×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
المخرج محمد فرحان

لماذا الكرد دون غيرهم الكاتب معد فياض

التقى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، دونالد ترامب، في منتجع دافوس في سويسرا، وعلى انفراد مع، نيجيرفان البارزاني، رئيس إقليم كوردستان، قبل أن يلتقي برهم صالح، رئيس جمهورية العراق، على هامش مشاركتهما في أعمال المؤتمر الاقتصادي العالمي.

لو تأملنا دلالات لقاء أقوى بلد في العالم مع زعيمين كورديين عراقيين دون غيرهما من الزعماء العراقيين لأدركنا أهمية نظرة الدولة الأمريكية العظمى للكورد والتعامل معهم لتقرير مصير العراق ومحيطه الإقليمي، ذلك أن الرئيس ترامب لا يتعامل مع صالح والبارزاني باعتباراتهما الوظيفية، بل السياسية والثقل السياسي الذي يشكله الحزب الديمقراطي الكوردستاني، وهو أقدم الأحزاب السياسية الكوردية، متمثلاً بنائب زعيم الحزب، نيجيرفان البارزاني، والاتحاد الوطني الكوردستاني، ثاني الأحزاب الكوردية، متمثلاً بالقيادي في الحزب، برهم صالح.

السؤال الذي يبرز بقوة هنا هو لماذا الكورد الذين التقاهم ترامب دون غيرهم؟، وللإجابة عن هذا السؤال علينا أن نتذكر بداية تاريخ العلاقات الكوردية، الحزب الديموقراطي الكوردستاني خاصة، الأمريكية، بل العلاقات الكوردية مع قيادات الدول الغربية ومنها فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة إضافة إلى علاقاتهم المتميزة مع الدول العربية مثل مصر والمملكة العربية السعودية وبقية دول االخليج العربي والمملكة الأردنية الهاشمية ودول المغرب العربي، كذلك اعتماداً على علاقاتهم المتميزة مع دول الإقليم وأعني تركيا وإيران.هذه العلاقات التي قامت على أسس من الثقة والتفاهمات والمواقف المبدأية الثابتة.

عندما انتفض الشعب العراقي وبضمنهم الكورد، ضد نظام صدام حسين عام 1991، وقرر الكورد بناء كيانهم المستقل، وقتذاك، متمثلاً في إقليم كوردستان دعمت الولايات المتحدة الأمريكية هذا الكيان ووقفت بقوة إلى جانب الكورد العراقيين وحمتهم من بطش النظام السابق. وهذا يوضح عمق العلاقات بين أربيل وواشنطن منذ ذلك التاريخ، بل أقدم من ذلك إذ دعمت الولايات المتحدة الثورة الكوردية التي قادها الزعيم ملا مصطفى البارزاني.

بعيداً عن الحديث التاريخي، فأن الولايات المتحدة عملت بقوة بعد تغيير النظام العراقي في 2003 من أجل ترسيخ موقف الكورد بقيام إقليم كوردستان شبه المستقل بمؤسساته الديموقراطية الدستورية وكانت سباقة في بناء علاقات دبلوماسية عميقة مع أربيل من خلال قيام أكبر قنصلياتها في عاصمة إقليم كوردستان.

ترى هل كان للقاء ترامب مع البارزاني قبل لقائه مع صالح دلالاته ؟، لا أعرف إسلوب البروتوكول الذي يتبعه فريق رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، فالأمر ليس شخصياً وصالح غير معني به بقدر ما هو العراق والحكومة الإتحادية ببغداد هي المعنية. ومن المؤكد أن ترامب أراد أن يوصل رسالة مباشرة، وهو معروف بوضوحه وعدم مجاملته للأخرين، لمؤسسة الحكم في العراق، وأعني للحكومة والبرلمان والطبقة السياسية العراقية بأن واشنطن تعتمد على أربيل في تواجدها في العراق وليس على بغداد، وأن الكورد هم جسر علاقتنا بالعراق وليس الطبقة السياسية المتحكمة بأمور البلد في بغداد، هذه الطبقة التي توصف بالجحود وعض اليد الأمريكية التي ساعدتهم في التخلص من نظام شمولي دكتاتوري ودعمتهم في الوصول إلى السلطة، على العكس من موقف القيادات الكوردية التي أوفت بكلمتها ومواقفها وامتنانها للدعم الأمريكي من جهة وللدعم الأوربي الذي حرص على أن يبقى إقليم كوردستان آمنا قوياً وحضارياً، من جهة ثانية.

وفي الإجابة، أيضاً عن تسائلنا، لماذا الكورد دون غيرهم نقول إن الكورد لم يتراجعوا عن تعهداتهم أو عن وعد قطعوه لغيرهم أو عن اتفاق أبرموه مع الآخرين حرصاً على أمن وقوة الإقليم ومصالح الشعب الكوردي الإقتصادية والسياسية والحياتية، لهذا يثق قادة الدول الغربية، الولايات المتحدة الأمريكية في مقدمتهم، بالقادة الكورد وبتعهداتهم.

ومنذ هجوم ميلشيات الحشد الشعبي على السفارة الأمريكية ببغداد بعيد مقتل قائد فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، ونائب قائد هذه الميلشيات أبو مهدي المهندس، تحدثت واشنطن عن نيتها بنقل السفارة لأربيل، بل ذهب الرئيس ترامب لأبعد من ذلك عندما فكر بنقل غالبية القوات الأمريكية إلى إقليم كوردستان، وذلك بعد الهجوم الصاروخي الإيراني على قاعدتي (عين الاسد) في الأنبار، و(بلد) في صلاح الدين، وبعد أن طالب مسؤولون وقادة ميلشيات عراقية من الشيعة الموالين لإيران بخروج القوات الأمريكية من خلال جلسة برلمانية قاطعها الكورد والسنة العرب.

وتزامناً مع لقاء الرئيسين ترامب وصالح، هاجمت الميليشيات العراقية الموالية لإيران ببغداد رئيس الجمهورية وطالبت "بطرده من بغداد" في حال التقى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية. وهذا يعتبر إعاقة لعمل رئيس جمهورية العراق حيث يعتبر الدستور العراقي هذا العمل جريمة يعاقب مرتكبها بالسجن المؤبد.

مقابل مواقف القادة الكورد المبدأية والثابتة التي يعتمد عليها قادة الدول الغربية والعربية، هناك في بغداد نلاحظ وبوضوح المواقف والآراء المتذبذبة وغير المبدأية لزعماء الأحزاب والطبقة السياسية الحاكمة، فبينما طالب هؤلاء بإخراج القوات الأمريكية، راحوا يتوسلون بقائها في جلساتهم الخاصة مع المسؤولين في الإدارة الأمريكية كما كشف، مايك بومبيو، وزير خارجية الولايات المتحدة في الإعلام. وقادة الأحزاب العراقية الشيعية، وفي مقدمتهم نوري المالكي الذي وقع مع إدارة الرئيس الأمريكي السابق أوباما الإتفاقية الأمنية، كما كانت تربطه علاقات متميزة مع الرئيس الأمريكي الأسبق بوش الابن، وهو ذاته من توسل السفير الأمريكي الأسبق ببغداد، زلماي خليل زاد، ليكون رئيساً للوزراء بدلاً

من مسؤوله في حزب الدعوة، إبراهيم الجعفري، يقود اليوم الدعوة لإخراج القوات الأمريكية، وهذا موقف رئيس الحكومة المستقيل والمنتهية صلاحياته، عادل عبدالمهدي، أيضاً في مغازلة الأحزاب الشيعية المتطرفة والموالية لإيران طمعاً في بقائه بمنصبه. لكل هذه المواقف لا تثق واشنطن ببغداد ولا تقيم لقراراتها أية اعتبارات بل تعتمد على قرارات ومواقف القادة الكورد.

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له أي علاقة بوجهة نظر شبكة رووداو الإعلامية
image
 0  0  212