القبيح والمراة - رجاء الربيعي
قصة قصيرة
القبيح والمرآة
رجاء الربيعي
بعد إن هدّني تعب العمل اتخذت طريق عودتي الى البيت وما اثقل عليّ الحال أن اجد سيارة تقلني الى مسكني الذي يبعد عن عملي مدة ساعة تطول في الزحام اثر تزايد اعداد السيارات . اتخذت مكاني بين مقاعد سرعان ما امتلأت بشاغليها ، ناولت الاجرة الى الشاب الجالس امامي دون ان اعرف سببا لأنقباض وجهه. ضحكت في سري فيما اخرجت كتابا من حقيبتي علني اجد سلوتي في القراءة وحتى لا اتكلم مع احدهم. الجميع صامت عدا صوت حبات مسبحة احدهم. رحت اعد حبّات مسبحته مع كل كلمة تسبيح منه. امراة قربه كانت تدعو الله بصوت يعلو فجأة. الجميع منشغل بهمومه اليومية.افزعني وجه ذلك الرجل على انه لم ينتبه لفزعي من مرأى وجهه بجبين مرتفع، وحاجبين مقطبين يلتقيان فوق انفه مما جعله يبدو حاد الملامح، انفه كخطم الخنزير وفم لا استطيع وصفه، قد اخافني وجهه حقاً . قادني تأمّلي كيف لهذا الرجل البشع ان رغب بالأبتسام! كل من في الحافلة كان يتحدث عن حاله وعن عدم قبوله لوضع حياته . عدا ذلك الوجه المرعب الذي واضب على توزيع ابتسامة بلهاء صوب الوجوه التي امتلأت خوفا.
بدا اليف الحضور بنظرات ترغمك للوهلة الاولى الى المراوغة وان تاخذ حظا اوفر من المكان ، تمنيت ان احاكي هذا الوجه المخيف. لم يجامله احد بل يحاول من جلس بقربه المراوغة اذا ما شغل مقعد ما. ولم يجلس قربه احد .
جمعت شجاعتي ورحت اتطلع في تفاصيل وجهه .كان وجهه ينظر بعين الرافة للجالسين بقربه. عند الاشارة الضوئية رنّ جرس هاتفي النقال. صمت الهاتف عن الرنين الذي ازعجني . بدا كانه هاتف مراهقة تخجل الحديث مع حبيبها ، انتبه لإنزعاجي من الهاتف .اخرج هاتفه وصار يبحث عن الاسماء. دوى محرك السيارة بعد توقف ، اجريت اتصالي وانا انظر صوب تلك العينين اللتين ترمقانني بنظرة فيها شي من تخوف وفضول . قاد نظراته صوب المكان الذي اجلس فيه علني اهرب من نظراته المتفحصة لي فيما رن هاتفه. رحت ارقبه وهو منفعل يلوك كلماته من بين نواجذه مشددا على كل كلمة ينطقها. صوت جهوري كشف عن شرّه المخبوء وهو يتوعد : " ضعيها في مكانها إني عائد للبيت، ساعلقها كما تعلق الدجاجة في المجزرة !" . انهى حديثه ولملم من وضعه فيما يعيد هاتفه الذي لولاه لخلته رجلا اخرسا. تخيلت زوجته شبيه به وطفلته ايضاً .
توقف السائق عند الأشارة الأخيرة . بت منزعجة تماما من الوقت الذي نقضيه في الطريق مما يؤخرني عن طفلتي ، وصلنا الى اخر منطقة وترجل الركاب من السيارة. انتظرت الرجل القبيح كي ينزل اولا .بدا وكأنه يتباهى بتهديده من على الهاتف. وددت لو أني صفعته على وجهه ولو بالكلمات .استجمعت قوتي وناديت عليه:
- " ممكن اسالك يا عم ؟ "
تفاجا وقال بصوت خفيض غير الذي سمعته في السيارة وهو لما يزل محني الرأس يكاد يأكله الخجل :
- " تفضلي" !
- " ممكن ان لا تعاقبها وتعلقها كما الدجاجة في المجزرة"؟
- "اعلق من ؟ "
- "طفلتك "!
رفع راسه فيما انفجر بقهقهة عالية ، ثم مستدركا : "ومن تكون الطفلة ؟"
بهتُّ فاتحة فاهي وكاني ارى مخلوق مكوك فضائي نزل للتو.
- " انا ياسيدتي رجل وحيد منذ ولدتني امي بهذا الشكل " .
أخذت بحديثه ، فيما رحت اهذي بعبارات للأعتذار تقال في هكذا موقف !
-" اسفة لتدخلي ولكنها هاتفتك ورحت تهددها . عقّب كالذي يحدث نفسه :
- " انا يا سيدتي اعيش الغربة وسط هذا الزحام الشديد ، لوحدي ، لا عائلة لي."
اثار استغرابي وانا احاول ان الجم نفسي عن النطق بكلمات ممكن ان يفهمها خطأ ....
- " كل ما في الأمر اني أغار من الذين ياحدثون عبر هواتفهم .. فانا احمله لاقنع نفسي اني مثل سواي من الناس."
استغرابي هذا لم يفاجئه بل اكد لي انه بعض الاحيان يرفع الهاتف ويحادث نفسه ويسمع الاخرين انه مثلهم" . يصمت من ثم يواصل :
- " هل تقدرين العيش طوال حياتك دون ان يحدثك الآخرون ؟ على اني لا ازال مؤمنا بالامل والحياة لدي تعني الكثير، لدي عائلة مكونة من قطط جميلة تسمعني مواءها الصباحي وترحب بي حين عودتي ، هم اولادي ".
- " ما زاد من استغرابي انك تحدثت معها!"
- " اجل ، ذلك من وحي تخيّلي ، كنت العب بالنغمات وتحدثت مع نفسي ، لكم عوائلكم الا انا اهلي القطط فحسب. "
تركته وانا منذهلة من قباحة في وجهه وعميق الجمال في نفسه . تمنيت لو اعطيته جزءا من وجهي واعطاني من روحه بالمقدار نفسه!القبيح والمرآة
رجاء الربيعي
القبيح والمرآة
رجاء الربيعي
بعد إن هدّني تعب العمل اتخذت طريق عودتي الى البيت وما اثقل عليّ الحال أن اجد سيارة تقلني الى مسكني الذي يبعد عن عملي مدة ساعة تطول في الزحام اثر تزايد اعداد السيارات . اتخذت مكاني بين مقاعد سرعان ما امتلأت بشاغليها ، ناولت الاجرة الى الشاب الجالس امامي دون ان اعرف سببا لأنقباض وجهه. ضحكت في سري فيما اخرجت كتابا من حقيبتي علني اجد سلوتي في القراءة وحتى لا اتكلم مع احدهم. الجميع صامت عدا صوت حبات مسبحة احدهم. رحت اعد حبّات مسبحته مع كل كلمة تسبيح منه. امراة قربه كانت تدعو الله بصوت يعلو فجأة. الجميع منشغل بهمومه اليومية.افزعني وجه ذلك الرجل على انه لم ينتبه لفزعي من مرأى وجهه بجبين مرتفع، وحاجبين مقطبين يلتقيان فوق انفه مما جعله يبدو حاد الملامح، انفه كخطم الخنزير وفم لا استطيع وصفه، قد اخافني وجهه حقاً . قادني تأمّلي كيف لهذا الرجل البشع ان رغب بالأبتسام! كل من في الحافلة كان يتحدث عن حاله وعن عدم قبوله لوضع حياته . عدا ذلك الوجه المرعب الذي واضب على توزيع ابتسامة بلهاء صوب الوجوه التي امتلأت خوفا.
بدا اليف الحضور بنظرات ترغمك للوهلة الاولى الى المراوغة وان تاخذ حظا اوفر من المكان ، تمنيت ان احاكي هذا الوجه المخيف. لم يجامله احد بل يحاول من جلس بقربه المراوغة اذا ما شغل مقعد ما. ولم يجلس قربه احد .
جمعت شجاعتي ورحت اتطلع في تفاصيل وجهه .كان وجهه ينظر بعين الرافة للجالسين بقربه. عند الاشارة الضوئية رنّ جرس هاتفي النقال. صمت الهاتف عن الرنين الذي ازعجني . بدا كانه هاتف مراهقة تخجل الحديث مع حبيبها ، انتبه لإنزعاجي من الهاتف .اخرج هاتفه وصار يبحث عن الاسماء. دوى محرك السيارة بعد توقف ، اجريت اتصالي وانا انظر صوب تلك العينين اللتين ترمقانني بنظرة فيها شي من تخوف وفضول . قاد نظراته صوب المكان الذي اجلس فيه علني اهرب من نظراته المتفحصة لي فيما رن هاتفه. رحت ارقبه وهو منفعل يلوك كلماته من بين نواجذه مشددا على كل كلمة ينطقها. صوت جهوري كشف عن شرّه المخبوء وهو يتوعد : " ضعيها في مكانها إني عائد للبيت، ساعلقها كما تعلق الدجاجة في المجزرة !" . انهى حديثه ولملم من وضعه فيما يعيد هاتفه الذي لولاه لخلته رجلا اخرسا. تخيلت زوجته شبيه به وطفلته ايضاً .
توقف السائق عند الأشارة الأخيرة . بت منزعجة تماما من الوقت الذي نقضيه في الطريق مما يؤخرني عن طفلتي ، وصلنا الى اخر منطقة وترجل الركاب من السيارة. انتظرت الرجل القبيح كي ينزل اولا .بدا وكأنه يتباهى بتهديده من على الهاتف. وددت لو أني صفعته على وجهه ولو بالكلمات .استجمعت قوتي وناديت عليه:
- " ممكن اسالك يا عم ؟ "
تفاجا وقال بصوت خفيض غير الذي سمعته في السيارة وهو لما يزل محني الرأس يكاد يأكله الخجل :
- " تفضلي" !
- " ممكن ان لا تعاقبها وتعلقها كما الدجاجة في المجزرة"؟
- "اعلق من ؟ "
- "طفلتك "!
رفع راسه فيما انفجر بقهقهة عالية ، ثم مستدركا : "ومن تكون الطفلة ؟"
بهتُّ فاتحة فاهي وكاني ارى مخلوق مكوك فضائي نزل للتو.
- " انا ياسيدتي رجل وحيد منذ ولدتني امي بهذا الشكل " .
أخذت بحديثه ، فيما رحت اهذي بعبارات للأعتذار تقال في هكذا موقف !
-" اسفة لتدخلي ولكنها هاتفتك ورحت تهددها . عقّب كالذي يحدث نفسه :
- " انا يا سيدتي اعيش الغربة وسط هذا الزحام الشديد ، لوحدي ، لا عائلة لي."
اثار استغرابي وانا احاول ان الجم نفسي عن النطق بكلمات ممكن ان يفهمها خطأ ....
- " كل ما في الأمر اني أغار من الذين ياحدثون عبر هواتفهم .. فانا احمله لاقنع نفسي اني مثل سواي من الناس."
استغرابي هذا لم يفاجئه بل اكد لي انه بعض الاحيان يرفع الهاتف ويحادث نفسه ويسمع الاخرين انه مثلهم" . يصمت من ثم يواصل :
- " هل تقدرين العيش طوال حياتك دون ان يحدثك الآخرون ؟ على اني لا ازال مؤمنا بالامل والحياة لدي تعني الكثير، لدي عائلة مكونة من قطط جميلة تسمعني مواءها الصباحي وترحب بي حين عودتي ، هم اولادي ".
- " ما زاد من استغرابي انك تحدثت معها!"
- " اجل ، ذلك من وحي تخيّلي ، كنت العب بالنغمات وتحدثت مع نفسي ، لكم عوائلكم الا انا اهلي القطط فحسب. "
تركته وانا منذهلة من قباحة في وجهه وعميق الجمال في نفسه . تمنيت لو اعطيته جزءا من وجهي واعطاني من روحه بالمقدار نفسه!القبيح والمرآة
رجاء الربيعي