×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

مقالي في جريدة الزمان العدد الصادر اليوم 7 تموز 2021 سعدون الجنابي وسياحته في شارع الرشيد عماد آل جلال

مقالي في جريدة الزمان العدد الصادر اليوم 7 تموز 2021 سعدون الجنابي وسياحته في شارع الرشيد عماد آل جلال
 مقالي في جريدة الزمان العدد الصادر اليوم 7 تموز 2021
سعدون الجنابي وسياحته في شارع الرشيد
عماد آل جلال
حين يجرؤ أي كاتب وان كان متمرسا، في التصدي لعنوان مهم، ومن ثم الخوض في غماره، فهو بالتأكيد ينبغي ان يكون قناصا ماهرا للحصول على المادة الدسمة في متون كتابه، وهي مهمة شاقة وصعبة لا تتاح بنفس المستوى للجميع، في البداية كنت شديد القلق على زميلي العزيز سعدون الجنابي عندما علمت منه أنه بصدد تأليف كتاب عن شارع الرشيد، وكما هو معلوم ان شارع الرشيد كتب عنه الكثير من الكتاب المرموقين، كذلك نشرت عنه المئات من المقالات والتحقيقات والمقابلات، فما الجديد الذي يحتفظ به الزميل الجنابي لنفسه لكي يضيفه الى كتابه الموسوم: رحلة في ذاكرة شارع الرشيد.
كنت أتساءل مع نفسي وانا أعلن لأول مرة أمام جمع من المثقفين والاكاديميين والصحفيين وثلة من رواد نادي العلوية الاجتماعي العريق في بغداد خلال ندوة مخصصة لشارع الرشيد والازقة المتفرعة عنه، حاضر فيها الاديب حسين الجاف والدكتور كمال رشيد، ياترى ما الجديد من المعلومات التي يضيفها زميلنا لكتابه، حينها لم اكن مطلعا على الكتاب ولم استلم نسخة منه، فالشارع يمثل ذاكرة تمتد أكثر من مئة سنة وهو من أقدم وأشهر شوارع بغداد.
بعد شهرين تقريبا حصلت على نسختي من الكتاب وقبل أن أقرأه وأتمعن في سرده وصوره، راودتني نفس التساؤلات لذا كنت وأقولها بصراحة غير متحمس لإعطائه الاولوية في القراءة وقد أجلت قراءته أكثر من مرة، وبعد ان اطلعت صدفة على ما كتبه الاستاذ حميد سعيد والزميل سلام الشماع، تشجعت لقراءته فكانت المفاجأة من الصفحات الاولى، حين علمت أن سعدون داود الجنابي هو الأبن البار والمولع والمولود في احد احيائه (المربعة) وهو حي شهير في الشارع حفظه "دنكة دنكة" وتجول في "درابينه"، عاش فيه طفولته وتعلم في مدارسه، ومن الصدف الجميلة ان يولد الجنابي من أبوين من سكنة الشارع نفسه، ويشاركهم العيش فيه الخال والعم والعمة والجد فضلا عن اصدقاء العمر الذين نشأوا معه في المحلة حتى مرحلة الشباب، لذا فهو شاهد عيان على مرحلة من تأريخ الشارع أنغمس فيها حد العشق لتفاصل لا تخطر على البال تكتشفها وانت تتصفح ما في متن الكتاب الذي تضمن خمسة ابواب اضافة الى المقدمة والتمهيد، لم يترك الجنابي شاردة ولا واردة الا وأتى على وصفها وذكرها، ولفت نظري دقة ما أورده فيه من معلومات بلغت حدا مذهلا في الوصف لبعض معالم الشارع حين يذكر عدد "البايات" نزولا أو صعودا، وصولا الى هذا الزقاق وتلك البناية، وأسماء اصحاب المحال وتاريخ فتحها وغلقها وتخصصها، في هذه اللحظة شعرت بما تميز فيه كتاب رحلة في ذاكرة شارع الرشيد عن ما سبقه من كتب رصينة، وأجزم ان ما ذهب اليه الجنابي صحح لي شخصيا معلومات كانت ملتبسة في ذاكرتي عن الشارع الذي ولد في احد احيائه "باب الآغا" اجدادي ووالدي رحمهم الله، وكنت اسمع من جدي الذي كان يملك محل عطاره في احد درابين المحلة، ان الجيران على اختلاف مللهم كانوا يعيشون وكأنهم في دار واحدة وعندما حصل والدي على أول جهاز راديو (مذياع) اجتمعت عوائل الدربونة للإستماع اليه فيما تقوم جدتي بالوقوف خلفه بحثا عن المذيع او المطرب فهي تعتقد ان المتحدث يجلس داخله.
كل باب من الكتاب يتحدث عن مقطع من الشارع وفي بابه الخامس الذي سماه الكاتب ايقونة بغداد .. مشاهدات وحكايات، يستمتع القارئ بقصص وتفاصيل عن اسرار التسميات، اليهود، المطبخ البغدادي، نهر دجلة، الدانص والباليه ولم ينس حسون الاميركي، كتاب لذيذ بالفعل تجمل بصور منتقاة بحاسة ذكية وذوق رفيع عكست الانطباع الحقيقي الذي أخذك الكاتب اليه أثناء السرد الجميل، كما أنه كحله ببعض اللمحات مما كتب عن شارع الرشيد وبذلك صنع صورة ذهنية جميلة عن حقيقة وتاريخ هذا الشارع العريق تداخلت فيها المعلومات الشخصية المعاشة مع الوثائق والافلام والصور ليظهره على حقيقة ما كان لجيل من الشباب الذين لم يتعرفوا عليه بصورته السابقة، بل بما وجدوه عليه من فوضى ونفايات وترهل وعبث كما صوره الزميل الدكتور كاظم المقدادي في جولته الحزينة في مقطع من الشارع والتي بين فيها حزن البغادة بل غالبية الشعب العراقي من الصورة المأساوية التي يبدو عليها في الوقت الحاضر حاله حال بقية الاحياء العريقة التي تم الاعتداء على مخططها الاساسي فجزئت بيوتها وانتزعت حدائقها واندثرت بناها التحتية، وليس غريبا ان يصدر تقرير من وزارة عراقية معزز برأي منظمة دولية تهتم بالبيئة ان جانب الرصافة في بغداد لم يعد صالحا للسكن، وأظن ان الكرخ سيلحق به عاجلا أم آجلا مالم تتكاتف الجهود لأنقاذ ما يمكن انقاذه. وبعد أدعوكم للاستمتاع برحلة في ذاكرة شارع الرشيد.
image

image