أخبار قناة الشمس

×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
المخرج محمد فرحان

أحمد الصغير مصرأشكال الشعر النِّسوي في الإمارات العربية المتحدة شعرية أنثوية تعبر عن قضايا المرأة

أشكال الشعر النِّسوي في الإمارات العربية المتحدة شعرية أنثوية تعبر عن قضايا المرأة

تبدو الشعرية العربية في الخليج العربي أكثر انفتاحًا على العالم المحيط مما قبل، فقد أنتجت لنا أصواتًا نسائية متنوعة في شعر الحداثة العربية، لتؤسس بذلك شعرية أنثوية ذات ملاح فنية تحمل رؤى شعرية بخصوصية مائزة، تعبر هذه الظاهرة الشعرية عن قضايا المرأة في الخليج عامة وقضايا المرأة في الإمارات العربية بصفة خاصة، وقد طرح شعر المرأة في الثقافة العربية صورة الأنثى وقضاياها «القومية، والاجتماعية، والثقافية»، فيقوم على أكتافها بناء العقول والقلوب معًا، ومحاولة التعبير عن وجدانات الأمة العربية وطموحاتها اللانهائية من ناحية التقدم والرقي على المستويات الإنسانية كافة. وقد انتقيت مجموعة من النماذج الشعرية المتحققة على المستويين الإبداعي والثقافي، لما لها من دور وأثر في الحراك الشعري والأدبي في الإمارات. ومن هذه الأصوات المبدعة الشاعرة: «ميسون صقر، وظبية خميس، ونجوم الغانم، وأسماء بنت صقر القاسمي، وخلود المعلا». وغيرهن من الشاعرات اللواتي قدمن طرحًا شعريًّا مغايرًا في الساحة الثقافية العربية، وانتصرن لقيمة اللغة النسوية في مقابل سيطرة الثقافة الذكورية قديمًا على الساحتين الأدبية والثقافية.
ميسون صقر: جماليات الذات والآخر

ولدت في إمارة الشارقة/ الإمارات العربية المتحدة، شاعرة وفنانة تشكيلية، تخرجت في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية- جامعة القاهرة، أصدرت الكثير من الدواوين الشعرية «هكذا اسمي- جمالي في الصور- رجل مجنون لا يحبني- أرملة قاطع طريق – تشكيل الأذى». تبدو عناوين الدواوين الشعرية لدى الشاعرة ميسون صقر رموزًا للذات الشاعرة والآخر الذي تحاول الشاعرة أن تسمو به من خلال نصوصها الشعرية، مما يغلب الطابع الذاتي الخالص على ديوانها الأحدث في مسيرتها الشعرية «جمالي في الصور» (دار العين/ القاهرة 2012م) وهي تقتنص لحظات شعرية قوية، تحاول الذات أن تعلن عن جماليات الذات الشاعرة في أقنعتها المتعددة، وثرائها الدلالي والمعرفي، كما يومئ عنوان الديوان إلى مدى تماهي الذات في عالمها المجازي، فـ«جمالي في الصور» يجعل الخطاب الشعري عند ميسون صقر خطابًا داخليًّا منكفئًا على ذاته، ومرتكزًا على طرح المجازي الجمالي بديلًا عن الحقيقي الواقعي، وكأن الجمال يكمن في الصور التي نلتقطها في لحظات المحبة، أو لحظات الحنين والحزن الماضيين. فتقول الشاعرة في ديوانها «جمالي في الصور»:
image

«أترك الأيام الماضية تتدلى

رطبًا جنيًّا

في نخلة عالية

أسميتها في السر وطنًا عالي المقام

علقتها أملًا فوقنا

حين أغوتنا البلاد

عاودنا تركيب حلمنا

بعدما فقدنا الوثوق في الطلوع إليها».

إن صورة الذات الشاعرة التي يتحدث عنها النص الشعري ذاتٌ تمتلك سلطة التشكيل الحياتي، عندما تتحدث عن غربة داخلية عن الماضي الذي تلتحم به الذات ولا تستطيع الفرار دونه، فتعبر عن روح هذا الوطن بالنخلة العربية السامقة القوية في وسط الصحراء القاسية، وكأن النخلة هي رمز للوطن في عزته وصبره وقوته وتقدمه في آن واحد. وهي بمثابة رمز للأمل المشحون بالمحبة والصمود في لحظات الغياب عن أوطاننا العربية؛ كي نرجع إليها حالمين بسموها ورفعتها بين الأمم الأخرى. هكذا يبدو صوت ميسون صقر الشعري، صوتًا نقيًّا مغلفًا بالوطنية والاحتماء بروح الوطن ومجده وخلوده. وتقول أيضًا في قصيدة أخرى من الديوان نفسه:

«أزرع شَكِّي صَبَّارًا

أزرع الارتباك في ملامحي

أسير في الطريق إلى الملل

الملل مشبوب بحواس نائمة

أزرع الصبار

لأصبو… لأكون

بستانية الحواس الغريبة

حيلة لا تنطلي عليَّ».
image

تتكئ القصيدة السابقة على ثيمة الشك الإنساني المعجون بمذاق الصبار المرير، فعلاقة الشك بالصبار علاقة إنسانية خالصة. وفي ظني أن هذا التشبيه يحمل دلالات نفسية كثيرة عن الذات الإنسانية بكشل عام، فالشك يولد الحيرة والقلق النفسي البغيض، كما الصبار تمامًا في مذاقه وحياته ووخزاته وجنونه. وتستولد الشاعرة رمزًا مهمًّا مرتبطًا بالشك والصبار وهو الملل والضيق النفسي وهو ما يجعل الذات الشاعرة بعامة في صراع دائم بينها وبين هذا الثالوث المربك المخاتل في الوقت نفسه. وتكمن الدلالة الكلية لهذا النص في رغبة الذات الشاعرة القوية في تحطيم هذه الحواجز المريرة، وتحطيمها لدى بني الإنسانية، حتى تستمر الحياة في ألقها المعرفي وعطائها اللانهائي.
ظبية خميس: إشارات عرفانية

الشاعرة ظبية خميس من الشاعرات اللاتي يؤمنَّ بوحدة وطنها مخلصة ومحبة، كنساء وطنها الكبيرات. تمتلك تجربة شعرية مائزة منفتحة على عوالم الشعر في الغرب والشرق، كما أنها تطرح الصوفي والأسطوري والمعرفي والثقافي والاجتماعي في نصوصها المتنوعة. ومن أهم أعمالها الشعرية «خطوة فوق الأرض 1981م – الثنائية: أنا المرأة الأرض كل الضلوع 1982م – صبابات المهرة العمانية 1985م – قصائد حب 1985م – السلطان يرجم امرأة حبلى بالبحر 1988م – انتحار هادئ جدًّا 1992م – جنة الجنرالات 1993م- موت العائلة 1993م». وتطرح في ديوانها الأحدث «مقام الإعرابية الرائية/ اتحاد كتاب وأدباء الإمارات- 2015م» جوانب معرفية، وصوفية، ولغوية كثيرة، مرتبطة بدلالات الحروف وآلياتها ورموزها المتنوعة، ومن ثم فإن اختيار الشاعرة لحرف الراء في بناء ديوانها الشعري لا يخلو من دلالات صوفية وفنية، مفادها أن الشاعرة اختارت حرف الراء؛ لأن الراء روح ورحمة، وروح الشاعرة ظبية تهيم في الطبيعة المنسوبة للرحمن، تشاركها في ذلك التجلي الشعري روح في الطرف الآخر من الوجود، اخترقت كل الحجب والأسرار، وقفلت عائدة؛ لترتوي من الإيقاع اليومي الحر. وفي ظني أن الشاعرة ظبية خميس قد اختارت هذا العنوان لديوانها ليدل بشكل قوي على حال ومقام الصوفية الكبار في تراثنا العربي الواسع، لما له من أبعاد تناصية فنية متنوعة داخل النص الشعري، متخذة من جوهر الصوفية تسامحها ومحبتها وقربها من الرحمن عز وجل، كما نلاحظ أيضًا أن ظاهرة شعرية مهمة تتجلى في نصوص ظبية خميس، وهو الاستدعاء الجلي للنص الصوفي القديم، برموزه ومحبته وعشقه، فتقول:

«طيف من هذا الذي يلح عليَّ

في صورة غرامية

مكتملة وناقصة

روح، أم رجل

فكرة، أم عشق ؟؟»

ظبية خميس
image

تتجلى في المقطع السابق صورة التناص الإشاري الواضح من خلال الأسلوب الشعري «طيف من هذا» لنستدعي من الذاكرة الشعرية بيتًا شعريًّا من قصيدة البردة للإمام البوصيري حيث يقول:

«نعم سرى طيف من أهوى فأرقني.. والحب يعترض اللذات بالألم»

فرمز الطيف هنا لا يخلو من إشارات شعرية تتعلق بالتصوف، والعشق الذي لا ينتهي، وتستمد الشاعرة تلك الروح من زهد المتصوفة وحنينهم إلى المحبة الخالصة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم. كما نلاحظ أن ديوان خميس ينطلق من روح الصوفية الخاشعة المؤمنة بحقيقة العبادة لله عز وجل، كما تبدو صورة الذات الشاعرة حائرة ما بين الفكرة الإنسانية والعشق الروحي المرتبط بحقيقة الحياة. وتقول أيضًا في القصيدة نفسها:

«أحيانًا يموت العالم بالنسبة لك

وتموت بالنسبة له

ومع أنه يراك

وتراه

لا يرى أحدكما الآخر أبدًا».

تتحدث الشاعرة عن الموت المعنوي الذي أصاب روح الذات الشاعرة في واقعها اليومي المعيش، فيحدث موت بالتبادل بين الذات والعالم الميت أيضًا، وتقع المفارقة في وجع الذات وتناقضاتها إزاء هذا العالم المخنوق الذي نراه ويرانا وينكر كل منا الآخر. إن العمق الفلسفي الذي ينبثق من خلال المقطع الشعري السابق يومئ إلى متاهة الذات في البحث عن حقيقتها الأرضية وكيانها ووجودها المادي والمعنوي في آن. وكأن القصيدة التي كتبتها ظبية خميس قصيدة تبحث في العدمية وكأن الكون نهايته العدم والتلاشي، في ظل صراعات إنسانية ممجوجة، تسيطر على رغبات البشر من دون الالتفات إلى الهدف الأسمى وراء الوجود الكوني لبني البشر. فعندما تنغلق العقول على نفسها لن ترى الآخر الذي يخاطبها أو تخاطبه. بل يصل الأمر إلى غياب الصورتين معًا؛ الذات والآخر.
نجوم الغانم: شعرية التمرد

الشاعرة نجوم ناصر الغانم من مواليد مدينة دبي، الإمارات العربية، شاعرة ومخرجة سينمائية، صدر الديوان الأول لها بعنوان «مساء الجنة- 1989م» وقد صدر لها بعد ذلك خمسة دواوين شعرية هي «الجرائر- 1999م. رواحل- 1996م. منازل الجلنار- 2000م. لا وصف لما أنا فيه -2005م. ملائكة الأشواق البعيدة- 2008م». تنتمي الشاعرة نجوم الغانم إلى جيل شعراء قصيدة النثر في الإمارات العربية. تمتلك الغانم خصوصية شعرية مائزة ومخاتلة في كتابتها لقصيدة النثر من خلال تمردها وانقلابها على عادات اجتماعية قديمة كانت المرأة في أثنائها تابعة ومقهورة تحت ثقافة ذكورية بالية، فقد سجلت الشاعرة نجوم الغانم في قصيدتها النثرية لحظات انكسار الذات الأنثوية في الخليج العربي وعدم تحقيق طموحها الثقافي والفني، ورغبتها في صياغة واقع جديد، يعبر عن طموحات الأنثى في الإمارات بشكل عام، وخروجها على سلطة الرجل وثقافته القديمة الموروثة الجامدة، حتى يصبح لها كيان لغوي ثقافي متحرك خاص بها وحدها من بنات جنسها. فتقول في قصيدة «أسقط من نفسي»:

«نعبر مثل ظلال على حجر الطريق

تتعقبنا انكساراتنا الشقية

ويفرقنا سيف الفصول

نمضي

نقبض على التنهيدة الهاربة

من صدورنا كي لا ينتبه إليها أحد»

نجوم الغانم

تبدو صورة الذات المنكسرة في النص الفائت مسيطرة على عملية بناء النص من خلال رصد وقائع هذه الانكسارات وتعقبها لممرات الذات ودروبها الإنسانية، وعلى الرغم من الفراق الذي يعقب تلك الانكسارات فإن الذات الشاعرة تقبض على تنهيدة هاربة خوفًا عليها من الموت والانهيار. وقد يصبح صوت المرأة جليًّا من خلال الإحساس بالخوف من قهر المجتمعات وسلطتها على أفكار المرأة العربية، فقد يحاسب المجتمع المرأة على تنهداتها وأنفاسها من خلال سيف العادات والتقاليد الذي يمتهن المرأة ولا يمنحها حقها في التفكير، وهذه مبالغات شعرية واسعة، ترمز إلى أزمنة بالية مر بها المجتمع العربي بأسره. وتقول نجوم الغانم أيضًا:

«نترك خطواتنا على الرمل

على الثلج

على الماء

يا إلهي.. كيف أننا لم ننتبه أبدًا

في أي الاتجاهات كنا نترك أقدامنا ؟».

يعتمد النص الفائت على شعرية الأسئلة المفارقة التي تصف مشهدًا مأساويًّا تمر به الذات الأنثوية من خلال حديثها عن ضبابية الرؤية واغتراب الذات عن نفسها وأرضها. فلم تعد تدرك أين كانت ملامحها الحقيقية، فلم تدرك ماهية الاستقرار، بل كان الرحيل من مكان إلى آخر هو الاستقرار المتحرك أو تناقضات الإقامة والرحيل. فعندما يترك الإنسان نفسه للحياة من دون أن يحدد لها هدفًا ما، تصبح حائرة ومتسائلة عن مصيرها الذي لا تعرف نهايته. وهو تعبير عن التمرد الذي سيطر على قوى الفكر الأنثوي، رغبة في سعي الذات الأنثوية لتحقيق ذاتها وأهدافها وطموحاتها، من أجل بناء وطنها ونهضة بلادها العربية.
أسماء بنت صقر القاسمي: العدمية وانهيار الذات

الشاعرة أسماء القاسمي من مواليد إمارة الشارقة «الإمارات العربية المتحدة»، وهي شاعرة تصنع أسطورتها من رحم ثقافتها الواسعة، لها عدة دواوين شعرية، منها: «شذرات من دمي» ترجم إلى اللغة الإسبانية، «معبد الشجن»، و«صلاة عشتار»، و«شهقة عطر»، و«طيرسون الحنين»، و«بوتقة المسك». تقول الشاعرة أسماء القاسمي:

«أنا الأنثى

أرض الأرض وبقية الكون

وقيامة ثانية

ألفُّ الزمن المشتعلَ على

أصابعي

وأخرق جدار الصمت من غير

كلفة».

أسماء صقر القاسمي
image

تبدو صورة الذات الشاعرة في القصيدة السابقة صورة سلطوية حيث إنها اعتمدت على ضمير المتكلم «أنا الأنثى» وهو تصدير يشي بالكثير من الرمز والدلالات المفتوحة من خلال مجابهة الذات لسلطة أخرى/ المجتمع؛ حيث إنها ارتكزت على صياغة أسطورة حقيقية مفادها أن الأنثى هي أصل الأشياء، وأرض الأرض وبــقيــــة الكون. إن هذا الإصرار الأنثوي على الحياة ورغباتها الجامحة في صياغة ثقافة أنثوية تعبر عن آلامها وأفكارها ومعاناتها التي لن تستطيع ثقافة ذكورية ما على الحديث عنها بطريقة مباشرة تصل إلى عمق مكنونها وجراحاتها اليومية. فتمنح ذاتها النسوية سلطة علوية تتشكل من خلالها الحياة التي نعيش فيها، وتقول أيضًا:

«لا شيء هنا

أو هناك

يغري بالبقاء.

بالرحيل،

يوم يتابع ظل يوم

وأعوام تكنس أعوامًا».

إن الصورة الرمزية للحزن أو العدمية الكونية التي لجأت إليها الذات الشاعرة في المقطع الفائت صورة مشبعة بالألم اليومي الذي سيطر على قلوب البشرية، فالشاعرة ترى أن العالم لم يعد هدفًا في حد ذاته بل صار حملًا ثقيلًا على كاهل البشر الذين يعيشون داخل حجراته وأركانه الإنسانية المنزوية. وكأن الذات الشاعرة تحاول الخروج من هذا العالم للدخول في عوالم مجازية موازية للطموحات النسوية التي تحلم بتحقيقها والعيش من خلالها. فلم يعد ما يغري بالرحيل أو البقاء، فالأيام متشابهة والأعوام تكنس بعضها بعضًا. إن هذا المشهد الشعري الممزوج بالدرامية يومئ إلى صورة درايمة عدمية تتصارع فيها الأشياء من أجل الرحيل أو البقاء، لا شيء سوى أن تنتصر العدمية في نهاية الرحلة الإنسانية. كما تبدو صورة الذات الأنثوية جريحة، حزينة، مقهورة؛ لأنها لم تجد صدى لصوت آلامها وقضاياها.
خلود المعلا: صور متعددة للحياة

حصلت خلود المعلا على درجة البكالوريوس في الهندسة المعمارية من جامعة الإمارات العربية المتحدة، ثم الماجستير في إدارة المشروعات من بريطانيا، ثم درجة الليسانس في اللغة العربية من جامعة بيروت. قدمت المعلا عددًا من الدواوين الشعرية منها: «هنا ضيعت الزمن 1997م، وحدك 1999م، هاء الغائب 2003م، ربما هنا ٢008م، دون أن أرتوي 2010م، أمسك طرف الضوء 2013م، وأكتفي بالسحاب 2017م». خلود المعلا شاعرة مخلصة لقصيدتها النثرية التي تكتبها في الخليج العربي، بل شرخ صوتها حاجز الصمت الكلاسيكي «الموغل في زخارفه اللغوية المباشرة»، لتكون حاضرة من خلال قصائدها في الوطن العربي، والشعرية العالمية في وقتنا الراهن. فلم تكترث بتابوهات القصيدة التقليدية، وخرجت من محيطها، لتعلن أنها وجدت روحها الحقيقية من خلال قصيدة النثر، تلك القصيدة التي جابهت كل الجبروت الكلاسيكي لزحزحتها عن مكانتها في ملاحقة الشعرية الإنسانية بعامة.

تطرح المعلا في ديوانها «ربما هنا- الفارابي للنشر» صورًا متعددة للحياة التي نعيشها من خلال التقاء الثنائيات الضدية التي تحدث عنها الشاعر القديم بصورة مباشرة، ولكن المعلا تطرح هموم الذات الشاعرة المرتبطة بالأنثى في الكون الواسع الذي تلتقي فيه الحضارات وتتصارع فيما بينها من ناحية، وتتلاقح من ناحية أخرى، رغم أن الشاعرة ارتكزت على شعرية البوح والقلق والحيرة من خلال عنوان الديوان «ربما هنا» الذي جمع ما بين اليقين واللايقين في جملة واحدة، فـ «ربما» تفيد اللايقين اللاحقيقي، وهنا تشير إلى المكان المتوهم الذي يمكن أن يحوي صورة الذات وبحثها عن مكان آمن تلوذ به من الغياب المتحقق الذي يعدو خلفها من ترحال إلى ترحال لا يستقر، فتقول في تصدير مباشر يمثل عتبة من عتبات القصيدة:

«ما زلت أستند إلى محبتهم

والطريق التي تأخذنا إلى بعضنا

كم صارت بعيدة».

إن الحديث عن المحبة المتوهمة التي لا تجد طريقًا تسير فيها أو تتلبسه صار بعيدًا لا يجيء، وكأن الذات تعيش على الحلم الذي يمكن أن يتحقق في يوم ما، فيخفي النص وراءه حزنًا دفينًا، ذلك الذي اختبأ بغياب الأحبة الذين يلهمون الذات الطمأنينة في هذا العالم، وتقول في قصيدة بعنوان لا يسمعني أحد من الديوان نفسه:

«أحتاج الليلة إلى صوت فيروزي.

أُسرِّبُه إلى الجدران لتتسع قليلًا

بيتي لا يشبه البيوت

نوافذي تنفتح على أرض تكتظ بالتائهين

كلما هبت نسمة كونية

هربت من ظلي

وطرتُ نحو أولئك المحزونين».

تبدو صورة الذات الشاعرة التي صنعتها خلود المعلا ذاتًا حزينة نقية مخلصة للكون الذي يضم الأشياء التي تسري في أبداننا من دون أن نشعر، فاستدعاء صوت السيدة العظيمة فيروز لا يخلو من دلالات رمزية مهمة من خلال صوتها الدافئ الذي ينشر البهجة والمحبة في نفوس المحزونين الذين تتكلم عنهم الشاعرة في النص السابق، من خلال الحديث عن التائهين في هذا العالم الأرضي الواسع، هؤلاء هم المطحونون في الغياب، والباحثون عن ذواتهم في قلوب تخلصت من بقايا مادية الحياة، بمعنى آخر الحياة في صورتها الأولى العاشقة للإنسانية في براءتها المعهودة الكامنة في قلوب الأبرياء الذي تخلصت منهم الحياة المادية، وأسهمت في تهميشهم واستبعادهم من ملكوتها المادي، فانزووا إلى أنفسهم وبدا الحزن وجهًا مشتركًا بين ضلوعهم الحانية.

خلاصة القول: إن شكول الذات النسوية في شعر المرأة الإماراتية شكول متناقضة من حيث الوصول واللاصول، الحقيقة واللاحقيقة، وهنا في ظني تكمن قضية المرأة في بحثها عن القبض على ثقافتها التاريخية الطويلة، ومحو كل ما كان يغطي ملامح عقلها الناضج المثقف، ليقف مجابهًا ثقافة الفحولة وهيمنتها على صياغة رؤى الأنثى وحياتها.
 1  0  399