مختار أمين.. يتحدث عن: سوق صناعة الكتاب وترويجه.
سوق صناعة الكتاب وترويجه
أحب أن نوضح لجميع الكتاب شيئا مهما ربما لا يعرفونه..
سوق الكتاب في حالة متردية بشكل واضح لجميع المتعاملين مع الكتاب بأي شكل من الأشكال من قريب أو بعيد..
فهناك إحصائية تقول أن القارئ العربي يقرأ 54 دقيقة في السنة من خلال الكتاب الورقي، ويقرأ 2000 دقيقة على الفيس بوك والمواقع الإليكترونية..
لذا تجد في المكتبات المثقف يحوم حولها ويقرأ عناوين الكتب من خلال الفاترينات، والمهتم أكثر يدخل ويقلب في صفحات الكتب ومن يشترون 2% من الزائرين، أما معارض الكتاب فهي مزار سياحي ترفيهي ملتقى مقابلات للأصدقاء وأخذ الصور، احتفالية مبهجة للظهور في الصورة، ونسبة من يشترون الكتب 11% ، وكل دار مشتركة في أي معرض تصل تكلفة ما تدفعه من مال وأجور عمال ومناسبات تترواح من 12 ألف جنيه إلى 25 ألف في معرض كتاب خارجي (في بلاد أخرى) وكل دار لا تعتمد على بيع الكتاب للقارئ زائر المعرض بقدر ما تتمنى الحصول على موكل من بلد أجنبي يتعاقد معها لشراء بعض الكتب لعرضها في بلده..
أي أن الناتج خسارة مالية تخسر فيها الدار عدد من الخطوات للخلف، ربما يكون كل المعرض بالنسبة لها نوع من الإعلان، إعلان بأجر تتمنى الحصول على مردوده طوال السنة من خلال شهرة الدار لدى الكتّاب ليطبعوا كتبهم عندها..
أما الكتب المباعة في المعارض وكل أسواق الكتاب، يكون نصيب الكتب الأدبية في الدرجة الثالثة أو الرابعة، يفوقها طبعا الكتب السياسية والكتب الدينية وكتب الطهي والموضة والأزياء وتفسير الأحلام، حتى الكتب الأدبية لها ترتيب عند القارئ سواء كان كاتبا مثقفا أو قارئا عاديا أراد أن يقرأ، هو يبحث عن الكاتب المشهور الذي حصل على جائزة أدبية دولية ذاعت صيتها، أو ذاع صيت الكاتب وكتابه في الإعلام حسب نوع مادة الكتاب، يعني الكاتب الذي لا يحصل على جائزة ويريد الشهرة في ترويج ما يكتب عليه أن يكتب في موضوع إباحي صرف، هجوم للنظام أو لشخصية سياسية بشكل مبالغ فيه أو فج، أو فضيحة لشخصية مرموقة معروفة بالأسانيد والأدلة (يعني كتاب فضايح) وهذا النوع من الكتاب مهنته إعلامي بالأصل أو صحفي في جريدة أو مجلة مقروءة أو مقدم برامج تليفزيونية، أو سياسي أو عضو مجلس شعب (وهذا النوع يؤجر ما يكتب له لأنه لا يفقه شيء عن اللغة العربية والبلاغة الأدبية وهو في الأصل مش محتاجها ولا هو ولا قارئه).
لكن الحقيقة ترتيب الأجناس الأدبية التي تباع : الرواية، ثم المجموعة القصصية، ثم الشعر، على الترتيب، وبعض مؤسسات التوزيع ترفض كتب الشعر، وكل هذا للكُتّاب غير المشاهير، أما المشاهير يروجون لكتبهم بطرق يمتلكونها ولم يمتلكها الكاتب الجديد، ومنها الصحف والجرائد والبرامج التليفزيونية والندوات، وكتابات النقاد الذين يكتبون لهم، ويتم نشرها في كل مجالات التي تقرأ وتسمع..
وبهذا يا أحبائي عندما يراسلك كاتب له 50 كتابا ويمتهن الكتابة لخمسين سنة ولم يحقق شهرة، ولم يحصل على جائزة، ولم يمتلك فنيات الانتشار التي تحدثنا عنها، ويطلب من الدار النشر على حسابها مستحيل أن تنشر له أي دار في العالم على حسابها، لأن ببساطة الكتاب لا يباع، مع العلم أن تكلفة طباعة الكتاب غالية جدا، ودار النشر حتى لو صاحبها ناقد وأديب في الأصل هي في الآخر مشروع تجاري لا يستطيع أن يصرف صاحبها من جيبه على كتاب لا يحقق ثمن تكلفته طوال العام، ومع العلم أن أي مؤسسة توزيع أو مكتبة يتم التوزيع من خلالها تتعاقد مع الدار بمبلغ مالي، وعلى كل دورة توزيع، والدورة في أي مكان تترواح ما بين 25 يوما إلى 30 يوم تسمى (الفرشة) وعلى الدار أن تدفع ثمن كل دورة أو كل (فرشة) إذا أرادت أن يظل الكتاب معروضا طوال العام لتسترد ثمنه؛ فتكتشف أن طول ما الكتاب على ذمة الدار تظل تصرف عليه، والكاتب مهما كانت خبرته لا يعرف هذه الأمور، ولا يضعها في حسابه المالي عندما يحسب تكلفة الكتاب، ولكنه يعرف أن هناك دار نشر (غير رسمية طبعا) أو مطبعة (تحت السلم) أو واحد لديه ماكينة تصوير حديثة يطبع الكتاب بنصف سعر دارك، وبأرقام إيداع مضروبة (مسروقة من على كتب أخرى) والدار غير الرسمية غير مسؤولة ولا تتحاسب من أي جهة، لا تدفع ضرائب، ولا عضوية سنوية لاتحاد الناشرين، ولا تحصل على رقم إيداع رسمي محلي، ومن المستحيل طبعا أن تحصل على رقم إيداع دولي، ولكن الأغرب والأعجب أن الكاتب يجهل كل هذه الأمور، وهي طبعا في الغالب لا توزع الكتاب، كيف توزع الكتاب وكل مكان توزيع أو مؤسسة رسمية محترمة تطلب الإطلاع على الأوراق الخاصة بالدار؟ والمطابع ليس لها حق التوزيع مطلقا، لأنها ليست دار نشر، وكل هذا يحدث في غياب الجهات الرقابية عن المصنفات، ولكن في الحقيقة القانون يجرم هذا بشكل قطعي، ويدين من قام بطبع الكتاب ونشره، كما يدين المؤلف بنفس الجريمة..
والآن الجهات الرقابية أخيرا استجابت لصرخات دور النشر في اتحاد الناشرين، بعد ظهور سرقة كتب لكتاب كبار قاموا بنسخها وطبعت بهذا الشكل غير الرسمي، وبدأوا ينزلون سوق الكتاب والقبض على أصحاب الكتب غير الرسمية لأماكن وهمية وأصحاب هذه الأماكن، والحكم بالسجن والغلق والغرامة المادية، والقانون صريح في هذا..
هذا الكلام كله بالنسبة لمصر، أما بعض الدول العربية حدث ولا حرج وافتح الباب على مصراعيه، خاصة في الدول التي تدور على أرضها حروب في كل مكان، وبها صراع طائفي وفتن، هذه الدول مؤسستها يعمّها الفساد ولا تعمل بشكل نظامي منضبط، ولا يوجد بها أدنى رقابة، ولا ذكر لهذه الدول للتمثيل الدولي الثقافي الرسمي، وما نراه لأي محفل ثقافي أو أدبي فيها هو مجهود مؤسسات وكيانات خاصة، مجهود فردي..
هذه الأمور وكثير غيرها يجب أن يعلمها الكاتب، ولا يتعجل في طباعة كتابه بشكل سريع وغير رسمي، لأن الكاتب يهمه أن يصبح كاتبا محترفا، أي يحصل على عضوية اتحاد كتاب بلده، يهمه أن كتابه يدخل جوائز رسمية دولية، وعليه أن يعرف أنه يصرف على ظهوره وانتشاره واحترافه، لأن بعد حصوله على الشهرة المطلوبة أو جائزة مرموقة سيروج اسمه في كل وسائل الإعلام، وهنا تتهاف عليه دور النشر، وتطبع له على حسابها، لأن بذلك أصبح ما يكتبه سلعة لها رواج، وستباع بنسبة على الأقل عائدها سيغطي تكلفتها، وللأسف الكاتب العربي أغلبه لا يعرف شيء عن صناعة الكتاب، ولا يعرف مسار طباعة كتابه بشكل رسمي، وأي دار يجب أن يتعامل معها..
على الكاتب أن يتحقق من أن الدار التي تتولى طباعة كتابه أنها رسمية مسجلة كدار نشر في مؤسسات الدولة المعنية بالإشراف على الكتاب ومسؤولة عن إستخراج رقم إيداع دولي، وبالطبع عضو في اتحاد الناشرين، وأن يتم عقد رسمي بينها وبين الكاتب منصوص فيه كل بند متفق عليه: ثمن الطباعة ـ التوزيع ومدته (داخيليا أو خارجيا) ـ معارض كتاب محلية أو خارجية، وكل بند من هذه البنود له سعر مالي خاص به، وهذه هي الحقيقة لأن مستحيل دار نشر هي تجارية في الأصل تدفع ضرائب وتصرف على موظفين وعاملين أن تنفق على كل هذه البنود من جيبها الخاص لكاتب غير معروف مهما كان عمره الأدبي أو حجم إنتاجه الأدبي وهي تعلم يقينا أن الكتاب لا يباع، ومن المستحيل أن تباع الكمية كلها في أي معرض كتاب في العالم حتى يغطي كل هذه التكلفة، والشيء الذي يجهله الغالبية العظمى أن أحيانا يوضع على الكتاب سعر أقل من تكلفته كي يباع، وهذا في مصر بالذات كي يباع ويحقق أي عائد من التكلفة الإجمالية..
كل هذه الأمور مجتمعة في مجال صناعة الكتاب فتحت الباب على مصراعيه للتحايل على الكاتب الجاهل بمثل هذه الأمور، وللعلم أن:
ـ العقد الرسمي بين الدار والكاتب على طبع كتاب ألف نسخة (لأن أي وكيل توزيع رسمي لديه ما لا يقل عن 2000 منفذ بيع على مستوى أنحاء الجمهورية، يعني الألف نسخة كتاب مستحيل تغطي كل أنحاء الجمهورية، وهذا داخليا محليا، بالإضافة أن كل وكيل توزيع يحصل مسبقا على رسوم عبارة عن تحميل وتكييس وتسعير (لاصقة عليها السعر) ثمن لمدة توزيع واحدة (وهي تتراوح بين 25 يوما إلى شهر) تسمى فرشة أولى، كما أنها تحصل أيضا على 40% ربح على السعر المكتوب على الكتاب (ليس لها دخل بثمن التكلفة).
ـ رقم الإيداع الدولي تتسلمه كل دار بإيصال رسمي به كل بيانات الكتاب، يجب أن يطلع عليه الكاتب أو تصله صورة منه، وعليه أن يتحرى على صحته وأنه مثبت بالفعل في الدولة باسم مؤلفه وعنوان كتابه واسم الدار (غير هذا يسمى نصب).
ـ التوزيع له سعر ببند في العقد محدد فيه مدة التوزيع (تكاليف دورة أو ثنان أو أكثر) وتقدر هذه التكاليف بموحب العقد الرسمي بين الدار ووكالة التوزيع، وعدد النسخ التي تسلمتها وكالة التوزيع يصل للكاتب صورة رسمية منه مع خريطة توزيع الكتاب مع أرقام التليفونات لمتابعة خط السير.
ـ التوزيع الخارجي (والمقصود به توزيع الكتاب في دول غير بلد منشأ الدار، وليس منشأ الكاتب إن كان أجنبيا) أيضا بند متفق عليه في العقد الذي بين الدار والمؤلف بتكاليفه من خلال العقد الرسمي بين الدار ووكالة التوزيع موضح به كل الأمور في البند السابق.
ـ معارض الكتاب داخليا وخارجيا مثلها مثل أي منفذ بيع في أي مكتبة، ولكن تكلفتها باهظة جدا، دور نشر كثيرة تعجز عن المشاركة فيها لعدم تمكنها من الحصول على أسماء مؤلفين كبار وكتب (بيّاعة) تغطي التكلفة، ومن هنا يتم التحايل أو ما يسمى بالمغامرة (اتفاق عدد من دور النشر على الحصول على منفذ بيع واحد في المعرض باسم دار مختارة فيما بينهم وتقسم التكاليف عليهم جميعا) وتحصل الدار التي تضع (يافطة باسمها على المنفذ) نسبة من كل دار مشتركة معها على كل كتاب يباع، وقد تصل إلى 40% أيضا على السعر الذي على الكتاب، وفي الغالب هذه الدور لا تبيع سوى عدد قليل من الكتب تصل للمئات من الكم الهائل الذي حشر في المنفذ، أي أنها أيضا تخرج من المعرض غير رابحة ماليا، ولكن الأمر لا يتعدى بالنسبة لها سوى إعلان مدفوع الأجر للشهرة والضحك على الكاتب.
ـ حفلات التوقيع وندوات المناقشة مذكورة في العقد بأجر على حساب الكاتب.
وأخيرا لابد أن يعرف الكاتب الجديد أو غير المعروف الآتي:
ـ أنه سيصرف على كتبه لحين الانتشار الجيد (بعيدا عن شهرة الفيس بوك، لأن محترفينه لا يقرأون كتب ورقية، ولا يدرون شيئا على أرض الواقع الحقيقي، والأغلب يطمح في أن تصلهم الكتب هدايا).
ـ أن يكتب عنه النقاد الأكادميين والمحترفين في وسائل الإعلام العديدة، وهذه مسؤولية دار النشر ويشاركه فيها الكاتب من خلال علاقاته.
ـ أن يشترك بكتبه في الجوائز الدولية المرموقة حتى يصبح له اسم حقيقي في عالم الأدب كي يربح من منتجه الأدبي.
وإن كانت هذه الحقائق مفزعة فهي الواقع الصادق، وغير هذا هراء وضحك على الذقون..
وإن كانت تأخذ عليّ كناشر، ولكن يعلم الله أن دار المختار تفهم مهنتها كصناعة كتاب، وتبذل كل جهدها في مولد كاتب حقيقي تسعى لانتشاره بشكل فعلي إيجابي يحقق نجاحا ملموسا على أرض الواقع من خلال خريطة كبرى، عنيت بدراسة كل سلبيات صناعة الكتاب وترويجه، والاهتمام بالكاتب كصناعة نجم، وهذا بحكم أني أديب وناقد ولست بتاجر لا يفهم ما بداخل الكتاب، ولا يستطيع الحكم على جودته، وأننا نضع كتب مؤلفينا في أيدي وأماكن تفيد الكاتب إفادة حقيقية وتحقق نجاحه كأديب، وأقول قولا صادقا بالمصري (نحن لا نصنع من الفسيخ شربات) كل كاتب عندنا له نفس الحق، نرسل كتابه لنقاد أكادميين ومحترفين في مختلف الدول العربية، ونشركه في المسابقات الدولية، ولا نسعى لمجاملة أحد مهما كانت علاقتنا به، أن نجبر ناقد على إنصاف كتاب أو كاتب، أو نتحايل على لجنة تحكيم في جائزة دولية لنيل جائزة لكاتب..
إن وصلنا قراءة أو دراسة من كاتب تفيد الكاتب ومضمون الكتاب ومدى احترافيته نشرنها، وإن لم يصلنا ما عسانا أن نفعل؟.
وأخيرا اللهم أني قد بلغت اللهم فاشهد.