أخبار قناة الشمس

×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

مريم آل ثاني أستراليا الشرق الأوسط " بعيداً عن الانتماءات السياسية حتي تفهم قطر" ..

مريم آل ثاني   أستراليا الشرق الأوسط " بعيداً عن الانتماءات السياسية حتي تفهم قطر" ..
 مريم آل ثاني


أستراليا الشرق الأوسط " بعيداً عن الانتماءات السياسية حتي تفهم قطر" ..

ربما جاء في ذهنك سؤال وهو كيف لدولة صغيرة أن يكون لها تأثير سياسي وأقتصادي مؤثر، والأمثلة التاريخية كثيرة، كيف لبريطانيا أن تحتل الهند ولليابان أن تحتل الصين ولإسرائيل أن تهزم 7 جيوش نظامية، ولدولة مساحتها وثرواتها أقل من دولة أخري في نفس التعداد لكنها أقوي أقتصادياً، هنا تستنج أن تأثير الدول لم يعد يقاس بالمساحة والتعداد، وأنه يمكن لدولة صغيرة أن تلعب دور محوري، وهذا الذي تنتهجه قطر التي تملك موقع جغرافي ضعيف وبسبب تعداد قليل و كونها أكبر مصدر للغاز ومحاطة بعمالقة مثل إيران تصبح دوما في وضع ضعيف جيو-سياسيا و مطمع طبيعي لبعض من حولها، مع فهم أن العالم تغير من بعد الحرب العالمية الثانية، و تحول فكرة السيطرة من الفكر الانجليزي وهو فرض الحكم بالقوة، أو السيطرة بالجيوش، للفكرة الأمريكية وهي السيطرة بالاقتصاد، و بتحويل دوائر الصراع الجيو-سياسي لدوائر صراع جيو-اقتصادي اي ميزة نسبية اقتصادية للدولة ولو خارج أراضيها كما تفعل الصين بتوطين شركاتها الحكومية الرسمية في خارج أراضيها، بهذا الفهم لتغير الدنيا غيرت قطر استراتيجية دفاعها عن نفسها من الدفاع بالسلاح للدفاع بالاقتصاد

تملك قطر 17% من فولكس فاجن، و 7 من باركلايز (بنك شهير)، و 25% من سانسبيري ( شبكة سوبر ماركت انجليزي شهير)، و هارودز أكبر متجر في العالم للسلع الفاخرة، وشراء بعض الأسهم في بورش واستثمارات عقارية ضخمة في لندن، وايضا استثمارات في المجال الرياضي، و أملاك اقتصادية باسم أمانة الأمير وهي تتاجر في مشاريع ال 9 أصفار فقط، مليارات من الدولارات، تتحرك تحت "جهاز قطر للاستثمار" في 2012 مثلا استحوذت على كريدت سويس -لندن، أو 6% من أشهر البنوك السويسرية في العالم، و تم ضخ أكثر من 4 مليار دولار في فرنسا مثلا في العقار، وفريق باريس سان جيرمان الشهير وصل للمركز الثالث هذا العام من حيث العائد في أكبر أندية العالم، يعني عملية "الاستحواذ" أيضا تدر دخلا بشكل ذكي

و بهذا الفهم، فإن قطر تلك الدولة "الصغيرة" أصبح لها أيادي اقتصادية داخل كل تلك الدول، أيادي بإمكانها أن تضغط بها على دول في حجم فرنسا و إنجلترا و سويسرا و أمريكا نفسها، و مع تلك الأوراق الاقتصادية، قررت قطر تأمين جانبها من الجيران المتوحشين كآيران بالسماح بقاعدة عسكرية أمريكية على أرض قطر بحسب ما كتب في كتاب "دولة الحرب" لجيمس رايسن، فإن عمليات اغتيال زعماء تنظيم القاعدة في اليمن تم تنفيذها من خلال هذه القاعدة التي كانت بالأساس في قاعدة الأمير سلطان السعودية

في عام 1992 قامت السعودية باحتلال منطقة الخفوس القطرية وذهب ضحيتها جنود قطريين، وقام الامير الوالد والذي كان وليا للعهد في ذلك الوقت بدفنهم بنفسه، وبعد ذلك أتت القاعدة الامريكية، وقد بدأت قطر علاقاتها مع إسرائيل بعد مؤتمر مدريد الذي شمل مفاوضات سلام بين إسرائيل وكل من سوريا، لبنان، الأردن والفلسطينيين، وقد دعم وقتها الرئيس المصري حسني مبارك فكرة أفتتاح مكتب تجاري في الدوحة وهو ما حدث عام 1996 فقد كانت فكرة قطر هي نفس الفكرة التي تسير عليها تركيا الآن، وهي العلاقات مقابل الدعم للفلسطينيين وأن تدعم ماسمي خارطة الطريق لأنشاء دولة فلسطينية مستقلة وهو مالم يحدث، وفي عام 2008 حين أعتدت إسرائيل علي غزة تم أغلاق المكتب وطرد ممثليه وقد شاركتها موريتانيا نفس الأجراء

يعلم كل عربي بشكل عام وخليجي بشكل خاص أن منطقة الخليج العربي منطقة نفوذ آيراني ومطمع طبيعي لها، وهي لا تخفي هذه الأطماع بل ذهبت لأبعد من ذلك حين قال الخميني يوماً أتمني أن أري علمنا فوق مكة والمدينة والكويت وأبوظبي والقاهرة، وربما هذا أحد أسباب وجود الأسطول الخامس الأمريكي في البحرين، وقاعدة الظفرة الجوية في الإمارات، ومعسكر الدوحة في الكويت، وغيرهم ولكن بعض الأذرع الإعلامية تركز علي قطر فقط لأسباب سياسية معروفة، فهي لاتجرؤ أن تقول هذا عن دولة أخري والا قطع عنها الرز والدعم النفطي

قطر تخرج الذراع الاقتصادية لها في الخارج، حتى كتبت الديلي-ميل: كيف اشترت قطر انجلترا؟! فقد وصل حجم أملاك قطر في لندن أكثر من 30% من أبراجها ولأن الذراع الاقتصادية لا تكفي أيضا وحدها، فإن قطر، أطلقت شبكة الجزيرة الإعلامية و دعمتها، و اشترت كذلك قنوات تلفزيون في فرنسا، و بالطبع لم يسلم مكتب الجزيرة من القصف الأمريكي المباشر في حرب العراق حيث أن مراسلي الجزيرة كانوا المراسلين الوحيدين الذين لا يرافقون الجنود الأمريكان ، يعني ينقلون الصورة من الضفة الأخرى "جانب الأعداء" و يذكر أن ديك تشيني، طلب من وضاح خنفر مدير شبكة الجزيرة آن ذاك أن تتوقف الجزيرة عن البث، و إلا فإنه سيمحو قطر كلها من على الخريطة، فأجابه وضاح:Fuck off، وبعد ذلك بينت تسريبات ان بوش وبلير تباحثاً في فكرة قصف مقر القناة الرئيسي في الدوحة وهو مالم يحدث بسبب تراجع القناة خطوة للخلف و رؤية الإعلام تلك صاحبها أمير قطر السابق، فقد وجد في وضاح خنفر من يحمل الفكر و يطوعه و يجعل منه رسالة إعلامية، علماً أن الجزيرة نفسها انطلقت قبل انضمام وضاح لها

وعلى كل حال أغلقت مكاتب الجزيرة في العراق، باتفاق قطري أمريكي سياسي، و بعدها بدأ القطريين في التفكير في "غزو" أمريكا فكريا، فبدأت الجزيرة ذراع قطر الإعلامي بالبث بالإنجليزية داخل أمريكا، بخلاف القناة العربية و التركية حتي أنها بسبب قوة تأثيرها الذي يدركه جميع خبراء الأعلام فازت بتغطية أنتخاب الامين العام للأمم المتحدة وأصبحت محل أهتمام وثقة للمؤسسات الدولة والأممية، يعني بحسبة بسيطة تفهم أن قطر دولة صغيرة حقا، ولكن لديها ما لا تملكه أي دولة عربية: الرؤية، و لديها تغطية إعلامية لبلايين البشر الآن

و بذلك تكون قطر امتدت أذرعها للغرب بكيانات اقتصادية و شبكة إعلامية وقد أخذت قطر موقف "سلبي" من كل القضايا و النزاعات، ربما الحالة المصرية مؤخرا مجرد استثناء، و على ذلك فإن المكتب الوحيد لحركة طالبان موجود أين؟ في قطر، فقد أعطت تلك المساحة البسيطة للحركات المختلفة وخاصة تلك التي لاتؤمن بالعنف ولاتمانع بالأشتراك في العملية السياسة بالتواجد و التمثيل السياسي، و بالتبعية اكتسبت أهمية "سياسية" بلعبها دوما دور الوسيط

و على ذلك فإن كل تواصل بين أمريكا و طالبان مثلا يتم برعاية قطرية، مؤتمر جنوب و شمال السودان تم برعاية قطرية، قطر فعلا دولة صغيرة، ولكنها تملك "استراتيجية" مكنتها من لعب دور لم يلعبه غيرها فتشابك العلاقات، النزاع أعلاه لا يجوز أبدا تبسيطه في ثنائية "مع وضد"، لأن كل خطوة للأمام في اتجاه ما معها أيضا خطوتين في اتجاه مغاير تماما، وكأن قطر ترقص التانجو، خطوة مع و خطوتين ضد

و في خضم البحث عن شريك "فكري" لم تجد قطر أفضل من جماعة الإخوان المسلمين، إذ تبنت السعودية الفكر "الوهابي" أو السلفي، الذي مكنها أولا من إعلان استقلالها عن الدولة العثمانية سياسيا، ثم التمدد خارج الحدود السعودية "فكريا"، ربما حالة التزاوج بين قطر و الإخوان فكريا أيضا ليست دائمة، فيما لوحظ قبل عامين لصد لتمدد الإخوان أنفسهم داخل قطر، بإيعاذ مباشر من عزمي بشارة (العلماني)، أو على الأقل هذا ما يتم الترويج له فمعروف أن قطر تم تصفية التنظيم الإخواني فيها من الداخل، أي أن المسئول عن التنظيم قرر حل التنظيم

أكبر المراكز الفكرية الاستراتيجية حاليا في الدوحة، الدوحة على صغرها مركز جاذب لأصحاب الفكر ولو كان متضادا، فهي تعطي حالة فريدة لم نر مثلها إلا في تونس ما بعد الثورة وبالبحث في نسب توزيع الفكر الإسلامي التقدمي أو الأصولي أو العلمانيين في ديموغرافيا الدول الإسلامية، ستجد أرقاما مفاجأة في قطر عن بقية الدول، فهي دولة هجين ما بين "السلفية" المتشددة و الليبرالية، و ربما بحسب ما رأيت الدولة الوحيدة التي فيها ماكدونالدز الأمريكي يهتم بالعمارة الإسلامية العربية بداخله، شبابيك أرابيسك داخل ماكدونالدز

يظهر للبعض أن العائلة المالكة تملك توجها واحدا، في حين أن الواقع، هناك تيار علماني، و آخر سلفي، و آخر إسلامي لايت، وهكذا، و ذلك يبرر مثلا، بناء جامعات أمريكية، مراكز بحثية علمانية، بناء أكبر مسجد باسم الشيخ محمد بن عبد الوهاب (رأس الفكر السلفي)، ثم اتاحة المنبر للشيخ القرضاوي (يحسب على الإسلام التقدمي (الإخوان) وهكذا لذلك ستجد تنوع شديد كما هو التنوع في البيت القطري الواحد

و أخيرا، قطر يتم توريثها حاليا بين الآباء و الأبناء، أقل من ربع سكانها فقط هم القطريين، الباقي أجانب ولكن قد تلاحظ تقارب عام في مستوى المعيشة وهي فكرة العدالة الأجتماعية أو محاولة جعل الناس في طبقة قريبه من بعضهم فتجد أعلي متوسط دخل فرد بالعالم 146 الف دولار والمرتبة الرابعة عالميا في التعليم والعاشرة في الصحة والدولة الوحيدة في العالم يكون فيها الماء والكهرباء والتعليم مجاني والثانية عالمياً في معدل الامان، والأولي عربياً في مكافحة الفساد، وسيادة القانون، والتنافسية العالمية، ومعدل النمو الاقتصادي، وبها 28 الف مليونير وهي ثالث دولة من حيث تواجد المليونيرات، ويحصل المواطنين علي كثير من المزايا التي لايحصل عليها المواطن الأوروبي مما يجعل القطريين أغني شعب في العالم بلا منافس حتي الآن

مؤخراً كشفت دراسة اقتصادية أجرتها شركة ماكينزي العالمية للدراسات البحوث والاستشارات أن الدوحة حلت المركز الاول عربياً و الثاني عالميا ضمن خمس عواصم عالمية اختيرت من قائمة طويلة لأفضل المدن العالمية للعيش فيها في العام 2025، وركزت الدراسة على عناصر الدخل والخدمات والاستثمار والتطور الاجتماعي والاقتصادي، المعروف أن ماكنزي هي أكبر شركة رائدة في مجال استشارات الأعمال، وتشتهر الشركة بالعديد من الأعمال الاستشارية والدراسات الأكاديمية المتميزة وتقدم الحلول الاستشارية للشركات والحكومات على السواء، تأسست الشركة في 1926 ويَعمل لديها ما يزيد على 9,000 مستشار في كافة المجالات الإدارية، لذلك فقد يكون المستقبل لقطر

و بكل ذلك نفهم، كيف يمكن لدولة صغيرة أن يكون لها كل هذا التأثير: الرؤية، الرؤية، الرؤية ثم استراتيجية لتنفيذ الرؤية عن طريق: مشروع فكري و اقتصادي وإعلامي و سياسي
image