Mahmoud Hassouna سمير غانم ومسجد السيدة نفيسة طوفان من الحب والحزن ودع به عشاق فن الكوميديا، فارسها سمير غانم الذي أراد الله أن يكون يوم رحيله هو يوم تكريمه وتقدير عطائه والامتنان له قدر ما أسعد العرب من المحيط إلى الخليج.
Mahmoud Hassouna
سمير غانم ومسجد السيدة نفيسة
طوفان من الحب والحزن ودع به عشاق فن الكوميديا، فارسها سمير غانم الذي أراد الله أن يكون يوم رحيله هو يوم تكريمه وتقدير عطائه والامتنان له قدر ما أسعد العرب من المحيط إلى الخليج.
منذ إعلان وفاة ملك الاضحاك، تلونت مواقع التواصل الاجتماعي بصور له ومشاهد من أعماله مذيلة بكلمات مؤثرة عن سمير الفنان الذي نشر البهجة في حياتنا، وعن سمير الإنسان الذي كان نموذجاً للبساطة والتواضع والذي لم يعرف الغرور وجنون العظمة الذي يصيب معظمهم طريقاً إلي نفسه، وسمير الوالد الذي ترك لنا موهبتين تشعان تألقاً وإبداعاً وخفة ظل، وسمير الزوج الذي عشق زوجته وعاش معها حياة مستقرة تتجاوز المألوف في عالم الفن، ولعل أكثر ما أوجع محبيه أنه رحل من دون أن يودعها أو تودعه، حيث كان يقبع كل منهما في غرفة للعناية المركزة.
طوفان الحب والحزن الذي ودع به عشاق الكوميديا سمير غانم كان بمثابة إنصاف لفنان تعمد البعض عدم إنصافه حياً، فقد كان التقدير الإعلامي له أقل كثيراً مما يستحق، ولعل السبب في ذلك أنه كان فناناً فقط، لا يجيد تسويق نفسه، ولكنه يجيد إمتاع الآخرين وغسل همومهم.
من يعرف سمير غانم عن قرب يعلم جيداً أنه لا يقبل أن يطرق باب أحد، ولكنه يرحب بمن يطرق بابه. لا يعرف للنفاق طريقاً، ولكنه يجيد تقدير الناس وأداء الواجب والأخذ بأيدي صغارهم. لم ينتم إلى شلة ولم يصنع شلة، ولكنه انتمى إلى الشباب وانحاز إلى أصحاب المواهب منهم، فتح الأبواب المغلقة لهم وتبنى الكثيرين منهم ومنح فرصاً لمن يستحقون وأرشدهم على طريق النجاح، وشاركهم مناسباتهم وأفراحهم وأحزانهم.
هذا الرجل الذي أجاد غسل هموم الناس، كان يغسل همومه في صمت الليل وسكونه في مكان بعيد عن الضوضاء والأضواء، كان يذهب إلى مسجد السيدة نفيسة حيث يجد الراحة والسكينة، وقد شاركته أكثر من زيارة إلى هناك خلال التسعينات من القرن الماضي قبل سفري إلى الإمارات، كان يذهب بعد انتهاء عرضه المسرحي، يزور ويصلي ويناجي ربه ويدعوه بما يريد وما يتمنى، ويخرج مرتاحاً راضياً، من دون أي ضجيج أو ضوضاء.
مثلما كان سمير غانم الانسان بسيطاً ومتواضعاً ورقيقاً، حمل سمير غانم الفنان نفس الصفات ولم يكن أبداً مدعياً، أو ممن يحمّلون الفن أكثر مما يحتمل، مؤمناً بأن الفن متعة قبل أن يكون أي شيء آخر، وأن كل نجم يقدم لوناً فنياً معيناً يتناسب مع موهبته وقناعاته، وأن الإنسان الذي ينزل من بيته قاصداً مسرح سمير غانم، فإنه يذهب إليه مستهدفاً الضحك وباحثاً عن من ينفض عنه غبار همومه وينسيه أوجاعه الحياتية. كان نجمنا الراحل يدرك ذلك وينفذه بما منحه الله من قدرة على إضحاك العبوس القمطرير، وكان يمتلك القدرة على الاضحاك بأساليب متنوعة، بلغة الجسد التي لم يعرفها سواه، وعندما حاول أحدهم تقليده والاضحاك بلغة الجسد كانت هي القاضية على نجوميته التي لم تدم طويلاً. كان يضحك بطبقات صوته، ويضحك الناس بإفيهاته التي يستلهمها من الموقف، ولذا لم تكن إفيهاته المسرحية ثابتة جامدة طوال مدة العرض، ولكنها متجددة من يوم لآخر حسب المستجدات السياسية والحياتية وأيضاً الفنية.
أضحك أولاد الذوات بإفيهات مستوحاة من لغة أهل الزقاق والحارة والعكس صحيح، وكأنه كان يتجول في الحارات والأزقة والأحياء باحثاً عن جديد الحوار بين أهلها ليوظفه مسرحياً وفنياً فيضحك به جمهوره، وكان يتابع جيداً الأغاني الشعبية وأغاني المهرجانات، يستمتع بها ويمتع الآخرين بما يستوحيه منها من إفيهات توقع الناس ضحكاً.
سمير غانم لم يكن راسم ابتسامات في مسرحه، فقد كان الإفيه لا يحسب إفيهاً إلا إذا قهقه الناس وضحكوا ضحكاً يحرك كل أعضاء الجسم ويوسع الشرايين ويزيد حركة الدم داخل الجسم، ضحك مفيد، يغسل الهموم ويُذهب الأوجاع وينشط الدورة الدموية ويزيل الغم. وكان رحمة الله عليه واضحاً صريحاً يقدر من يكتبون نصوصه باعتبار أنهم يضعون له أساس العمل الذي يقدمه، ولكن مع بدء العرض الجماهيري تبدأ ملامح النص في التغير، بناء على المستجدات ودرجة استجابة واندماج الجمهور، لم ينكر أنه أكثر الخارجين عن النص ولكنه عندما يتحدث عن مؤلفيه فهو حديث التقدير والاحترام والحب.
كان المسرح مملكته، والخشبة ملعبه الذي يصول فوقها ويجول ويحرز الأهداف ويضحك فئات البشر المختلفة، وقدراته على الإضحاك لم تكن على خشبة المسرح فقط، فهو لم يتخل عن سمير غانم وخفة دمه يوماً وأينما كان، فإذا مثل في السينما طغت شخصيته الحقيقية وموهبته الكوميدية على الشخصية التي يمثلها حتى في مواقفها الجادة، وفي التليفزيون تألق في ميزو وأبدع في فطوطة، وفي البرامج التليفزيونية التي استضافته على مدار عمره كانت إجاباته ساخرة مضحكة مهما كانت المذيعة أو المذيع عابساً وأسئلته مثله.
سمير غانم كان قبل أن يعرف دلال عبد العزيز أشهر عازب في الفنانين، وبعد زواجهما كانا الزوجين المتآلفين ومن أكثر الأسر الفنية استقراراً بفضل الحب والاحترام المتبادل، وهذه الأسرة الفنية اكتملت بدنيا صاحبة المواهب المتعددة، وإيمي التي ورثت خفة الدم وسرعة البديهة عن والدها.
شفى الله دلال عبدالعزيز لتواصل رحلة العطاء وأدام تألق وتفرد دنيا وإيمي لتكونا إمتداداً طيباً لوالدهما ووالدتهما، ورحم سمير غانم الذي رحل عنا بجسده ولكن ستظل سيرته في الذاكرة، وستظل أعماله تضحكنا وتضحك أولادنا وتمتد لأحفادنا، وسيبقى علامة مميزة في الفن المصري والعربي.
سمير غانم ومسجد السيدة نفيسة
طوفان من الحب والحزن ودع به عشاق فن الكوميديا، فارسها سمير غانم الذي أراد الله أن يكون يوم رحيله هو يوم تكريمه وتقدير عطائه والامتنان له قدر ما أسعد العرب من المحيط إلى الخليج.
منذ إعلان وفاة ملك الاضحاك، تلونت مواقع التواصل الاجتماعي بصور له ومشاهد من أعماله مذيلة بكلمات مؤثرة عن سمير الفنان الذي نشر البهجة في حياتنا، وعن سمير الإنسان الذي كان نموذجاً للبساطة والتواضع والذي لم يعرف الغرور وجنون العظمة الذي يصيب معظمهم طريقاً إلي نفسه، وسمير الوالد الذي ترك لنا موهبتين تشعان تألقاً وإبداعاً وخفة ظل، وسمير الزوج الذي عشق زوجته وعاش معها حياة مستقرة تتجاوز المألوف في عالم الفن، ولعل أكثر ما أوجع محبيه أنه رحل من دون أن يودعها أو تودعه، حيث كان يقبع كل منهما في غرفة للعناية المركزة.
طوفان الحب والحزن الذي ودع به عشاق الكوميديا سمير غانم كان بمثابة إنصاف لفنان تعمد البعض عدم إنصافه حياً، فقد كان التقدير الإعلامي له أقل كثيراً مما يستحق، ولعل السبب في ذلك أنه كان فناناً فقط، لا يجيد تسويق نفسه، ولكنه يجيد إمتاع الآخرين وغسل همومهم.
من يعرف سمير غانم عن قرب يعلم جيداً أنه لا يقبل أن يطرق باب أحد، ولكنه يرحب بمن يطرق بابه. لا يعرف للنفاق طريقاً، ولكنه يجيد تقدير الناس وأداء الواجب والأخذ بأيدي صغارهم. لم ينتم إلى شلة ولم يصنع شلة، ولكنه انتمى إلى الشباب وانحاز إلى أصحاب المواهب منهم، فتح الأبواب المغلقة لهم وتبنى الكثيرين منهم ومنح فرصاً لمن يستحقون وأرشدهم على طريق النجاح، وشاركهم مناسباتهم وأفراحهم وأحزانهم.
هذا الرجل الذي أجاد غسل هموم الناس، كان يغسل همومه في صمت الليل وسكونه في مكان بعيد عن الضوضاء والأضواء، كان يذهب إلى مسجد السيدة نفيسة حيث يجد الراحة والسكينة، وقد شاركته أكثر من زيارة إلى هناك خلال التسعينات من القرن الماضي قبل سفري إلى الإمارات، كان يذهب بعد انتهاء عرضه المسرحي، يزور ويصلي ويناجي ربه ويدعوه بما يريد وما يتمنى، ويخرج مرتاحاً راضياً، من دون أي ضجيج أو ضوضاء.
مثلما كان سمير غانم الانسان بسيطاً ومتواضعاً ورقيقاً، حمل سمير غانم الفنان نفس الصفات ولم يكن أبداً مدعياً، أو ممن يحمّلون الفن أكثر مما يحتمل، مؤمناً بأن الفن متعة قبل أن يكون أي شيء آخر، وأن كل نجم يقدم لوناً فنياً معيناً يتناسب مع موهبته وقناعاته، وأن الإنسان الذي ينزل من بيته قاصداً مسرح سمير غانم، فإنه يذهب إليه مستهدفاً الضحك وباحثاً عن من ينفض عنه غبار همومه وينسيه أوجاعه الحياتية. كان نجمنا الراحل يدرك ذلك وينفذه بما منحه الله من قدرة على إضحاك العبوس القمطرير، وكان يمتلك القدرة على الاضحاك بأساليب متنوعة، بلغة الجسد التي لم يعرفها سواه، وعندما حاول أحدهم تقليده والاضحاك بلغة الجسد كانت هي القاضية على نجوميته التي لم تدم طويلاً. كان يضحك بطبقات صوته، ويضحك الناس بإفيهاته التي يستلهمها من الموقف، ولذا لم تكن إفيهاته المسرحية ثابتة جامدة طوال مدة العرض، ولكنها متجددة من يوم لآخر حسب المستجدات السياسية والحياتية وأيضاً الفنية.
أضحك أولاد الذوات بإفيهات مستوحاة من لغة أهل الزقاق والحارة والعكس صحيح، وكأنه كان يتجول في الحارات والأزقة والأحياء باحثاً عن جديد الحوار بين أهلها ليوظفه مسرحياً وفنياً فيضحك به جمهوره، وكان يتابع جيداً الأغاني الشعبية وأغاني المهرجانات، يستمتع بها ويمتع الآخرين بما يستوحيه منها من إفيهات توقع الناس ضحكاً.
سمير غانم لم يكن راسم ابتسامات في مسرحه، فقد كان الإفيه لا يحسب إفيهاً إلا إذا قهقه الناس وضحكوا ضحكاً يحرك كل أعضاء الجسم ويوسع الشرايين ويزيد حركة الدم داخل الجسم، ضحك مفيد، يغسل الهموم ويُذهب الأوجاع وينشط الدورة الدموية ويزيل الغم. وكان رحمة الله عليه واضحاً صريحاً يقدر من يكتبون نصوصه باعتبار أنهم يضعون له أساس العمل الذي يقدمه، ولكن مع بدء العرض الجماهيري تبدأ ملامح النص في التغير، بناء على المستجدات ودرجة استجابة واندماج الجمهور، لم ينكر أنه أكثر الخارجين عن النص ولكنه عندما يتحدث عن مؤلفيه فهو حديث التقدير والاحترام والحب.
كان المسرح مملكته، والخشبة ملعبه الذي يصول فوقها ويجول ويحرز الأهداف ويضحك فئات البشر المختلفة، وقدراته على الإضحاك لم تكن على خشبة المسرح فقط، فهو لم يتخل عن سمير غانم وخفة دمه يوماً وأينما كان، فإذا مثل في السينما طغت شخصيته الحقيقية وموهبته الكوميدية على الشخصية التي يمثلها حتى في مواقفها الجادة، وفي التليفزيون تألق في ميزو وأبدع في فطوطة، وفي البرامج التليفزيونية التي استضافته على مدار عمره كانت إجاباته ساخرة مضحكة مهما كانت المذيعة أو المذيع عابساً وأسئلته مثله.
سمير غانم كان قبل أن يعرف دلال عبد العزيز أشهر عازب في الفنانين، وبعد زواجهما كانا الزوجين المتآلفين ومن أكثر الأسر الفنية استقراراً بفضل الحب والاحترام المتبادل، وهذه الأسرة الفنية اكتملت بدنيا صاحبة المواهب المتعددة، وإيمي التي ورثت خفة الدم وسرعة البديهة عن والدها.
شفى الله دلال عبدالعزيز لتواصل رحلة العطاء وأدام تألق وتفرد دنيا وإيمي لتكونا إمتداداً طيباً لوالدهما ووالدتهما، ورحم سمير غانم الذي رحل عنا بجسده ولكن ستظل سيرته في الذاكرة، وستظل أعماله تضحكنا وتضحك أولادنا وتمتد لأحفادنا، وسيبقى علامة مميزة في الفن المصري والعربي.