×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
المخرج محمد فرحان

ستون عاماً من السخرية والنقد ووضع النقاط على الحروف..ستون عاماً من السخرية والنقد ووضع النقاط على الحروف

خاص بالمدى – لندن

كانت أمسية المقهى الثقافي العراقي في لندن ليوم الجمعة المصادف 29 \ 03 \ 2019 قد كُرِسَتْ للفنان الساخر الكبير بسّام فرج القادم من هنغاريا ليكون ضيفها المميز.
بدأ الأمسية المخرج السينمائي والمسرحي الفنان علي رفيق طالباً من جمهور المقهى بالوقوف دقيقة حداد على ضحايا غرقى العبارة في الموصل الحبيبة ومن ثم تلا كلمة يوم المسرح العالمي التي أصبحت من تقاليد المقهى السنوية.وقد كتب الكلمة لهذا العام الفنان المسرحي الكوبي كارلوس سيلدران . وهي كلمة مفعمة بالأمل والتصميم على جعل المسرح مرأة للحياة الإجتماعية للبشر.
أما عن صاحب الأمسية ،فالمعروف عندما برز الفنان بسام فرج ، كان الفنان العبقري غازي الرسام ، قد شارف على النضوب، او لم تكن الظروف لصالح رسومه وربما لم يعد يملك الحماس الذي عرف به أيام عمله في مجلتي ( قرندل والأسبوع ) اللتان أغلقتا بعد ثورة تموز بفترة قصيرة. لهذا يمكن ان نعتبر ظهور بسّام كنقطة تحول في الرسم الساخر العراقي منذ نشأته على يد الرواد الأوائل امثال سعاد سليم ومصطفى طبرة وفائق حسن وعطا صبري، والذي تتوج بحلول الفنان غازي عبد الله الرسام على عرش الكاريكاتير العراقي حتى منتصف ستينيات القرن الماضي. لهذا فالرسم يمكن وصفه بـ ماقبل بسام وما بعد بسام، فهو الجسر الذي عبرت على ظهره مجاميع الرسم الساخر العراقي نحو الحداثة والأفكار الأكثر عمقاً مما سبق.
مع بسام أخذ الرسم الساخر مفاهيم جديدة وأفكار مختلفة . وتحوّل تماماً من الفكرة الساذجة التي تهدف الى إضحاك الناس فقط، الى الفكرة التي تريد زرع روح النقد والوعي في عقولهم, من هنا يكتسب ظهور بسام اهمية خاصة ويتأسس من خلاله فهماً جديداً للفن الساخر المرسوم. فأصبحت الصورة تدعو الى زعزعة القناعات الثابتة ودفع المشاهد الى التساؤل والتفكير بما يمر به البلد، وظهرت أيضاً طريقة رسم لم تكن مالوفة قبل ظهور بسام ، فالخطوط أكثر بساطة والأشكال اكثر حداثة والتقنية أرفع مستوى.
بسّام بقدر ما نقل الرسم الى الضوء الأكثر وضوحاً وأبعده عن العادي والتقليدي، بقدر ما قدم خدمة لا تعوض لفناني الرسم الساخر الذين جاءوا بعده وعلى رأسهم الراحل مؤيد نعمة إضافة الى المبدعين : موسى الخميسي وعبد الرحيم ياسر وعلي المندلاوي وخضيّر الحميري ورائد نوري وضياء الحجار ومنصور البكري وعلي عجام ورضا حسن وكفاح الريفي وعامر وسامي سامي وسلمان عبد وعبد سلمان وأحمد الربيعي وغيرهم، ممن لاتسعفني الذاكرة على تذكر اسمائهم ، للراحلين منهم الذكر الطيب والأحياء لهم طول العمر والصحة والنشاط، حيث يتمتع الرسم الساخر العراقي اليوم بسمعة عربية ودولية محترمة ويحصد الجوائز العربية والدولية .
أصطحب الفنان فيصل لعيبي مقدم الأمسية جمهور المقهى الى عالم الفنان الضيف ،مستعرضاً علاقته به قائلاً : "بسام صديق وزميل وفنان عملنا معا منذ الستينات .. تختلط مشاعري الآن .. فخر وإعتزاز وزهو لأن عندي صديق مثل بسام فرج، ويصعب عليّ أن أعطيه حقه بهذه العجالة ..فهو علامة فارقة بالرسم الساخر العراقي " . وذكر ان الفنان بسّام صاحب موقف ويتبنى قضية وناقد اجتماعي جاد ويسبر أغوار المشكلة السياسية والثقافية والإجتماعية .. وطرح مثالا بارزاً على ما فعله بسام في معالجة قرارات (والي بغداد ) السابق خير الله طلفاح ، آبان فترة النظام البائد و تدخله في حريات الناس الشخصية إذ أصدر مرسوماً يقضي بصبغ سيقان الفتيات اللواتي يرتدين الملابس القصيرة وقص شعور الشباب الطويلة، فقد انتقدها بسام برسوم ساخرة رغم قوة النظام وغروره وعنفه .. ورسم وقتها شرطياً يمسك فرشاة صبغ عريضة ويحدق بسيقان امرأة تمر أمامه .. فكان ذلك الرسم رصاصة حقيقية صوبها بسّام الى قلب تلك القرارات القرقوشية والعقلية التي تقف خلفها.
وبعد هذا التقديم تم عرض فيلماً قصيراً على الشاشة الكبيرة أعده الفنان علي رفيق عن فن بسام استعرض فيه جانباً من حياة بسام. بعد عرض الفيلم ، بدأ الفنان الضيف حديثه بالإنحناء امام الجمهور شاكرا لهم حضورهم أمسيته الذي قال عنها انه يتمنى عبرها إيصال فكرة بسيطة مفادها ان رسام الكاريكاتير يجب ان يعبر عن طموحات الناس البسطاء في بلادنا خصوصا ان معاناة اليوم أصبحت مضاعفة أكثر من السابق وأشار الى أن :" رسام الكاريكاتير يعاني من ضغوطات من الحكومات المتعاقبة مما أضطر الكثير منهم الى الهجرة، لوجود تقييدات عليهم .
وواصل بسام استعراض ما يمارس ضد الرسامين .. الذين ينتقدون الاوضاع السلبية في المجتمع .. وتحدث عن بدء علاقته برسم الكاريكاتير وقال انه كان معجبا برسوم غازي وحميد المحل وعلي فتال وما تنشره جريدة "البلاد" ومنذ 1964 بعد خروجه من المعتقل في العبخانة بعد انقلاب شباط 1963 وكرد فعل لما واجهه من عسف في الاعتقال اتجه الى الرسم أولاً في مجلة "القنديل" وكانت رسومه دون مقابل لكنه انتقل للنشر في مجلة "المتفرج" وفيها كانوا يدفعون له "150"فلسا للرسم الداخلي وللغلاف "200" فلس ثم انتقل الى جريدة "صوت العرب" وفي مجلة "أهل النفط" حدثت له مشكلة لانه رسم مدير شركة النفط واسمه هالي دالي حيث رسمه يرقص تشبها برقصة "هالي غالي"المشهورة آنذاك..
ثم تحدث عن النقلة النوعية في حياته الفنية بتأسيس مجلة "الف باء" للفترة 68-1974.الذي أصبح رسّامها الساخر الأول ويعتبر من كادرها المؤسس وكانت له صفحتان في كل عدد ، يطرح فيه رؤاه ومواقفه مما يجري في البلد ناقداً وساخراً ومشيراً للأخطاء والعيوب ، وينتظرها قراء المجلة أسبوعياً بفارغ الصبر.. بعدها سافر الى هنغاريا للدراسة مبعوثاً من نقابة الصحفيين العراقيين على حساب منظمة الصحفيين العالمية .. وعند نهاية دراسته عاد الى بغداد لكنه وجد الأوضاع السياسية سائرة نحو التدهور والإرهاب والقمع المعلن، فعاد الى هنكاريا عام 1978 للآن يعيش هناك وواصل الرسم والنشر في صحافة المعارضة خارج العراق ومن بينها "المجرشة" التي صدرت في لندن ، فكانت الكثير من رسوم الصفحة الأولى بيراع بسّام اللاذع، وعمل في نفس الوقت في شركات أفلام الرسوم المتحركة و لسنوات عديدة في التلفزيون المجري .. وبعد الإحتلال وسقوط النظام السابق عام 2003 بدأ ينشر في الصحافة العراقية وأصبح منذ عشر سنوات يرسم بشكل يومي ودون انقطاع في صحيفة "المدى " البغدادية وصار رسامها الأول حيث تتصدر رسومه الساخرة الصفحة الأخيرة .
أكد بسام فرج في حديثه إن السلطات دائماً تحذر بل تتخوف من رسام الكاريكاتير لأن رسومه تثير القارئ علاوة على أن أفكاره الانتقادية تصل بسرعة للجمهور واضاف "لأنه من جانبه يساهم في نشر الوعي بين الناس ويحثهم على المطالبة بحقوقهم ، في حين تسعى السلطات الى تجهيل الناس ، وهنا يحصل التعارض بين السلطات ورسام الكاريكاتير"
image
 0  0  111