×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

مريدي... ...الرجل الذي أنشأ أكبر {مول} شعبي في بغداد

يوسف المحمداوي

مريدي... ...الرجل الذي أنشأ أكبر {مول} شعبي في بغداد
 (كشك) يخلّد اسم صاحبه
مريدي... ...الرجل الذي أنشأ أكبر {مول} شعبي في بغداد
بغداد ـ يوسف المحمداوي
أجمل ما يميز القاهرة هي أسواقها التي لا تختلف بالمرة عن أسواق بغداد،وما يجعلها كتوأم لعاصمتنا الحبيبة هو تخصص أسواقها وتفردها في السلع المعروضة،فهذه سوق الخضار وتلك سوق الملابس واخرى للمنتجات الجلدية من أحذية وملابس وحقائب،ورابعة للتحف النادرة ،وخامسة للأزياء الفولكلورية،وهذا ما ينطبق على بغداد أيضا ،كسوق الصفافير، العربي، هرج،الغزل والصدرية ولكن ما أدهشني سؤال صديقي المصري (رجب)ونحن نتجول معاً في سوق خان الخليلي(هل سوق مريدي لا تزال موجودة) وما إن أجبته بالإيجاب حتى جاء سؤاله المحرج(ما معنى مريدي ومن هو مريدي؟)،لم اخف جهلي وعدم معرفتي عن المعلم رجب،ولكني قررت ان ابحث عن صاحب هذا الاسم الذي ملأ الدنيا وشغل الناس بسوقه الشعبية الشهيرة.
النزوح من مسقط الرأس

عدت إلى بغداد وكلي إصرار أن أجيب على سؤال صديقي المصري،فتوجهت للسوق التي تقع وسط مدينة الصدر في شرقي العاصمة بغداد لأجد ضالتي واروي غليل صاحبي الذي استغرب من عدم معرفتي باصول التسمية.
ما سهّل الأمر وهوّن رحلة البحث، ان احد زملائي بالعمل يدعى وسام عبد الواحد مريدي ولحسن حظي تبيّن انه احد أحفاد مؤسس تلك السوق ولكنه وللأسف لا يمتلك تلك المعلومات التي تغني مادة الاستطلاع ،لكنه كان اكثر من متعاون في حصولي على المعلومات نقلا عن والده وبقية اعمامه ،وكذلك بجلب الصورة الشمسية الوحيدة لجده المرحوم مريدي وهو بزيه العربي ليرفد موضوعنا هذا ويجيب بوضوح عن سؤال صاحبنا رجب المصري.
يقول ولده عبد الواحد مريدي وهو من مواليد(1953) موظف متقاعد من وزارة النفط: إن والده نزح من لواء العمارة(محافظة ميسان حاليا) باتجاه بغداد في ثلاثينيات القرن الماضي ومبررات النزوح هي البحث عن حياة أفضل من تلك التي كان يعيشها الفلاحون في ظل سطوة الاقطاع على مقدرات الناس هناك،واسمه الكامل هو (مريدي شحيّت عويّد الفرطوسي)وولادته العام 1890 تقريبا ،وبالتحديد في ناحية العدل التابعة لقضاء
المجر الكبير من عائلة فلاحيّة تنتمي لعشيرة الفرطوس.
تسريحه من سلك الشرطة

لقلة فرص العمل في العاصمة كما يقول عبد الواحد تطوع الشاب مريدي في القوات المسلحة ليصبح جنديا في الفوج الثاني التابع للواء الثاني واستمر في الخدمة لمدة عشر سنوات،بعدها استقال من الجيش وتطوع في سلك الشرطة لتستمر خدمته فيها حتى العام 1948ليصدر بعدها بعام بحقه مع مجموعة من زملائه الشرطة كتاب عدم الحاجة ليعدّوا فائضين ،فاستنكر مريدي وجماعته القرار المجحف ،فقدموا طلبا لمقابلة الباشا نوري السعيد،وبالفعل تحقق ذلك لكن الرد جاء بما لاتشتهي سفن مريدي وآماله ،اذ طلب منهم السعيد ان يكونوا حراسا في مناطقهم لكن الشاب الجنوبي اعتبر الامر بمثابة الاهانة له كما يقول ولده عبد الواحد واستهانة بالخدمات التي قدمها للبلد،فكانت رحلته الجديدة في حياة مختلفة وصعبة بعد ان فقد وظيفته الأثيرة ،ليمارس مهنة البيع والشراء والعمل في الحرف الشعبية،وظل يتنقل من عمل الى آخر، كما يبين ولده الى ان حدث فيضان بغداد العام 1954،لينتقل من منطقة المعامل التابعة لخان بني سعد الى منطقة الشاكرية وينشئ فيها محلا صغيرا داخل الدار يبيع فيه لاهل المنطقة مختلف المواد البسيطة،ويستمر الحال فيها حتى العام 1963،ليرّحل جميع سكان الشاكرية عنوة الى مدينة الثورة (الصدر حاليا)التي خطط لها الزعيم عبد الكريم قاسم قبل استشهاده لايواء الفقراء من سكنة المناطق العشوائية في بغداد.
مشاكل بسبب الاسم

يقول عبد الواحد مريدي الذي عايش تلك الفترة كفتى :ان المدينة في ذلك الزمن منطقة غير مأهولة،وعبارة عن ارض زراعية متروكة تفتقد لابسط الخدمات كالماء والكهرباء،مضيفا ان والده كان من اشد الرافضين للسكن في تلك المنطقة وسط عوائل اغلبها تعاني من العوز خاصة انه رب اسرة كبيرة تتكون من زوجتين وعدد كبير من الابناء والاحفاد،وهذا ما اضطره للشروع بالعمل فانشأ له محلا صغيرا وبدائيا في الشارع المجاور قطاع(32) وحين شاهد المواطنون عزيمة الرجل واجتهاده بالعمل قاموا بتشييد بيوتهم بجانب الشارع الذي يقع في ذلك القطاع بجانب دور شهداء الجيش،وكان محل الوالد في البداية لبيع براميل الماء،ومن ثم تطور لبيع المواد التي تحتاجها العوائل،واصبح الموقع مكانا لوقوف السيارات الخشبية التي تقوم بنقل المواطنين من المدينة الى مركز العاصمة ،وكانت اصوات السائقين في الباب الشرقي او المعظم دلالتها الرئيسة للمواطنين هو (مريدي)فكان اسم مريدي ومحله الصغير هو الدلالة الاشهر في المدينة ولجميع اهالي العاصمة ،فكان "كشك "الكرزات والسكائر موعدا للقاء العجلات الخشبية وكذلك مكان لتجمع الشباب وحتى وجهاء العشائر ومختاري المدينة،حفيده وسام اكد ان اسم مريدي سبب لهم عدة مشاكل مع المواطنين داخل سيارات الاجرة خاصة عند حدوث ازدحامات قرب السوق،لأن البعض منهم يتفوه بكلمات نابية ضد (مريدي) وهو بالتأكيد لايقصد جدي وانما يقصد السوق،ولكن احيانا يستخدمون كلمات مشينة وشتائم غير اخلاقية، ما نضطر للتدخل ،وهذا ما نتج عنه العديد من المشاكل بين اولاده واحفاده من جهة وبين بعض المتطاولين من دون
قصد.
متبضعون من خارج المدينة

المحال النظامية و كذلك العشوائية للمركز التجاري الشعبي تمتد من ساحة حي الاكراد (وهناك سوق سابقة اصبحت امتدادا لمريدي وهي سوق الحي) لتصل بك بنهاية حدود السوق عند بداية مستشفى الامام علي (الجوادر سابقا)اي ان السوق تشغل وسط منطقتي حي الاكراد والجوادر فضلا عن شوارع جانبية تتصل يمينا بشارع الفلاح،وللزحام الذي تتميز به السوق اصبحت مخصصة للمشاة فقط ولا تدخلها العجلات من شارع الاورزدي وصولا لشارع البريد ،وتصل البضاعة لمحالها من الطرق الجانبية من خلال عجلات الحمل ومن ثم تنقل بعربات خشبية او بـ "الستوتات"،اما البضاعة المعروضة فيه فهي تقول لجميع المتبضعين بمختلف رغباتهم ومناطقهم(شبّيك لبيك...حاجتك بين اديك) فكل شيء تبحث عنه تجده هناك،ومايميزها عن اسواق العراق سواء في بغداد او المحافظات هو انخفاض اسعار المواد فيها اذا ما قورن باسعار المواد ذاتها في الاسواق الاخرى،لذا تجد ان العديد من المتبضعين هم من غير سكنة المدينة ويعكفون على زيارتها بصورة نظامية من اجل التبضع وميزتها الاخرى التي تختلف فيها ان العديد من الباعة في السوق هم من النساء حيث يشاركن الرجال في اغلب المحال والمهن الموجودة فيه.
أسواق داخل سوق

مريدي بمحالها المتنوعة وبسطياتها التي تشغــل الارصــفة تتوسط عدة اجزاء من ثمانيـة قطاعات مــن المديــنة البالغة(80)قطاعا، وهي(43،40،34،32،30،29،24،23)ولاعجب ان تجد في ذلك المارد التجاري اسواقا متخصصة في صناعة بيع المواد، مثل سوق الذهب كما يبين لنا بائع الاقمشة راضي محمد ،واخرى لصــناعة الالمنيوم، وثالثة للاثاث بجــميع انواعه، ورابعة للمبردات ،وللمــدافئ بـانـــواعها، والاسماك واللحوم ،والدجاج،والبيض والالبان والخضاروالحلويات والسكائر،الاجهزة الكهربائية ،والملابس النسائية والرجالية ،والاقمشة،والكماليات،و"البالات" ،مضيفا ان هناك سوق مزاد تحدث في كل يوم جمعة،وغيرها من الاسواق الفرعية،التي تجعل من هذه السوق مركزا يستوعب العديد من ابناء المدينة كونها المرجع الرئيس لمصدر رزقهم وعوائلهم،ليصبح المعين والساند للدولة في القضاء على البطالة،ولموقعها الستراتيجي كما يقول راضي، فان سعر المحل في وسط السوق يعادل سعر المحل الموجود في سوق الشورجة التجارية او في الكرادة،وكذلك بالنسبة لاسعار العقارات، فالعقارات القريبة من السوق تفوق اسعار العقارات البعيدة عن السوق ،ونادرا ما تجد من يبيع عقاره القريب من السوق بحسب قول محمد.
مسمى للعديد من المواقع

العديد من باعة السوق وكذلك المتسوّقون وجدناهم جاهلين لحقيقة التسمية ومن هو مريدي ،بل ان بعضهم قال لنا: انه تصغير لكلمة (مردي) وهي العصا الدافعة للزورق وسط الاهوار،وهو صادق في ذلك لكون تسمية فارس استطلاعنا تعود لذلك الرجل، ولكن وللامانة نقولها، إن اغلب من سألناهم كانوا يعرفون هذا الرجل ،بل العديد منهم يعرف حتى موقع دار ذلك المكافح الذي أرخت الناس اسمه بتلك السوق على الرغم من رحيله العام 1973، ليصبح من بعده مسمّى للعديد من المواقع الالكترونية على شبكات التواصل الاجتماعي،والمواطن محمد ناهي البالغ من العمر(46)عاما صاحب محل لبيع الكماليات حين سألناه عن التسمية قال :ان "مريدي" اسم لاول رجل نصب له "كشكا" في السوق حيث كان يبيع فيه السكائر والعصائر،اما عن اصول الرجل او من تبقى من ذريته، فاوضح ناهي بان المعلومات متضاربة بين اصحاب المحال في السوق،فمنهم من يقول انه من ديالى وآخرون يؤكدون بأن الرجل نزح من محافظة ذي قار وسكن بغداد،ولكن العلم عند الله على حد وصف ناهي،فودعناه بالخبر اليقين، وودعنا مريدي وسوقه الكبيرة ونحن نردد عشقا مع احد شعراء المدينة الشعبيين ما قاله فيه (من اطب وسط السوك يفتره صدري...بمريدي يا هالناس مدفون
سري).
image

image
image

image