×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
ابتسام ابراهيم

إن لم يكن عدلاً فلتكن مساواة

مقالتي المنشورة في صحيفة صوت العراق
ان لم يكن عدلا فلتكن مساواة
قبل عقدٍ ونيف من الزمن وضمن حوار ادبي لصالح صحيفة عراقية سألني الصحفي عن مغزى ان يكون المرءُ شاعراً و كيف تكون حياة الشاعر في بلد كثير الاحداث والتغييرات كالعراق !
اجبـتُه حينها ( إن مَنْ لا يكتب عن هموم الناس لا يستحق ان يكون اديباً )
لأجد هذه التفصيلة البسيطة قد شغلتْ حيزاً كبيراً في قلوب القراء فالناس بطبيعتها تبحثُ عمّن يراعي شعورها وينظر آلامها ويضعُ بعين الاعتبار همومها .
كل الناس على اختلاف مشاربهم تستهويهم فكرة ان الطرف المقابل يعي ما يمرون به ويعرفُ جيداً كيف يرممُ عناءهم و يشعرُ بما يشعرون به فيترجمهُ الى كلام قد تخلّـدهُ السنوات فيريحهم من عبء الاحاديث المطولة . و انا ككل الناس كنتُ ومازلتُ انشدُ في صحبتي مَن يراعي ذلك وان لا يضجرهم كون زميلتهم بالعمل او السفر شاعرة وصحفية لها مآرب وطقوس قد لا تشبه ما عرفوه بين اقرانهم ، لكن الحياة الواقعية اكثر قساوة واشد عناداً حين نحاول أن نتعامل بما هو جيد و صواب وبما احببنا ان نرثه من سلوكيات عهدنا عليها اسلافنا كالتواضع وعدم التنمر وكذلك نشر المساواة ان غاب العدل , فنصاب بخيبة املٍ ننزوي على اثرها ونرفض الاستمرار لكننا نعود وبقوة .
وبعد مرور اكثر من عقدين على تغيير شكل نظام الحكم في العراق وانتشار مختلف وسائل الاعلام وتنوع فرص الحصول على التعليم والمعلومات كذلك النشر المباح بلا رقيب للأسف , اجد ان النفس العنصري والتمييز الطبقي انتشر ايضاً وبقوة في كل المجالات ,و ما زاد الطين بلة ان بعض الاباء يورثون ابناءهم الامكنة والمناصب وحتى الكرسي الثقافي ويسعى جاهداُ ان يلغي الاخر لأنه لم يأتِ من كوكب الوراثة والمحسوبية .
بل وجدت الكثير ممن عانوا في الحقبتين مازالوا يخوضون صراعاً مريراً من اجل الحفاظ على المكتسبات التي حصلوا عليها بجهد وعناء وبلا واسطة الامر الذي يستكثره عليهم ابناء هؤلاء و احفاد اولئك و اشقاء اللواتي والذين , لدرجة السؤال المقيت " كيف ولجتّ هذا العالم " ؟
وكأنه غازٍ استحوذ على موطنهم , بل يضجرهم حين ينتفض الانسان البسيط –حسب وصفهم- مطالباً بحقه ويصفونه بالفوضوي و حجر عثرة امام عجلة التمدن والرُقي التي اوقفت نمو ناطحات السحاب بوجود هذا المنتفض !
في مواقف كثيرة نجد ان بعض الناس حين تعييه الامور ولا تنصفه السلطات و تعجزه الصعاب فلا يجد ناصرا , يطرق باب اهله وعشيرته فيستكثرون عليه هذا الامر ويصفونه بالرجعي و الهمجي فهو عكر صفو التحضر الذي يعيشون فيه و ازعج المجرة التي ينتمون اليها .
ان قوانين الطبيعة تقول ان لكل فعل له ردة فعل ..فعندما تذم انساناً وتتنمر عليه وتنتقد طقوسه فتنسبه بالجهل والتخلف وتنعتهُ بألقاب قبيحة لأنه ليس ابناً او اخاً لفلان , تحرمه حقه بالكلام ولا توفر له حماية ولا تقتنع بموقفهِ مهما كانت درجة الاحقية , تحجّمه وتحاربه ولا تقبل منه أية بادرة تثبت انه مثلك تماما وربما افضل حسباً ونسباً وعملاً وله ما لكَ في هذا الوطن الكبير بل تسعى جاهدا ان تفرض عليه وبالقوة غير المنصفة ما لا يقبله منطق ولا قانون ..هنا ينتفض الانسان - البسيط - ويثور ويبحث عن أقرب وسيلة حماية تحفظ حقه وماء وجهه او تحفظ حياته في مجتمع تسود فيه لغة القوة و التفرقة والمحسوبية
المفكرون الغرب يقولون ان لكل انسان الحق في الحصول على جهة أمنه واحدة على الاقل في حياته والقران يقول " سنشد عضدك بأخيك " .
فإذا كانت السلطات العليا و الاقل فالأقل تفكر في كيفية استثمار الناس ثم تهميشهم فيما بعد او جعلهم يدورون في دوامة حين يطلبون شيئا من حقهم ورميهم في دائرة سوء الظن دائما ، حتما ستجدهم يلجئون إلى جهة اخرى توفر لهم ابسط مقومات الحماية من سطوتك فيتحول ظلمك الى قلق وحيرة.
التنمر والنظرة الفوقية تجاه طبقة كبيرة من الشعب وخاصة ابناء محافظات معينة ونعت عاداتهم و يومياتهم بأنها(قذرة ) وتذمرك الدائم من وجوههم التي غزت المدن الافلاطونية التي ما رأيتها يوماً على مدى اربعة عقود من عمري بل نسب اليهم كل فشل وقعت فيه السلطات منذ الازل الى يومنا هذا
سببه ضعف القانون والتمييز الطبقي وعدم وجود رادع وقانون يجرم هكذا افعال بتهمة السخرية والطائفية و العرقية او غيرها وليتحمل كل قوم نتيجة افعالهم .
لي أقرباء مسالمون يسكنون مدناً مكتظة - او فوضى – كما يسميها البعض لكنهم لم يتذمروا يوما ولم يذكروا انهم تعرضوا لمضايقات و انا ايضا لستُ بعيدة عن هكذا طقوس لكنني اسعى لتحفيز الناس لما هم قادرين على فعله بالطرق السليمة رغم خيبة الامل التي اشعر بها و اياهم وافهم جيداً ما سيلاقونه لكنه الامل وشرف المحاولة .
يجهل البعض ان العراق ودول اخرى منذ كينونة الأرض عبارة عن تجمعات بشرية تجمعها القبيلة لولا هيمنة القوانين التي سنها الحكام منذ حمورابي و لذلك نطالب ان يكون شغل الدولة الشاغل هو سيادة القانون وتقليل مدى المحسوبية و الواسطات والنظر للمواطنين على انهم متساوون بالحقوق والواجبات وان لا يضطر المواطن ان يطرق بابا غير الابواب القانونية وهم مطمئنين على انفسهم وممتلكاتهم وشؤونهم الوظيفية اقلها من باب المساواة فالعدل صار حلماً .
ابتسام ابراهيم
شاعرة كاتبة صحفية ومترجمة
العراق / بغداد
 0  0  285