النقد الأدبي ... رجل يمشي على قدمين - كتب بكري جابر
النقد الأدبي ... رجل يمشي على قدمين
د/ حسام عقل
وسط ذلك الزخم الثقافي الآني و في تلك الحقبة التي أصابها الكثير من مظاهر التردي الثقافي و التسطيح الفكري، والبعد عن ماهية و جوهر الإبداع الحقيقي ، وما اعتري المشهد الثقافي من أمراض و أدران عضال أرهقت بدن الكيان الثقافي وشوهت وجهه الناضر ، من المحيط إلي الخليج ، رُغم وجود أصوات حقيقية ، ترصد و تحلل وتهتم بالمشهد الثقافي العربي ، ولكنها ليست لها من البريق و التأثير المثمر ما يحقق المبتغى المنشود ، و ذا بسبب تغليف نظرياتهم النقدية بشيء من الإستعلاء والفوقية ـ رغم حسن النوايا ـ فقد وضعوا سدا منيعا بينهم وبيين المتلقي الحقيقي ؛ وسط ذلك الزخم الضارب بعمق في الضحالة و التردي الثقافي ، تظهر أصوات صادقة ، تحمل فوق عاتقها مهمة صعبة وشاقة جدا ، في سبيل إحياء الحركة النقدية والإرتقاء بالنقد الأدبي ، و إعادة تشكيل الذائقة الإبداعية للمبدع و المتلقي ، رصدا و تحليلا و استجلاء للتواصل مع المبدع والمتلقي على حد سواء ؛ من هؤلاء الرجال المخلصين دكتور/ حسام عقل ، ذلك الناقد البصير بأمراض و علل المشهد الثقافي ، واهبا كله ، طواعية عن حب وإيمان ، لإحياء ما قد تواري من نضارة النقد الأدبي تحت ركام الإفراط أو التفريط الممجوج ، ذلك الناقد الذي ضرب بعمق في شتي صنوف الإبداع الأدبي ، على المستوي المحلي و العربي و العالمي ، ولم يصنع لنفسه برجا عاجيا كغيره ، ولم يغلّف رؤاه النقدية بسجع الكهان ، وتوابيت الكهانة و الإستعلاء ، فهو ذلك الأكاديمي السهل الممتنع ، الذي يغوص داخل العمل الإبداعي ليخرج لنا درره ونفائسه ، ويقف على عِلاته وهناته ، بمنتهي الحيادية والدقة واللين ، ممكسا بشعرة موسى بكل اقتدار ، فيصل إلى القارئ العادي ،أخذاً بيده نحو المستوى اللائق ، ويضع يد المبدع بكل أمانة وبحلاوة لفظ على مواطن الضعف ، ويبرز نقاط الضوء ، مشجعا و دافعا إلى الأمام ، واهبا ذلك الجهد الجهيد لوجه الله وللحضارة العربية وللإنسان ، ذلك الإنسان الذي يراه دكتور حسام عقل ، أنه يستحق ويستحق ؛ ومن مآسر ذلك الناقد الأمين ، أنه ما أهدر دماء النقد الأدبي على أعتاب الأضواء، طمعا في شهرة أو نيل مكسب مادي ، وهو المُجسِد لأبناء الطبقة الوسطى ( البرجوازية المثقفة ) ، فتراه دائما يحمل جعبة النقد الأدبي على عاتقه ، مرتحلا خلف من دعاه على كافة المستويات ، سواء أكان ذلك الداعي مغمورا أو ذا بريق ، فما يشغله دوما البحث عن عمل إبداعي حقيقي ، يقدمه للقارئ الذي يعله مناط وجهته و يهيم به دوما ، ويراهن عليه ، متسلحا بروح حلوة ، وعقل واع ، وقلم نقدي سلسل و ساحر ، ذا لفظ أنيق في غير تقعر أو فحش أو تدن ٍ ، فتارة تراه على منصة النقد ، وأخرى بين جموع المتلقين ، دون غضاضة أو امتعاض ، دوما ما تراه بوجه بشوش مع كافة و شتي المستويات ، جاعلا شعاره العلم والإنسانية البراح ؛ فهو رجل يعرف قيمة ما يحمل من ميراث الأنبياء ، ثقافة دينية واعية و أدبية ونقدية واسعة الصفصاف ، مؤمن أنه خلق لمهمة قد اصطفاه الله بها ولها ، على كثير ممن يدعون أنهم يحملون صكوك الغفران ؛ فهو بحق تجسيدا للناقد الواعي المتبصر على شاكل محمد مندور و إدوار الخراط و رمضان عبد التواب و لويس عوض وشكري عياد ، و إن كان هؤلاء العظام قد جاءوا وسط محيط ثقافي ممهد الأرض لتقى رؤاهم ونظرياتهم النقدية ، فكانت مهمتهم سهلة إلى حد كبير جدا ، أما هو ينحت في صخر الجهالة والتسطيح ويعيد تشكيل الخارطة الثقافية التي ضربها البزار والعقم .
وفي الختام لا نجد وصفا لهذا الناقد الأدبي النبيل إلا أنه ( النقد الأدبي المعاصر رجلً يسير على قدمين ).
كتبه / بكري جابر