Shahinaz El Fiky انتحار الشباب واغتراب ما بعد الثورة
Shahinaz El Fiky
انتحار الشباب واغتراب ما بعد الثورة
هل يكفي ثلاث أو أربع حالات انتحار خلال أسبوع لأن يرتقي الحدث لكونه ظاهرة، في البداية لابد لنا من تعريف الظاهرة وكما يقول "إميل دوركايم" الباحث في علم الاجتماع أن الظاهرة هي كل سلوك يتشكل بين أفراد المجتمع بأكمله وتكون خصائص هذا السلوك مختلفة في حال تشكله بحالة فردية عنه في الحالة الجماعية.
ووضع للظاهرة خصائص محددة منها:
-جماعية أنها ترتبط بسلوك جماعي وليس فردي (الهجرة للخارج، الأمية)
-ذات سلطة قهرية وجبرية يمارسها المجتمع على الافراد(الختان)
- نسبية تختلف باختلاف الزمان والمكان
إذا لنطلق على حدث معين في المجتمع يتكرر على فترات قريبة (ظاهرة) هو ليس صحيح من الناحية النظرية والعلمية، وانما قد يكون انتحار بعض الشباب في الفترة الأخيرة بشكل أكبر ناتج عن مشكلات اجتماعية وإنسانية تواجههم وخاصة بعد ثورة 25 يناير التي أحدثت فجوة كبيرة بين المجتمع والشباب هذه الفجوة هي حالة من الاغتراب يتعامل معها الشباب بثلاثة اشكال كما حددهم عالم الاجتماع الأمريكي "روبرت ميرتون":
-الانعزال: وهي عملية للهروب الجزئي من الأشياء التي لا يستطيع الفرد أن يتعامل معها ويتقبلها.
-الانسحاب: عملية الهروب الكلي من المجتمع وعدم الانتماء إليه أو التفاعل معه
-الثورة: عملية الاعتراض على الواقع وتغيره
وبما إن المجتمع لا يتقبل فكرة قيام ثورة أو حتى مظاهرة سلمية للتعبير عن الرأي، ويرى ان يناير كانت وكسة، يتهم كل من شارك فيها بالعمالة أو على أقل تقدير بالغباء فمن هنا زادت حالة الاغتراب وفقد الشباب الأمل في أن يكون له دور في خلق عالم يعيش فيه أو يكون له مشاركة ولو بسيطة في تصحيح ما يراه مخالفًا لمبادئ ثورة يؤمن بها.
ليس ذلك فقط وانما الثورة ايضًا وما تلاها من أحداث كان له تأثير كبير على انشقاق المجتمع، فأصبح المجتمع منقسمًا على نفسه بين أخواني وسلفي وثوري وفلول وتسلل هذا الانقسام حتى الاسرة الواحدة.
انقسام المجتمع طبقيًا لطبقتين بينهما مساحة كبيرة جدًا من الاختلاف، طبقة الأثرياء أصحاب القصور والحفلات الصاخبة والملابس والسهرات وطبقة تكاد تكفي احتياجاتها الأساسية بجهد جهيد وهذه الفجوة بين الطبقتين زرعت حالة من اليأس في النفوس من إمكانية تحسين أوضاعهم أو تحقيق قدر من الرفاهية المشروعة التي يطمحون إليها.
الصراع على إيجاد وظيفة في وسط هذا الخضم الهائل من المحسوبية والواسطة والتوريث في كل مفاصل الدولة.
تراجع الدور التربوي للمدارس فأصبحنا نرى المدرس "يهز وسطه" ويتراقص في الحصص أو يمسك طبلة فسقطت هيبة المعلم والذي كان يمثل قدوة هامة للطفل يجدها في المدرسة إذا افتقدها في البيت.
المشايخ الذين كانوا الملاذ الأخير للشباب للتمسك بالأمل والإيمان بالله وقد سقطت عنهم أقنعة الورع والتقوى وبدا كل منهم منبطحا للحفاظ على مكتسباته، حتى أنه لإحكام السيطرة على الخطاب الديني تم توحيد خطب الجمعة وأصبحت المنابر منفصلة تمامًا عما يواجه المجتمع من مشكلات.
كل هذه العوامل التي ينبغي على المراكز القومية المتخصصة دراستها بشكل واسع وعلى نطاق جغرافي كبير، كان لها دور في تضخم حالة الاغتراب لدى الشباب فجعلت من أي مشكلة حتى وإن كانت بسيطة سبب كافي لإنهاء الحياة، دون مراعاة لعقوبة الاخرة أو لما يخلفه وراءه من تصدع في حياة أسرته لأنه فقد كل لغات التواصل مع الأسرة والمجتمع وفقد الثقة في العدل.
في الختام أرجو أن تلتفت الدولة لهذه المشكلة الاجتماعية، وأن توليها العناية التي تستحقها لان شباب الوطن هم ثروته وعماده الذي تقوم عليه كل نهضة وتنمية ويستحقون منا كل رعاية وعناية.
#شاهيناز_الفقي
انتحار الشباب واغتراب ما بعد الثورة
هل يكفي ثلاث أو أربع حالات انتحار خلال أسبوع لأن يرتقي الحدث لكونه ظاهرة، في البداية لابد لنا من تعريف الظاهرة وكما يقول "إميل دوركايم" الباحث في علم الاجتماع أن الظاهرة هي كل سلوك يتشكل بين أفراد المجتمع بأكمله وتكون خصائص هذا السلوك مختلفة في حال تشكله بحالة فردية عنه في الحالة الجماعية.
ووضع للظاهرة خصائص محددة منها:
-جماعية أنها ترتبط بسلوك جماعي وليس فردي (الهجرة للخارج، الأمية)
-ذات سلطة قهرية وجبرية يمارسها المجتمع على الافراد(الختان)
- نسبية تختلف باختلاف الزمان والمكان
إذا لنطلق على حدث معين في المجتمع يتكرر على فترات قريبة (ظاهرة) هو ليس صحيح من الناحية النظرية والعلمية، وانما قد يكون انتحار بعض الشباب في الفترة الأخيرة بشكل أكبر ناتج عن مشكلات اجتماعية وإنسانية تواجههم وخاصة بعد ثورة 25 يناير التي أحدثت فجوة كبيرة بين المجتمع والشباب هذه الفجوة هي حالة من الاغتراب يتعامل معها الشباب بثلاثة اشكال كما حددهم عالم الاجتماع الأمريكي "روبرت ميرتون":
-الانعزال: وهي عملية للهروب الجزئي من الأشياء التي لا يستطيع الفرد أن يتعامل معها ويتقبلها.
-الانسحاب: عملية الهروب الكلي من المجتمع وعدم الانتماء إليه أو التفاعل معه
-الثورة: عملية الاعتراض على الواقع وتغيره
وبما إن المجتمع لا يتقبل فكرة قيام ثورة أو حتى مظاهرة سلمية للتعبير عن الرأي، ويرى ان يناير كانت وكسة، يتهم كل من شارك فيها بالعمالة أو على أقل تقدير بالغباء فمن هنا زادت حالة الاغتراب وفقد الشباب الأمل في أن يكون له دور في خلق عالم يعيش فيه أو يكون له مشاركة ولو بسيطة في تصحيح ما يراه مخالفًا لمبادئ ثورة يؤمن بها.
ليس ذلك فقط وانما الثورة ايضًا وما تلاها من أحداث كان له تأثير كبير على انشقاق المجتمع، فأصبح المجتمع منقسمًا على نفسه بين أخواني وسلفي وثوري وفلول وتسلل هذا الانقسام حتى الاسرة الواحدة.
انقسام المجتمع طبقيًا لطبقتين بينهما مساحة كبيرة جدًا من الاختلاف، طبقة الأثرياء أصحاب القصور والحفلات الصاخبة والملابس والسهرات وطبقة تكاد تكفي احتياجاتها الأساسية بجهد جهيد وهذه الفجوة بين الطبقتين زرعت حالة من اليأس في النفوس من إمكانية تحسين أوضاعهم أو تحقيق قدر من الرفاهية المشروعة التي يطمحون إليها.
الصراع على إيجاد وظيفة في وسط هذا الخضم الهائل من المحسوبية والواسطة والتوريث في كل مفاصل الدولة.
تراجع الدور التربوي للمدارس فأصبحنا نرى المدرس "يهز وسطه" ويتراقص في الحصص أو يمسك طبلة فسقطت هيبة المعلم والذي كان يمثل قدوة هامة للطفل يجدها في المدرسة إذا افتقدها في البيت.
المشايخ الذين كانوا الملاذ الأخير للشباب للتمسك بالأمل والإيمان بالله وقد سقطت عنهم أقنعة الورع والتقوى وبدا كل منهم منبطحا للحفاظ على مكتسباته، حتى أنه لإحكام السيطرة على الخطاب الديني تم توحيد خطب الجمعة وأصبحت المنابر منفصلة تمامًا عما يواجه المجتمع من مشكلات.
كل هذه العوامل التي ينبغي على المراكز القومية المتخصصة دراستها بشكل واسع وعلى نطاق جغرافي كبير، كان لها دور في تضخم حالة الاغتراب لدى الشباب فجعلت من أي مشكلة حتى وإن كانت بسيطة سبب كافي لإنهاء الحياة، دون مراعاة لعقوبة الاخرة أو لما يخلفه وراءه من تصدع في حياة أسرته لأنه فقد كل لغات التواصل مع الأسرة والمجتمع وفقد الثقة في العدل.
في الختام أرجو أن تلتفت الدولة لهذه المشكلة الاجتماعية، وأن توليها العناية التي تستحقها لان شباب الوطن هم ثروته وعماده الذي تقوم عليه كل نهضة وتنمية ويستحقون منا كل رعاية وعناية.
#شاهيناز_الفقي