أخبار قناة الشمس

×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
المخرج محمد فرحان

موعدٌ مع الشمسْ فيصل عبد الوهاب حيدر

image
موعدٌ مع الشمسْ
]حَطّتْ الشمس رحالها إزائي وكان البحر على مقربة منا يداعب الشاطئ بأمواجه الولهى.. ثم سألتني:
- ألا ترى أن البحر هادئ وجميل على غير عادته هذا اليوم؟
قلت مسرورا بهذا السؤال وكأني توقعته:
- نعم . . البحر هادئ يغازل الرمال وأنتِ أيضا على غير عادتكِ تجلسين معي على مسطبة واحدة . . !
ازداد إشراقها بهاءً بعد أن سمعتْ مني هذه الكلمات ، لكنها تلعثمتْ وهي تستدرك سؤالها الأول:
- أنا لا أأمن هذا البحر . . كم هو جميل ومخادع . . !
تكاثفتْ زرقة البحر مع توهج الذهب المنقوع في إكليل الشمس وراحت نظراتي تسافر بين أمواج البحر الناعمة تارة وبين الخصلات الذهبية النافرة من إكليل الشمس تارة أخرى:
- يُبطن البحر أكثر مما يُظهر . . هو مخادع لأن مظهره يشي بذلك لكنه في الواقع رقيق كنسمة صيف . .!
لم يعجبْها جوابي فارتسمتْ علامات الإستنكار على صفحة وجهها الجميل:
- أراكَ تدافع عن البحر وكأنه صديقك الحميم . . !
- نعم . . صداقتي معه بعمق أغواره البعيدة . . أحبه عندما يكون هادئا ولا أغتاظ منه عندما يثور . . له أسبابه في ذلك بالتأكيد . .
- أما أنا فأراه طاغية أهوج يتهادن مع نفسه عندما يكون هادئا فقط . . !
قذفتْ كلماتها بنفسٍ مطمئنة وكأنها تتحدث عن البديهيات فأدركتُ أن لا مجال للصلح بينهما ، ومع ذلك حاولتُ المماحكة:
- ربما تغارين منه . . !
ولم يحركْها استفزازي لها:
- أنا في الأعالي وهو في الحضيض . . !
- ليس بالضرورة أن تكون الأعالي أفضل دائما . . ومع ذلك فإنكِ قد نزلتِ من عليائكِ وهبطتِ إلى جانبي . . !
- أنتَ شئ آخر . . مسالم على الدوام . . إضافة لوجود مساحة شاسعة للحوار بيننا . .
- لا يغرنّكِ مظهري . . فأنا والبحر صنوان . .
أصرتْ على موقفها فأردفتْ:
- أراكَ طيّبا وتختلف عن البحر كثيرا . .
فقلت مستغربا:
- ولكنكِ لم تفعليها من قبل . . ! فعندما كنتُ أراكِ في ذلك البعد المترامي الذي لا حدود له لا يمكنني التصديق بالفرصة المتاحة لي الآن . . !
فقالت باطمئنانٍ بالغ:
- كنتُ أراقبكَ عن كثب ، وأرصد كل تحركاتكَ . . !
- وهل راقت لكِ حماقاتي . . ؟!
ضحكتْ الشمس ضحكة مكتومة لكنها انسابت إلى مسامعي كالموسيقى الملائكية:
- أحيانا . . لأنك من بني البشر وهذا طبعهم . . ! ولكني معجبة بجميل تصرفاتك أيضا . .
- إذن . . هبوطكِ إليّ هو المكافأة على تلك التصرفات . . ؟!
- ليست مكافأة . . هو مجرد شعوري بأنكَ مختلف وأردت أن أعرف سرّ هذا الإختلاف . . !
- يا سيدتي . . أنا إنسان ذو مزاج متقلب كالبحر تماما . . لا اختلاف . . مع فارق الخلود للبحر والفناء لي . . !
- الورود فانية أيضا لكن سحرها لا يقاوَم . . !
- على الرغم من إعجابي بالورود فإني أشفق عليها من الذبول السريع . . لكني أتطلع دائما إلى الخالدين أمثالكِ بما يثير الحسد . . !
- أحب الورود والإنسان وأرى أنهما يمثلان بعضهما البعض . . !
قلتُ بهدوء:
- لا يا سيدتي . . الورود نقاء لا محدود . . أما الإنسان فلا يرتقي لذلك . .
- ومع ذلك فإني أحب الإنسان بنقائه وتلوثاته . . !
- لو أنكِ تشرقين دائما يا سيدتي لاستأصلتِ ما يلوث الإنسان . . !
- عندها لا يُعَدُّ الإنسان إنسانا . . سيصبحُ شيئا آخر . . كذلك إذا أشرقتُ عليكم دائما ستصابون بالملل ولا أعود أحظى بحبكم . . !
فقلتُ موافقا:
- تقولين الصواب . . الإفتقاد يُوَلّد الإشتياق . .
ابتسمتْ على استحياء وكأني كنتُ أغازلها . . ثم التفتتْ فجأةً وقالت:
- وهل تشتاق إليّ فعلاً؟ أراكَ منشغلاً بالجميلات من حولك . . !
قلتُ مدارياً:
- ولكن الشمس إذا أشرقتْ حوّلتْ كل شئ إلى لا شئ . .
اصطنعتْ التّغابي وتساءلتْ:
- هل تتحدثُ عن شمسٍ أخرى . . ؟!
- لا يا سيدتي . . أتحدث عنكِ . . وهل لدينا إلا شمسٌ واحدة . . !
- أنصتُ إلى الشعراء منكم . . يقولون أحيانا أن لديهم شموساً كثيرة . .
- هي لغة الشعر يا سيدتي ولكل منا شمسُهُ . . !
ثم أردفتُ قائلا:
- لكنّ جمال كل تلك الشموس ما هو إلا قبسٌ من نورك . . !
ابتسمتْ لكلماتي التي تدغدها وقالت:
- أراكَ شاعرا مثلهم وكأنك تعتذر لهم عن انشغالهم عني . . !
- لا يا سيدتي . . هم يستلهمونك دائما في أشعارهم وما شموسهم الصغيرة إلا تجليات من شمسنا العظيمة . .
- لا تبالغ كثيرا . . كثير منهم ينسى الكل لصالح الجزء . .
- ربما . . لكن الجزء يمثل الكل على ما أظن . .
- صدقتَ . . وها أني أراكَ تمثل بني الإنسان . .
- أُمثل الإنسان بالصفات العامة فقط أما عدا ذلك فكل فرد يمثل نفسه . .
- هو كذلك . . لكل فردٍ بصمة . . وهذا هو سرّ احتلافكَ حسبَ اعتقادي . . لك بصمة نادرة . .
- هذه البصمة يا سيدتي هي سرّ عذابي وخصمُ سعادتي . . لا أحب من الأشياء إلا أفضلها . . ولا أحب من الجمال إلا أجمله . . ولا أطمح إلا لبعيد المنال . .
- ولكنكَ تحظى أحيانا ببعيد المنال . . !
وهنا فهمتُ أنها تلمح إلى هبوطها إلى جانبي هذا اليوم لكني تجاهلتُ ذلك:
- ربما . . لكنها لحظات قليلة من السعادة لا تكفي لبحر العمر المتلاطم . .
- قد تستحق هذه اللحظات تعب العمر كله . . !
نهضتْ باعتذار أن وقت الغروب قد حان ثم أردفتْ:
- ربما أراكَ قريبا . .
ثم لوّحتْ لي بخصلاتها الذهبية وغابت في الأفق . .
 0  0  732