×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
المخرج محمد فرحان

- عبد الرحمن امنيصير ها هو ذا يجهز نفسه للرّحيلِ، يتلقّفُ حقيبَتَهُ ليرتّب أغراضـه..

ها هو ذا يجهز نفسه للرّحيلِ، يتلقّفُ حقيبَتَهُ ليرتّب أغراضـه..
يتراءى لهُ شريطُ ذكريَاته برفقتـه دموعهُ تنسكبُ دون توقّفٍ، كالمطر تنهمرُ، كطوفان جارفٍ يُدمّرُ مدناً.
يتمنّى لو أنّ كُل هذا لم يحصُل، لكن يا للأسف ما باليد حيلة!، يتذكرُ تلكَ المَرّة التي أنقذهُ فيها عندما كان يترنّحُ علىٰ مقربة شفا جرفٍ هاوٍ فمدَّ لهُ حبلَ النّجاةِ.
يتوقّفُ هنيهةً عن تنظيمِ أشياءهِ فيأبـَىٰ الاستمـاعَ لقلبهِ، عقلهُ اللعينُ لا يكفُّ أنينًـا..
خائنٌ، كاذبٌ ..!
قد انخفضَت أسهمُ الإهتمامِ، عليك الانتباهُ لاقتصادِ الكرامة!، ارحل فقط قبل أن تُحطّمَ و تتبعثر فلا تجدُ من يعيدُ شتاتكَ و جعلكَ نجماً تتوهجُ في السّمَاء القاتمةِ. ينقشعُ من منزلهِ ينتقّلُ من رصيفٍ إلى آخر قاطعاً حياته سيراً على الأحلامِ، فتحَ الليلُ أجنحتهُ فغمرَ الأرضَ ظلامٌ دامسٌ.. لم يجد مأوى مضجع يأوي جسدهُ المُنهار اضطر للنومِ في الشارعِ برفقةِ النّدى و نباحِ الكلابِ و شجارِ القططِ!.
‏مضَت أيّامٌ و أيّامٌ اعتادَ فيها علىٰ ذلكَ أصبحَ يحومُ الشوراعَ مُتسولاً رغيفَ حياةٍ و رمقَ انتماءٍ، في آخرِ الشهرِ شرعَ في النوّمِ بجوارِ حُزنهِ المريرِ.
‏ ‏كيف يمكن للبذرة أن تُصدّق بأنّ داخلها شجرة ضخمة مُخبّأة؟ ..
‏ ‏استيقظ على شعاع الشمس المُتسَرّب في لجّ العتمة داخل أحد الأزقة التي غشتها رائحة المجاري..
‏ ‏حمل حقيبتهُ و عاد لترحالهِ داخل المدينة المفقودة!
‏ ‏يرى صبيّان يحملان على ظهريهما حقيبة المدرسة، فتذكّر تلكَ المَرّة التي أنجدهُ فيها عندما كادَت أن تصدمهُ شاحنةٌ شارذةٌ عند قطعه للطّريق باستعجالٍ!
‏ ‏طردَ أضغاث الأفكار الحائمة المرجومة في عقله، و واصلَ المسيرَ..
‏ ‏ملامحهُ الهادئة تبيحُ الأشياء المكسورة بداخله، وحيد منْسيٌّ كأنهُ بندقِيّة في ذروة السّلامِ.
‏و هو يتمشّى إذ بقدمهِ تخطو على شيء أشبه بنقود، فأزالها ليتسللَ الفرحُ إلى غبطةِ قلبهِ.. توجّه فوراً إلى أقرب مقهى يدنو إليه..
‏أشعث أغبر بملابس رثة مرقعة و بالية، تقدّم نحوه النّادل يسأله ماذا يطلب؟
‏فيجيبُ برواقٍ غيرِ معهودٍ "كُوب قهوة لو سمحت" بعد دقائق انتظار بغيظة نُصِبَت فيها الأعينُ حولهُ حضرت القهوة مع أول رشفة تحوّل مذاقُها إلى مرارة لم يَذقْهَا قط بعد تذكره إحدى الكلماتِ العالقة في حلقهِ، كان مذاقها يحاكي مرارة العلقمِ!
‏غادرَ المقهى أوصالهُ ترتعدُ فراقَ مدةٍ قصيرةٍ آنس حينها أن تلكَ الأشياءَ الصّغيرةَ مُخادعة، لأنها لم تُخبرهُ يوماً أنه من يكبُرُ أمامها لا هيَ.
‏ أسدلَ الليلُ ستائرهُ و تلألأت النّجومُ في السّمَاءِ كمصابيحَ تزَيِّنُهـا، مستلقٍ على الأرضِ يعانقُ فتات الصخُور الذي تسببَ له بألمٍ شديدٍ في ظهره.. رفعَ وجههُ محدقاً في السّمَاءِ كانت الدّقائق التي استرسلها في التحديقِ تبدو كساعاتٍ ...
‏حين كادَ يغفو همسَ قلبه في صمتِ العالمِ، يا صديقي أرجوكَ تعالَ و ضُمّني إلىٰ صدركَ و لو كنتَ رصاصةً و نامَ للأبدِ!

- عبد الرحمن امنيصير
image
 0  0  195