أخبار قناة الشمس

×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
المخرج محمد فرحان

الكاتب أحمد منصور .. موطن تحرش

image
[موطن التحرش
ابتعد . أنا امرأة .أنا بنت الأربعين ، وظيفتي لم تتجاوز هطول جسدي على فراش بين حرير و حصير . خَيالُ أعرافكم المحكوم عليه بإعدام المشاعر تحت وطأةِ الانجاب . طفلة تحملُ أطفال ، هكذا عنون الواقع قصتي ، و أنا لم أتعد التاسعة عشر من عمري . أم لطفلين . ترقص معي الدنيا مع كل قبلة تضعها شفاه البراءة على خدي . أحلمُ لهم بمستقبل بعيدٍ عن صهيل حجرة تئن بسبعة أطفال ، كل الدنيا تشردت بفنائها الضيق . زوج أمي ! آسفة ... أبي موظف مسكين ، كل همه بالحياةِ شيئينِ ، ولد لم يره ، و مواء سريرٍ يندمج مع أنين أمي ليكونا سمفونية تجرح مسامع براءتي . النوم تحت وطأةِ مهدىء الرعب . يترك الأطفال شقاوة ألعاب ليست موجودة إلا على جدران حوائط غرفتهم الاسمنتية . لتبدأ رائحة ألعاب الكبار التي تعكر صفو أنوثتي . تسرق منها أنغام حكايات البنات عن العشق و الهوى . فأصبحت كل أمنياتي ظلّ رجل انعكاسا لغرفتين و صالة لا يشاركني فيهما أحدا . و قد تحقق لي ما أريد ، خاصة أن زوجي صاحب حرفة ، و لسوء حظي راحت عليها بعد أعوام قليلة . فقررت أن لا أكرر مأساتي فأكتفيتُ بالطفلين . عندما كنتُ في الثلاثين ، استمتع الفقر بكلّ روافد حياتي ؛ فأشارتْ علىّ خالتي التي كان لها الفضل في تمام تعليمي المتوسط و كذلك تعليم أبنائي بعد ذلك ، أن أرحل عن مدينتي إلى مدينتها ، بصعوبة بالغة و تحت التهديد بالانفصال ، وافق زوجي الذي يقف على أعتاب منتصف الاربعينات ؛ فكان علينا أن نطوى صفحة نشأتنا .. أعدتْ لنا مسكنا متواضعا بمنطقة شعبية و داومتْ على دفع الايجار . كان ما يحصل عليه الزوج من عمله في أحدى المحلات التجارية التابعة لزوج خالتي ، و كذلك عائد الايجار للمسكن القديم يكفينا طعاما وكسوة . زوجي لم يرث عن والده سوي مهنته ؛ فقد كان انطوائيا ، لم يهندم سوق الحياة عقليته ليصبح كما غيره ابن بلد شخص جامد المشاعر ، شبيهُ أبي ، لا شىء يشغله بالحياة سوى الليل . بعد شهري الثالث معه أنفطم حديثنا ؛ ليحبو همس أبطال روايتي التي اقرؤها نحو فراشي ليشاركوني إياه. بالمرةِ الأولى أحسستُ بأن روحي عارية . أنبتُ نفسي كثيرا ، كنتُ أتهرب منه و نفسي حتى لا أكررها .قرأتُ بعلم النفس كتبا كي أجد مؤثرا داخليا يغلف شراكتنا و لكنه كان حائط صلدا ؛ فصار الأولاد و القراءة مسام الابتسامة التي تجودُ بها الحياة . استمرت العلاقة تنغمس بالفتور حتى انفرط عقد الكره من خيط القسوةِ و اللسان البذىء ، و بعضا من قناديل البحر الزرقاء التي تتناوب نهش جسدي إثر يدهِ الثقيلة . عمرتُ بخوفي على أولادي سنوات ؛ حتى وهبتني الحياة بشاشة سريعا ما دفعت ضريبتها . عشتُ عاشقة لأول مرة بحياتي كطرف ثالث ، شريكة لحلم ابنتي . كنتُ أم و أب و صديقه لها ، و لأخيها . احتويتها و شريك قلبها حتى أصبحت جدة بعامي الثاني بعد الأربعين . غربت طفلتي عني لحياتها الخاصة ، و الشاب أصبح يعمل صباحا و مساءً كي يسدد فاتورة تجهيز أخته ، و أشرقت علاقة الاغتراب بيني و بين زوجي . لا شىء يجمعنا نهائيا ،منذ ثلاثة أعوام لم أنم بغرفتي .إنسانة أن جاز لي ! لكن أىُّ إنسانية ؛ إنها ليست مجرد أُمْنية شاعرية تهفو إليها بعضُ النفوس، و ليست فكرة مثاليةً تتخيَّلها بعضُ الرؤوس، و ليست حِبراً على ورق سطّرته بعضُ الأقلام ،أىّ معنى لها يضع الملايين من أمثالي تحت مقصلة العيب .ليس كل البشر إنسانيين ، الإنسانية مودة ، و رحمة ، و معرفة ، و حب ، و نضال من أجل الحق ، أما أنا و أمثالي من خيل البشر الذي يجب حرقهن ألف مرة ، فقط لمجرد الفهم . اصنعوا من رفات كلماتي كلمة صدق تنتزع من فتيات الفقر كثيرا من الذبائح . أما أنا فأدركُت أنني ركبتُ قطار الموت منذ يوم ميلادي ، و سأنزل منه غدا إلى محطة العدل بعالمي الآخر . لأكون هنالك إنسانة لمرةٍ


][/B][/SIZE][/COLOR]
 0  0  965