منى الشرافي تيم زيف الخبر في وسائل التواصل الاجتماعي… وباء جهل؟!
→ فلسطين الفلسطينية العربية الجامعة اللامة …. أما عاصمتها فقدس القداسة والشرف والعدالة
مقابلتي اليوم على قناة الجزيرة أتكلم عن لغة شباب العصر من خلال روايتي “العربيزي والجدة وردة” ←
زيف الخبر في وسائل التواصل الاجتماعي… وباء جهل؟!
Posted on 2018/01/21 by monaat
إننا اليوم نحيا في زمن العولمة… زمن الخبر الزائف المفبرك المركب، الذي يفوق في سرعة انتشاره سرعة الضوء، وفي تصديقه سرعة الصوت، وهذا الأمر يدل على طغيان الفراغ الفكري والعاطفي، وانتشار وباء الجهل الإرادي في المجتمعات دون تدقيق ونقد، سواء أكان الخبر سياسياً يخدم مخططات فئة معينة لتبرير بشاعة فعل من هنا، أو فظاعة قرار من هناك، أو حصد تأييد ما، أو الإذعان لأحكام جائرة لها دخل في أمن المواطن وكرامته. أم دينياً يتلاعب في الغرائز من أجل تحقيق مآرب عامة أو شخصية، لم تنصّها الأديان ولم تقرّها الشرائع، وهي براء منه. أم اجتماعيا هدفه فضائحي تشويهي بقصد نشر ثقافة معينة كانت تُعدُّ من المحظورات، أو ترويج الشواذ من القواعد. وأياً كان الهدف من إطلاق الخبر الزائف وتركيبة، فإن سرعة نشره وشيوعه تدل على القصور الفكري والعقلي والثقافي للمتلقي.
إن الخوض في هذا الموضوع لم يأتِ من فراغ، ولا يهدف إلى إعلان الحرب على برامج التواصل الاجتماعي، أو إلقاء اللوم على التكنولوجيا وما قدمه التطور، ولكن للإضاءة على السلبيات التي تتناسل من براثنها، والتي قد لا ينتبه إليها الإنسان، فتلوكه أنيابها، سواء إن اتخذ دور الحاكم فَظَلم، أو كان المحكوم عليه فَظُلِم. فالتكنولوجيا بكل الإيجابيات التي أتت بها، والتسهيلات الخيالية التي أمنتها للبشر… عبّدت الأرضية لأصحاب النفوس المريضة الذين يتمتعون بالذكاء الإلكتروني والتفوق التكنولوجي، الذين يباعون ويُشرون كي يؤدوا مهمات قبيحة لها أهداف تخريبية بعيدة المدى ومدفوعة الثمن، أو مهمات تافهة من أجل إثارة المشاعر ونشر الثقافات الهجينة على أنها أمور ممكنة الحدوث وعلى المجتمع تقبلها كأمر مستحدث.
يتم نشر خبر سياسي ملغوم مرفق بصورة لرئيس دولة، أو مسؤول سياسي في جرم الخيانة والعمالة، كأن يحاور الأعداء، ويجالسهم، ويحتفي بهم، ويوقع معهم العقود والاتفاقيات، فيتلقاها الناس بردود فعل مختلفة (ثورة… غضب… شتم)، ويتضح فيما بعد أن الصورة مركبة لأجساد أشخاص برؤوس لآخرين في مواقف مختلفة وسياقات معينة. أو قد يتم نشر صور مجزرة ما في بلاد الحروب… أشلاء وضحايا ودمار وقتل وتفجيرات ونيران… تدمى لها القلوب، وتدمع لها العيون، فيتضح فيما بعد أنها صور كثيرة تمَّ تفكيكها وتركيبها؛ جُمعت من ساحات وبلاد وتواريخ مختلفة، لا تنتمي إلى ما تم الإشارة إليه. وقد يتم نشر صورة فنانة أو ممثلة أو إعلامية أو سيدة مجتمع بمواقف محرجة تمّ تصويرها بسريّة في حفلة ما، أو مناسبة ما، ثم تفننوا في تركيبها ولصقها ومنحها ظلال فضائحية قد تترك أثراً سلبياً كبيراً على حياة تلك الشخصية ومستقبلها ومستقبل أسرتها، فيتضح فيما بعد أنها وقعت ضحية لمؤامرة خبيثة تم التخطيط إليها بدقة وحرفيّة. وقد يتم نشر كلام مقتطع من هنا ومجتزأ من هناك في مناسبات مختلفة لرجل سياسي أو ديني أو إعلامي، لتلميع صورته، أو تشويهها! وشر البلية ما لا يُضحك… حين يتم نشر صور وفيديوهات لعرس كُتب تحتها أنها لابنة ثري عربي تكلّف عشرات الملايين إسرافاً وبذخاً وكفراً، ثم يتبين فيما بعد أنه تمّ تركيب العرس من أربعة أو خمسة أعراس جرت في بلاد مختلفة وأوقات متغايرة، وبدت وكأنها عرس واحد، ولا أدري ما الفائدة المرجوة من هذا الفعل؟ الذي ربما يكون لمنح الفقراء الذين يعيشون بلا مأوى ومأكل وملبس، وأصحاب الدخل المحدود، إحساس بالحنق والغضب والكره والحسد على أناس في مجتمعات معينة، هدفها تعميم صورة إنسانية مشوّهة لها، أو ربما للتسلية وإيجاد موضوعات صالحة للنميمة والثرثرة. (وهذه الأمثلة التي أوردتُها في هذا المقال هي على سبيل المثال لا الحصر، لأنها كثيرة جداً) وكلما كان الخبر المنشور مشبوهاً ومثيراً، يسعى الناس إلى ترويجه ونشره، فيرسلون ما وصلهم لكل معارفهم وأصدقائهم الواقعيين والافتراضيين، ويقوم الآخرون بالفعل نفسه.
قد يكون لهذا النوع من الأخبار أهداف واضحة كترويج الأكاذيب والأوهام المخطط لها، أو من أجل التسلية. وقد يكون لها أبعاد مسمومة كأن يتم نشرها والترويج إليها على هذا الشكل الكبير، ثم يكتشف الشخص بأنها مغلوطة، عندئذٍ يبدأ التشكيك بكل ما يصل إليه، فيتجاوز المعلومة المفيدة، ويُكذب الأخبار الصحيحة، ولا يأخذ بالاعتبار الأخبار التحذيرية التي تخص أمنه، أو التثقيفية التي تفتح له الأفق في مجالات عديدة!
لذلك علينا أن نكون أصحاب عقل ناقد ينظر إلى الخبر وتوابعه بعين فاحصة بصيرة تعمل على تفكيكه وتشريحه قبل نشره وترويجه، والتفريق بين المعلومة والملغومة، كي لا نكون أداة سهلة بيد من يستغلنا من أجل تنفيذ مآربه.
د. منى الشرافي تيم