السؤال أو النقاش بعد صعقة الخوف التي أرساها فيهم، قال المرحوم محي إن المرحوم محمد عايش قد فاتحه بشأن التآمر مع النظام السوري منذ عام 75، أربع سنوات ولم يلفتا الانتباه إليهما وقد التقيا بضاط سوري في مطعم في صدر القناة، ذلك الضابط المجهول الذي لم يُعرَف حتى اسمه.
5 ـ صدام أبلغ الحضور في قاعة الخلد أن الاعترافات كلها موجودة لمن يحب الإطلاع عليها بعد ذلك، ولحد الآن لم تسرب أية ورقة من تلك الاعترافات (الخطيرة).
6 ـ قال تايه عبد الكريم في أكثر من مقابلة تلفزيونية إنه سأل نعيم حداد عن الأحكام الموجودة أمامهم فأشار بإصبعه علامة إنها آتية من فوق (من صدام).
7 ـ محاكمة في هذه الخطورة كم استمرت، ولماذا لم تكن علنية وبحضور هيئة دفاع عن المتهمين، كالتي حظي بها لدى محاكمته بعد احتلال العراق.
8 ـ صدام ذكر أمام المحقق الأمريكي أن من تم التخلص منهم في القضية كانوا عقبة في طريق وصوله إلى السلطة ولم يأتِ على ذكر المؤامرة ولو بكلمة واحدة.
...............................................................
غانم عبد الجليل سعودي
ولادة بغداد ـ الكرادة الشرقية سنة 1938، درس في ثانوية الشرقية، حاصل على بكارليوس حقوق جامعة بغداد، التحق بحزب البعث العربي الاشتراكي عام 1954، تم اعتقاله عدة مرات خلال العهد الملكي والقاسمي والعارفي، عام 1959 ألقي القبض عليه في قضية محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم رغم عدم مشاركته ولا موافقته على عملية الاغتيال، كان آنذاك عضو فرع بغداد والمسؤول عن منطقة الكرادة، خرج من السجن ضمن عفو عام سنة 1962، تم فصله من البنك المركزي، عمل خلالها في سلك المحاماة، قيل قيام ثورة تموز 1968 عاد الى عمله في البنك المركزي.
تدرج في الوضائف التالية: محافظ كركوك وعضو لجنة مفاوضات الحكم الذاتي (69 ـ 71)، محافظ ديالى (71)، مدير شركة الموانئ العامة (72)، أول رئيس مجلس إدارة شركة نفط الشمال (72)، مسؤول جبهة المصالحة الوطنية والقومية التقدمية أواسط السبعينات، وزير التعليم العالي والبحث العلمي ووزارة الشمال بالوكالة، مسؤول المكتب المهني(77)، عضو القيادة القطرية ومجلس قيادة الثورة، مسؤؤل الصداقة العراقية ـ الهندية، مسؤول الصداقة العراقية ـ الكوبية، ومدير مكتب نائب رئيس مجلس قيادة الثورة لأكثر من مرة.
النشأة والشخصية:
نشأ غانم عبد الجليل في أسرة اصلها من منطقة باب الشيخ (بغداد) وسكن الكرادة الشرقية (بغداد)، عُرِف عنه الاستقلال بالرأي، شديد الحماس للقومية العربية، وفكر حزب البعث العربي الاشتراكي خصوصاً، أمضى عامين في دمشق، التحق خلالهما بكلية الحقوق، عاد بعد ذلك إلى بغداد بأفكاره الثورية التي أبعدته عن صفوف الدراسة عدة مرات.
المراحل السياسية:
محاولة اغتيال عبد الكريم قاسم:
أعد أياد سعيد ثابت الخطة وعارضها غانم عبد الجليل لأنه كان ضد مبدأ الاغتيالات السياسية ولم يعلم بتنفيذها إلا من خلال التلفاز. تم تكليفه بالذهاب إلى البيت المستأجر في منطقة العلوية (الوكر) لزرق سمير عبد العزيز النجم المصاب بطلقٍ ناري بأبر البنسلين، حيث تم إلقاء القبض عليهما هناك، في المحكمة العسكرية برئاسة فاضل عباس المهداوي اعترف سمير النجم بكل التفاصيل، وكان الشاهد الأول في القضية، وتم الحكم على غانم عبد الجليل بتهمة التواطؤ وعدم الإبلاغ عن منفذي العملية، كان من ضمنهم صدام حسين، كبديل عن أحد المتخلفين عن المشاركة، رغم عدم اكتساب صدام عضوية الحزب إلا بعد هروبه إلى سوريا، منحه إياها المرحوم فؤاد الركابي في دمشق كما ذكر حازم جواد الذي كان حاضراً ترديده لشعار الحزب.
عام 1963 والانشقاق:
انضم غانم عبد الجليل إلى الحرس القومي بعد الإطاحة بحكم عبد الكريم قاسم، في تلك الفترة تم الانشقاق بين فرعي الحزب في العراق وسوريا (اليمين واليسار) وأيضاً بين القيادات البعثية في العراق، حازم جواد وعلي صالح السعدي، استغل عبد السلام عارف ذلك التصدع بين صفوف البعث، فقام بتصفية وجوده في الحكم واعتقال ومطاردة منتسبيه، ورغم كل ذلك ظل غانم عبد الجليل بين صفوف الحزب، لينتقل بعد إسقاط حكم عبد الرحمن عارف إلى مرحلة جديدة من حياته السياسية.
المناضل والمسؤول، أحداث وأسرار:
المناضل ليس بالضرورة أن يكون رجل دولة، يتقلد أرفع المناصب ويدير شؤون الحكم، هذا كان رأي غانم عبد الجليل عندما أصدر مجلس قيادة الثورة قرار تكليفه كمحافظ للعمارة، رضخ بعد ذلك لقرار تعيينه محافظاً لكركوك، أثبت كفاءة متميزة في كافة المهام الموكلة إليه، خاصة لدى مشاركتة كعضو في لجنة مفاوضات الحكم الذاتي مع الأكراد برئاسة المرحوم مرتضى سعيد عبد الباقي، انبثق عنها بيان 11 آذار سنة 1970، وكذلك مشاركته في إعداد وتنفيذ قرار تأميم النفط سنة 1972، إذ تولى رئاسة مجلس إدارة شركة نفط الشمال بعد استلامها من الشركات الأجنبية.
مع تنامِ القبضة الأمنية داخل البلاد وتحول الثورة إلى قناع للسلطة الحديدية، الأمر الذي يهدد كل الانجازات التي تحققت لوضع العراق على طريق التنمية، حاول غانم عبد الجليل الانسحاب من الحياة السياسية متعذراً بآلام فقرات ظهره التي أوجبت عليه المكوث في داره أكثر من شهر، وجد مرضه فرصة تفسح المجال أمامه لتقديم طلب إعفائه من منصب مدير مكتب نائب رئيس مجلس قيادة الثورة، كما قرر عدم الترشح لانتخابات القيادة القطرية مجدداً، فاجأه صدام بالزيارة وأبلغه أنه قد سأل طبيبه وعرف منه تماثله ـ غانم ـ للشفاء وطلب منه الرجوع إلى عمله.
تعرض ومحمد محجوب (وزير التربية والتعليم) وعدنان الحمداني (وزير التخطيط) للموت لدى رجوعهم من مجلس عزاء أحد أقارب صدام في تكريت، قبل توليه منصب رئاسة الجمهورية بحوالي شهر، خرجت شاحنة كبيرة من طريق جانبي وظلت تطارد السيارة التي كانوا يستقلونها، لولا مهارة سائق غانم عبد الجليل التي أنجتهم من محاولة الاغتيال تلك.
عام 1978 تم توقيع ميثاق العمل القومي بين العراق وسوريا تمهيداً لإقامة وحدة بين البلدين رداً على اتفاقية كامب ديفيد الموقعة بين مصر وإسرائيل، كجبهة عربية مضادة، بموجب الوحدة المزعم عقدها يصير أحمد حسن البكر رئيساً وحافظ الأسد نائباً له، الأمر الذي أزعج صدام لأنه يفقده أكثر صلاحياته بعد أن أنشأ دولة أمنية صارمة داخل الدولة العراقية، في 16 تموز 1979 أعلن البكر في خطاب بثه التلفزيون العراقي تنحيه بسبب المرض وكبر السن، وعهد برئاسة البلاد إلى نائبه، قبل ذلك طالب أعضاء القيادة القطرية الذين تم اتهامهم بالتآمر، وفي مقدمتهم محي الشمري ومحمد عايش بإجراء انتخابات حزبية لاختيار الرئيس الجديد، وتم اعتقال محي الشمري قبل الآخرين لإصراره على إجراء الانتخابات مما جعل صدام يأخذ ذلك الأمر على محمل شخصي ويعده معارضة له منذ البداية، بينما كان يمهد للتفرد بالحكم عبر اختزال الدولة والحزب إلى عشيرة، مختزلة بدورها في شخصه، فعمد إلى افتعال قضية التأمر لصالح النظام السوري للتخلص من قيد الوحدة، وأيضاً التخلص من أكثر الكوادر البعثية القديمة وأبرزها، والتي يمكن أن تكون مصدر قلق دائم على عرش الديكتاتورية.
يوم 11 تموز صدر قرار بطرد محي الشمري من الحزب، ويوم 12 تموز صدر قرار إعفائه من جميع مناصبه، وقد تم اعتقاله قبل الجميع، وقبل تولي صدام منصب رئاسة الجمهورية يوم 17 تموز.
تم اعتقال محمد عايش في 17 تموز.
غانم عبد الجليل, عدنان الحمداني، ومحمد محجوب في 20 تموز.
تم تنفيذ أحكام الإعدام يوم 8 ـ8 ـ 1979 الموافق 16 رمضان.
المؤامرة المزعومة
صدام إدعى على حين غفلة وجود مؤامرة، وفي تسجيل قاعة الخلد المعروف قال كل ما يؤكد عدم حدوث مثل هذا الأمر، وسأحاول تلخيص تفنيد هذا الزعم في النقاط التالية:
1 ـ كما بينت أعلاه أن أعضاء القيادة القطرية تم القبض عليهم في تواريخ متفرقة، بينما لو كانت هناك مؤامرة لتم القبض عليهم في يوم وساعة واحدة حرصاً على عدم الفرار أو القيام بعمل مباغت.
2 ـ صدام قال في قاعة الخلد أنه شعر بتحركات مريبة قبل خمس أشهر من ذلك التاريخ (22 تموز) وقتها لم يكن الرئيس البكر قد أعلن عن قرار التنحي حتى أمام مجلس قيادة الثورة، إذاً التآمر المزعوم كان ضد البكر لا ضد صدام الذي قال أنه ظل يراقبهم، مع بقائهم في مناصبهم المهمة، لعلهم يعودوا إلى المسار الصحيح، أو شيء من هذا القبيل، فإن حصل ذلك فهل كان سيثق بهم مجدداً ويتعامل معهم كأن شيئاً لم يحصل؟
3 ـ لماذا استمر صدام في مباحثات الوحدة مع سوريا ولم يبلغ البكر بتلك التحركات، التي لم يفصح عن تفاصيلها أو حتى المقصود منها على وجه التحديد، كي يوقف مسار آليات الوحدة وكشف خطة حافظ الأسد (التآمرية) مع قيادادت رفيعة المستوى في الحزب والدولة؟
4 ـ بغض النظر عن الظروف التي أجبرت المرحوم محي الشمري على الصعود إلى منصة قاعة الخلد، فأن ليس في كلامه أي دليل إدانة، كلام مرسل يعتريه الكثير من التناقض، وكأن صداماً أراد من خلال ذلك الارتباك المتعمد أن يستفز الحضور من الكوادر المتقدمة في الحزب في محاولة جس النبض ليرى من يتجرأ على الاعتراض أو السؤال أو النقاش بعد صعقة الخوف التي أرساها فيهم، قال المرحوم محي إن المرحوم محمد عايش قد فاتحه بشأن التآمر مع النظام السوري منذ عام 75، أربع سنوات ولم يلفتا الانتباه إليهما وقد التقيا بضاط سوري في مطعم في صدر القناة، ذلك الضابط المجهول الذي لم يُعرَف حتى اسمه.
5 ـ صدام أبلغ الحضور في قاعة الخلد أن الاعترافات كلها موجودة لمن يحب الإطلاع عليها بعد ذلك، ولحد الآن لم تسرب أية ورقة من تلك الاعترافات (الخطيرة).
6 ـ قال تايه عبد الكريم في أكثر من مقابلة تلفزيونية إنه سأل نعيم حداد عن الأحكام الموجودة أمامهم فأشار بإصبعه علامة إنها آتية من فوق (من صدام).
7 ـ محاكمة في هذه الخطورة كم استمرت، ولماذا لم تكن علنية وبحضور هيئة دفاع عن المتهمين، كالتي حظي بها لدى محاكمته بعد احتلال العراق.
8 ـ صدام ذكر أمام المحقق الأمريكي أن من تم التخلص منهم في القضية كانوا عقبة في طريق وصوله إلى السلطة ولم يأتِ على ذكر المؤامرة ولو بكلمة واحدة.