مي الحمد العنزي أختي خلف القضبان
مي الحمد العنزي
أختي خلف القضبان
**************
الساعة الثامنة صباحا .. كنت قد انتهيت لتو من تعزيل البيت كالعادة في الجولة الصباحية .. بعد أن فرغت رغبت بعمل كوب من القهوة .. وأنا أحرك القهوة في كل اتجاهات الكوب .. مر على بالي زوج أختي .. أخذت أسأل نفسي مالذي حصل بحاله ؟ هل ياترى طرأ أي تحسن في صحته ؟ أدعو الله وأنا أحرك الكوب في شرود ذهني .. فقد أخذتني الذاكرة بعيدا جدا إلى تلك اﻷيام .. أذكر كيف أنتصرت أختي في اختيارها وصارعت تعنت أفراد العائلة .. ووقفت بوجه الجميع حتى أبي وأمي .. من أجل أن تدافع عن حبها وتحصل على موافقة العائلة بزواجها من من اختارته عن قناعة تامة !
الساعة الثامنة والربع تتصل بي أختي الصغرى
- ألو لقد سمعت خبرا سيئا !
- مالذي حصل
- رحمه الله !
أغلقت خط الهاتف وقلبي يعتصر .. لحظتها .. لم يكن يدور في فكري غير أختي الكبرى ومصيرها بعد وفاة زوجها ..
نعم هي متعلمة .. نعم هي أسست نفسها بنفسها وكافحت على أن تحصل على شهادة البكالوريوس لتصبح معلمة .. نعم هي تمتلك من الثقافة الرصيد الكافي .. لكنها لاتمتلك أدنى ذرة في أن تدافع عن نفسها أمام أهل زوجها .. كيف وهي قبل يومان من وفاة زوجها أخذت تبكي عندما اتصلت بي .. قالت :
أخذو زوجي قبل قليل في سيارة اﻷسعاف .. قلت لها تماسكي حبيبتي أنتي تعلمين بخطورة مرضه .. قالت أعلم لكن لم يقتل قلبي بخنجر أكثر غير كلمة أمه .. قالت لنا أنا وأولادي :
" ستعلمون من أنا عندما يحصل ﻷبني شئ .. سترون أنسانة أخرى .. أنا لست أنا " !!!
تداركت نفسي بسرعة وأجريت اتصالاتي مع أختي الصغرى فالوقت يجري ويجب أن نحضر مراسم العزاء .. حزمت امتعتي على عجل .. لم أدقق هذه المرة ماذا آخذ وماذا أترك .. كل مايهمني شئ واحد هو أن أكون بجانب أختي ..
بعد يوم واحد حضرنا إلى بيتها الذي أراه اﻵن ﻷول مرة في حياتي .. نظرا لبعدها الشديد عنا .. فهي تسكن في مدينة على آخر حدود السعودية مع اﻷردن الشقيق .. لكن كنا نلتقي كل سنة في بيت العائلة في مدينة أقرب نسبيا من تلك البلدة التي تسكن فيها ..
سلمت عليها ونظرت إليها .. كانت ذابلة الوجه ..مجعدة الملامح ترتدتي وشاح أسود وغطاء على كامل شعرها .. تطيل الصمت كثيرا .. تردد الكلام أكثر من مرة .. تتعمد أن تجلس وتطيل في استقبالات المعزين أكثر من الوضع العادي ..
أنا وأختي الصغرى انتبهنا لهاذا .. وحاولنا اﻷنفراد بها أكثر من مرة .. لكننا لم نفلح إلا في اﻷنفراد بها أثناء وقت النوم .. وعندها تكون منهكة جدا من أستقبال الناس .. نظرا للوضع السائد .. رأينا أنا وأختي اﻷخرى أن نلتزم الصمت على اﻷقل هذه الفترة .. ثم نعاود الكرة مرة أخرى علنا أن نخرج أختنا من حالاتها المقلقة ..
لكن شئ غريبا حصل تلك الليلة فقوى التسلط كانت أسرع منا وأدهى استجابة من هدوئنا ورويتنا .. فقد طرق الباب أخو زوجها المرحوم .. طرق الباب بقوة وحاول أن يطيل عنوة بصوته ليصل إلى مسامعنا أو مسامعها أو مسامع الجميع .. لايهم ! ألمهم أن يلتقم من ذلك الموقف أكبر إستجابة ويكسب الموقف لصفه إلى آخر لحظة .. أخذ يردد :
أنا الولي عليكم منذ اليوم وصاعدا .. جميع رواتب أخي توقفت .. جميع هواتفه .. أرقامه وكل مايخصه .. أريدها اﻵن ائتوني بها على عجل !
تفرقت بنات أختي كالفراشات في أرجاء البيت يعلوهن الخوف فلا يملكن لحظتها حسن التصرف .. فذلك العم مشهود له بمواقف سابقة .. بالتعدي عليهن .. لكنهن لسن نسخة طبق اﻷصل من أمهن .. فهن يعرفن كيف يأخذن حقهن وزيادة .. أخذن ينصحنها :
- أمي .. لاتعطيه الرقم السري .. أمي لاتعطيه أي شئ ..
- كان بودي لكن أخاف أن يسبب لنا مشاكل وأنا في فترة عدة ولاأريد أن يتردد علي كثيرا ويسب لي قلق أكثر !
أسرعن البنات إلي وأختي مستنجدات بنا .. قلنا لهن : نعم سمعنا كل شئ .. أين الهاتف الجوال ؟ أين اﻷوراق
- هاهو خالاتي
ثم كلمنا أختي ونصحناها أن تكون قوية وتتسم بالشجاعة هذه المرة وأن تتحرر من خوفها الذي زرعه فيها زوجها المرحوم سامحه الله .. وأنها لو ضعفت هذه المرة بالذات فلن تقوى ابدا .. ﻷن هذا الخوف سيورث في تلك العائلة أبا عن جد ..
- كوني قوية .. أخرجي له تكلمي .. قولي كل مايملكه زوجي يعتبر ممتلكات شخصية لي وﻷولادي ولن أفرط فيه ..
أستجمعت قوتها المتناثرة هنا وهناك وقالت له من خلف الباب .. لاأستطيع فكل مايملكه زوجي ممتلكات شخصية لنا .. و .. و ..
زأر في وجهها وقال أحضري كل ماطلبته منك في الحال .. تقهقرت المسكينة ورجعت إلى الوراء وكادت أن تسلمه ماأراد لولا الله ثم فطنة أختي الصغرى فقد خبأت تلك اﻷوراق والجوال وجعلتها تبحث عنها طويلا في كل أرجاء المنزل وهو ينتظر خلف الباب .. أنتظر وأنتظر .. مل ثم ذهب وهو يتمتم :
"بانت نواياك " !
بعد مدة قليلة من ذهابه .. أخرجت أختي الجوال واﻷوراق ملوحة بها .. قلنا لها هل حصل شئ ؟
أرجوكي كوني قوية تصرفي هكذا دائما .. لاتساومي أحدا في حقك وحق أولادك ..
بعد غد أتى أخوه الذي يكبره في السن .. أخذ يردد نفس النغمة التي كان يرددها أخوه عليها .. أنا الولي ..أنا الولي ..
هنا خرجت أختي عن صمتها ﻷول مرة في حياتها ..
- لاأحد ولينا .. ولينا الله .. كل مايلزم زوجي رحمه الله أنا من أديره .. أنا من أتصرف فيه .. أنا ..أنا ..أنا
وسط ذهولنا جميعا !! لم نتمالك نفسنا من التصفيق لها عندما أقبلت علينا .. إحتضناها بكل فخر .. وبكل دعاء أن تتماسك وأن يقويها الله وأن يرزقها الثبات ..
كانت مجرد أرقام أربعة .. هي من جعلت أختي أن تخرج المارد الذي بداخلها .. حقا إن للبطاقة رقم سري آخر .
أختي خلف القضبان
**************
الساعة الثامنة صباحا .. كنت قد انتهيت لتو من تعزيل البيت كالعادة في الجولة الصباحية .. بعد أن فرغت رغبت بعمل كوب من القهوة .. وأنا أحرك القهوة في كل اتجاهات الكوب .. مر على بالي زوج أختي .. أخذت أسأل نفسي مالذي حصل بحاله ؟ هل ياترى طرأ أي تحسن في صحته ؟ أدعو الله وأنا أحرك الكوب في شرود ذهني .. فقد أخذتني الذاكرة بعيدا جدا إلى تلك اﻷيام .. أذكر كيف أنتصرت أختي في اختيارها وصارعت تعنت أفراد العائلة .. ووقفت بوجه الجميع حتى أبي وأمي .. من أجل أن تدافع عن حبها وتحصل على موافقة العائلة بزواجها من من اختارته عن قناعة تامة !
الساعة الثامنة والربع تتصل بي أختي الصغرى
- ألو لقد سمعت خبرا سيئا !
- مالذي حصل
- رحمه الله !
أغلقت خط الهاتف وقلبي يعتصر .. لحظتها .. لم يكن يدور في فكري غير أختي الكبرى ومصيرها بعد وفاة زوجها ..
نعم هي متعلمة .. نعم هي أسست نفسها بنفسها وكافحت على أن تحصل على شهادة البكالوريوس لتصبح معلمة .. نعم هي تمتلك من الثقافة الرصيد الكافي .. لكنها لاتمتلك أدنى ذرة في أن تدافع عن نفسها أمام أهل زوجها .. كيف وهي قبل يومان من وفاة زوجها أخذت تبكي عندما اتصلت بي .. قالت :
أخذو زوجي قبل قليل في سيارة اﻷسعاف .. قلت لها تماسكي حبيبتي أنتي تعلمين بخطورة مرضه .. قالت أعلم لكن لم يقتل قلبي بخنجر أكثر غير كلمة أمه .. قالت لنا أنا وأولادي :
" ستعلمون من أنا عندما يحصل ﻷبني شئ .. سترون أنسانة أخرى .. أنا لست أنا " !!!
تداركت نفسي بسرعة وأجريت اتصالاتي مع أختي الصغرى فالوقت يجري ويجب أن نحضر مراسم العزاء .. حزمت امتعتي على عجل .. لم أدقق هذه المرة ماذا آخذ وماذا أترك .. كل مايهمني شئ واحد هو أن أكون بجانب أختي ..
بعد يوم واحد حضرنا إلى بيتها الذي أراه اﻵن ﻷول مرة في حياتي .. نظرا لبعدها الشديد عنا .. فهي تسكن في مدينة على آخر حدود السعودية مع اﻷردن الشقيق .. لكن كنا نلتقي كل سنة في بيت العائلة في مدينة أقرب نسبيا من تلك البلدة التي تسكن فيها ..
سلمت عليها ونظرت إليها .. كانت ذابلة الوجه ..مجعدة الملامح ترتدتي وشاح أسود وغطاء على كامل شعرها .. تطيل الصمت كثيرا .. تردد الكلام أكثر من مرة .. تتعمد أن تجلس وتطيل في استقبالات المعزين أكثر من الوضع العادي ..
أنا وأختي الصغرى انتبهنا لهاذا .. وحاولنا اﻷنفراد بها أكثر من مرة .. لكننا لم نفلح إلا في اﻷنفراد بها أثناء وقت النوم .. وعندها تكون منهكة جدا من أستقبال الناس .. نظرا للوضع السائد .. رأينا أنا وأختي اﻷخرى أن نلتزم الصمت على اﻷقل هذه الفترة .. ثم نعاود الكرة مرة أخرى علنا أن نخرج أختنا من حالاتها المقلقة ..
لكن شئ غريبا حصل تلك الليلة فقوى التسلط كانت أسرع منا وأدهى استجابة من هدوئنا ورويتنا .. فقد طرق الباب أخو زوجها المرحوم .. طرق الباب بقوة وحاول أن يطيل عنوة بصوته ليصل إلى مسامعنا أو مسامعها أو مسامع الجميع .. لايهم ! ألمهم أن يلتقم من ذلك الموقف أكبر إستجابة ويكسب الموقف لصفه إلى آخر لحظة .. أخذ يردد :
أنا الولي عليكم منذ اليوم وصاعدا .. جميع رواتب أخي توقفت .. جميع هواتفه .. أرقامه وكل مايخصه .. أريدها اﻵن ائتوني بها على عجل !
تفرقت بنات أختي كالفراشات في أرجاء البيت يعلوهن الخوف فلا يملكن لحظتها حسن التصرف .. فذلك العم مشهود له بمواقف سابقة .. بالتعدي عليهن .. لكنهن لسن نسخة طبق اﻷصل من أمهن .. فهن يعرفن كيف يأخذن حقهن وزيادة .. أخذن ينصحنها :
- أمي .. لاتعطيه الرقم السري .. أمي لاتعطيه أي شئ ..
- كان بودي لكن أخاف أن يسبب لنا مشاكل وأنا في فترة عدة ولاأريد أن يتردد علي كثيرا ويسب لي قلق أكثر !
أسرعن البنات إلي وأختي مستنجدات بنا .. قلنا لهن : نعم سمعنا كل شئ .. أين الهاتف الجوال ؟ أين اﻷوراق
- هاهو خالاتي
ثم كلمنا أختي ونصحناها أن تكون قوية وتتسم بالشجاعة هذه المرة وأن تتحرر من خوفها الذي زرعه فيها زوجها المرحوم سامحه الله .. وأنها لو ضعفت هذه المرة بالذات فلن تقوى ابدا .. ﻷن هذا الخوف سيورث في تلك العائلة أبا عن جد ..
- كوني قوية .. أخرجي له تكلمي .. قولي كل مايملكه زوجي يعتبر ممتلكات شخصية لي وﻷولادي ولن أفرط فيه ..
أستجمعت قوتها المتناثرة هنا وهناك وقالت له من خلف الباب .. لاأستطيع فكل مايملكه زوجي ممتلكات شخصية لنا .. و .. و ..
زأر في وجهها وقال أحضري كل ماطلبته منك في الحال .. تقهقرت المسكينة ورجعت إلى الوراء وكادت أن تسلمه ماأراد لولا الله ثم فطنة أختي الصغرى فقد خبأت تلك اﻷوراق والجوال وجعلتها تبحث عنها طويلا في كل أرجاء المنزل وهو ينتظر خلف الباب .. أنتظر وأنتظر .. مل ثم ذهب وهو يتمتم :
"بانت نواياك " !
بعد مدة قليلة من ذهابه .. أخرجت أختي الجوال واﻷوراق ملوحة بها .. قلنا لها هل حصل شئ ؟
أرجوكي كوني قوية تصرفي هكذا دائما .. لاتساومي أحدا في حقك وحق أولادك ..
بعد غد أتى أخوه الذي يكبره في السن .. أخذ يردد نفس النغمة التي كان يرددها أخوه عليها .. أنا الولي ..أنا الولي ..
هنا خرجت أختي عن صمتها ﻷول مرة في حياتها ..
- لاأحد ولينا .. ولينا الله .. كل مايلزم زوجي رحمه الله أنا من أديره .. أنا من أتصرف فيه .. أنا ..أنا ..أنا
وسط ذهولنا جميعا !! لم نتمالك نفسنا من التصفيق لها عندما أقبلت علينا .. إحتضناها بكل فخر .. وبكل دعاء أن تتماسك وأن يقويها الله وأن يرزقها الثبات ..
كانت مجرد أرقام أربعة .. هي من جعلت أختي أن تخرج المارد الذي بداخلها .. حقا إن للبطاقة رقم سري آخر .