×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
مديرة التخرير سعاد العتابي

الأدبية والناقدة د. كاميليا عبد الفتاح في حوار: "التجربة الذاتية لها أثرها في رؤية الأديب – رجلا كان أو امرأة – ".. حاورها: مصطفى بوغازي


image


بين أدب الرجل وأدب المرأة تتزاحم أسئلة كثيرة.
هل يمكن تحديد ملمح الاختصاص النقدي والإبداعي للدكتورة كاميليا عبد الفتاح؟


حصلتُ على درجة الليسانس من قسم اللغة العربية واللغات الشرقية بكلية الآداب بجامعة الإسكندرية. أمّا تخصصي الدقيق فهو الأدب والنقد، وقد توزّع اهتمامي – وشغفي – بين القديم والجديد - في ذلك؛ حيثُ حصلتُ على درجة الماجستير – بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى – من خلال دراستي ظاهرة الشعور بالغربة في شعر أبي العلاء المعري ، رغم وعورة البحث النقدي في شعر أبي العلاء؛ لما يتسم به هذا الشعر من ثراء فكري وأعماق روحية ، واستعمال لمهجور اللغة العربية – لا فصيحها فقط – فضلا عن التزام ما لا يلزم – وما لا يُلتزم به – من السمات الفنية والأسلوبية واللغوية في الشعر . ورغم عشقي لعوالم أبي العلاء ورغبتي – من ثم – في مواصلة رحلة الكشوف النقدية في شعره – وسائر أدبه – إلَّا أنني آثرتُ أن أنتقل إلى الشعر المعاصر؛ لأتمكن من الاطّلاع على بنيته الفكرية والفنية وطبيعة العلاقة بينه وبين التراث – من ناحية – وبينه وبين الآخر الغربي – من ناحية أخرى - فحصلتُ على درجة الدكتوراة - بامتياز مع مرتبة الشرف الأولى – في موضوع " الأنا والآخر في الشعر العربي المعاصر ، دراسة نقدية تحليلية منذ السبعينات حتى أواخر القرن العشرين".

image



بين المنهجية والذاتية في النقد عندك ما المسافة الفاصلة بينهما ، وكيف تنظرين إلى الانطباعية في النقد؟

الذاتية هي أولُ ما يكونُ في النقد ؛ إذ تبرزُ واضحةً في اختيار الناقد للعمل الأدبي محلّ الدراسة النقدية ؛ حيثُ يتأثرُ هذا الاختيارُ – إلى حدٍ كبيرٍ - بذائقة الناقد ومفضَّلته – الفكرية والفنية – كما يتسللُ قدرٌ من الذاتية في عملية التلقّي النقدي للنص ، تسلُّلا لا واعيا من خلال الإسقاط النفسي . وفيما عدا هذا يكونُ للمنهجية حضورها الساطعُ الصارم متمثِّلا فيما يعتمدُ عليه الناقدُ من آليات موضوعية في الكشف عن الرؤية الكامنة في النص الإبداعي ، ومدى الاتساق بين هذه الرؤية وبين طرائق التشكيل الفني وأساليب الأداء اللغوي التي جسدتها وعبرتْ عنها .

مع تعدد المناهج والأدوات النقدية، هل يمكن الحديث عن نقد عربي رصين ومواكب للراهن الأدبي؟

حين يكونُ الحديثُ خاصا بالنقد لابد أن نفرّقَ بين جانبين فيه : التنظير والممارسة التطبيقية التحليلية. وأفترضُ أنّ العقلية العربية لم تقدم نظرية نقدية عربية منذ عبد القاهر الجرجاني، وأنّ ما نطرحه من مساهماتٍ – في هذا المجال – لم يتعد – إلى الآن – منطقة التعرف على مدارس النقد – واتجاهاته - الغربية ؛ ومحاولة تمثّل مبادئها وقاعدتها الفكرية الأساسية في تحليل النص الأدبي. ومن ثمّ أستطيعُ أن أقول إننا نمتلك جهودا نقدية رصينة – مائزة – في مجال التحليل ارتكازًا على مُعطيات النقد الغربي – وركائزه – ولدينا عدد كبير من كبار النقاد الذين استطاعوا استيعاب النظرية النقدية الغربية وتمثّلها فكريا وتقديمها للمشهد العربي المعاصر من خلال تطبيقها على النص الأدبي - التراثي والمعاصر - – وهناك – في المقابل – عددٌ من النقاد الذين عجزوا عن هضم النظرية الغربية – التي تمثلت في كثير من المدارس والاتجاهات – فطرحوها مشوهة مرتبكةً غامضة ، وحاولوا تطبيقها عنوة على بعض النصوص الإبداعية – مرتكزين على التّمحل وغواية المجاز – ممَّا أضاف المزيد من التعقيد إلى إشكالية النقد العربي المعاصر الذي يكفيه انتظار الجديد الغربي لينتقل من كيفية إلى أخرى – في تناول النص الأدبي – دون إضافة أو مشاركة في مسيرة العقل الإنساني .

كيف ترين المزاوجة بين الكتابة في النقد والإبداع وهل هذا الوضع يخدمهما معا؟

التوفيقُ - والملاءمةُ - بين الإبداع والنقد يحدثُ بشكل طبيعي لوجود تماسٍ بين المجالين؛ فعملية الإبداع تشتمل – في جانبٍ منها – على الممارسة النقدية؛ ففي كل مبدعٍ يكمنُ ناقدٌ – خفيٌّ – لكن هذا الناقد يبدأُ عمله بعد خروج المبدع من النص ، وبعد انتهاء عملية الكتابة بما تتطلبُ من حضور نفسي وفكري – وروحي – مغاير لما يتطلبه النقد من حضور كاملٍ للوعي والقدرات المنهجية . كما يكمنُ في كل ناقدٍ مبدعٌ – خفيٌّ – يضطلعُ بوظيفة التذوق الجمالي ويضطلع برهافة الحس الكافية لاستغوار تفاصيل التجربة الإبداعية – بما قد يصل إلى درجة التقمص النفسي –ومن ثم القدرة على الكشف عن الرؤية التي تنتظم هذه التجربة ، والكشف عن طبيعة التشكيل الجمالي والفني بين عناصر هذه التجربة .
وفيما يتصل بلحظة الكتابة عندي ، فأنا أستجيبُ لدواعيها ، و للمسار الذي تتخذه الحروف – نقدًا كان أو إبداعا – انطلاقًا من يقيني الخاص بأنّ للكتابة وعيًا داخليًّا كافيًا لتصديقه والاحتفاء به .
أمّا مسألة الصراع بين الإبداع والنقد فهي محتدمة داخلي – إلى ما لا نهاية – نتيجة تعرضي لغواية النقد كلما قرأتُ عملًا إبداعيا حقيقيًّا ، ونتيجة إلحاح كتابتي الإبداعية المُرجأة بسبب النقد .


الأدب عليه ألاّ يطرحَ الحلول، بل يكتفي بأن يقدّم المشكلات التي تعاني منها المجتمعات والأشخاص، ويصوّر الواقع. كمبدعة وناقدة ما قولك في هذا الطرح؟

العلوم التطبيقية- ومنها الطب والهندسة والزراعة والتكنولوجيا– هي المضطلعة بتقديم إنجازاتها العملية للواقع، أما الأدب فيندرج تحت نوع مختلف من الإنجازات الإنسانية ، فهو إبداعُ ينتجُ من تجسّد الفكري عبر التخييلي، أو ينتج من قدرة المخيلة الإنسانية على تجسيد الرؤي الفكرية في طرح مؤثر عبر الارتكاز على الفني المجازي، ومن ثمّ فإنّ الأدب ليس مسؤولا عن تشييد العقل الإنساني – مثل العلم والفلسفة – وليس مسؤولا عن جسد الإنسان – مثل الطب بأقسامه – وليس مسؤولا عن عمارة المنازل والحدائق – مثل الهندسة والزراعة – بل هو معنيٌّ بالروح الإنسانية – ذلك الجانب العظيم الغامض فينا - فهو مضطلع باستوائها وترميمها وتطهيرها ، وتوازنها ، وخلاصها ، وارتقائها ، وإشباعها وإنارتها ، وإنقاذها من براثن الطينيّ فينا حتى تتخلص من الثقل الذي يقيدُ جناحيها ويمنعها من التحليق إلى الفردوس .
وقد ناقشتُ هذه المسألة في رسالتي التي تقدمتُ بها لنيل درجة الدكتوراة – حول القصيدة العربية المعاصرة ولخصتُ دور الشعر في أنه يطرح ما أطلقتُ عليه " الحلّ الجمالي " – مقابل الحل العملي – وقد أشاد الناقد الدكتور عبد المنعم تلّيمة بهذا المصطلح – أثناء مناقشته موضوع الرسالة – ووصف المصطلح بأنه من المُبتكر الذي يستحق الإشادة به لاشتماله على وظيفة الشعر – وغايته – في إيجاز وإشارة دالة .
الأدب – من ثمَّ – هو النفاذُ المرهفُ – أو الرهافة النافذة – إلى أعماق الواقع وإلى حقيقته - التي تستعصي على العين العابرة –وطرح الرؤى حول هذا الواقع طرحا يبرزهُ في صورة متصلة به ومنفصلة عنه – في الوقت ذاته – فهي متصلة به من خلال ما تضمنته من سمات هذا الواقع ، وهي منفصلة عنه من جهة تصويرها هذه السمات في مُتخلّقٍ جماليٍ متفرد .

يشهد العالم العربي تحولات مفصلية ، وينعكس هذا على الأدب بصفة عامة ، ما هي ملامح التجديد في الرواية العربية ، وهل استطاع المبدعون خلق سياقات جديدة تواكب المرحلة الحالية ؟

التحولاتُ المفصلية التي يشهدها العالم العربي حاليا لها انعكاساتها في جميع أجناس الأدب – كما أنّ لها انعكاسٌ في الفكر والعلوم الإنسانية – وفيما يخصُّ الرواية فأنا أفترضُ أنّ انتشار الرواية وهيمنتها على المشهد الإبداعي العربي المعاصر يُعدُّ – في حدّ ذاته – أول انعكاس وأثرٍ لهذه التحولات المفصلية في العالم العربي، ذلك لأنّ الرغبة الواعية – وغير الواعية – في السرد تعبِّرُ عن رغبة في الوقفة مع الوعي – الفردي والجمعي – من خلال عرض الماضي على الحاضر ، ومقارنة التاريخي – والحضاري – بالراهن – ومواجهة هذين الزمنين ومساءلتهما للوصول إلى رؤية واضحة لهذه التغيرات المفصلية المثيرة للقلق والتوجس.
وفيما يتصل بقدرة الروائيين العرب على خلق سياقاتٍ جديدة تواكبُ المرحلة الجديدة: نلمسُ – نقادا ومتلقّين – مدى السرعة في إيقاع التجديد – والتجريب – في الرواية العربية المعاصرة التي بدتْ وكأنها في مواجهة دائمة مع نظيرتها التقليدية ، وفي تخلص تدريجي ممّا تتسمُ به الأخيرة من – الكثير من – السكونية .
تمظهر التجديدُ في الرواية العربية المعاصرة في كل ما يتصلُ بعناصرها – تقريبا – على صعيد السرد والحوار والأنساق والشخصيات والأبنية واستراتيجيات السرد ، وتقنياته . كما كان تعالق الرواية بالفنون الأخرى إضافة مهمة أمدتها بدماء جديدة – على صعيد البنية والثراء الدلالي – وعلى رأس هذه الفنون : السيرة الذاتية والسينما والفن التشكيلية، فضلا عن تعدد الأصوات الساردة – وتداخلها - والقدرة – الناعمة – على الارتكاز على الأسطورة والسيرة الشعبية، والواقعة التاريخية - والحدث الراهن – وتضفير كل ذلك في جديلة مقنعة ثرية؛ ممّا أتاح للرواية الإيحاء بأكثر من احتمال دلالي، واكتناز كثير من الرؤى، وكسر المسار التقليدي للسرد ، وذلك عبر خلخلة البنية السردية وعدم الالتزام بالوضعية التقليدية لعنصري الزمان والمكان. وأقف هنا عند مصطلح الخلخلة، وأُشير إلى أنه هو النهج الأساس الذي التزمت به الرواية العربية المعاصرة في مواجهة التحولات الكبرى على صعيد الواقع العربي – والعالمي، وكأنّ الخلخلة الفنية التي تشهدها هذه الرواية هي انعكاس طبيعي للخلخلة التي يشهدها الواقع على جميع الأصعدة.

تتحول المبدعات في الوطن العربي من أجناس أدبية إلى أخرى نحو إيجاد مكانة لهن في ساحة السرد، هل ظاهرة التجوال منطقية أو ضرورة فرضت نفسها علما بأن المرأة تجنح إلى اللغة الشعرية في النثر ما هي الإضافات أو المآخذ؟

تحول الأديبة العربية من جنسٍ أدبي إلى آخر يبدو لي رحلة في البحث عن الذات الإبداعية، حتى يتم العثور على هذه الذات في الشعر - أو السرد - كذلك أفترض أنّ هذا التحول يتصل بأمور أخرى، منها التعرض لتجربة شخصية حقيقية مفصلية ممّا قد يكونُ سببا للتحول إلى جنس أدبي بعينه، فبعض الأديبات يتحوّلن إلى السرد بتحريض من تجربة خاصة جدا تمارس ضغطها وإغوائها ، وبعضهن يتحولن إلى الشعر، حيثُ تكونُ غنائيته مُحتضنًا كافيا لطرح التجربة . وهذا لا يعني أنّ الأدب النسوي منحصر في الذاتية مسجون فيها، بل يعني أنّ التجربة الذاتية لها أثرها في رؤية الأديب – رجلا كان أو امرأة – للواقع وعموم الوجود الإنساني، كما أنها ذاتُ أثرٍ في اختيار الجنس الأدبي الذي ينسجمُ مع طبيعة التجربة.
أمَّا الجنوح إلى اللغة الشعرية في النثر – أو ما نسميه شعرية السرد – فهي سمةٌ فنية لا تقتصر على الكتابة النِّسوية وحدها، بل تشيعُ في كثير من النصوص السردية، رغم أنّها تفتقدُ – في بعض هذه النصوص – ما يستوجبُ وجودها من مُقتضيات فنية.

رقعة الشعر تنحصر في منظور اهتمامات المتلقي بالأدب يوما بعد يوم فما مرد ذلك؟ هل تراجعه أمام الرواية خصوصا أم تراجعت الذائقة لهذا اللون من الأدب، أو هناك تفسيرات أخرى؟

هناك عدة أسبابٍ مسؤولة عن هذه الظاهرة - في افترضي – منها:
- وجودُ هوة كبيرة بين المتلقّي وبين القصيدة الراهنة التي أصبحت مُرسَلة جمالية مغرقة في الغموض والتعقيد نتيجة ارتكازها على مبادئ الحداثة وما بعد الحداثة ، وقطيعتها مع الموروث الفني والجمالي الذي يخاطب جمهورا عريضا في مجتمعاتنا العربية.
-استغراق - كثير من – الشعراء – في الذاتية كردِ فعل على إحباطاتهم المتكررة من إشكاليات الواقع واضطراباته المتوالية.
-هيمنة الرواية على المشهد الإبداعي المعاصر؛ كاستجابة طبيعية - للمتغيرات المفصلية التي يشهدها المجتمع العربي – كما أشرنا في إجابة على سؤال سابق – حيثُ تبدو الرواية – في هذه المرحلة – شكلًا إبداعيا قادرًا على استيعاب طرح الأسئلة عن الراهن والماضي والقادم، وهي - في الحقيقة - أسئلة حول الهُوية والآخر والمصير – بمعناه القومي وأفقه الوجودي.
-عدم كفاية الجهود الاحتفائية بالشعر – على الصعيد المحلي والعربي – والحاجة الملحة إلى ابتكار طرائق جديدة في دعم هذا الفن العربي الأصيل ، وجذب المتلقي إليه بوسائل جديدة واعية بوجود نمط جديد
من المتلقين نشأوا على التفاهم مع عوالم السوشيال ميديا .


ماهي ملامح المبدع المثقف الواعي الملتزم أمام القارئ؟


الشخصانية والأصالة هي أبرزُ هذه الملامح؛ بما يستوجبُ قدرته على إعادة تمثيل الخطاب الثقافي – والمعرفي – العالمي ، وخلق منظومة متوازنة من هذا الخطاب مع ما يكتنزهُ تكوينه من سياقات – ومسارات – إبداعية ومعرفية - تراثية . ومن خلال هذه المنظومة المتوازنة يمتلك المبدعُ معرفة حقيقية بذاته الجمعية ، كما يمتلك معرفة حقيقية بالآخر؛ ممّا يمكنه من الاضطلاع برسالته تجاه مجتمعه ، وهي ليست الرسالة في التصور التقليدي القديم – التي تقوم على معاداة الآخر والاضطلاع بدور تثويري خطابي زاعق، بل هي أعمقُ وأثرى؛ حيثُ يكون المبدع مضطلعا بمواجهة البنى المعرفية التي ساهمت في استلاب وعي الذات الجمعية وإزاحتها من وضعيتها، كما يكون مضطلعا بخلخلة ما يتصدى لاستعادة هذه الذات ، وطرح البدائل ودعم البنية العميقة.


كلمة أخيرة ...
أشكرك بصدق أستاذ مصطفى ؛ فلقد طرحتَ أسئلة عميقة متنوعة جادة، يستوقفُ كل منها التأمل وتجديد التناول ، بما يجعل كل سؤال منها جديرًا بدراسة نقدية كاملة . ورغم أنّ هذه الأسئلة جالت في الفردي والجمعي والعالمي إلَّا أنها استشعرتُ الملاءمة بينها وبين عوالمي –الفكرية والروحية – وكنتُ أترقبُ بعضها لأفرج عمَّ أختزنُ من رؤى وتأملات، وما أنوء به من أطياف نفسية.
لكم موفور التقدير والاحترام أستاذ مصطفى بو غازي.
image

/76_fmw7TTU0cH4TXKQB.jpg[/IMG][/RIGHT]

/76_1jNNgCAu2Uasgsbh.png[/IMG][/RIGHT]


 0  0  700