مريم آل ثاني تلبية لطلب بعض الأصدقاء أنشر بحث حرب أكتوبر وشكراً لمن شاركني في هذا العمل
[SIZE=5][B]1
مريم آل ثاني
تلبية لطلب بعض الأصدقاء أنشر بحث حرب أكتوبر وشكراً لمن شاركني في هذا العمل
ونطرح بعض الأسئلة والعبقري الذي سوف يجيب عليها له هدية قيمة
بسم الله نبدء .. حدث فى الأسبوع الأول من الحرب أزهى صفحات مصر العسكرية فى تاريخها بفضل الخبرة العسكرية التى تراكمت بعد النكسة وسنوات الاستنزاف الثلاث .. كان من نتائج هذا عبور قوات النسق الأول وانجاز الخطة التى تم وضعها وهى احتلال مسافة 15 كيلو شرق القناة ، فإن وضع مصر العسكرى كان لايسمح بأكثر من ذلك بسبب الفجوة التسليحية بينها وبين إسرائيل والناتجة عن السخاء الأمريكى مع إسرائيل والتقطير السوفيتى مع مصر بينما لم تتجاوز خسائر مصر 50 دبابة ( 20 منهم فى اليوم الأول ) + 500 شهيد ( 260 منهم فى اليوم الأول ) + 15 طائرة ( 5 منهم فى اليوم الأول ) في مقابل خسائر إسرائيل وهي تدمير قوات النسق الأول والثانى والثالث ومجموعها 350 دبابة + 300 دبابة من قوات النسق الرابع + إسقاط العشرات من طائرات إسرائيل وقد بلغ عددهم فى يوم 12 أكتوبر فقط 22 طائرة + مقتل المئات وأسر العشرات .. الأهم من ذلك كله أن إسرائيل قد انسحبت بفضل الضربات المصرية المركزة إلى الخط الذى أراده المصريون لها حيث القتال فى الأرض المفتوحة سيكون ضدها مدعوما بمظلة دفاعية للقوات المصرية بعمق 15/ 20 كم ...
إن ما حدث فى الأسبوع الأول من الحرب كان يمثلا مفاجئة كبيرة ، ليس فقط للعالم بل أيضا للجيش المصرى نفسه بسبب الدعاية التى فرضتها إسرائيل فى العالم ..
فى نهاية هذا الأسبوع حدثت ثلاث علامات سلبية كان يمكن أن تغير وجه الخريطة فى الشرق الأوسط لو درسها القادة المصريون جيدا فى مركز 10 غرفة العمليات - واستخلصوا منها العبر ونذكرها فيما يلى :
العامل السلبى الأول ( عصر 9 أكتوبر ) :
قام اللواء الأول المشاة الميكانيكى من الفرقة 6 مشاة ميكانيكى بقيادة قائده العقيد صلاح زكى بالخروج عن مظلة الدفاع الجوى والتى كانت مقدرة بـ 15 / 20 كم شرق القناة متجها إلى رأس سدر وتعمد الإسرائيليون الانسحاب أمامه .. فى يومى 10/ 11 أكتوبر قام الطيران الإسرائيلى بشن هجمات مركزة عليه أدت إلى تدمير أغلبية قواته ..
( الدرس المستفاد هنا هو أن أى خروج للقوات المصرية من مظلة دفاعها الدفاع الجوى والتى سبب رعبا للطيران الإسرائيلى سيعنى نتائج تدميرها ) ..
العامل السلبى الثانى ( مساء 11 أكتوبر ) :
طلب وزير الحربية المصرى الفريق أول أحمد إسماعيل - من رئيس الأركان الفريق سعد الشاذلى تطوير الهجوم والوصول إلى المضايق والتى تبعد مسافة 40/ 50 عن خط القناة وبرر ذلك برغبة القيادة السياسية فى رفع الضغط على سوريا ورفض الفريق الشاذلى ذلك وذكره بما حدث للواء الأول مشاة .. فى ظهر 12 أكتوبر كرر وزير الحربية طلبه ورفضه الشاذلى للمرة الثانية ..
يقول الفريق الشاذلى فى كتابه " مذكرات حرب أكتوبر " أنه أخبر وزير الحربية ظهر 12 أكتوبر ما يلى :
" أمامى 8 ألوية مدرعة إسرائيلية وقاموا بتكوين 4 ألوية مدرعة جديدة فى العمق ، أى إننا نواجه الآن 12 لواء مدرعا فى سيناء .. اليهود لن يضطروا إلى سحب ألوية مدرعة إضافية من الجبهة السورية .. السوريون فى أوضاع أفضل منى ، ليس لدينا دفاع جوى متحرك يغطى القوات المصرية البرية إذا خرجت من المظلة إلا أعداد محدودة من سام 6 وهى لا تكفى لحماية القوات المصرية .. القوات المصرية ستكون فريسة للعدو إذا خرجت من المظلة ، سندمر القوات المصرية دون أن نقدم أى مساعدة لتخفيف الضغط علي السوريين " ..
يذكر هنا أنه كان للقوات السورية 13 لواء مدرعا عربيا على جبة الجولان الصغيرة جدا مقارنة بجبهة سيناء الواسعة ( 8 سورية + 3 عراقية + لواء أردنى + لواء مغربى ) فى مقابل 6 ألوية مدرعة إسرائيلية .. هذا بالإضافة إلى 4 أسراب عراقية ( 3 ميج 21 + 1 ميج 17 ) وفرقة مشاة عراقية ولواء مشاة سعودى ..
فى عصر 12 أكتوبر اتصل قائدا الجيش الثانى والثالث بالفريق الشاذلى وأخبراه بوصول رسائل من وزير الحربية تطلب منهما تطوير الهجوم وضرورة الحضور فى السادسة والربع فى مركز 10 لمناقشة التفاصيل ، وأخبراه أيضا بمعارضتهما الشديدة لهذا القرار كما أخبره قائد الجيش الثانى اللواء سعد مأمون للشاذلى - عن رغبته فى تقديم استقالته فى حال إجباره على هذا القرار .. حدث اللقاء ورفض وزير الحربية حجة القادة الثلاثة ( الشاذلى مأمون واصل ) وألزمهم بضرورة تنفيذ رغبة الرئيس فى تطوير الهجوم بهدف رفع الضغط عن سوريا .. حدد وزير الحربية الساعة السادسة صباح يوم 14 أكتوبر لتنفيذ قرار التطوير ..
جدير بالذكر أن خطة تطوير الهجوم لم تكن تعنى فقط خروج القوات المصرية من المظلة الأمنية حيث هلاكها يصبح مسألة وقت بل تعنى أيضا عبور فرق خط النسق الثانى إلى الشرق ( وهو الخط الإستراتيجى لكل من الجيشين والذى أصبح يحتل خط النسق الأول على حافة القناة الغربى بعد عبور الفرق الخمس المشاة ) وبالتالى فتح المجال لإسرائيل لتطبيق الخطة " غزالة " والتى تعلمها جيدا القيادة السياسية المصرية ..
العامل السلبى الثالث ( بعد ظهر 13 أكتوبر ) :
دخلت طائرة استطلاع أمريكية من طراز SR-71-A المجال المصرى على ارتفاع 30 كم من ناحية بورسعيد وطارت فوق القوات المصرية فى خط القناة حتى خليج السويس ثم اتجهت يمينا إلى الوادى ومنه شمالا حيث خرجت كما دخلت من البحر المتوسط .. لم تتمكن صواريخ الدفاع الجوى المصرى والتى يبلغ مداها 20 كم من التصدى لها ..
( لو استوعبت القيادة العسكرية المؤيدة لقرار التطوير هذا العمل لأدركت أن الأمريكيين يبحثون عن ثغرة فوق القوات المصرية لدخول الإسرائيليين منها بهدف تنفيذ الخطة غزالة ) ..
14 أكتوبر :
فى السادسة صباحا بدأ الهجوم المصرى وخرجت المدرعات المصرية والمشاة من مظلة الدفاع الجوى وأصبحوا يواجهون وحدهم تفوق المدرعات الإسرائيلية الذى حذر منه الشاذلى وفوق ذلك - وهو الأهم - السيادة الجوية الإسرائيلية التى تنتظر على أحر من الجمر لهذه الفرصة ..
فى أقل من ساعتين تم تدمير 255 دبابة مصرية كان أغلبها فى قطاع الجيش الثانى مع استشهاد عدة آلاف من القوات المصرية ومنهم معظم قادة ألوية المدرعات ..
( استشهد فى هجوم 14 أكتوبر من الفرقة 21 المدرعة وحدها كل قادة ألويتها المدرعة وهم العقيد توفيق أبو شادى قائد اللواء المدرع الأول والعقيد نور الدين عبد العزيز قائد اللواء الثالث المدرع والعقيد مصطفى حسن قائد اللواء 22 مدرع ، كما أصيب العقيد محمد خليل رئيس أركان اللواء الأول المدرع وفقد بصره ، استشهد أيضا اللواء مهندس أحمد حمدى على أحد المعابر بسبب كثافة النيران الإسرائيلية .. وقد دفعت تلك الانتكاسة الميدانية المصرية الخطيرة إسرائيل إلى شن هجوم جوى مكثف قدر بـ 120 طائرة على القواعد الجوية فى الدلتا عصرا وخاصة على مطار شاوه بالمنصورة )..
أصيب قائد الجيش الميدانى الثانى اللواء سعد مأمون بعد الهجوم مباشرة وفى حوالى الثامنة صباحا بانهيار عصبى ناتج عن أزمة قلبية حادة بسبب الخسائر الفادحة التى تكبدها الجيش الثانى ونقل إلى الخطوط الخلفية وخلفه رئيس أركانه اللواء تيسير العقاد ثم تولى اللواء عبد المنعم خليل قائد المنطقة المركزية والقائد السابق للجيش الثانى - مكانه بعد يومين ..
غادر الشاذلى عصر هذا اليوم القاهرة للمرة الثالثة منذ بدأ الحرب إلى الجبهة ، ليس بغرض تهنئة القوات كما فعل فى السابق بل بناء على أوامر السادات بغرض رفع المعنويات التى انهارت ، كنتيجة أكدها القادة الميدانيون فى حال تطوير الهجوم وأصر السادات على مخالفتهم ..
يقول الفريق الشاذلى فى كتابه " مذكرات حرب أكتوبر " فى هذا الشأن ما يلى :
" مازال هناك الكثير من الغموض يحيط بهذا الموضوع ، هل كان قرارهم يقصد السادات وأحمد إسماعيل بتطوير الهجوم نتيجة جهل أم مغامرة أم خيانة ؟! " ..
يقول الفريق عبد المنعم واصل فى كتابه " الصراع العربى الإسرائيلى ، مذكرات وذكريات " فى ص 232 ما يلى :
تأخر العدو فى القيام بهجومه المضاد يقصد بدأ تنفيذ الخطة غزالة التى حكى عن بعض تفاصيلها بسبب وجود الفرقتين المدرعتين 21 ، 4 فى الجبهة الغربية لقناة السويس " ..
يقول الفريق كمال حسن على فى كتابه " مشاوير العمر " فى ص 320 ما يلى :
لقد أصبح واضحا أن الرئيس السادات هو الذى كان يمسك بدقة بدفة الأمور بين يديه ، بدليل أنه أعطى أوامره باستئناف الهجوم لتخفيف الضغط على سوريا ، قام الفريق أول احمد إسماعيل بالاستجابة للأمر مباشرة مما أفرغ الضفة الغربية للقناة من معظم مدرعاتنا وهو الأمر الذى استغلته إسرائيل لعمل الثغرة .. لقد تناسى الفريق أول أحمد إسماعيل كل مخاوفه عن خروج القوات عن مظلة حماية الصواريخ المضادة للطائرات ..
ثم يضيف فى ص 325 ما يلى :
" من المبادئ الأولية للمدرعات هى أن الدبابات لا تصلح لمهاجمة النقاط الحصينة ، بالمصادفة كان قائدا الجيش الثانى والثالث يقصد اللواء عبد المنعم واصل واللواء سعد مأمون من سلاح المدرعات فنبها القيادة إلى خطر قرار الهجوم يقصد هجوم التطوير فى يوم 14 أكتوبر إلا أنه كان قد تقرر سياسيا "..
كما يذكر فى صفحتى 319 ، 326 ما يلى :
" إن إسرائيل كانت قد تسلمت فى 12 أكتوبر من أمريكا صاروخا مضادا للدبابات لا مثيل له فى العالم يسمى تاو Tow وهو يحمل على سيارة جيب خفيفة وقامت بتدريب قواتها عليه فى أربع ساعات وجاء يوم 14 أكتوبر ليشهد تدمير أغلب الدبابات المصرية فى اليوم المذكور على يد هذا الصاروخ الذى كان مداه يصل إلى ثلاثة آلاف متر بينما مدى الدبابة فى حدود ألفى متر .. لقد تأكدت المخابرات الحربية من وجود هذا الصاروخ عقب التحقيقات التى جرت على عجل مع العقيد الإسرائيلى الأسير عساف ياجورى قائد اللواء 190 مدرع والذى كان قد تم أسره فى 8 أكتوبر "..
( أجمع المؤرخون العسكريون أن المخابرات الألمانية قد أخفقت قبل الحرب العالمية الثانية فى جمع معلومات عن الدبابة الروسية T 34 فكانت هزيمة النازية بسبب تلك الدبابة ، نجد هنا نفس السيناريو يتكرر حيث أخفقت المخابرات المصرية فى معرفة تفاصيل الصاروخ تاو قبل الحرب ، رغم إقرار اللواء فؤاد نصار قائد المخابرات الحربية وقت الحرب بأن المخابرات المصرية علمت بتدريب القوات الأردنية عليه قبل حرب أكتوبر !!) ..
إذن نستطيع القول أنه وعلى الرغم تلك المعلومات الخطيرة التى توافرت لدى الجيش قبل هجوم 14 أكتوبر بوجود صارخ حاسم لدى إسرائيل ورغم ما تعبر عنه طائرة الاستطلاع الأمريكية فى اليوم السابق للهجوم من سيناريو قادم ورغم معرفة السادات بتفاصيل الخطة الإسرائيلية غزالة ، إلا أن السادات وبدلا من إلغاء الهجوم والإبقاء على قوات النسق الثانى فى غرب القناة مرة أخرى واصل المضى قدما فى خططه وأعطى الإسرائيليين فرصة ذهبية لمحاصرة الجيش المصري من الخلف !!
15 أكتوبر :
اقترح الفريق الشاذلى على وزير الحربية إعادة الفرقتين المدرعتين 21 ، 4 من الشرق إلى الغرب حتى يتم إعادة التوازن الدفاعى ل القوات المصرية وقطع الطريق أمام الإسرائيليين لتنفيذ الخطة " غزالة " إلا أن وزير الحربية رفض .. كررت الطائرة الأمريكية السابقة الذكر طلعتها فوق القوات المصرية فى عصر اليوم .. أصبحت الظروف من وجهة النظر الإسرائيلية أفضل بكثير من يوم 13 أكتوبر وبدأت المدرعات الإسرائيلية فى مساء هذا اليوم فى التدفق إلى غرب القناة لتحقيق الخطة " غزالة " !! ..
16 أكتوبر :
وصلت إلى مركز 10 فى القاهرة أنباء فى الصباح الباكر بوجود دبابات إسرائيلية فى غرب القناة فى منطقة الدفرسوار تقوم بقصف بطاريات الصواريخ المصرية المتواجدة فى غرب القناة والتى تحمى القوات المصرية فى الشرق ..
أمر الفريق الشاذلى على الفور اللواء 23 المدرع - المتواجد فى القاهرة كاحتياطى استراتيجى - بالتحرك فورا إلى منطقة الثغرة والتعامل مع القوات الإسرائيلية التى عبرت إلى غرب القناة .. عند الظهر ألح الشاذلى فى طلبه القديم بإعادة الفرقتين المدرعتين 4 ، 21 إلى غرب القناة ومعهما أيضا اللواء المدرع المستقل 25 بقيادة العقيد أحمد حلمى بدوى من الجيش الثالث للتعامل مع الموقف الجديد غرب القناة وتوجيه ضربة مركزة بتلك القوات إلى قوات العدو المتواجدة فى غرب القناة ، لكن وزير الحربية كان مازال مصرا على الرفض ..
وصل السادات عصرا فانتهز الفريق الشاذلى الفرصة وشرح الموقف له وطريقة علاجه إلا أنه فوجئ بالسادات يصرخ فيه مهددا بمحاكمته عسكريا إذا كرر طلبه..
يقول الشاذلى فى كتابه السابق " مذكرات حرب أكتوبر " فى هذا الشأن ما يلى :
" لقد أصابنى كلام السادات بجرح عميق ، جال بخاطرى أن أستقيل لكن كيف أترك قواتى فى أوقات الشدة ؟ لقد عشت معها فترات المجد ويجب أن أكون معها فى أوقات الشدة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ، لقد ابتلعت كبريائى " ..
تقدم وزير الحربية بخطته لاحتواء الثغرة وهى توجيه ضربة من الشرق حيث تتواجد القوات المصرية إلى القوات الإسرائيلية المتواجدة فى الغرب وتحريك اللواء المدرع المستقل 25 بالجيش الثالث من مواقعه فى الشرق كى يتجه شمالا ليشترك فى الضرب من الشرق ..
عارض الفريق الشاذلى بشدة تلك الخطة لأنها ستقضى على اللواء المدرع 25 وكانت خطته توجيه الضربة المركزة من الغرب عن طريق سحب اللواء المدرع المذكور حتى لا يقع فى فكى كماشة فى أرض ضيقة ويدمر ..
17 أكتوبر :
تلقى الفريق الشاذلى فى الثالثة من صباح اليوم اتصالا من اللواء عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث وأخبره بأنه لن ينفذ تعليمات وزير الحربية بتوجيه الضربة من الشرق بدلا من غرب القناة كما يجب لأنه بمثابة إنتحار جماعى لقوات اللواء المدرع 25 ..
أقنع الفريق الشاذلى اللواء واصل بضرورة الامتثال لقرار الوزير لأنه فشل فى إقناعه.. وقد ذكر الفريق سعد الشاذلى فى كتابه السابق أن اللواء قائلا رد عليه قائلا " لا حول ولا قوة إلا بالله ، سأنفذ أوامره ولكننى أقولها مسبقا بأن هذا اللواء سيدمر " ..
تم تدمير أغلب دبابات اللواء المدرع 25 مع استشهاد المئات من ضباطه وجنوده فى فترة قصيرة لوقوعه فى منطقة محصورة وضيقة حددها له الوزير حيث ضفة القناة على يساره والتلال على يمينه وهو ما أدى إلى فتح النيران المركزة عليه من المدرعات إسرائيلية وكذلك من القوات الجوية الإسرائيلية التى كانت قد بدأت فى فتح ثغرة جوية بعد تدمير بعض بطاريات الصواريخ المصرية غرب القناة ..
يقول الفريق كمال حسن على فى كتابة " مشاوير العمر " فى ص 342 ، 343 ما يلى :
" كان قرار دفع اللواء المدرع 25 مستقل من قطاع الجيش الثالث إلى اتجاه الشمال على الضفة الشرقية للقناة بدلا من الضفة الغربية لإغلاق مدخل عبور الإسرائيليين قرارا غير واقعى مما عرضه لهجوم الدبابات الإسرائيلية التى كانت تتحرك بموازاته خلف التلال .. كان دفع هذا اللواء إلى الضفة الشرقية للقناة فكرة غير صائبة لأن طريقه هناك كان ضيقا بمحاذاة البحيرات المرة بالإضافة إلى حرمانه تغطية من مدفعية الجيش الثالث ، وللحق فإن اللواء عبد المنعم واصل عارض بشدة تحريك اللواء المدرع ولكنه اضطر لتنفيذ التعليمات بعد أن قطعت عليه القيادة كل سبل المعارضة مما أدى إلى تحمل هذا اللواء إلى خسائر فادحة وصلت إلى تدمير 80 % من دبابته ، كان الرئيس السادات شخصيا هو المعارض لنقل هذا اللواء إلى الغرب بدلا من الشرق لمواجهة الثغرة " ..
يقول الفريق الشاذلى فى كتابه " قصتى مع السادات " فى ص 72 ما يلى :
" وقع اللواء 25 مدرع فى كمين للعدو قامت بتنفيذه فرقة مدرعة وتم تدميره تدميرا تاما ولم ينج من هذه المجزرة سوى 25 دبابة " ..
كما يقول فى كتابه " مذكرات حرب أكتوبر " ما يلى " :
" أمر السادات أن يتم التعامل مع أفراد اللواء المدرع 25 على أنهم جبناء للتغطية على قراراته العسكرية الكارثية التى اتخذها بدفعهم إلى معركة خاسرة " ..
18 أكتوبر :
أكملت إسرائيل بناء كوبرى ترابى فوق القناة .. تم تدمير اللواء المدرع 23 الذى حضر من القاهرة وكان بها كإحتياطى إستراتيجى وأصيب قائده العقيد حسن عبد الحميد بسبب ضآلة قواته التى كانت تواجه أكثر من فرقة مدرعة إسرائيلية غربا مع سيطرة جوية بدأت تتحرك بحرية بسبب إتساع حجم الثغرة الجوية الناتجة عن ضرب صواريخ الدفاع المصرى..
أخذت طلائع فرقة الجنرال إبراهام آدان المدرعة فى الظهور متجة جنوبا إلى السويس لمحاصرة الجيش الثالث بينما كان الجناح الأيمن للجيش الثانى الفرقة 16 مشاة - يتعرض للتطويق من الخلف من قبل فرقة شارون التى كانت تتحرك شمالا ..
وصل السادات إلى مركز 10 فى الثانية ظهرا وطلب من الفريق الشاذلى التوجه فورا إلى الجيش الثانى لرفع المعنويات ..كان الطريق إلى القاهرة قد أصبح مكشوفا ..
يقول الفريق الشاذلى فى كتابه " مذكرات حرب أكتوبر " ما يلى :
" أدرك السادات عصر هذا اليوم بضرورة عودة الفرقة المدرعة الرابعة إلى الغرب لكنه كان ما زال رافضا لسحب ما تبقى من اللواء المدرع 25 إلى الغرب رغم خسائره ومعنوياته الهابطة .. لم يعد الآن يكفى سحب تلك الفرقة إلى الغرب لأن العدو كان قد أصبح يتواجد بفرقتين مدرعتين فى غرب القناة " ..
وصل الفريق الشاذلى إلى قيادة الجيش الثانى فى الساعة 5.30 عصرا للحيلولة دون تطويقه .. قدم اللواء المظلى 150 بقيادة العقيد إسماعيل عزمى مع كتيبتى صاعقة مصرية واللواء المدرع 15 والقوات الجزائرية الخاصة والمدرعة ( اللواء الجزائرى الثامن المدرع واللواء 12الجزائرى مشاة ميكانيكى ) بطولات تفوق التصور وتمكنوا من وقف تقدم شارون وتكبدت القوات العربية فى هذا اليوم خسائر تفوق التصور من جنودها وقادتها .. أدرك السادات متأخرا أهمية سحب فرقتى المدرعات إلى الغرب لكنه اقتصر ذلك على الفرقة المدرعة الرابعة فقط ..
19 أكتوبر :
واصلت فرقة إبراهام آدان المدرعة طريقها جنوبا إلى السويس مستفيدة من تدمير صواريخ الدفاع الجوى المصرى غرب القناة وبالتالى سيادتها الجوية .. فرقة شارون المدرعة تواصل محاولاتها فى التوجه شمالا لتطويق الجيش الثانى لكنها تصطدم بمقاومة قل نظيرها من قوات مصرية وجزائرية يقودها الفريق الشاذلى بعد أن رفض العودة إلى القاهرة .. سقط فى هذا اليوم شهداء ستذكرهم الأجيال بعد الخروج من النفق المظلم الذى تقيد فيه مصر الآن بحروف من نور ونار ..
من هؤلاء البطل العقيد صاعقة إبراهيم الرفاعى قائد المجموعة 39 مع رجاله من القوات الخاصة والذى يعرف كل الإسرائيليين ماذا أوقع فيهم ومنهم أيضا الشهيد العميد أحمد عبود الزمر قائد الفرقة 23 مشاة ميكانيكى وكذلك الكثير من مقاتلى الجيش الجزائرى ..
20 أكتوبر :
دفع الإسرائيليون بفرقة مدرعة ثالثة غرب القناة بقيادة الجنرال كلمان ماجن وكانت مهمتها الإجهاز على تدمير ما تبقى من كتائب الصواريخ المصرية غرب القناة وتأمين مؤخرة الجنرال إبراهام آدان المتجه جنوبا إلى السويس ومساعدة مقدمة الجنرال شارون الذى يحاول الإتجاه شمالا إلى الإسماعيلية
كان الموقف فى غرب القناة يهدد بكارثة حقيقية حيث بدأ الضغط يشتد على الفرقة الرابعة المدرعة وحدها فى مواجهة تلك الفرق بينما تقاوم بمحاولات مستميتة لمنع محاصرة الجيش الثالث وفى نفس الوقت فى حماية الطريق إلى القاهرة ..أصبح الطيران الإسرائيلى يسيطر على سماء المنطقة بعد أن دمر كل بطاريات الصواريخ المتواجدة فى ظهر الجيش الثالث ، وقد دفع ذلك إلى تدخل الطيران المصرى الغير مؤهل لتلك المنازلة فى محاولات يائسة لوقف إنهيار الموقف بصورة كاملة وهو ما أدى إلى سقوط 19 طائرة مصرية فى معركة جوية واحدة ..
عاد الشاذلى إلى مركز 10 بالقاهرة فى العاشرة مساء بعد أن أمضى يومين فى قيادة الجيش الثانى وحال دون تطويقه وفتح الطريق إلى القاهرة ..
أخبر الفريق الشاذلى فور عودته وزير الحربية بأن مصر مقبلة على كارثة محققة إذا لم يتم سحب 4 ألوية مدرعة من الشرق إلى الغرب فورا ، لأن حياة 45 ألف مقاتل - وهم مقاتلوا الجيش الثالث - ستكون فى يد إسرائيل التى أصبح يتواجد لها غرب القناة ثلاث فرق مدرعة ولن تصمد أمامهم الفرقة الرابعة المدرعة وحدها التى سحبت متأخرة إلى الغرب ، وسيواجه الجيش الثانى نفس المصير فى مرحلة تالية ..
طالب قائد المدفعية اللواء محمد الماحى بحضور رئيس الجمهورية فورا للوقوف على الموقف .. وصل السادات فى الحادية عشر واجتمع على الفور لمدة ساعة مع وزير الحربية وخرج كى يقول أمام قادة العمليات " لن أسحب جندى واحد من الشرق " وأخذ طريقه فى الانصراف .. رفض الفريق الشاذلى إشارات من بعض المتواجدين تطلب منه التعقيب بسبب توتر الموقف ..
21 / 22 أكتوبر :
القوات الإسرائيلية تركز هجومها فى اتجاه السويس .. السادات يستنجد بالسوفييت لحث أمريكا على إلزام إسرائيل بوقف القتال ( شهد الأسبوع الأول من القتال 9 أكتوبر - حادثة بينه وبين السفير السوفيتى وفيها تعامل السادات معه بصلف وأهانه وخرج السفير شبه مطرود من الجلسة ) .. الموقف يزداد سوءا فى قطاع الجيش الثالث الذى بدأ يتلقى ضربات غربا من الخلف وشرقا من الأمام مع ضربات جوية مركزة مما تسبب فى مئات من الشهداء وخسائر فادحة فى الآليات المكشوفة فى الصحراء .. فى الساعة ,526 مساء من مساء 22 يصدر مجلس الأمن القرار 338 والذى يقضى بوقف إطلاق النار بين المتحاربين ..
يقول السيد حافظ إسماعيل مستشار الأمن القومى فى ص 347 فى كتابه " أمن مصر القومى " ما يلى :
" لم أكن أعرف تماما ماذا يحدث حتى نتحرك بهذه السرعة نحو قبول وقف إطلاق النار " ..
( جدير بالذكر أن وزير الحربية كان ينشر بين الوزراء قصصا تقلل من حجم الثغرة ويدعى أن الأمر لا يزيد عن سبع دبابات وجارى العمل على الخلاص منها وهو ما أدى إلى بعض الصدامات بينه وبين الفريق الشاذلى .. لم يكن من المستغرب إذن أن مستشار الأمن القومى وهو ضابط سابق ومحترف فى الجيش المصرى لم يكن يعرف حقيقة ما يجرى غرب القناة بسبب " التضليل " الذى مارسه الفريق أول أحمد إسماعيل من خلال التقليل من حجم كارثة الثغرة فى الغرب والذى جاء كنتيجة مباشرة للضغوط التى مارسها السادات عليه وقبلها راضيا ) ..
23 أكتوبر :
أصدر مجلس الأمن القرار رقم 338 والذى يقضى بوقف القتال ، لكن إسرائيل رفضت تنفيذه وواصلت تقدمها إلى السويس وبلغ تحديها أن أضاءت أنوار مدرعاتها عند الغروب وقبل حلول الظلام بينما كانت القوات المصرية الإدارية فى الخطوط الخلفية تنظر إليها من بين الأشجار دون القدرة على فعل شيء .. الهجوم برا من الأمام والخلف وجوا يتواصل وبشدة على الجيش الثالث ..
يذكر الفريق واصل فى كتابه " الصراع العربى الإسرائيلى : مذكرات وذكريات " فى ص310 أنه جرى اتصال تليفونى فى الساعة 10.24 من صباح 23 أكتوبر بينه وبين وزير الحربية الفريق أحمد إسماعيل وفيه سمع اللواء واصل لأول مرة منه عن فكرة إرسال الفرقة الرابعة إلى الشرق مرة أخرى لمساعدة الفرقتين المحاصرتين الـ 19 ، 7 مشاة وعن قيام الطيران المصرى بعمل مظلة جوية لحماية الجيش الثالث فرد عليه اللواء واصل بالقول " بعد إيه ، بعد ما خربت مالطة " لكن الوزير لم يرد ! ..
( كان وزير الحربية يعلم جيدا أن قدرات القوات الجوية المصرية - سواء من حيث طائراتها المتواضعة أو من حيث طياريها قليلى التدريب غير مؤهلة لملاقاة مثيلتها الإسرائيلية وتنفيذ تلك المظلة الجوية التى وعد بها قائد الجيش الثالث ، ولو فعلها لأباد القوات الجوية دون شك ، هذا من ناحية .. من ناحية أخرى فإن العاقل حتى لو كان غير متخصص - يقول أن المظلة الأكثر أمانا والأكثر فاعلية كان موجودة فعلا على الأرض ممثلة بصواريخ الدفاع الجوى ، لكن السادات أربك بقرارته الصبيانية عمل القادة الميدانيين وتسبب فى محاصرة الجيش الثالث ومقتل عدة آلاف من أفراده وتدمير أغلب معداته ، وكاد ذلك أن ينطبق على الجيش الثانى أيضا ، ووافقه فى ذلك وزير حربيته .. إننا ندعوا المختصين أن يتقوا الله ويفكوا لنا هذا اللغز بقول الحقيقة ، كان لغزا وقتها لكنه الآن لم يعد كذلك ) ..
24 أكتوبر :
السادات يستجدى السوفييت مرة ثانية للضغط بهدف وقف القتال فيرسلون بيانا شديد اللهجة إلى نيكسون ويرفعون درجة الاستعداد فى ست فرق مظلات فى أوربا ويرد الأمريكيون بإجراء مماثل ويقف العالم على شفى حرب عالمية ثالثة قد تنهى الحياة على الأرض ..
تعرضت قيادة الجيش الثالث المتواجدة فى الغرب إلى التدمير ونجا قائده اللواء واصل من الموت بأعجوبة .. أصدر مجلس الأمن فى ذات اليوم القرار 339 ويقضى بوقف إطلاق النار فتقبله إسرائيل لأنها كانت قد دخلت مدينة السويس وأكملت حصار الجيش الثالث كورقة رابحة وفعالة فى فرض شروط مهينة للتفاوض ..
بانتهاء يوم 24 أكتوبر كانت إسرائيل قد انتهت من حصارها التام على قوات الجيش الثالث ووضعت خمسة وأربعين ألف مقاتل مصرى فى قبضتها .. ربحت إسرائيل بهذا العمل الذى حضرت له منذ 16 أكتوبر ورقة هامة فى فرض إرادتها العسكرية على القيادة المصرية وهو ما سيكون له الأثر الفاعل كما سنرى لاحقا - فى رسم إرادتها بالمنطقة وتهديد الأمن القومى المصرى وإخراج مصر من دائرة الصراع العربى الإسرائيلى وضياع الحقوق الأساسية للمسلمين وأهمها القدس ..
25 / 26 أكتوبر :
الجيش الإسرائيلى يتواجد فى السويس بقوة تقدر بفرقة مدرعة ولواء مظلى .. العميد يوسف عفيفى قائد الفرقة 19 مشاة يصدر أوامره بإرسال العديد من صائدى الدبابات إلى السويس ... العدو يخسر ثلاثين دبابة إسرائيلية فى شوارع السويس مع مقتل مائة من جنوده وجرحت 500 ومحاصرة العديد من جنود المظلات الإسرائيليين داخل بعض الأحياء بفضل المقاومة الشعبية ورجال الفرقة 19..
يجتمع المجلس العسكرى فى 26 أكتوبر برئاسة وزير الحربية وبغرض إنقاذ الجيش الثالث ويحضر الاجتماع العميد قابيل قائد الفرقة الرابعة المدرعة وكذلك اللواء واصل قائد الجيش الثالث .. الوزير يطلب من العميد قابيل القيام بعملية عسكرية لفك الحصار عن الجيش الثالث .. اللواء واصل يرد بأن ذلك معناه التدمير التام للفرقة من الجو والبر ، العميد قابيل يقول " إننى ورجالى على استعداد للقيام بتلك العملية الانتحارية لكننا لن ننجح فى فك الحصار وستدمر الفرقة وسيفتح الطريق بذلك إلى القاهرة " ... يسأله الوزير " ماذا عن الطرق الفرعية التى يمكن أن تستخدمها لإيصال المساعدات إلى المحاصرين ؟ " ..
يقول الفريق الشاذلى الذى كان يجلس صامتا فى كتابه "مذكرات حرب أكتوبر " ما يلى :
" لقد كدت أصعق وأنا أستمع إلى كلام وزير الحربية وهو يدلى بهذا القول ، إن مثل هذا الكلام لا يصدق من شخص بكامل قواه العقلية ، فكيف يصدر من وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة ؟! " ..
يشرح الفريق الشاذلى أسباب صدمته بسماع كلام وزير الحربية فى كتابه السابق بقوله ما يلى :
" إن 45 ألف رجل محاصرين يحتاجون يوميا إلى 150 طن من الطعام والشراب وهذه كمية تحملها يوميا 100 سيارة نقل ، وإذا كان العدو يملك السيطرة الجوية والبرية ، وهو كذلك ، فكيف تتمكن الفرقة الرابعة المدرعة من إدخال تلك الكميات يوميا دون رصدها ؟! "..
تناول الوزير ورقة يأمر فيها العميد قابيل بتنفيذ أمر نقل الإمدادات وطلب من الفريق الشاذلى أن يوقع عليها ، رفض الفريق الشاذلى ، فهدده الوزير بأنه سوف يقوم بإخطار رئيس الجمهورية .. رد الفريق الشاذلى بهدوء " تستطيع بكل تأكيد فعل ذلك " .. تدارك الوزير الموقف وقام بالتوقيع على الأمر وسلمه إلى العميد قابيل لكنه لم ينفذ لإلغاء المهمة بسبب وصول أنباء عن بدأ وصول قوات الأمم المتحدة ..
27 أكتوبر :
تعرضت مدينة السويس فى هذا اليوم إلى موجات متتالية من القصف الجوى المركز أدت إلى استشهاد 80 فرد أغلبهم من المدنيين إنتقاما من الخسائر الإسرائيلية فى الأفراد والمعدت فى شوارع مدينة السويس ثم توقف قصف فى صبيحة اليوم التالى بسبب وصول قوات الأمم المتحدة .
يدخل السادات منذ وصول قوات الأمم المتحدة مرحلة أخرى ، أظن أنها كانت كامنة فى جوفه منذ توليه سدة الحكم ، ولا نبالغ إذا قلنا أنها كانت المرحلة الأكثر عمقا فى خطورتها على الأمن القومى المصرى ..
سنطرح هنا مجموعة القرارات الكارثية التي اتخذها السادات على طاولة المفاوضات مع اليهود بعد وقف المعارك والتي لا نبالغ في القول أنها فاقت في عمق ضررها بالأمن القومي المصري بأكثر مما اتخذه من قرارات كارثية أثناء المعارك العسكرية ..
يقول الفريق الشاذلي في مذكراته مذكرات حرب أكتوبر ما يلي :
" أن القرارات العسكرية الكارثية التي اتخذها السادات في غرفة القيادة العامة أثناء سير المعارك وأجبر القادة الميدانيين على تنفيذها قد دفعت خصوم السادات إلى اتهامه بالخيانة معتمدين في ذلك على ما نشرته صحيفة واشنطن بوست في السبعينات إلى أنه كان يتقاضى مرتبا من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIAمنذ الستينات بالإضافة إلى ما ذكره الصحفي الأمريكي الأكثر شهرة Bob Woodward في كتابه The Secret Wars Of The CIA في صفحة 352 " ..
جدير بالذكر أن الصحفي المذكور كان يعمل في صحيفة واشنطن وهى الأكثر شهرة في العالم ووضع يده - في نوفمبر 1977 - على قائمة من عملاء وكالة المخابرات المركزية الأمريكية C.I.A من قادة الشرق الأوسط وأعلن عن نيته نشر تلك القائمة والتي كان ضمنها كما ذكر هو في أكثر من موضع أنور السادات مع ملك عربي ..( كان يطلق عليه في الدوائر الأمريكية المغلقة Mr. No Beef ) ورئيس عربي آخر ( تولى قيادة بلده بانقلاب مسلح وكان لا ينجب ) ..
علم الرئيس الأمريكي كارتر بما ينوى الصحفي القيام به فاتصل به يرجوه عدم نشر تلك القائمة لما قد تسببه من مخاطر على الأمن القومي الأمريكي إلا أنه أصر على نشر تلك القائمة وهو ما فعله وسبب حرجا عميقا للبيت الأبيض .. وجاءت نهاية عام 1979 واقتحم الطلبة الإيرانيون مقر السفارة الأمريكية في طهران وأخرجوا منها وثائق عديدة تصب في هذا الاتجاه ..
لكن الفريق الشاذلي لا يتهم السادات بالخيانة ويعلل كوارث قرارات تطوير الهجوم التي اتخذها السادات بأنها ترجع إلى لوثة عقلية أصابته عقب الانتصار المذهل ل القوات المصرية في أسبوع الحرب الأول ، وقد تعود أسباب تلك اللوثة - والكلام مازال للفريق الشاذلي - إلى أيام الحرمان والجوع التي كانت في طفولة السادات وشعوره بالنشوة في مركز 10 من سماعه كلمة حاضر يافندم رغم ضحالة ثقافته العسكرية التي لم تزد على ثلاثة سنوات وفى سلاح فني بالقوات المسلحة وهو الإشارة ...
يدلل الفريق الشاذلي على ذلك بما قاله السادات في كتابه الذي أصدره بعد الحرب البحث عن الذات حيث قال فيه السادات عن تلك الفترة " حكمتك يارب .. كل الناس في العالم العربي بيأخذوا دلوقتى أوامر منى ، أقول أي شيء فيقولون حاضر يافندم " ..
يذكر د. محمود جامع الطبيب الخاص للسادات وجليسه منذ طفولته ما يؤكد ضحالة الثقافة العسكرية عند السادات في كتابة " عرفت السادات " وذلك في موضعين :
الأول :
يقول أنه في أعقاب عودت السادات إلى الجيش في الأربعينات بعد فصله تقدم لامتحان الترقية وذهب إلى جمال عبد الناصر ومعه أسئلة الامتحان لأنه لم يستطع الإجابة عليها وأعطاه عبد الناصر الإجابة بخط يده ..
الثاني :
حدث في 26 سبتمبر 1973 في قرية السادات ميت أبو الكوم حيث أخبره السادات أن العبور سيتم في الفترة 3 إلى 10 أكتوبر وقال له " لو أخبرت أحدا بهذا الأمر فسوف أذبحك " ، وكان د. جامع حاضرا في اليوم المذكور عندما أخبر السادات شقيقته الكبرى نفيسة بذلك أيضا وطلب منها أن تدعى الله له بالنصر .. ويضيف د. جامع أنه أخبر العديد من الوزراء بكلام السادات له عن موعد العبور عقب عودته إلى القاهرة ..
( الطبيعي أن يقوم الوزراء بنقل الخبر إلى منازلهم وكذلك إلى الصف الثاني في كل وزارة ، والطبيعي أيضا أن يفعل الصف الثاني نفس الشيء وهكذا في متوالية عددية .. وقد يفسر ذلك قيام وزير الطيران المدني أحمد نوح بوقف خطوط مصر للطيران يوم 5 أكتوبر دون الرجوع إلى القيادة السياسية بعد أن انتشر الخبر بين أعضاء الحكومة مما كاد أن يؤدى إلى فشل العبور وربما فناء الجيش المصري وتكرار سيناريو النكسة ، وقد يفسر عدم التحقيق مع الوزير نوح بعد الحرب هي الرغبة في عدم كشف الكارثة التي تسبب فيها السادات ..
لقد ضرب السادات هنا عرض الحائط بأبسط قواعد العسكرية بكتمان هذا الأمر الخطير .. ويذكر الفريق الشاذلي في كتابه السابق أنه حتى زوجته لم تكن تعلم أثناء وجوده خارج مصر لجلب المساعدات العسكرية لأنها تعودت على غيابه بالمواقع العسكرية لعدة أسابيع ) ..
أما ما فعله السادات أثناء المفاوضات مع الإسرائيليين فيفوق فى أضراره ما فعله فى غرفة العمليات ونذكر مثليْن على ذلك وردا فى كتاب المشير عبد الغنى الجمسى " مذكرات حرب 1973 " وهما ما يلى :
الأول ذكره في ص 482 :
اجتمع المشير الجمسى في أسوان مع كيسنجر في ديسمبر 1973 لمناقشة تفاصيل فض الاشتباك وفوجئ منه بمعرفة أن السادات قد اتفق معه أي مع كيسنجر - على تواجد للقوات المصرية في سيناء بحجم 30 دبابة مع 7 آلاف رجل فقط ، انصرف المشير الجمسى من الجلسة لفترة بعد أن اغرورقتا عيناه بالدمع ..
يقول المشير " لم يكن هناك ما يدعو إلى هذا التنازل الكبير الذي يترتب عليه تهديد أمن القوات المصرية ، كنت أتوقع أن يستشير السادات الفريق أحمد إسماعيل أو يستشيرني عند وصولي إلى أسوان لإبداء الرأي في الموضوعات العسكرية .. اقترحت على الرئيس استدعاء الفريق أحمد إسماعيل من القاهرة ورد بأنه لن يستدعيه وأن اتفاقه مع كيسنجر يجب الالتزام به " ..
الثاني ذكره في ص 500 :
كان في 20 ديسمبر 1977 أثناء اجتماعه كوزير للحربية للمرة الأولى مع عزرا وايزمان في جناكليس ، فوجئ الجمسى منه بمعرفة أن السادات كان قد أعطى بيجين " وعدا " بعدم تواجد أي قوات للجيش المصري شرق ممرات المتلا والجدي وحتى الحدود مع إسرائيل وهى مسافة تقدر بـ150 كم ..
يقول المشير " كانت دهشتي كبيرة وصدمتي أكبر لأن الرئيس السادات لم يخبرني مسبقا بذلك قبل بدأ المفاوضات ولم يكن من المستساغ أن أبين لوايزمان أنني لست على علم بوعد قطعه رئيس الدولة باسم مصر في هذا الموضوع العسكري الهام .. كان المفروض بحكم منصبي كوزير للحربية وقائد عام للقوات المسلحة أن يؤخذ رأيي في هذا الموضوع " ... كما يذكر المشير أنه حاول المماطلة في مقابلاته مع وايزمان التي تلت ذلك بحجة أن السادات ليس رجلا عسكريا إلا أن وايزمان رفض بإصرار تغيير ما وعد به السادات ، ويقول وايزمان في كتابه " المعركة من أجل السلام " ردا على ما فعله المشير الجمسى معه بقوله " لم أتصور أن يجرأ أي مصري على المطالبة لنفسه بحق خرق وعد قدمه الرئيس المصري نفسه ، لقد دار نقاش بيننا شديد" ..
لم يقتصر الأمر على ما ذكره المشير الجمسى بل تعداه إلى البنود السرية التي كانت ملحقة في اتفاقية كامب ديفيد ، تلك البنود التي تفاجأ المصريين بين الحين والأخر بالجديد فيها ..
أصبح من الثابت الآن لجميع المراقبين والمتخصصين - وأخص منهم القيادات العسكرية وبالذات اللواء فؤاد نصار مدير المخابرات الحربية وقت الحرب - أن السادات كان قد أخبر الملك حسين قبل أسبوعين من حرب أكتوبر بيوم الهجوم وحدد ساعة الصفر له بأنها ستكون السادسة قبل المغرب وهو يعلم مسبقا بأن هذا الملك سيخبر أصدقاءه فى إسرائيل بذلك وهو ما حدث ، كما أخبر السادات أيضا أشرف مروان نفس الرواية قبل الحرب وأسر مروان بالخبر إلى رئيس الموساد في 5 أكتوبر الذي طار إلى لندن خصيصا للقاء به ( مع افتراض النوايا الوطنية لدى مروان وأنه كان فعلا يعمل مزدوجا لصالح مصر ) ..
إننا نسأل عن الهدف الإستراتيجي مما فعله السادات هنا ؟! .. سمعنا الكثير من مطبلى وراقصي النظام بأن ذلك كان يندرج ضمن خطة الخداع الإستراتيجي ولكننا نود أن نسمع شرحا من متخصصين مستقلين عن قائد يخبر أعداءه بيوم هجومه !! .. السادات نفسه رفض إعطاء القادة العرب الراغبين في إرسال قوات أي معلومات عن ساعة الصفر ولو تقريبية ، هوارى بومدين حاول عدة مرات معرفة ذلك ولو تقريبيا ، وكان مستعدا لإرسال كل الجيش الجزائري والإبقاء فقط على قوات الشرطة إذا أعطى الوقت الكافي ، وهو ما كان سيغير معالم أشياء كثيرة بالمنطقة ، فلماذا يبلغ السادات إسرائيل بيوم الهجوم ولم يبلغ به بومدين ؟! .
إذا كان السادات يعلم مسبقا بأن الخروج من المظلة الدفاعية الصاروخية والتي مداها 15/ 20 كم شرق القناة سيعنى تدمير القوات المصرية وهو ما حدث بالطبع - فإن المحقق المحايد لابد أن يطرح الأسئلة التالية :
- لماذا أمر بتطوير الهجوم 14 أكتوبر وتدمير القوات المصرية على النحو الذي ذكرناه ؟! ..
- ألم يكن مقنعا له أن تدمير اللواء الأول مشاة في يومي /11 12 أكتوبر كان بسبب خروجه من المظلة الدفاعية الصاروخية ؟! ..
- من أصدر قرار الخروج لهذا اللواء من المظلة الجوية ؟! ، ..
- ألم تعط الطلعة الأمريكية في 13 أكتوبر السادات وكذلك المخابرات الحربية شعورا كافيا بأن الإسرائيليين يبحثون عن طريق الأمريكيين عن ثغرة للنفاذ إلى غرب القناة وتنفيذ الخطة غزالة ؟! ..
لماذا لم تؤخذ تحقيقات المخابرات الحربية مع العقيد عساف ( قائد اللواء المدرع 190 ) في 8 أكتوبر مأخذ الجد ويلغى تطوير الهجوم ، تلك التحقيقات التي أكدت وجود صاروخ مضاد للدبابات أمريكي لدى إسرائيل لا مثيل له في العالم ومداه 3 آلاف متر وهو ما يفوق مدى الدبابة ؟! ..
- حتى لو كانت القوات المصرية في نطاق المظلة الجوية ، ألم يكن من الواجب اتخاذ التدابير الميدانية للتعامل مع ما ظهر من تحقيقات بوجود هذا الصاروخ ؟ ..
- ثبت أن الأردن كان لديه هذا الصاروخ قبل بدأ الحرب ( أو لديه المعلومات الكافية عنه حيث أكدوا لاحقا أنهم تدربوا عليه قبل الحرب ) ، فأين كان دور المخابرات العامة المصرية - ومنها المخابرات الحربية - التي ثبت أنها فوجئت بما حصلت عليه من العقيد الإسرائيلي عساف ؟
إذا كانت الحجة هي أن تطوير الهجوم كان بغرض رفع الضغط عن السوريين ، فإننا نسأل سؤالين :
- هل يعنى إنقاذ سوريا أن ندمر القوات المصرية ؟! ..
- لماذا لم يقتنع السادات بلغة الأرقام التي ذكرها الفريق الشاذلي في 12 أكتوبر والتي أكدت أن الجبهة السورية الصغيرة كانت في أوضاع ميدانية أفضل بكثير من الجبهة المصرية الواسعة ؟! ..
إذا كان السادات يعلم بتفاصيل الخطة الإسرائيلية قبل الحرب والمتمثلة بإحداث ثغرة في مفاصل الجيش والالتفاف منها لتطويق الجيشين الثاني والثالث ، فإننا يجب أن نطرح الأسئلة التالية :
- لماذا لم يبق على الفرقتين المدرعتين 4 ، 21 غرب القناة كما هو متفق عليه ؟! ..
- لماذا رفض إعادتهما بعد الخسائر التي تكبدها الجيش كما طالب بذلك الفريق الشاذلي في 15 أكتوبر ، خاصة بعد المذبحة التي تعرضت له المدرعات المصرية في 14 أكتوبر ؟! ..
- لماذا صرخ في وجه الفريق الشاذلي في 16 أكتوبر رغم تفاقم الثغرة وهدده بالمحاكمة العسكرية إذا ذكر كلمة " انسحاب " مرة أخرى ؟!
- لماذا لم يستجب السادات إلى نداءات رئيس أركانه والقادة الميدانيين في 17 أكتوبر بسحب اللواء المدرع المستقل 25 إلى الغرب وتوجيه ضربة إلى الثغرة التي كانت متوسطة القوة حينها !! من الغرب وليس من الشرق كما أصر هو ، وهو ما أدى إلى تدمير اللواء المذكور ؟!
كان سيتبقى للجيش المصري في سيناء - في حال استجاب السادات لطلب الفريق الشاذلي وسحب أربعة ألوية مدرعة إلى غرب القناة ما مجموعه 100 ألف مقاتل + 1000 دبابة وهم قوات النسق الأول ، وهنا نسأل ما يلي :
- لماذا رفض السادات في 20 أكتوبر سحب أربعة ألوية من الشرق إلى الغرب رغم علمه بوجود ثلاث فرق مدرعة لليهود غرب القناة وهو ما أدى إلى حصار الجيش الثالث وكاد أن يؤدى إلى حصار الجيش الثاني أيضا وفتح الطريق إلى القاهرة ؟! ..
- لماذا رفض طلب الشاذلي بينما هرول وقدم " وعدا " لاحظ النص اللفظي الذي ذكره المشير الجمسى وكرره أكثر من مرة إلى عزرا وايزمان أثناء المفاوضات بإخلاء سيناء من الجيش المصري والإبقاء فقط على 30 دبابة و7 آلاف رجل ؟! ..
كثر الحديث عن عدم كفاءة وزير الحربية الفريق أحمد إسماعيل لمنصبه ، فقد طرد من الخدمة مرتين بعد النكسة ( مرة عقب النكسة مباشرة وأخرى عقب حادث الزعفرانة في 1969 ) ، وكان معروفا أن تعيينه كوزير حربية كان فقط لتحقيق أمن السادات الشخصي بسبب العداء القديم والذي وصل على حد التشابك بالأيدي في الكونغو بين الوزير ورئيس الأركان ..
- هل يتهمنا البعض بالجهل إذا قلنا أن الضربة الجوية المصرية كانت نفسية فقط لإرضاء الشارع وليست ميدانية ومن باب فعلنا بهم كما فعلوا بنا ؟ ..
- هل أنجزت الضربة الجوية المصرية في 73 ما نسبته 1 % مما أنجزته مثيلتها الإسرائيلية في 67 ؟..
- ألم تبين نتائج حرب الاستنزاف أنها كانت عبارة عن غارات من الطيران الإسرائيلي على مراكز القوة المؤثرة في الجيش المصري وهى ترتيبا قوات الدفاع الجوى أولا ومراكز الصاعقة ثانيا وقطع المدفعية ثالثا ؟ ..
- إذا كان الدفاع الجوى المصري هو الأخ الأكبر لعملية العبور ، حيث احتضن كل إخوته في صدره وتحت " مظلته " وتقدم بهم ونفذ ما هو مطلوب كما توقع المختصون وكما حدث فعلا ، ألم يكن سلاح المهندسين هو مفاجأة حرب 73 ؟..
- ألم يذكر ديفيد اليعازر رئيس الأركان في مذكراته أنه سأل وزير دفاعه ديان - قبل الحرب عن إمكانية عبور المصريين للمانع المائي ، فرد عليه باطمئنان بأنهم في حاجة إلى سلاحي المهندسين الأمريكي والسوفيتي معا لإنجاز العبور ؟ ..
- ألم يكن سلاح المهندسين هو السلاح الوحيد الذي يتواجد قادته الكبار في الخطوط الأمامية وأسماء الشهداء من قادته تثبت ذلك ؟ ..
- ذكر السادات أنه كان يريد نائبا له من أبطال العبور ، ألم يكن سلاح المهندسين بما يتوافر من أفراده من كفاءة علمية تحتاجها مصر وما قدم من عمل ومن شهداء يستطيع توفير ذلك ؟ ..
- هل أضاع السادات فرصة ذهبية لتقديم رجل عسكري مهندس يفكر بطريقة علمية ويكون كمرحلة انتقالية لدخول الديمقراطية الحقيقية ؟
- من هم القادة الحقيقيون الذين بنوا الطيران المصري بعد النكسة ؟ ..
- لماذا اختار السادات هذا الضابط ليكون نائبا له رغم ما عرف عنه من استخدامه " الوشاية " بزملائه منذ صباه من خلال التقارير الأمنية التي لم يطلبها أحد منه ، ورغم أنانيته الشديدة التي كانت شائعة ، وبلغت منه الآن مبلغا ؟ ..
حسنا .. إنني أناشد كل المختصين المحايدين أن يدلوا بدلوهم في هذا الشأن
سنحاول رغم تلك التهم الجاهزة أن نقدم الإجابة على تلك الأسئلة :
إذا كان " القياس " يعتبر أحد مصادر القضاء الشرعي والفصل فى المنازعات ، فإننا لابد أن نذكر هنا الضربة الجوية الإسرائيلية في 5 يونيه 1967 كي نقيس عليها ، نستطيع على أية حال معرفة نتائجها سريعا ومن خلال حادثتين فقط ، وهما ما يلي :
الحادثة الأولى :
صدرت من الفريق عبد المنعم واصل في كتابة " الصراع العربي الإسرائيلي ، مذكرات وذكريات " في ص 129 حيث كان حينها برتبة عميد وقائدا للواء 14 المدرع المستقل وكان يقف مع 28 عميد ولواء من قادة الجيش في التاسعة إلا الربع صباح 5 يونيه في طابور التشريفات في مطار تمادا انتظارا لوصول طائرة المشير عامر وشاهد الضربة الجوية على المطار .. أخرج العميد واصل ورقة من جيبه بعد أن شاهد حجم الدمار وطريقة التنفيذ وكتب فيها " قامت الحرب ، خسرنا الحرب " !! ..
الحادثة الثانية :
صدرت من الجنرال عزرا وايزمان رئيس عمليات الجيش الإسرائيلي في 1967 والأب الروحي للطيران وابن شقيق حاييم وايزمان أول رئيس لإسرائيل ، فقد اتصل في الثانية والنصف ظهر يوم 5 يونيه بزوجته " ريما أشفرس " التي كانت مع شقيقتها زوجة ديان وزير الدفاع في روما وأخبرها أن الحرب " انتهت " وطلب منها العودة !! .. انتشرت القصة على نطاق واسع داخل إسرائيل وجرى فيها تحقيقات بزعم أن وزير والدفاع ورئيس العمليات قد أخرجا زوجتيْهما إلى أوربا وقت الحرب هربا من قصف الطائرات العربية المتوقع على تل أبيب ..
عزرا وايزمان - الطيار السابق في الجيش البريطاني كان قد أخذ في 1958 نماذج الضربة الجوية الإنجليزية على مصر في 1956 ودرب عليها الطيارين لمدة سنوات متواصلة وأجرى علها تطويرا كبيرا ناتج من ظهور ذخيرة جديدة ..
قام الطيران الإسرائيلي بتنفيذ الضربة الجوية في 5 يونيه 1967 وعلى جميع المطارات المصرية في تمام الساعة 8.45 صباحا وعلى أربع موجات استمرت لخمس ساعات وربع متواصلة دون انقطاع وشملت جميع مطارات مصر وطالت حتى تلك التي كانت بعيدة في الصعيد ومطروح ..
كانت الموجة الأولى مكونة من 195 طائرة واستمرت حتى العاشرة أي لمدة ساعة وربع - وشملت 7 مطارات وكانت مهمتها ضرب الممرات باستخدام قنابل خاصة شديدة الانفجار والانتشار تسمى " ديورن ديل " .. الموجة الثانية بدأت في العاشرة واستمرت ساعتين وكانت مكونة من 165 طائرة وشملت 11 مطارا .. الموجة الثالثة والرابعة انتهتا في الثانية ظهرا وأخرجتا الطيران المصري من المواجهة ..
النتيجة على الأرض هي تدمير القاذفات المصرية بنسب
مريم آل ثاني
تلبية لطلب بعض الأصدقاء أنشر بحث حرب أكتوبر وشكراً لمن شاركني في هذا العمل
ونطرح بعض الأسئلة والعبقري الذي سوف يجيب عليها له هدية قيمة
بسم الله نبدء .. حدث فى الأسبوع الأول من الحرب أزهى صفحات مصر العسكرية فى تاريخها بفضل الخبرة العسكرية التى تراكمت بعد النكسة وسنوات الاستنزاف الثلاث .. كان من نتائج هذا عبور قوات النسق الأول وانجاز الخطة التى تم وضعها وهى احتلال مسافة 15 كيلو شرق القناة ، فإن وضع مصر العسكرى كان لايسمح بأكثر من ذلك بسبب الفجوة التسليحية بينها وبين إسرائيل والناتجة عن السخاء الأمريكى مع إسرائيل والتقطير السوفيتى مع مصر بينما لم تتجاوز خسائر مصر 50 دبابة ( 20 منهم فى اليوم الأول ) + 500 شهيد ( 260 منهم فى اليوم الأول ) + 15 طائرة ( 5 منهم فى اليوم الأول ) في مقابل خسائر إسرائيل وهي تدمير قوات النسق الأول والثانى والثالث ومجموعها 350 دبابة + 300 دبابة من قوات النسق الرابع + إسقاط العشرات من طائرات إسرائيل وقد بلغ عددهم فى يوم 12 أكتوبر فقط 22 طائرة + مقتل المئات وأسر العشرات .. الأهم من ذلك كله أن إسرائيل قد انسحبت بفضل الضربات المصرية المركزة إلى الخط الذى أراده المصريون لها حيث القتال فى الأرض المفتوحة سيكون ضدها مدعوما بمظلة دفاعية للقوات المصرية بعمق 15/ 20 كم ...
إن ما حدث فى الأسبوع الأول من الحرب كان يمثلا مفاجئة كبيرة ، ليس فقط للعالم بل أيضا للجيش المصرى نفسه بسبب الدعاية التى فرضتها إسرائيل فى العالم ..
فى نهاية هذا الأسبوع حدثت ثلاث علامات سلبية كان يمكن أن تغير وجه الخريطة فى الشرق الأوسط لو درسها القادة المصريون جيدا فى مركز 10 غرفة العمليات - واستخلصوا منها العبر ونذكرها فيما يلى :
العامل السلبى الأول ( عصر 9 أكتوبر ) :
قام اللواء الأول المشاة الميكانيكى من الفرقة 6 مشاة ميكانيكى بقيادة قائده العقيد صلاح زكى بالخروج عن مظلة الدفاع الجوى والتى كانت مقدرة بـ 15 / 20 كم شرق القناة متجها إلى رأس سدر وتعمد الإسرائيليون الانسحاب أمامه .. فى يومى 10/ 11 أكتوبر قام الطيران الإسرائيلى بشن هجمات مركزة عليه أدت إلى تدمير أغلبية قواته ..
( الدرس المستفاد هنا هو أن أى خروج للقوات المصرية من مظلة دفاعها الدفاع الجوى والتى سبب رعبا للطيران الإسرائيلى سيعنى نتائج تدميرها ) ..
العامل السلبى الثانى ( مساء 11 أكتوبر ) :
طلب وزير الحربية المصرى الفريق أول أحمد إسماعيل - من رئيس الأركان الفريق سعد الشاذلى تطوير الهجوم والوصول إلى المضايق والتى تبعد مسافة 40/ 50 عن خط القناة وبرر ذلك برغبة القيادة السياسية فى رفع الضغط على سوريا ورفض الفريق الشاذلى ذلك وذكره بما حدث للواء الأول مشاة .. فى ظهر 12 أكتوبر كرر وزير الحربية طلبه ورفضه الشاذلى للمرة الثانية ..
يقول الفريق الشاذلى فى كتابه " مذكرات حرب أكتوبر " أنه أخبر وزير الحربية ظهر 12 أكتوبر ما يلى :
" أمامى 8 ألوية مدرعة إسرائيلية وقاموا بتكوين 4 ألوية مدرعة جديدة فى العمق ، أى إننا نواجه الآن 12 لواء مدرعا فى سيناء .. اليهود لن يضطروا إلى سحب ألوية مدرعة إضافية من الجبهة السورية .. السوريون فى أوضاع أفضل منى ، ليس لدينا دفاع جوى متحرك يغطى القوات المصرية البرية إذا خرجت من المظلة إلا أعداد محدودة من سام 6 وهى لا تكفى لحماية القوات المصرية .. القوات المصرية ستكون فريسة للعدو إذا خرجت من المظلة ، سندمر القوات المصرية دون أن نقدم أى مساعدة لتخفيف الضغط علي السوريين " ..
يذكر هنا أنه كان للقوات السورية 13 لواء مدرعا عربيا على جبة الجولان الصغيرة جدا مقارنة بجبهة سيناء الواسعة ( 8 سورية + 3 عراقية + لواء أردنى + لواء مغربى ) فى مقابل 6 ألوية مدرعة إسرائيلية .. هذا بالإضافة إلى 4 أسراب عراقية ( 3 ميج 21 + 1 ميج 17 ) وفرقة مشاة عراقية ولواء مشاة سعودى ..
فى عصر 12 أكتوبر اتصل قائدا الجيش الثانى والثالث بالفريق الشاذلى وأخبراه بوصول رسائل من وزير الحربية تطلب منهما تطوير الهجوم وضرورة الحضور فى السادسة والربع فى مركز 10 لمناقشة التفاصيل ، وأخبراه أيضا بمعارضتهما الشديدة لهذا القرار كما أخبره قائد الجيش الثانى اللواء سعد مأمون للشاذلى - عن رغبته فى تقديم استقالته فى حال إجباره على هذا القرار .. حدث اللقاء ورفض وزير الحربية حجة القادة الثلاثة ( الشاذلى مأمون واصل ) وألزمهم بضرورة تنفيذ رغبة الرئيس فى تطوير الهجوم بهدف رفع الضغط عن سوريا .. حدد وزير الحربية الساعة السادسة صباح يوم 14 أكتوبر لتنفيذ قرار التطوير ..
جدير بالذكر أن خطة تطوير الهجوم لم تكن تعنى فقط خروج القوات المصرية من المظلة الأمنية حيث هلاكها يصبح مسألة وقت بل تعنى أيضا عبور فرق خط النسق الثانى إلى الشرق ( وهو الخط الإستراتيجى لكل من الجيشين والذى أصبح يحتل خط النسق الأول على حافة القناة الغربى بعد عبور الفرق الخمس المشاة ) وبالتالى فتح المجال لإسرائيل لتطبيق الخطة " غزالة " والتى تعلمها جيدا القيادة السياسية المصرية ..
العامل السلبى الثالث ( بعد ظهر 13 أكتوبر ) :
دخلت طائرة استطلاع أمريكية من طراز SR-71-A المجال المصرى على ارتفاع 30 كم من ناحية بورسعيد وطارت فوق القوات المصرية فى خط القناة حتى خليج السويس ثم اتجهت يمينا إلى الوادى ومنه شمالا حيث خرجت كما دخلت من البحر المتوسط .. لم تتمكن صواريخ الدفاع الجوى المصرى والتى يبلغ مداها 20 كم من التصدى لها ..
( لو استوعبت القيادة العسكرية المؤيدة لقرار التطوير هذا العمل لأدركت أن الأمريكيين يبحثون عن ثغرة فوق القوات المصرية لدخول الإسرائيليين منها بهدف تنفيذ الخطة غزالة ) ..
14 أكتوبر :
فى السادسة صباحا بدأ الهجوم المصرى وخرجت المدرعات المصرية والمشاة من مظلة الدفاع الجوى وأصبحوا يواجهون وحدهم تفوق المدرعات الإسرائيلية الذى حذر منه الشاذلى وفوق ذلك - وهو الأهم - السيادة الجوية الإسرائيلية التى تنتظر على أحر من الجمر لهذه الفرصة ..
فى أقل من ساعتين تم تدمير 255 دبابة مصرية كان أغلبها فى قطاع الجيش الثانى مع استشهاد عدة آلاف من القوات المصرية ومنهم معظم قادة ألوية المدرعات ..
( استشهد فى هجوم 14 أكتوبر من الفرقة 21 المدرعة وحدها كل قادة ألويتها المدرعة وهم العقيد توفيق أبو شادى قائد اللواء المدرع الأول والعقيد نور الدين عبد العزيز قائد اللواء الثالث المدرع والعقيد مصطفى حسن قائد اللواء 22 مدرع ، كما أصيب العقيد محمد خليل رئيس أركان اللواء الأول المدرع وفقد بصره ، استشهد أيضا اللواء مهندس أحمد حمدى على أحد المعابر بسبب كثافة النيران الإسرائيلية .. وقد دفعت تلك الانتكاسة الميدانية المصرية الخطيرة إسرائيل إلى شن هجوم جوى مكثف قدر بـ 120 طائرة على القواعد الجوية فى الدلتا عصرا وخاصة على مطار شاوه بالمنصورة )..
أصيب قائد الجيش الميدانى الثانى اللواء سعد مأمون بعد الهجوم مباشرة وفى حوالى الثامنة صباحا بانهيار عصبى ناتج عن أزمة قلبية حادة بسبب الخسائر الفادحة التى تكبدها الجيش الثانى ونقل إلى الخطوط الخلفية وخلفه رئيس أركانه اللواء تيسير العقاد ثم تولى اللواء عبد المنعم خليل قائد المنطقة المركزية والقائد السابق للجيش الثانى - مكانه بعد يومين ..
غادر الشاذلى عصر هذا اليوم القاهرة للمرة الثالثة منذ بدأ الحرب إلى الجبهة ، ليس بغرض تهنئة القوات كما فعل فى السابق بل بناء على أوامر السادات بغرض رفع المعنويات التى انهارت ، كنتيجة أكدها القادة الميدانيون فى حال تطوير الهجوم وأصر السادات على مخالفتهم ..
يقول الفريق الشاذلى فى كتابه " مذكرات حرب أكتوبر " فى هذا الشأن ما يلى :
" مازال هناك الكثير من الغموض يحيط بهذا الموضوع ، هل كان قرارهم يقصد السادات وأحمد إسماعيل بتطوير الهجوم نتيجة جهل أم مغامرة أم خيانة ؟! " ..
يقول الفريق عبد المنعم واصل فى كتابه " الصراع العربى الإسرائيلى ، مذكرات وذكريات " فى ص 232 ما يلى :
تأخر العدو فى القيام بهجومه المضاد يقصد بدأ تنفيذ الخطة غزالة التى حكى عن بعض تفاصيلها بسبب وجود الفرقتين المدرعتين 21 ، 4 فى الجبهة الغربية لقناة السويس " ..
يقول الفريق كمال حسن على فى كتابه " مشاوير العمر " فى ص 320 ما يلى :
لقد أصبح واضحا أن الرئيس السادات هو الذى كان يمسك بدقة بدفة الأمور بين يديه ، بدليل أنه أعطى أوامره باستئناف الهجوم لتخفيف الضغط على سوريا ، قام الفريق أول احمد إسماعيل بالاستجابة للأمر مباشرة مما أفرغ الضفة الغربية للقناة من معظم مدرعاتنا وهو الأمر الذى استغلته إسرائيل لعمل الثغرة .. لقد تناسى الفريق أول أحمد إسماعيل كل مخاوفه عن خروج القوات عن مظلة حماية الصواريخ المضادة للطائرات ..
ثم يضيف فى ص 325 ما يلى :
" من المبادئ الأولية للمدرعات هى أن الدبابات لا تصلح لمهاجمة النقاط الحصينة ، بالمصادفة كان قائدا الجيش الثانى والثالث يقصد اللواء عبد المنعم واصل واللواء سعد مأمون من سلاح المدرعات فنبها القيادة إلى خطر قرار الهجوم يقصد هجوم التطوير فى يوم 14 أكتوبر إلا أنه كان قد تقرر سياسيا "..
كما يذكر فى صفحتى 319 ، 326 ما يلى :
" إن إسرائيل كانت قد تسلمت فى 12 أكتوبر من أمريكا صاروخا مضادا للدبابات لا مثيل له فى العالم يسمى تاو Tow وهو يحمل على سيارة جيب خفيفة وقامت بتدريب قواتها عليه فى أربع ساعات وجاء يوم 14 أكتوبر ليشهد تدمير أغلب الدبابات المصرية فى اليوم المذكور على يد هذا الصاروخ الذى كان مداه يصل إلى ثلاثة آلاف متر بينما مدى الدبابة فى حدود ألفى متر .. لقد تأكدت المخابرات الحربية من وجود هذا الصاروخ عقب التحقيقات التى جرت على عجل مع العقيد الإسرائيلى الأسير عساف ياجورى قائد اللواء 190 مدرع والذى كان قد تم أسره فى 8 أكتوبر "..
( أجمع المؤرخون العسكريون أن المخابرات الألمانية قد أخفقت قبل الحرب العالمية الثانية فى جمع معلومات عن الدبابة الروسية T 34 فكانت هزيمة النازية بسبب تلك الدبابة ، نجد هنا نفس السيناريو يتكرر حيث أخفقت المخابرات المصرية فى معرفة تفاصيل الصاروخ تاو قبل الحرب ، رغم إقرار اللواء فؤاد نصار قائد المخابرات الحربية وقت الحرب بأن المخابرات المصرية علمت بتدريب القوات الأردنية عليه قبل حرب أكتوبر !!) ..
إذن نستطيع القول أنه وعلى الرغم تلك المعلومات الخطيرة التى توافرت لدى الجيش قبل هجوم 14 أكتوبر بوجود صارخ حاسم لدى إسرائيل ورغم ما تعبر عنه طائرة الاستطلاع الأمريكية فى اليوم السابق للهجوم من سيناريو قادم ورغم معرفة السادات بتفاصيل الخطة الإسرائيلية غزالة ، إلا أن السادات وبدلا من إلغاء الهجوم والإبقاء على قوات النسق الثانى فى غرب القناة مرة أخرى واصل المضى قدما فى خططه وأعطى الإسرائيليين فرصة ذهبية لمحاصرة الجيش المصري من الخلف !!
15 أكتوبر :
اقترح الفريق الشاذلى على وزير الحربية إعادة الفرقتين المدرعتين 21 ، 4 من الشرق إلى الغرب حتى يتم إعادة التوازن الدفاعى ل القوات المصرية وقطع الطريق أمام الإسرائيليين لتنفيذ الخطة " غزالة " إلا أن وزير الحربية رفض .. كررت الطائرة الأمريكية السابقة الذكر طلعتها فوق القوات المصرية فى عصر اليوم .. أصبحت الظروف من وجهة النظر الإسرائيلية أفضل بكثير من يوم 13 أكتوبر وبدأت المدرعات الإسرائيلية فى مساء هذا اليوم فى التدفق إلى غرب القناة لتحقيق الخطة " غزالة " !! ..
16 أكتوبر :
وصلت إلى مركز 10 فى القاهرة أنباء فى الصباح الباكر بوجود دبابات إسرائيلية فى غرب القناة فى منطقة الدفرسوار تقوم بقصف بطاريات الصواريخ المصرية المتواجدة فى غرب القناة والتى تحمى القوات المصرية فى الشرق ..
أمر الفريق الشاذلى على الفور اللواء 23 المدرع - المتواجد فى القاهرة كاحتياطى استراتيجى - بالتحرك فورا إلى منطقة الثغرة والتعامل مع القوات الإسرائيلية التى عبرت إلى غرب القناة .. عند الظهر ألح الشاذلى فى طلبه القديم بإعادة الفرقتين المدرعتين 4 ، 21 إلى غرب القناة ومعهما أيضا اللواء المدرع المستقل 25 بقيادة العقيد أحمد حلمى بدوى من الجيش الثالث للتعامل مع الموقف الجديد غرب القناة وتوجيه ضربة مركزة بتلك القوات إلى قوات العدو المتواجدة فى غرب القناة ، لكن وزير الحربية كان مازال مصرا على الرفض ..
وصل السادات عصرا فانتهز الفريق الشاذلى الفرصة وشرح الموقف له وطريقة علاجه إلا أنه فوجئ بالسادات يصرخ فيه مهددا بمحاكمته عسكريا إذا كرر طلبه..
يقول الشاذلى فى كتابه السابق " مذكرات حرب أكتوبر " فى هذا الشأن ما يلى :
" لقد أصابنى كلام السادات بجرح عميق ، جال بخاطرى أن أستقيل لكن كيف أترك قواتى فى أوقات الشدة ؟ لقد عشت معها فترات المجد ويجب أن أكون معها فى أوقات الشدة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه ، لقد ابتلعت كبريائى " ..
تقدم وزير الحربية بخطته لاحتواء الثغرة وهى توجيه ضربة من الشرق حيث تتواجد القوات المصرية إلى القوات الإسرائيلية المتواجدة فى الغرب وتحريك اللواء المدرع المستقل 25 بالجيش الثالث من مواقعه فى الشرق كى يتجه شمالا ليشترك فى الضرب من الشرق ..
عارض الفريق الشاذلى بشدة تلك الخطة لأنها ستقضى على اللواء المدرع 25 وكانت خطته توجيه الضربة المركزة من الغرب عن طريق سحب اللواء المدرع المذكور حتى لا يقع فى فكى كماشة فى أرض ضيقة ويدمر ..
17 أكتوبر :
تلقى الفريق الشاذلى فى الثالثة من صباح اليوم اتصالا من اللواء عبد المنعم واصل قائد الجيش الثالث وأخبره بأنه لن ينفذ تعليمات وزير الحربية بتوجيه الضربة من الشرق بدلا من غرب القناة كما يجب لأنه بمثابة إنتحار جماعى لقوات اللواء المدرع 25 ..
أقنع الفريق الشاذلى اللواء واصل بضرورة الامتثال لقرار الوزير لأنه فشل فى إقناعه.. وقد ذكر الفريق سعد الشاذلى فى كتابه السابق أن اللواء قائلا رد عليه قائلا " لا حول ولا قوة إلا بالله ، سأنفذ أوامره ولكننى أقولها مسبقا بأن هذا اللواء سيدمر " ..
تم تدمير أغلب دبابات اللواء المدرع 25 مع استشهاد المئات من ضباطه وجنوده فى فترة قصيرة لوقوعه فى منطقة محصورة وضيقة حددها له الوزير حيث ضفة القناة على يساره والتلال على يمينه وهو ما أدى إلى فتح النيران المركزة عليه من المدرعات إسرائيلية وكذلك من القوات الجوية الإسرائيلية التى كانت قد بدأت فى فتح ثغرة جوية بعد تدمير بعض بطاريات الصواريخ المصرية غرب القناة ..
يقول الفريق كمال حسن على فى كتابة " مشاوير العمر " فى ص 342 ، 343 ما يلى :
" كان قرار دفع اللواء المدرع 25 مستقل من قطاع الجيش الثالث إلى اتجاه الشمال على الضفة الشرقية للقناة بدلا من الضفة الغربية لإغلاق مدخل عبور الإسرائيليين قرارا غير واقعى مما عرضه لهجوم الدبابات الإسرائيلية التى كانت تتحرك بموازاته خلف التلال .. كان دفع هذا اللواء إلى الضفة الشرقية للقناة فكرة غير صائبة لأن طريقه هناك كان ضيقا بمحاذاة البحيرات المرة بالإضافة إلى حرمانه تغطية من مدفعية الجيش الثالث ، وللحق فإن اللواء عبد المنعم واصل عارض بشدة تحريك اللواء المدرع ولكنه اضطر لتنفيذ التعليمات بعد أن قطعت عليه القيادة كل سبل المعارضة مما أدى إلى تحمل هذا اللواء إلى خسائر فادحة وصلت إلى تدمير 80 % من دبابته ، كان الرئيس السادات شخصيا هو المعارض لنقل هذا اللواء إلى الغرب بدلا من الشرق لمواجهة الثغرة " ..
يقول الفريق الشاذلى فى كتابه " قصتى مع السادات " فى ص 72 ما يلى :
" وقع اللواء 25 مدرع فى كمين للعدو قامت بتنفيذه فرقة مدرعة وتم تدميره تدميرا تاما ولم ينج من هذه المجزرة سوى 25 دبابة " ..
كما يقول فى كتابه " مذكرات حرب أكتوبر " ما يلى " :
" أمر السادات أن يتم التعامل مع أفراد اللواء المدرع 25 على أنهم جبناء للتغطية على قراراته العسكرية الكارثية التى اتخذها بدفعهم إلى معركة خاسرة " ..
18 أكتوبر :
أكملت إسرائيل بناء كوبرى ترابى فوق القناة .. تم تدمير اللواء المدرع 23 الذى حضر من القاهرة وكان بها كإحتياطى إستراتيجى وأصيب قائده العقيد حسن عبد الحميد بسبب ضآلة قواته التى كانت تواجه أكثر من فرقة مدرعة إسرائيلية غربا مع سيطرة جوية بدأت تتحرك بحرية بسبب إتساع حجم الثغرة الجوية الناتجة عن ضرب صواريخ الدفاع المصرى..
أخذت طلائع فرقة الجنرال إبراهام آدان المدرعة فى الظهور متجة جنوبا إلى السويس لمحاصرة الجيش الثالث بينما كان الجناح الأيمن للجيش الثانى الفرقة 16 مشاة - يتعرض للتطويق من الخلف من قبل فرقة شارون التى كانت تتحرك شمالا ..
وصل السادات إلى مركز 10 فى الثانية ظهرا وطلب من الفريق الشاذلى التوجه فورا إلى الجيش الثانى لرفع المعنويات ..كان الطريق إلى القاهرة قد أصبح مكشوفا ..
يقول الفريق الشاذلى فى كتابه " مذكرات حرب أكتوبر " ما يلى :
" أدرك السادات عصر هذا اليوم بضرورة عودة الفرقة المدرعة الرابعة إلى الغرب لكنه كان ما زال رافضا لسحب ما تبقى من اللواء المدرع 25 إلى الغرب رغم خسائره ومعنوياته الهابطة .. لم يعد الآن يكفى سحب تلك الفرقة إلى الغرب لأن العدو كان قد أصبح يتواجد بفرقتين مدرعتين فى غرب القناة " ..
وصل الفريق الشاذلى إلى قيادة الجيش الثانى فى الساعة 5.30 عصرا للحيلولة دون تطويقه .. قدم اللواء المظلى 150 بقيادة العقيد إسماعيل عزمى مع كتيبتى صاعقة مصرية واللواء المدرع 15 والقوات الجزائرية الخاصة والمدرعة ( اللواء الجزائرى الثامن المدرع واللواء 12الجزائرى مشاة ميكانيكى ) بطولات تفوق التصور وتمكنوا من وقف تقدم شارون وتكبدت القوات العربية فى هذا اليوم خسائر تفوق التصور من جنودها وقادتها .. أدرك السادات متأخرا أهمية سحب فرقتى المدرعات إلى الغرب لكنه اقتصر ذلك على الفرقة المدرعة الرابعة فقط ..
19 أكتوبر :
واصلت فرقة إبراهام آدان المدرعة طريقها جنوبا إلى السويس مستفيدة من تدمير صواريخ الدفاع الجوى المصرى غرب القناة وبالتالى سيادتها الجوية .. فرقة شارون المدرعة تواصل محاولاتها فى التوجه شمالا لتطويق الجيش الثانى لكنها تصطدم بمقاومة قل نظيرها من قوات مصرية وجزائرية يقودها الفريق الشاذلى بعد أن رفض العودة إلى القاهرة .. سقط فى هذا اليوم شهداء ستذكرهم الأجيال بعد الخروج من النفق المظلم الذى تقيد فيه مصر الآن بحروف من نور ونار ..
من هؤلاء البطل العقيد صاعقة إبراهيم الرفاعى قائد المجموعة 39 مع رجاله من القوات الخاصة والذى يعرف كل الإسرائيليين ماذا أوقع فيهم ومنهم أيضا الشهيد العميد أحمد عبود الزمر قائد الفرقة 23 مشاة ميكانيكى وكذلك الكثير من مقاتلى الجيش الجزائرى ..
20 أكتوبر :
دفع الإسرائيليون بفرقة مدرعة ثالثة غرب القناة بقيادة الجنرال كلمان ماجن وكانت مهمتها الإجهاز على تدمير ما تبقى من كتائب الصواريخ المصرية غرب القناة وتأمين مؤخرة الجنرال إبراهام آدان المتجه جنوبا إلى السويس ومساعدة مقدمة الجنرال شارون الذى يحاول الإتجاه شمالا إلى الإسماعيلية
كان الموقف فى غرب القناة يهدد بكارثة حقيقية حيث بدأ الضغط يشتد على الفرقة الرابعة المدرعة وحدها فى مواجهة تلك الفرق بينما تقاوم بمحاولات مستميتة لمنع محاصرة الجيش الثالث وفى نفس الوقت فى حماية الطريق إلى القاهرة ..أصبح الطيران الإسرائيلى يسيطر على سماء المنطقة بعد أن دمر كل بطاريات الصواريخ المتواجدة فى ظهر الجيش الثالث ، وقد دفع ذلك إلى تدخل الطيران المصرى الغير مؤهل لتلك المنازلة فى محاولات يائسة لوقف إنهيار الموقف بصورة كاملة وهو ما أدى إلى سقوط 19 طائرة مصرية فى معركة جوية واحدة ..
عاد الشاذلى إلى مركز 10 بالقاهرة فى العاشرة مساء بعد أن أمضى يومين فى قيادة الجيش الثانى وحال دون تطويقه وفتح الطريق إلى القاهرة ..
أخبر الفريق الشاذلى فور عودته وزير الحربية بأن مصر مقبلة على كارثة محققة إذا لم يتم سحب 4 ألوية مدرعة من الشرق إلى الغرب فورا ، لأن حياة 45 ألف مقاتل - وهم مقاتلوا الجيش الثالث - ستكون فى يد إسرائيل التى أصبح يتواجد لها غرب القناة ثلاث فرق مدرعة ولن تصمد أمامهم الفرقة الرابعة المدرعة وحدها التى سحبت متأخرة إلى الغرب ، وسيواجه الجيش الثانى نفس المصير فى مرحلة تالية ..
طالب قائد المدفعية اللواء محمد الماحى بحضور رئيس الجمهورية فورا للوقوف على الموقف .. وصل السادات فى الحادية عشر واجتمع على الفور لمدة ساعة مع وزير الحربية وخرج كى يقول أمام قادة العمليات " لن أسحب جندى واحد من الشرق " وأخذ طريقه فى الانصراف .. رفض الفريق الشاذلى إشارات من بعض المتواجدين تطلب منه التعقيب بسبب توتر الموقف ..
21 / 22 أكتوبر :
القوات الإسرائيلية تركز هجومها فى اتجاه السويس .. السادات يستنجد بالسوفييت لحث أمريكا على إلزام إسرائيل بوقف القتال ( شهد الأسبوع الأول من القتال 9 أكتوبر - حادثة بينه وبين السفير السوفيتى وفيها تعامل السادات معه بصلف وأهانه وخرج السفير شبه مطرود من الجلسة ) .. الموقف يزداد سوءا فى قطاع الجيش الثالث الذى بدأ يتلقى ضربات غربا من الخلف وشرقا من الأمام مع ضربات جوية مركزة مما تسبب فى مئات من الشهداء وخسائر فادحة فى الآليات المكشوفة فى الصحراء .. فى الساعة ,526 مساء من مساء 22 يصدر مجلس الأمن القرار 338 والذى يقضى بوقف إطلاق النار بين المتحاربين ..
يقول السيد حافظ إسماعيل مستشار الأمن القومى فى ص 347 فى كتابه " أمن مصر القومى " ما يلى :
" لم أكن أعرف تماما ماذا يحدث حتى نتحرك بهذه السرعة نحو قبول وقف إطلاق النار " ..
( جدير بالذكر أن وزير الحربية كان ينشر بين الوزراء قصصا تقلل من حجم الثغرة ويدعى أن الأمر لا يزيد عن سبع دبابات وجارى العمل على الخلاص منها وهو ما أدى إلى بعض الصدامات بينه وبين الفريق الشاذلى .. لم يكن من المستغرب إذن أن مستشار الأمن القومى وهو ضابط سابق ومحترف فى الجيش المصرى لم يكن يعرف حقيقة ما يجرى غرب القناة بسبب " التضليل " الذى مارسه الفريق أول أحمد إسماعيل من خلال التقليل من حجم كارثة الثغرة فى الغرب والذى جاء كنتيجة مباشرة للضغوط التى مارسها السادات عليه وقبلها راضيا ) ..
23 أكتوبر :
أصدر مجلس الأمن القرار رقم 338 والذى يقضى بوقف القتال ، لكن إسرائيل رفضت تنفيذه وواصلت تقدمها إلى السويس وبلغ تحديها أن أضاءت أنوار مدرعاتها عند الغروب وقبل حلول الظلام بينما كانت القوات المصرية الإدارية فى الخطوط الخلفية تنظر إليها من بين الأشجار دون القدرة على فعل شيء .. الهجوم برا من الأمام والخلف وجوا يتواصل وبشدة على الجيش الثالث ..
يذكر الفريق واصل فى كتابه " الصراع العربى الإسرائيلى : مذكرات وذكريات " فى ص310 أنه جرى اتصال تليفونى فى الساعة 10.24 من صباح 23 أكتوبر بينه وبين وزير الحربية الفريق أحمد إسماعيل وفيه سمع اللواء واصل لأول مرة منه عن فكرة إرسال الفرقة الرابعة إلى الشرق مرة أخرى لمساعدة الفرقتين المحاصرتين الـ 19 ، 7 مشاة وعن قيام الطيران المصرى بعمل مظلة جوية لحماية الجيش الثالث فرد عليه اللواء واصل بالقول " بعد إيه ، بعد ما خربت مالطة " لكن الوزير لم يرد ! ..
( كان وزير الحربية يعلم جيدا أن قدرات القوات الجوية المصرية - سواء من حيث طائراتها المتواضعة أو من حيث طياريها قليلى التدريب غير مؤهلة لملاقاة مثيلتها الإسرائيلية وتنفيذ تلك المظلة الجوية التى وعد بها قائد الجيش الثالث ، ولو فعلها لأباد القوات الجوية دون شك ، هذا من ناحية .. من ناحية أخرى فإن العاقل حتى لو كان غير متخصص - يقول أن المظلة الأكثر أمانا والأكثر فاعلية كان موجودة فعلا على الأرض ممثلة بصواريخ الدفاع الجوى ، لكن السادات أربك بقرارته الصبيانية عمل القادة الميدانيين وتسبب فى محاصرة الجيش الثالث ومقتل عدة آلاف من أفراده وتدمير أغلب معداته ، وكاد ذلك أن ينطبق على الجيش الثانى أيضا ، ووافقه فى ذلك وزير حربيته .. إننا ندعوا المختصين أن يتقوا الله ويفكوا لنا هذا اللغز بقول الحقيقة ، كان لغزا وقتها لكنه الآن لم يعد كذلك ) ..
24 أكتوبر :
السادات يستجدى السوفييت مرة ثانية للضغط بهدف وقف القتال فيرسلون بيانا شديد اللهجة إلى نيكسون ويرفعون درجة الاستعداد فى ست فرق مظلات فى أوربا ويرد الأمريكيون بإجراء مماثل ويقف العالم على شفى حرب عالمية ثالثة قد تنهى الحياة على الأرض ..
تعرضت قيادة الجيش الثالث المتواجدة فى الغرب إلى التدمير ونجا قائده اللواء واصل من الموت بأعجوبة .. أصدر مجلس الأمن فى ذات اليوم القرار 339 ويقضى بوقف إطلاق النار فتقبله إسرائيل لأنها كانت قد دخلت مدينة السويس وأكملت حصار الجيش الثالث كورقة رابحة وفعالة فى فرض شروط مهينة للتفاوض ..
بانتهاء يوم 24 أكتوبر كانت إسرائيل قد انتهت من حصارها التام على قوات الجيش الثالث ووضعت خمسة وأربعين ألف مقاتل مصرى فى قبضتها .. ربحت إسرائيل بهذا العمل الذى حضرت له منذ 16 أكتوبر ورقة هامة فى فرض إرادتها العسكرية على القيادة المصرية وهو ما سيكون له الأثر الفاعل كما سنرى لاحقا - فى رسم إرادتها بالمنطقة وتهديد الأمن القومى المصرى وإخراج مصر من دائرة الصراع العربى الإسرائيلى وضياع الحقوق الأساسية للمسلمين وأهمها القدس ..
25 / 26 أكتوبر :
الجيش الإسرائيلى يتواجد فى السويس بقوة تقدر بفرقة مدرعة ولواء مظلى .. العميد يوسف عفيفى قائد الفرقة 19 مشاة يصدر أوامره بإرسال العديد من صائدى الدبابات إلى السويس ... العدو يخسر ثلاثين دبابة إسرائيلية فى شوارع السويس مع مقتل مائة من جنوده وجرحت 500 ومحاصرة العديد من جنود المظلات الإسرائيليين داخل بعض الأحياء بفضل المقاومة الشعبية ورجال الفرقة 19..
يجتمع المجلس العسكرى فى 26 أكتوبر برئاسة وزير الحربية وبغرض إنقاذ الجيش الثالث ويحضر الاجتماع العميد قابيل قائد الفرقة الرابعة المدرعة وكذلك اللواء واصل قائد الجيش الثالث .. الوزير يطلب من العميد قابيل القيام بعملية عسكرية لفك الحصار عن الجيش الثالث .. اللواء واصل يرد بأن ذلك معناه التدمير التام للفرقة من الجو والبر ، العميد قابيل يقول " إننى ورجالى على استعداد للقيام بتلك العملية الانتحارية لكننا لن ننجح فى فك الحصار وستدمر الفرقة وسيفتح الطريق بذلك إلى القاهرة " ... يسأله الوزير " ماذا عن الطرق الفرعية التى يمكن أن تستخدمها لإيصال المساعدات إلى المحاصرين ؟ " ..
يقول الفريق الشاذلى الذى كان يجلس صامتا فى كتابه "مذكرات حرب أكتوبر " ما يلى :
" لقد كدت أصعق وأنا أستمع إلى كلام وزير الحربية وهو يدلى بهذا القول ، إن مثل هذا الكلام لا يصدق من شخص بكامل قواه العقلية ، فكيف يصدر من وزير الحربية والقائد العام للقوات المسلحة ؟! " ..
يشرح الفريق الشاذلى أسباب صدمته بسماع كلام وزير الحربية فى كتابه السابق بقوله ما يلى :
" إن 45 ألف رجل محاصرين يحتاجون يوميا إلى 150 طن من الطعام والشراب وهذه كمية تحملها يوميا 100 سيارة نقل ، وإذا كان العدو يملك السيطرة الجوية والبرية ، وهو كذلك ، فكيف تتمكن الفرقة الرابعة المدرعة من إدخال تلك الكميات يوميا دون رصدها ؟! "..
تناول الوزير ورقة يأمر فيها العميد قابيل بتنفيذ أمر نقل الإمدادات وطلب من الفريق الشاذلى أن يوقع عليها ، رفض الفريق الشاذلى ، فهدده الوزير بأنه سوف يقوم بإخطار رئيس الجمهورية .. رد الفريق الشاذلى بهدوء " تستطيع بكل تأكيد فعل ذلك " .. تدارك الوزير الموقف وقام بالتوقيع على الأمر وسلمه إلى العميد قابيل لكنه لم ينفذ لإلغاء المهمة بسبب وصول أنباء عن بدأ وصول قوات الأمم المتحدة ..
27 أكتوبر :
تعرضت مدينة السويس فى هذا اليوم إلى موجات متتالية من القصف الجوى المركز أدت إلى استشهاد 80 فرد أغلبهم من المدنيين إنتقاما من الخسائر الإسرائيلية فى الأفراد والمعدت فى شوارع مدينة السويس ثم توقف قصف فى صبيحة اليوم التالى بسبب وصول قوات الأمم المتحدة .
يدخل السادات منذ وصول قوات الأمم المتحدة مرحلة أخرى ، أظن أنها كانت كامنة فى جوفه منذ توليه سدة الحكم ، ولا نبالغ إذا قلنا أنها كانت المرحلة الأكثر عمقا فى خطورتها على الأمن القومى المصرى ..
سنطرح هنا مجموعة القرارات الكارثية التي اتخذها السادات على طاولة المفاوضات مع اليهود بعد وقف المعارك والتي لا نبالغ في القول أنها فاقت في عمق ضررها بالأمن القومي المصري بأكثر مما اتخذه من قرارات كارثية أثناء المعارك العسكرية ..
يقول الفريق الشاذلي في مذكراته مذكرات حرب أكتوبر ما يلي :
" أن القرارات العسكرية الكارثية التي اتخذها السادات في غرفة القيادة العامة أثناء سير المعارك وأجبر القادة الميدانيين على تنفيذها قد دفعت خصوم السادات إلى اتهامه بالخيانة معتمدين في ذلك على ما نشرته صحيفة واشنطن بوست في السبعينات إلى أنه كان يتقاضى مرتبا من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية CIAمنذ الستينات بالإضافة إلى ما ذكره الصحفي الأمريكي الأكثر شهرة Bob Woodward في كتابه The Secret Wars Of The CIA في صفحة 352 " ..
جدير بالذكر أن الصحفي المذكور كان يعمل في صحيفة واشنطن وهى الأكثر شهرة في العالم ووضع يده - في نوفمبر 1977 - على قائمة من عملاء وكالة المخابرات المركزية الأمريكية C.I.A من قادة الشرق الأوسط وأعلن عن نيته نشر تلك القائمة والتي كان ضمنها كما ذكر هو في أكثر من موضع أنور السادات مع ملك عربي ..( كان يطلق عليه في الدوائر الأمريكية المغلقة Mr. No Beef ) ورئيس عربي آخر ( تولى قيادة بلده بانقلاب مسلح وكان لا ينجب ) ..
علم الرئيس الأمريكي كارتر بما ينوى الصحفي القيام به فاتصل به يرجوه عدم نشر تلك القائمة لما قد تسببه من مخاطر على الأمن القومي الأمريكي إلا أنه أصر على نشر تلك القائمة وهو ما فعله وسبب حرجا عميقا للبيت الأبيض .. وجاءت نهاية عام 1979 واقتحم الطلبة الإيرانيون مقر السفارة الأمريكية في طهران وأخرجوا منها وثائق عديدة تصب في هذا الاتجاه ..
لكن الفريق الشاذلي لا يتهم السادات بالخيانة ويعلل كوارث قرارات تطوير الهجوم التي اتخذها السادات بأنها ترجع إلى لوثة عقلية أصابته عقب الانتصار المذهل ل القوات المصرية في أسبوع الحرب الأول ، وقد تعود أسباب تلك اللوثة - والكلام مازال للفريق الشاذلي - إلى أيام الحرمان والجوع التي كانت في طفولة السادات وشعوره بالنشوة في مركز 10 من سماعه كلمة حاضر يافندم رغم ضحالة ثقافته العسكرية التي لم تزد على ثلاثة سنوات وفى سلاح فني بالقوات المسلحة وهو الإشارة ...
يدلل الفريق الشاذلي على ذلك بما قاله السادات في كتابه الذي أصدره بعد الحرب البحث عن الذات حيث قال فيه السادات عن تلك الفترة " حكمتك يارب .. كل الناس في العالم العربي بيأخذوا دلوقتى أوامر منى ، أقول أي شيء فيقولون حاضر يافندم " ..
يذكر د. محمود جامع الطبيب الخاص للسادات وجليسه منذ طفولته ما يؤكد ضحالة الثقافة العسكرية عند السادات في كتابة " عرفت السادات " وذلك في موضعين :
الأول :
يقول أنه في أعقاب عودت السادات إلى الجيش في الأربعينات بعد فصله تقدم لامتحان الترقية وذهب إلى جمال عبد الناصر ومعه أسئلة الامتحان لأنه لم يستطع الإجابة عليها وأعطاه عبد الناصر الإجابة بخط يده ..
الثاني :
حدث في 26 سبتمبر 1973 في قرية السادات ميت أبو الكوم حيث أخبره السادات أن العبور سيتم في الفترة 3 إلى 10 أكتوبر وقال له " لو أخبرت أحدا بهذا الأمر فسوف أذبحك " ، وكان د. جامع حاضرا في اليوم المذكور عندما أخبر السادات شقيقته الكبرى نفيسة بذلك أيضا وطلب منها أن تدعى الله له بالنصر .. ويضيف د. جامع أنه أخبر العديد من الوزراء بكلام السادات له عن موعد العبور عقب عودته إلى القاهرة ..
( الطبيعي أن يقوم الوزراء بنقل الخبر إلى منازلهم وكذلك إلى الصف الثاني في كل وزارة ، والطبيعي أيضا أن يفعل الصف الثاني نفس الشيء وهكذا في متوالية عددية .. وقد يفسر ذلك قيام وزير الطيران المدني أحمد نوح بوقف خطوط مصر للطيران يوم 5 أكتوبر دون الرجوع إلى القيادة السياسية بعد أن انتشر الخبر بين أعضاء الحكومة مما كاد أن يؤدى إلى فشل العبور وربما فناء الجيش المصري وتكرار سيناريو النكسة ، وقد يفسر عدم التحقيق مع الوزير نوح بعد الحرب هي الرغبة في عدم كشف الكارثة التي تسبب فيها السادات ..
لقد ضرب السادات هنا عرض الحائط بأبسط قواعد العسكرية بكتمان هذا الأمر الخطير .. ويذكر الفريق الشاذلي في كتابه السابق أنه حتى زوجته لم تكن تعلم أثناء وجوده خارج مصر لجلب المساعدات العسكرية لأنها تعودت على غيابه بالمواقع العسكرية لعدة أسابيع ) ..
أما ما فعله السادات أثناء المفاوضات مع الإسرائيليين فيفوق فى أضراره ما فعله فى غرفة العمليات ونذكر مثليْن على ذلك وردا فى كتاب المشير عبد الغنى الجمسى " مذكرات حرب 1973 " وهما ما يلى :
الأول ذكره في ص 482 :
اجتمع المشير الجمسى في أسوان مع كيسنجر في ديسمبر 1973 لمناقشة تفاصيل فض الاشتباك وفوجئ منه بمعرفة أن السادات قد اتفق معه أي مع كيسنجر - على تواجد للقوات المصرية في سيناء بحجم 30 دبابة مع 7 آلاف رجل فقط ، انصرف المشير الجمسى من الجلسة لفترة بعد أن اغرورقتا عيناه بالدمع ..
يقول المشير " لم يكن هناك ما يدعو إلى هذا التنازل الكبير الذي يترتب عليه تهديد أمن القوات المصرية ، كنت أتوقع أن يستشير السادات الفريق أحمد إسماعيل أو يستشيرني عند وصولي إلى أسوان لإبداء الرأي في الموضوعات العسكرية .. اقترحت على الرئيس استدعاء الفريق أحمد إسماعيل من القاهرة ورد بأنه لن يستدعيه وأن اتفاقه مع كيسنجر يجب الالتزام به " ..
الثاني ذكره في ص 500 :
كان في 20 ديسمبر 1977 أثناء اجتماعه كوزير للحربية للمرة الأولى مع عزرا وايزمان في جناكليس ، فوجئ الجمسى منه بمعرفة أن السادات كان قد أعطى بيجين " وعدا " بعدم تواجد أي قوات للجيش المصري شرق ممرات المتلا والجدي وحتى الحدود مع إسرائيل وهى مسافة تقدر بـ150 كم ..
يقول المشير " كانت دهشتي كبيرة وصدمتي أكبر لأن الرئيس السادات لم يخبرني مسبقا بذلك قبل بدأ المفاوضات ولم يكن من المستساغ أن أبين لوايزمان أنني لست على علم بوعد قطعه رئيس الدولة باسم مصر في هذا الموضوع العسكري الهام .. كان المفروض بحكم منصبي كوزير للحربية وقائد عام للقوات المسلحة أن يؤخذ رأيي في هذا الموضوع " ... كما يذكر المشير أنه حاول المماطلة في مقابلاته مع وايزمان التي تلت ذلك بحجة أن السادات ليس رجلا عسكريا إلا أن وايزمان رفض بإصرار تغيير ما وعد به السادات ، ويقول وايزمان في كتابه " المعركة من أجل السلام " ردا على ما فعله المشير الجمسى معه بقوله " لم أتصور أن يجرأ أي مصري على المطالبة لنفسه بحق خرق وعد قدمه الرئيس المصري نفسه ، لقد دار نقاش بيننا شديد" ..
لم يقتصر الأمر على ما ذكره المشير الجمسى بل تعداه إلى البنود السرية التي كانت ملحقة في اتفاقية كامب ديفيد ، تلك البنود التي تفاجأ المصريين بين الحين والأخر بالجديد فيها ..
أصبح من الثابت الآن لجميع المراقبين والمتخصصين - وأخص منهم القيادات العسكرية وبالذات اللواء فؤاد نصار مدير المخابرات الحربية وقت الحرب - أن السادات كان قد أخبر الملك حسين قبل أسبوعين من حرب أكتوبر بيوم الهجوم وحدد ساعة الصفر له بأنها ستكون السادسة قبل المغرب وهو يعلم مسبقا بأن هذا الملك سيخبر أصدقاءه فى إسرائيل بذلك وهو ما حدث ، كما أخبر السادات أيضا أشرف مروان نفس الرواية قبل الحرب وأسر مروان بالخبر إلى رئيس الموساد في 5 أكتوبر الذي طار إلى لندن خصيصا للقاء به ( مع افتراض النوايا الوطنية لدى مروان وأنه كان فعلا يعمل مزدوجا لصالح مصر ) ..
إننا نسأل عن الهدف الإستراتيجي مما فعله السادات هنا ؟! .. سمعنا الكثير من مطبلى وراقصي النظام بأن ذلك كان يندرج ضمن خطة الخداع الإستراتيجي ولكننا نود أن نسمع شرحا من متخصصين مستقلين عن قائد يخبر أعداءه بيوم هجومه !! .. السادات نفسه رفض إعطاء القادة العرب الراغبين في إرسال قوات أي معلومات عن ساعة الصفر ولو تقريبية ، هوارى بومدين حاول عدة مرات معرفة ذلك ولو تقريبيا ، وكان مستعدا لإرسال كل الجيش الجزائري والإبقاء فقط على قوات الشرطة إذا أعطى الوقت الكافي ، وهو ما كان سيغير معالم أشياء كثيرة بالمنطقة ، فلماذا يبلغ السادات إسرائيل بيوم الهجوم ولم يبلغ به بومدين ؟! .
إذا كان السادات يعلم مسبقا بأن الخروج من المظلة الدفاعية الصاروخية والتي مداها 15/ 20 كم شرق القناة سيعنى تدمير القوات المصرية وهو ما حدث بالطبع - فإن المحقق المحايد لابد أن يطرح الأسئلة التالية :
- لماذا أمر بتطوير الهجوم 14 أكتوبر وتدمير القوات المصرية على النحو الذي ذكرناه ؟! ..
- ألم يكن مقنعا له أن تدمير اللواء الأول مشاة في يومي /11 12 أكتوبر كان بسبب خروجه من المظلة الدفاعية الصاروخية ؟! ..
- من أصدر قرار الخروج لهذا اللواء من المظلة الجوية ؟! ، ..
- ألم تعط الطلعة الأمريكية في 13 أكتوبر السادات وكذلك المخابرات الحربية شعورا كافيا بأن الإسرائيليين يبحثون عن طريق الأمريكيين عن ثغرة للنفاذ إلى غرب القناة وتنفيذ الخطة غزالة ؟! ..
لماذا لم تؤخذ تحقيقات المخابرات الحربية مع العقيد عساف ( قائد اللواء المدرع 190 ) في 8 أكتوبر مأخذ الجد ويلغى تطوير الهجوم ، تلك التحقيقات التي أكدت وجود صاروخ مضاد للدبابات أمريكي لدى إسرائيل لا مثيل له في العالم ومداه 3 آلاف متر وهو ما يفوق مدى الدبابة ؟! ..
- حتى لو كانت القوات المصرية في نطاق المظلة الجوية ، ألم يكن من الواجب اتخاذ التدابير الميدانية للتعامل مع ما ظهر من تحقيقات بوجود هذا الصاروخ ؟ ..
- ثبت أن الأردن كان لديه هذا الصاروخ قبل بدأ الحرب ( أو لديه المعلومات الكافية عنه حيث أكدوا لاحقا أنهم تدربوا عليه قبل الحرب ) ، فأين كان دور المخابرات العامة المصرية - ومنها المخابرات الحربية - التي ثبت أنها فوجئت بما حصلت عليه من العقيد الإسرائيلي عساف ؟
إذا كانت الحجة هي أن تطوير الهجوم كان بغرض رفع الضغط عن السوريين ، فإننا نسأل سؤالين :
- هل يعنى إنقاذ سوريا أن ندمر القوات المصرية ؟! ..
- لماذا لم يقتنع السادات بلغة الأرقام التي ذكرها الفريق الشاذلي في 12 أكتوبر والتي أكدت أن الجبهة السورية الصغيرة كانت في أوضاع ميدانية أفضل بكثير من الجبهة المصرية الواسعة ؟! ..
إذا كان السادات يعلم بتفاصيل الخطة الإسرائيلية قبل الحرب والمتمثلة بإحداث ثغرة في مفاصل الجيش والالتفاف منها لتطويق الجيشين الثاني والثالث ، فإننا يجب أن نطرح الأسئلة التالية :
- لماذا لم يبق على الفرقتين المدرعتين 4 ، 21 غرب القناة كما هو متفق عليه ؟! ..
- لماذا رفض إعادتهما بعد الخسائر التي تكبدها الجيش كما طالب بذلك الفريق الشاذلي في 15 أكتوبر ، خاصة بعد المذبحة التي تعرضت له المدرعات المصرية في 14 أكتوبر ؟! ..
- لماذا صرخ في وجه الفريق الشاذلي في 16 أكتوبر رغم تفاقم الثغرة وهدده بالمحاكمة العسكرية إذا ذكر كلمة " انسحاب " مرة أخرى ؟!
- لماذا لم يستجب السادات إلى نداءات رئيس أركانه والقادة الميدانيين في 17 أكتوبر بسحب اللواء المدرع المستقل 25 إلى الغرب وتوجيه ضربة إلى الثغرة التي كانت متوسطة القوة حينها !! من الغرب وليس من الشرق كما أصر هو ، وهو ما أدى إلى تدمير اللواء المذكور ؟!
كان سيتبقى للجيش المصري في سيناء - في حال استجاب السادات لطلب الفريق الشاذلي وسحب أربعة ألوية مدرعة إلى غرب القناة ما مجموعه 100 ألف مقاتل + 1000 دبابة وهم قوات النسق الأول ، وهنا نسأل ما يلي :
- لماذا رفض السادات في 20 أكتوبر سحب أربعة ألوية من الشرق إلى الغرب رغم علمه بوجود ثلاث فرق مدرعة لليهود غرب القناة وهو ما أدى إلى حصار الجيش الثالث وكاد أن يؤدى إلى حصار الجيش الثاني أيضا وفتح الطريق إلى القاهرة ؟! ..
- لماذا رفض طلب الشاذلي بينما هرول وقدم " وعدا " لاحظ النص اللفظي الذي ذكره المشير الجمسى وكرره أكثر من مرة إلى عزرا وايزمان أثناء المفاوضات بإخلاء سيناء من الجيش المصري والإبقاء فقط على 30 دبابة و7 آلاف رجل ؟! ..
كثر الحديث عن عدم كفاءة وزير الحربية الفريق أحمد إسماعيل لمنصبه ، فقد طرد من الخدمة مرتين بعد النكسة ( مرة عقب النكسة مباشرة وأخرى عقب حادث الزعفرانة في 1969 ) ، وكان معروفا أن تعيينه كوزير حربية كان فقط لتحقيق أمن السادات الشخصي بسبب العداء القديم والذي وصل على حد التشابك بالأيدي في الكونغو بين الوزير ورئيس الأركان ..
- هل يتهمنا البعض بالجهل إذا قلنا أن الضربة الجوية المصرية كانت نفسية فقط لإرضاء الشارع وليست ميدانية ومن باب فعلنا بهم كما فعلوا بنا ؟ ..
- هل أنجزت الضربة الجوية المصرية في 73 ما نسبته 1 % مما أنجزته مثيلتها الإسرائيلية في 67 ؟..
- ألم تبين نتائج حرب الاستنزاف أنها كانت عبارة عن غارات من الطيران الإسرائيلي على مراكز القوة المؤثرة في الجيش المصري وهى ترتيبا قوات الدفاع الجوى أولا ومراكز الصاعقة ثانيا وقطع المدفعية ثالثا ؟ ..
- إذا كان الدفاع الجوى المصري هو الأخ الأكبر لعملية العبور ، حيث احتضن كل إخوته في صدره وتحت " مظلته " وتقدم بهم ونفذ ما هو مطلوب كما توقع المختصون وكما حدث فعلا ، ألم يكن سلاح المهندسين هو مفاجأة حرب 73 ؟..
- ألم يذكر ديفيد اليعازر رئيس الأركان في مذكراته أنه سأل وزير دفاعه ديان - قبل الحرب عن إمكانية عبور المصريين للمانع المائي ، فرد عليه باطمئنان بأنهم في حاجة إلى سلاحي المهندسين الأمريكي والسوفيتي معا لإنجاز العبور ؟ ..
- ألم يكن سلاح المهندسين هو السلاح الوحيد الذي يتواجد قادته الكبار في الخطوط الأمامية وأسماء الشهداء من قادته تثبت ذلك ؟ ..
- ذكر السادات أنه كان يريد نائبا له من أبطال العبور ، ألم يكن سلاح المهندسين بما يتوافر من أفراده من كفاءة علمية تحتاجها مصر وما قدم من عمل ومن شهداء يستطيع توفير ذلك ؟ ..
- هل أضاع السادات فرصة ذهبية لتقديم رجل عسكري مهندس يفكر بطريقة علمية ويكون كمرحلة انتقالية لدخول الديمقراطية الحقيقية ؟
- من هم القادة الحقيقيون الذين بنوا الطيران المصري بعد النكسة ؟ ..
- لماذا اختار السادات هذا الضابط ليكون نائبا له رغم ما عرف عنه من استخدامه " الوشاية " بزملائه منذ صباه من خلال التقارير الأمنية التي لم يطلبها أحد منه ، ورغم أنانيته الشديدة التي كانت شائعة ، وبلغت منه الآن مبلغا ؟ ..
حسنا .. إنني أناشد كل المختصين المحايدين أن يدلوا بدلوهم في هذا الشأن
سنحاول رغم تلك التهم الجاهزة أن نقدم الإجابة على تلك الأسئلة :
إذا كان " القياس " يعتبر أحد مصادر القضاء الشرعي والفصل فى المنازعات ، فإننا لابد أن نذكر هنا الضربة الجوية الإسرائيلية في 5 يونيه 1967 كي نقيس عليها ، نستطيع على أية حال معرفة نتائجها سريعا ومن خلال حادثتين فقط ، وهما ما يلي :
الحادثة الأولى :
صدرت من الفريق عبد المنعم واصل في كتابة " الصراع العربي الإسرائيلي ، مذكرات وذكريات " في ص 129 حيث كان حينها برتبة عميد وقائدا للواء 14 المدرع المستقل وكان يقف مع 28 عميد ولواء من قادة الجيش في التاسعة إلا الربع صباح 5 يونيه في طابور التشريفات في مطار تمادا انتظارا لوصول طائرة المشير عامر وشاهد الضربة الجوية على المطار .. أخرج العميد واصل ورقة من جيبه بعد أن شاهد حجم الدمار وطريقة التنفيذ وكتب فيها " قامت الحرب ، خسرنا الحرب " !! ..
الحادثة الثانية :
صدرت من الجنرال عزرا وايزمان رئيس عمليات الجيش الإسرائيلي في 1967 والأب الروحي للطيران وابن شقيق حاييم وايزمان أول رئيس لإسرائيل ، فقد اتصل في الثانية والنصف ظهر يوم 5 يونيه بزوجته " ريما أشفرس " التي كانت مع شقيقتها زوجة ديان وزير الدفاع في روما وأخبرها أن الحرب " انتهت " وطلب منها العودة !! .. انتشرت القصة على نطاق واسع داخل إسرائيل وجرى فيها تحقيقات بزعم أن وزير والدفاع ورئيس العمليات قد أخرجا زوجتيْهما إلى أوربا وقت الحرب هربا من قصف الطائرات العربية المتوقع على تل أبيب ..
عزرا وايزمان - الطيار السابق في الجيش البريطاني كان قد أخذ في 1958 نماذج الضربة الجوية الإنجليزية على مصر في 1956 ودرب عليها الطيارين لمدة سنوات متواصلة وأجرى علها تطويرا كبيرا ناتج من ظهور ذخيرة جديدة ..
قام الطيران الإسرائيلي بتنفيذ الضربة الجوية في 5 يونيه 1967 وعلى جميع المطارات المصرية في تمام الساعة 8.45 صباحا وعلى أربع موجات استمرت لخمس ساعات وربع متواصلة دون انقطاع وشملت جميع مطارات مصر وطالت حتى تلك التي كانت بعيدة في الصعيد ومطروح ..
كانت الموجة الأولى مكونة من 195 طائرة واستمرت حتى العاشرة أي لمدة ساعة وربع - وشملت 7 مطارات وكانت مهمتها ضرب الممرات باستخدام قنابل خاصة شديدة الانفجار والانتشار تسمى " ديورن ديل " .. الموجة الثانية بدأت في العاشرة واستمرت ساعتين وكانت مكونة من 165 طائرة وشملت 11 مطارا .. الموجة الثالثة والرابعة انتهتا في الثانية ظهرا وأخرجتا الطيران المصري من المواجهة ..
النتيجة على الأرض هي تدمير القاذفات المصرية بنسب