×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

الملحن مضر قاسم خالد الذكر طالب القره غولي

الملحن مضر قاسم   خالد الذكر طالب القره غولي
 الملحن مضر قاسم


خالد الذكر طالب القره غولي
في العام 1977 إلتقيته في دائرة الاذاعة والتلفزيون العراقي وأنا ملحن مبتدأ حيث كنت ملحنا وعازف لآلة القانون في قصر الثقافة والفنون التابع لوزارة الشباب حينها ، وطلبت منه ان يعطيني حجز استديو لتسجيل اغنية للمطرب ( عبدالرحمن علي ) حيث كان يعمل معاون لرئيس قسم الموسيقى الاستاذ ( وديع خوندة ) وقتها كان الملحن المبتدأ يدخل لجنة الاختبار ويجلس امام خيرة ملحني وموسيقيي العراق ليجتاز الاختبار الصعب جدا ليقبل وقتها ان يكون ملحن معتمد ،، لكن القرغولي بنرجسيته المعتادة ورومانتيكيته التي تنم عن تصور جديد للوضع الفني الجديد كان حيثما يستطيع يكسر قوانين الكلاسيكية المعتادة فكان متمرد على كل القيم الفنية الموسيقية السائدة وحتى اساليب التعامل الفني ،، اقتنع الرجل بما قدمته له من شرح علمي واقناع متخصص حيث كنت طالب في الصف الثالث في معهد الدراسات النغمية العراقي ،، واعطاني حجز الاستديو رقم ( 4 ) الذي تعمل فيه فرقة المكفوفين من الموسيقيين البارعين امثال جوزيف وطارق عاكف وسامي عبد الاحد وغيرهم .. حضرت على الموعد ولكن الاغنية لم تسجل حينها لأني قدمت لحنا لم يكن كلاسيكيا كما كانوا معتادين عليه الموسيقيين حيث اعترف لي المرحوم سامي عبدالاحد عازف الايقاع وقتها بأن الايقاع الذي اخترته وهو ايقاع ( القطري ) السريع كان سيتعب سامي عبدالاحد حيث يعزف الاغنية التي طول وقتها خمس دقائق بنفس الايقاع ،، من هذه الحادثة نستطيع ان نستخلص رومانتيكية الراحل طالب القره غولي وكيف تعامل مع الكلمة وكيف الف موسيقاه المرافقة للغناء وابداعه المتناهي في ابتكار الجمل الموسيقية الجديدة ،، ففي اغنيته ( ليل البنفسج ) كان يحاكي المؤلفين المصريين امثال ( محمد عبدالوهاب ) و
( رياض السنباطي ) و ( بليغ حمدي ) في حبكتهم الرصينة في كتابة المقدمة الموسيقية للاغنية وكذلك اللازمات المرافقة للغناء وتنوع التونالتي والقفزات او الانترفالات التي اخرجت الاغنية العراقية المعتادة حينها والتي كان روادها الفنان الملحن الكبير ( رضا علي ) والكبير ( عباس جميل ) والكبير ( احمد الخليل) والكبير ( علاء كامل ) والكبير ( وديع خوندة ) والكبير ( يحيى حمدي ) وغيرهم ممن لايتسع المجال لذكرهم فقد كتب المقدمات الموسيقية الطويلة لأغنياته في البنفسج وروحي وحاسبينك وحن وانه احن ويكولون باجر تمر ،، وقد رافق ذلك الابداع الموسيقي والابتكار اللحني دعم الدولة في وقتها حيث ان الجانب السياسي هو الدافع الاول والكبير للنهوض بواقع جانب ما من جوانب الحياة في مجتمع ما ،، فقد سنحت له الفرصة المناسبة والكاملة لصب ابداعاته وابتكاراته اللحنية في قوالبها التي كانت له كل الحرية في اختيار قوالبها وموسيقاها ومنفذي الموسيقى من أي فرقة في الاذاعة والتلفزيون وساعده في كل ذلك كونه كان رئيس لقسم الموسيقى فبأمرته وتحت تصرفة الفرق الموسيقية والغنائية والمطربين وقنوات البث ..
لم يكن الراحل طالب القره غولي ملحنا نمطيا فقد كان ( اسطة ) كما نسميه في المصطلح الاوربي الذي درسنا مفرداته في كلية الفنون الجميلة فقد ظهرت طبقة ( اساطين الغناء ) واللحن والعزف ، فكان يتعامل بمهنية وحرفية مع النص الغنائي والصوت الغنائي والفرقة وتوزيعه الذي كان يكتبه فهو من الملحنين المثقفين موسيقيا حيث يدون نوطة الحانه بيده فيضع ما تمليه عليه مخيلته الخصبة والمتمرسة وابداعه على الورق ليظهر بالمقابل لحنا شجيا يداعب الواقع المجتمعي فقد اختار نصوص غنائية كان لها بالغ الاثر في نفس المتلقي العراقي والعربي .. وهكذا انسحبت جمله الموسيقية المتفردة على اغاني الحرب العراقية الايرانية والاغاني الوطنية والسياسية مثلا الاغنية الجميلة التي كتب كلماتها ( زامل سعيد فتاح ) والتي تقول :
ماهو منه ياشعبنه ... ولالة مسكن ويه اهلنه ... ماهومنه .. لاحلال عليه مي دجلة وفرات ...
المايصون ارغيفنه البيه الحياة ....... الى أخر ماكتبه المبدع زامل ولحنه القره غولي ..
لقد طلبت مني ان اوجز شيء عن الكبير خالد الذكر طالب القره غولي بورقو واحدة في حين يتطلب ذلك العشرات من الاوراق لتغطي جزء بسيط من ابداعه وانسانيته الكبيرة ..
في يوم دخلت غرفته في وزارة الثقافة حيث كان يعمل معاون مدير عام دائرة الفنون الموسيقية فأشار الى فايل كان امامه فيه مجموعة من النصوص الغنائية وقال : الا تريد نصا تلحنه من هذه النصوص ؟
قلت : نعم اريد .. فناولني مجموعة النصوص .. اخترت احداها وكان نصا فصيحا لا اتذكر كاتبه او شاعره فقلت له : اريد هذا النص .. فقال : هذا النص انا اخترته لي لألحنه .. قلت اذا لااريد ان اشترك بتلحين هذه النصوص .. قال : حسنا خذ النص ولكن اريدك ان تلحنه للفنان ( إيمان سالم ) . وافقت ويوم تنفيذ العمل حضر هو في استديو الرواد في المنصور واستمع الى لحني وموسيقاه وتوزيعه الذي وضعته فقال : والله لو اني لحنت هذا النص لما خرج بهذا الجمال واثنى علي .. هذا ايثار وتفاني وكلمة حق كان يحب ان يقولها دائما .. لم تكن رحلتي مع القره غولي قصيرة انه مشوار عمر انساني وفني ..
كنت اتمنى ان تنشط حركة الاشفة في بلدنا لتوثق حياة هذا الفنان الكبير والمتفرد في عالم الموسيقى والغناء في حياته لنأخذ منه معلومات اكثر من التي يقولها الاخرون عنه في وفاته .. كذلك الاخرين من الفنانين الموسيقيين الملحنين .. محبتي
image