قراءة في المجموعة القصصية "الفصول الأربعة" للأديب العراقي علي غازي "كيف نكتب رواية حديثة” على شكل قصص قصيرة جدا؟ بقلم: د. بوزيان موساوي/ المغرب.
[RIGHT]
توطئة:
صدر عن دار المختار للنشر و التوزيع لسنة 2017 كتاب للأديب العراقي علي غازي تحت عنوان “الفصول الأربعة”، وهو مجموعة قصصية تنتمي لجنس القصة القصيرة جدا. و لظرفية تاريخية تسمع فيها طبول الحرب، أفرزت “أدبا سورياليا” و “وجوديا” بمقومات مبهمة المعالم، غير تلك التي درسناها بعيد الحربين العالميتين الأولى والثانية…
وقراءتي لهذا الكتاب لن تكون تيماتية بامتياز حتى:
ـ لا نسقط في فخ إعادة صياغة محتويات القصص بأسلوب غير الذي أبدع به الكاتب، وبتأويلات قد تكون مغرضة، إن لم نقل متعسفة أو خاطئة…
ـ وحتى، كذلك، لا تقرأ المجموعة القصصية على أنها مجرد كتاب وصفي وجداني يؤرخ من زاوية إبداعية أدبية لظرفية تاريخية لعراق اليوم (و عبره الوطن العربي) لمخلفات ثقافة إجماع “مزيفة” حول نظام “دكتاتوري” سابق، آل للسقوط… ولمخلفات حاضر ثقافة “انقسامية” في ظل “تعددية” مذهبية وعرقية وسياسية متعصبة ذات آفاق غامضة.. وانفعالات ثقافة متنورة دافعها المحفز تفاؤل ثوري، وهاجسها التغيير “الحتمي؟” لأوضاع تكاد تدمر حضارات عريقة بأكملها..
لذا، اخترنا تخصيص هذا المقال لمساءلة تجربة متفردة في كتابة “رواية؟” على شكل “قصص قصيرة جدا؟”، تصورا، ومعمارا، ودلالات، وواقعا، وآفاقا…
المبحث الأول:
كتاب مستفز باسم كاتبه، بعنوانه، بجنسه، ببنائه، بلغته، بانزياحاته، بقضاياه وإشكالاته، بجماليته… إجمالا: بتفرده.
1 ـ مجموعة قصصية متجاوزة لآليات النقد القديم:
كتاب مستفز ،وجدا، للنقاد المحافظين المتأثرين بالقاضي الجرجاني، والآمدي، والجمحي، وابن قتيبة… الذين يبحثون في نصوص اليوم عن لغة وخطاب وقالب نمطي وتمظهرات جمالية الأمس… إذ لا يمكن قراءة نص أدبي حديث (حداثي؟ ) كقصص قصيرة جدا للمبدع علي غازي بآليات النقد القديم… بلاغة عنترة، وبيان الجاحظ، وصناعة بديع الزمان الهمذاني، وتناص ابن المقفع، وسجالات المتنبي، ، وروحانيات ابن عربي، وغيرهم..، تحف فنية من التراث الإنساني العريق… ومحاكاتها ضرب من هوس الانتماء لعصور ماضية يكفينا الاعتزاز والافتخار بها، وأجمل تمجيد لها، يكمن في مدى قدرة مبدعي العصر الحالي بمقومات الحداثة والتقدم الحضاري والإنساني، على الاجتهاد لإبداع “بهندسة” جديدة، أو على الأرجح، على إنتاج ما قد يؤرخ لجمالية الظرفية بما لها وما عليها.. بأساليب حديثة/ حداثية.. وهي الرسالة التي وصلتنا من خلال قراءتنا ل “الفصول الأربعة” لعلي غازي، و هو في جوهر كتاباته ناقد قبل أن تأخذ أفكاره صبغتها الفنية…
2 ـ مجموعة قصصية متمردة على آليات النقد الغربي الحديث:
كتاب مستفز كذلك لمريدي “نظام الخطاب” عند ميشيل فوكو، و”السرية والخطابية السيميائية” لجوزيف كورتيس، و”شعرية” تودوروف، و”مورفولوجية الحكاية” لفلاديمير بروب، و”متعة النص” لدى رولان بارت، و”سيميائية الأهواء” عند غريماص وجاك فونتاني… إذ من العبث تطبيق وإسقاط بعض نظريات النقد الغربي الحديث على شكل قوالب جاهزة على نصوص أدبية حديثة عربية أو مكتوبة باللغة العربية، كما هو الحال على مدرجات بعض الجامعات والمعاهد العليا، أو على صفحات بعض المجلات الورقية أو الإلكترونية…لا تنفع قراءة الناقد أو القارئ المتخصص/ المتمرس / العالم/ الدارس، النصوص الإبداعية في شيء لما يكتفي الدارس للمجموعة القصصية القصيرة جدا “الفصول الأربعة” لعلي غازي على سبيل المثال لا الحصر، بمحاولة تكبيل النص وفق قوالب مثل “المركبة السردية” أو “الخطاطة السردية” التي تحدد لحظات السرد في عناصر “التحريك”، و”الأهلية”، و”الانجاز”، و”الجزاء”، من جهة، و”المركبة الخطابية” كما يتم اختزالها في علاقات ك “علاقة الرغبة” و”علاقة الصراع” و”علاقة التواصل”، أو في “البنية العميقة” حول محاور “التواتر” كمحور الزمان ومحور المكان… وكأننا “نحضر وجبات سريعة”…
أو اختزال كل النصوص القصصية كالتي نحن بصددها، في مجرد “رمزية علامات” والتركيز بالتالي على تأويل إيحاءات ودلالات رمزية الألوان / الأضواء ـ انفراج، ضبابية، تعتيم، نور، ظلام… وإيحاءات “رمزية الانتاجات الحركية”: نشاط / جمود، حيوية/ شلل، حرب / سلم، عدالة / استبداد..، كونها تسيطر على فعل الخطاب وبالتالي على الذات الفاعلة التي تجعل من الفعل حالة من حالات التجلي الخطابية…
لذا، ورغم تسلحنا ولو بشكل نسبي بمعظم آليات النقد التطبيقي، قديمه وحديثه ـ إذ لا يمكن الانطلاق لدراسة النصوص الأدبية من عدم، وعن جهل ـ، نفضل في سياق تضاعيف قراءتنا لمجموعة علي غازي الانصياع لسلطة النص ودعوة القارئ للقيام برحلة في رحاب القصص… وسنحاول مقاربة المجموعة القصصية على شكل تعليق مركب commentaire composé يتناول بالدرس ـ بالمختصر المفيد ـ بنية ودلالات “الفصول الأربعة”.
ـ المبحث الثاني:
1 ـ الفصول الأربعة: عنوان مجموعة قصصية / قصص قصيرة جدا:
عنوان مركب وصفي لأنه تكون من صفة وموصوف ومركب إسنادي تكون من مبتدأ (مقدم)، وخبر محتمل سيعكسه مضمون النص/ النصوص.. عنوان يكاد لا يوحي بشيء…عدا ترقب بعض التساؤلات:
ـ لا ننتظر من الكتاب درسا علميا عن المناخ، وفصول السنة الأربعة، لأنه مجموعة قصصية، فهل للفصول رمزية أخرى؟… سؤال عال، له أكثر من جواب عبر القصص..
ـ لو كان الكاتب علي غازي قد اختار فصلا واحدا كعنوان لمجموعته كالربيع مثلا، لقرأنا وراء السطور إحالته على الربيع العربي الذي عاشه وعايشه، فلم اختار كل الفصول؟ سؤال عالق أيضا، وله أكثر من جواب عبر القصص..
2 ـ الفصول الأربعة ومفارقة تبويب الكتاب:
عهدنا كقراء تبويب بعض الكتب من طرف كتابها على شكل فصول: كتب علمية، روايات، مسرحيات.. لكن علي غازي فاجأنا ببناء معماري لماكروـ بنية مجموعته القصصية/ قصص قصيرة جدا، بتبويب على شكل فصول خمسة، وليس أربعة كما عنوان المجموعة، لذا حق لنا السؤال:
ـ ترى هل نحن أمام رواية لم تكشف عن جنسها واكتفت بخطاطات سردية ابتغت التكثيف في كل محطة زمكانية بعيدا عن الإسهاب في الوصف المؤثث للمكان، وفي رسم معالم بورتريهات الشخصيات، وفي التقيد بصيرورة كرونولوجية السرد الصاعد/ النازل/ المندفع / المتراجع؟…
ـ أم ترانا في حضرة كاتب يوفر على القارئ العادي و/ أو المتخصص عناء التموقع في متاهات القول والإيحاء والصمت والبوح بالكلمة واالرمز والصورة والحركة إن شكلا وإن مضمونا عبر ترحاله على طول المجموعة القصصية؟
ـ أم إثارة عنصر الغرابة والمفاجأة والمراوغة برسم معالم مفارقة غير منطقية في الظاهر بين عنوان المجموعة (الفصول الأربعة)، وعدد فصول المجموعة، وهي خمسة…؟ بهكذا تصور، تخرج المجموعة القصصية لعلي غازي عن المألوف (المتداول/ المستهلك)، وتنحو منحى يتمرد عن تلبية آفاق انتظار القارئ التقليدي أو العادي، وتكسر نظرية المقاربة السيميائية المنطلقة من دراسة “عتبة النص”… وفي ذات الآن، تقترح على القارئ نوعين من القراءة:
ـ قراءة كل قصة قصيرة جدا كنص مستقل قائم بذاته… وهي تستهوي القارئ المعاصر الذي “لم يعد له وقت” لقراءة نصوص طويلة كالروايات…
ـ أو قراءة المجموعة ككل (ماكرو ـ بنية) انطلاقا من توجيه الكاتب عبر تبويبه للكتاب، وبالتالي البحث عن اكتشاف تقنية هندسة “معمار جديد” لمجموعة قصصية تضم قصصا قصيرة جدا.
3 ـ عناوين الفصول:
الفصل الاول: نساء في العاصفة، ويضم 44 قصة قصيرة جدا.
الفصل الثاني: وطن حرب منافي، ويضم 65 قصة قصيرة جدا.
الفصل الثالث: ثلاثيات، ويضم 11 قصة قصيرة جدا.
الفصل الرابع: مشاهد، ويضم 23 قصة قصيرة جدا.
الفصل الخامس: فصول فيفالدي الأربعة، ويضم 12 قصة قصيرة جدا.
تعتيم مقصود من وراء اختيار العناوين لغويا وتركيبيا ودلاليا… لسنا، ظاهريا على الأقل، أمام حقول دلالية CHAMPS SEMANTIQUES متجانسة، ولا أمام تصنيف CLASSIFICATION وظيفي واضح، ولا حتى أمام صنافة TAXONOMIE تحيل مباشرة على مرجعية نسقية مدروسة… وكأن الكاتب يتمرد على كل آليات النقد التطبيقي الحديث، ويطالبنا كقراء بالاستمتاع والتفاعل بـ و مع النصوص لذاتها شكلا ومضمونا دون البحث عن “سجنها” في خانة معينة.. أو كأنه (الكاتب) يعبر عبر بناء المجموعة عن مزاجية تشبه مزاجية القارئ العربي الذي اختلطت عليه الأمور، فما عادت جغرافية تأويه، ولا تاريخ يفخر به، ولا استقرار ينعم به، ولا حياة واضحة المعالم وجودا وكنها وماهية، أو عبثا وعدما… أو كأنه يقترح على النقاد نظرية جديدة لتصنيف القصص القصيرة جدا داخل مجموعة قصصية، كما فعل الموسيقار الايطالي فيفالدي (القرن 17) ـ وهو ملهم الفصل الخامس من المجموعة القصصية التي نحن بصددها ـ إذ ثار أولا على الكنيسة، قبل أن يبتعد عن تصور الكونشرتو الذي يغلب عليه أسلوب الفوغا ووضع قواعده كوريللي، كانت موسيقاه عبارة عن فسيفساء، تتوافق أشكالها عن طريق تقارب نغماتها وثبات نبضها الإيقاعي. وهو المبدأ نفسه الذي استأنس به علي غازي في ابتعاده عن التمثلات المتداولة بخصوص كتابة القصة القصيرة جدا، وبناء مشروعه الشخصي…
المبحث الثالث:
1 ـ جمالية الغموض بين متاهات فصول المجموعة الأربعة، وفسيفساء فصول فيفالدي الأربعة:
لا يختلف اثنان عن مدى دقة وصلابة وعمق وجمالية قراءة الناقد والباحث الدكتور جاسم خلف إلياس للمجموعة القصصية ـ موضوع هذا المقال ـ (انظر مقدمة الكتاب)… خصوصا لما وضع الأصبع على الوتر الصحيح و المناسب، إذ كتب:
” (…) و من هذه النصوص، القصص القصيرة جدا التي ضمتها مجموعة (الفصول الأربعة) للقاص علي غازي، الذي شاكس فيها الذائقة الخاملة، وانطلق إلى الذائقة الفاعلة، وهو يعري الواقع الاجتماعي المؤلم، ويتوغل في تنضيد البعد اللغوي، وهو يشكل المرتكز الأساس في القصة، فيختزل ما يكتب في صفحتين أو ثلاث، في أربع أو خمسة أسطر، ويكثف الحدث إلى حد لا يحتمل زيادة جملة واحدة…”
وهنا تكمن جمالية الغموض لأن القارئ / المواطن العربي يتفوه بالمثل القائل “ما قل و دل”، ولكنه (كما شهرزاد) يحب الثرثرة، والاستفسار عن أدق الأمور، أو سرد أحداث بسيطة بالتفصيل الممل … لذا، هناك من لا يميل كثيرا لقراءة القصة القصيرة جدا لأنها لا تشبع دائما فضوله…
ولأن القاص علي غازي فنان ومبدع ومثقف وذكي، لجأ تفاديا لملل القارئ العربي (الذي أصبح يشعر تجاه قصص الظلم والقمع والسجن والنفي والقتل والدمار بقلق المريض بالمازوخية والسادية)، إلى تقنية تشبه “التناص” أو “التماثلية” ـ لا الاقتباس ـ (الفصل الخامس من المجموعة)، لما استلهم نموذج فيفالدي، ونقر على حروفه كما على النوتات الموسيقية، لتبدو قصصه القصيرة جدا على شكل معزوفات (كونتشيرتو)، بفسيفساء تتشكل هذه المرة وكما عند فيفالدي، حسب ألوان ورمزية الفصول الأربعة (ربيع، صيف، خريف، شتاء)… وحسب مقامات موسيقية متنوعة ومختلفة (allegro/ largo/allegro pastorale في الربيع)، و(allegro non molto/ adagio piano/ storn في الصيف)، و(allegro/ adagio molto/ allegro في الخريف)، و(allegro non molto/ largo/ دع الوحش يأمنك، في الشتاء)… ، وقد أطلق علي غازي على كل قصة/ كونتشيرتو اسم “حركة” (حركة أولى وثانية وثالثة لكل فصل)… وكأن لكل شهر من كل فصل من فصول السنة الأربعة حركة…
لكن، ورغم هذه الفسيفساء الغنية ظاهريا تركيبيا وموسيقى، إلا أننا نشعر بحرقة مواطن عربي يحلم بتعدد الفصول، وهو قابع تحت سماء فصل واحد لا اسم له (لا هو بربيع، ولا هو بصيف ولا هو بخريف ولا هو بشتاء).. فصل بلون الظرفية التي يمر بها العراق والعديد من الأقطار العربية… تمزق وتشتت وحرب ودمار وإخوة أعداء، وتسلط القوى العظمى، وصراع المواقع والمصالح بين القوى الاقليمية…
2 ـ النقر على نوتات وتر الذات، ووتيرة المعيش، وتوتر الأفق:
2 ـ 1 ـ النقر على نوتات وتر الذات:
أ ـ الذات الغائبة ـ الوجود والعدم توأم ـ
نقرأ:
“في خريف سنة الحرب، رحلت الراهبة، فتعاقبت على حقلها سبعة فصول جرداء، أذبلت زهورها، وكلما مرت ريح آذار، رتل الناقوس صلاة الغائبين، وأنت الفزاعة”… من قصة اشتياق ص. 12 .
ب ـ الذات المنسية المهملة:
نقرأ:
“وحدها فقط، من يتذكر ما تعود هو نسيانه وعدم الاكتراث له ـ …ـ . ما يؤلمها حد البكاء، أن ذلك كان يتكرر لثلاثين عاما..”، من قصة مناسبة ص. 14 .
ج ـ الذات المكبوتة:
نقرأ:
“منذ ليلة عرسها الأولى، تندس في فراشها بلا دفء، مستسلمة لصدمتها بزوج من سراب لا يطعمها إلا الحرمان”، ص. 19 و 20 .
د ـ ذات/ عدم:
نقرأ:
“دفنت، وفوق رخام القبر الوحيد، نمت عناقيد الورد بألوان، تشبه أمنايتها التي ظلت… مجرد أمنيات..”، من قصة انتظار ص. 29 .
2 ـ 2 ـ النقر على نوتات وتيرة المعيش:
أ ـ معيش تحت أجواء حرب:
نقرأ:
“دخل القمر في الحوت، فأعلن العراف نبوءته، عاما آخرا من الحرب والجوع”..، من قصة انحدار ص. 42 .
ب ـ معيش بوعود كاذبة:
نقرأ:
“أمرهم بالصلاة، وبعث مندوبه يؤمنهم. استبشروا فرحين بغيمة سوداء ظللتهم، سرعان ما أكلت أطرافها الريح… لم تجد عليهم بغير قطرة على حقل احتطبه السلطان في الخريف..”، من قصة استسقاء ص. 44 و 45 .
ج ـ معيش محفز للهرب نحو المجهول الآمن:
نقرأ:
“دق أبي مسمارا على الحائط، علق صورته و قال سأعود… مرت بعده السنين، المسامير زادت ـ… ـ ، ورحت أسارع الموج والمسافات بحثا عن وطن بلا حروب…”، من قصة هرب ص. 46 و 47 .
2 ـ 3 ـ النقر على توتر الأفق:
أ ـ لا أفق بدون قتال:
نقرأ:
“تذكر الرجال واجبهم الذي خرجوا من أجله، فعادوا للقتال…”، من قصة وصايا ص. 54 .
ب ـ أفق بلون التشاؤم و اليأس:
نقرأ:
“من معركة اشتبك بها الآلاف، نجا وحده. فخرج من خندقه بيدين عامرتين، إحداهما تستر عورته، والأخرى… تحمل راية بيضاء”،.من قصة بطل.ص.61 .
ونقرأ:
“حاول الوقوف للمرة الأخيرة، و النظر لما خلف المسافات ـ … ـ بين خوف وشهقة، ضغط إصبعه المتراعش على زناد، يعي لغة الموت جيدا…”،من قصة يأس ص. 64 .
ج ـ أفق الوجود بالقوة:
نقرأ:
“من فتحة زنزانتي، يجرني رأسي مرتين، إحداهما بحثا عن نفس يفك اختناقي، والآخر عندما يجري المأمور تعداده الليلي، أنادي: نعم (أنا موجود )..”، من قصة نقاهة ص. 75 .
ونكتفي بهذا القدر نظرا لقصر المجال، ومتمنياتنا للقراء بالاستمتاع بهذه المجموعة القصصية المتفردة، وللكاتب بالتوفيق والتميز.
د. بوزيان موساوي كاتب من المغرب.
توطئة:
صدر عن دار المختار للنشر و التوزيع لسنة 2017 كتاب للأديب العراقي علي غازي تحت عنوان “الفصول الأربعة”، وهو مجموعة قصصية تنتمي لجنس القصة القصيرة جدا. و لظرفية تاريخية تسمع فيها طبول الحرب، أفرزت “أدبا سورياليا” و “وجوديا” بمقومات مبهمة المعالم، غير تلك التي درسناها بعيد الحربين العالميتين الأولى والثانية…
وقراءتي لهذا الكتاب لن تكون تيماتية بامتياز حتى:
ـ لا نسقط في فخ إعادة صياغة محتويات القصص بأسلوب غير الذي أبدع به الكاتب، وبتأويلات قد تكون مغرضة، إن لم نقل متعسفة أو خاطئة…
ـ وحتى، كذلك، لا تقرأ المجموعة القصصية على أنها مجرد كتاب وصفي وجداني يؤرخ من زاوية إبداعية أدبية لظرفية تاريخية لعراق اليوم (و عبره الوطن العربي) لمخلفات ثقافة إجماع “مزيفة” حول نظام “دكتاتوري” سابق، آل للسقوط… ولمخلفات حاضر ثقافة “انقسامية” في ظل “تعددية” مذهبية وعرقية وسياسية متعصبة ذات آفاق غامضة.. وانفعالات ثقافة متنورة دافعها المحفز تفاؤل ثوري، وهاجسها التغيير “الحتمي؟” لأوضاع تكاد تدمر حضارات عريقة بأكملها..
لذا، اخترنا تخصيص هذا المقال لمساءلة تجربة متفردة في كتابة “رواية؟” على شكل “قصص قصيرة جدا؟”، تصورا، ومعمارا، ودلالات، وواقعا، وآفاقا…
المبحث الأول:
كتاب مستفز باسم كاتبه، بعنوانه، بجنسه، ببنائه، بلغته، بانزياحاته، بقضاياه وإشكالاته، بجماليته… إجمالا: بتفرده.
1 ـ مجموعة قصصية متجاوزة لآليات النقد القديم:
كتاب مستفز ،وجدا، للنقاد المحافظين المتأثرين بالقاضي الجرجاني، والآمدي، والجمحي، وابن قتيبة… الذين يبحثون في نصوص اليوم عن لغة وخطاب وقالب نمطي وتمظهرات جمالية الأمس… إذ لا يمكن قراءة نص أدبي حديث (حداثي؟ ) كقصص قصيرة جدا للمبدع علي غازي بآليات النقد القديم… بلاغة عنترة، وبيان الجاحظ، وصناعة بديع الزمان الهمذاني، وتناص ابن المقفع، وسجالات المتنبي، ، وروحانيات ابن عربي، وغيرهم..، تحف فنية من التراث الإنساني العريق… ومحاكاتها ضرب من هوس الانتماء لعصور ماضية يكفينا الاعتزاز والافتخار بها، وأجمل تمجيد لها، يكمن في مدى قدرة مبدعي العصر الحالي بمقومات الحداثة والتقدم الحضاري والإنساني، على الاجتهاد لإبداع “بهندسة” جديدة، أو على الأرجح، على إنتاج ما قد يؤرخ لجمالية الظرفية بما لها وما عليها.. بأساليب حديثة/ حداثية.. وهي الرسالة التي وصلتنا من خلال قراءتنا ل “الفصول الأربعة” لعلي غازي، و هو في جوهر كتاباته ناقد قبل أن تأخذ أفكاره صبغتها الفنية…
2 ـ مجموعة قصصية متمردة على آليات النقد الغربي الحديث:
كتاب مستفز كذلك لمريدي “نظام الخطاب” عند ميشيل فوكو، و”السرية والخطابية السيميائية” لجوزيف كورتيس، و”شعرية” تودوروف، و”مورفولوجية الحكاية” لفلاديمير بروب، و”متعة النص” لدى رولان بارت، و”سيميائية الأهواء” عند غريماص وجاك فونتاني… إذ من العبث تطبيق وإسقاط بعض نظريات النقد الغربي الحديث على شكل قوالب جاهزة على نصوص أدبية حديثة عربية أو مكتوبة باللغة العربية، كما هو الحال على مدرجات بعض الجامعات والمعاهد العليا، أو على صفحات بعض المجلات الورقية أو الإلكترونية…لا تنفع قراءة الناقد أو القارئ المتخصص/ المتمرس / العالم/ الدارس، النصوص الإبداعية في شيء لما يكتفي الدارس للمجموعة القصصية القصيرة جدا “الفصول الأربعة” لعلي غازي على سبيل المثال لا الحصر، بمحاولة تكبيل النص وفق قوالب مثل “المركبة السردية” أو “الخطاطة السردية” التي تحدد لحظات السرد في عناصر “التحريك”، و”الأهلية”، و”الانجاز”، و”الجزاء”، من جهة، و”المركبة الخطابية” كما يتم اختزالها في علاقات ك “علاقة الرغبة” و”علاقة الصراع” و”علاقة التواصل”، أو في “البنية العميقة” حول محاور “التواتر” كمحور الزمان ومحور المكان… وكأننا “نحضر وجبات سريعة”…
أو اختزال كل النصوص القصصية كالتي نحن بصددها، في مجرد “رمزية علامات” والتركيز بالتالي على تأويل إيحاءات ودلالات رمزية الألوان / الأضواء ـ انفراج، ضبابية، تعتيم، نور، ظلام… وإيحاءات “رمزية الانتاجات الحركية”: نشاط / جمود، حيوية/ شلل، حرب / سلم، عدالة / استبداد..، كونها تسيطر على فعل الخطاب وبالتالي على الذات الفاعلة التي تجعل من الفعل حالة من حالات التجلي الخطابية…
لذا، ورغم تسلحنا ولو بشكل نسبي بمعظم آليات النقد التطبيقي، قديمه وحديثه ـ إذ لا يمكن الانطلاق لدراسة النصوص الأدبية من عدم، وعن جهل ـ، نفضل في سياق تضاعيف قراءتنا لمجموعة علي غازي الانصياع لسلطة النص ودعوة القارئ للقيام برحلة في رحاب القصص… وسنحاول مقاربة المجموعة القصصية على شكل تعليق مركب commentaire composé يتناول بالدرس ـ بالمختصر المفيد ـ بنية ودلالات “الفصول الأربعة”.
ـ المبحث الثاني:
1 ـ الفصول الأربعة: عنوان مجموعة قصصية / قصص قصيرة جدا:
عنوان مركب وصفي لأنه تكون من صفة وموصوف ومركب إسنادي تكون من مبتدأ (مقدم)، وخبر محتمل سيعكسه مضمون النص/ النصوص.. عنوان يكاد لا يوحي بشيء…عدا ترقب بعض التساؤلات:
ـ لا ننتظر من الكتاب درسا علميا عن المناخ، وفصول السنة الأربعة، لأنه مجموعة قصصية، فهل للفصول رمزية أخرى؟… سؤال عال، له أكثر من جواب عبر القصص..
ـ لو كان الكاتب علي غازي قد اختار فصلا واحدا كعنوان لمجموعته كالربيع مثلا، لقرأنا وراء السطور إحالته على الربيع العربي الذي عاشه وعايشه، فلم اختار كل الفصول؟ سؤال عالق أيضا، وله أكثر من جواب عبر القصص..
2 ـ الفصول الأربعة ومفارقة تبويب الكتاب:
عهدنا كقراء تبويب بعض الكتب من طرف كتابها على شكل فصول: كتب علمية، روايات، مسرحيات.. لكن علي غازي فاجأنا ببناء معماري لماكروـ بنية مجموعته القصصية/ قصص قصيرة جدا، بتبويب على شكل فصول خمسة، وليس أربعة كما عنوان المجموعة، لذا حق لنا السؤال:
ـ ترى هل نحن أمام رواية لم تكشف عن جنسها واكتفت بخطاطات سردية ابتغت التكثيف في كل محطة زمكانية بعيدا عن الإسهاب في الوصف المؤثث للمكان، وفي رسم معالم بورتريهات الشخصيات، وفي التقيد بصيرورة كرونولوجية السرد الصاعد/ النازل/ المندفع / المتراجع؟…
ـ أم ترانا في حضرة كاتب يوفر على القارئ العادي و/ أو المتخصص عناء التموقع في متاهات القول والإيحاء والصمت والبوح بالكلمة واالرمز والصورة والحركة إن شكلا وإن مضمونا عبر ترحاله على طول المجموعة القصصية؟
ـ أم إثارة عنصر الغرابة والمفاجأة والمراوغة برسم معالم مفارقة غير منطقية في الظاهر بين عنوان المجموعة (الفصول الأربعة)، وعدد فصول المجموعة، وهي خمسة…؟ بهكذا تصور، تخرج المجموعة القصصية لعلي غازي عن المألوف (المتداول/ المستهلك)، وتنحو منحى يتمرد عن تلبية آفاق انتظار القارئ التقليدي أو العادي، وتكسر نظرية المقاربة السيميائية المنطلقة من دراسة “عتبة النص”… وفي ذات الآن، تقترح على القارئ نوعين من القراءة:
ـ قراءة كل قصة قصيرة جدا كنص مستقل قائم بذاته… وهي تستهوي القارئ المعاصر الذي “لم يعد له وقت” لقراءة نصوص طويلة كالروايات…
ـ أو قراءة المجموعة ككل (ماكرو ـ بنية) انطلاقا من توجيه الكاتب عبر تبويبه للكتاب، وبالتالي البحث عن اكتشاف تقنية هندسة “معمار جديد” لمجموعة قصصية تضم قصصا قصيرة جدا.
3 ـ عناوين الفصول:
الفصل الاول: نساء في العاصفة، ويضم 44 قصة قصيرة جدا.
الفصل الثاني: وطن حرب منافي، ويضم 65 قصة قصيرة جدا.
الفصل الثالث: ثلاثيات، ويضم 11 قصة قصيرة جدا.
الفصل الرابع: مشاهد، ويضم 23 قصة قصيرة جدا.
الفصل الخامس: فصول فيفالدي الأربعة، ويضم 12 قصة قصيرة جدا.
تعتيم مقصود من وراء اختيار العناوين لغويا وتركيبيا ودلاليا… لسنا، ظاهريا على الأقل، أمام حقول دلالية CHAMPS SEMANTIQUES متجانسة، ولا أمام تصنيف CLASSIFICATION وظيفي واضح، ولا حتى أمام صنافة TAXONOMIE تحيل مباشرة على مرجعية نسقية مدروسة… وكأن الكاتب يتمرد على كل آليات النقد التطبيقي الحديث، ويطالبنا كقراء بالاستمتاع والتفاعل بـ و مع النصوص لذاتها شكلا ومضمونا دون البحث عن “سجنها” في خانة معينة.. أو كأنه (الكاتب) يعبر عبر بناء المجموعة عن مزاجية تشبه مزاجية القارئ العربي الذي اختلطت عليه الأمور، فما عادت جغرافية تأويه، ولا تاريخ يفخر به، ولا استقرار ينعم به، ولا حياة واضحة المعالم وجودا وكنها وماهية، أو عبثا وعدما… أو كأنه يقترح على النقاد نظرية جديدة لتصنيف القصص القصيرة جدا داخل مجموعة قصصية، كما فعل الموسيقار الايطالي فيفالدي (القرن 17) ـ وهو ملهم الفصل الخامس من المجموعة القصصية التي نحن بصددها ـ إذ ثار أولا على الكنيسة، قبل أن يبتعد عن تصور الكونشرتو الذي يغلب عليه أسلوب الفوغا ووضع قواعده كوريللي، كانت موسيقاه عبارة عن فسيفساء، تتوافق أشكالها عن طريق تقارب نغماتها وثبات نبضها الإيقاعي. وهو المبدأ نفسه الذي استأنس به علي غازي في ابتعاده عن التمثلات المتداولة بخصوص كتابة القصة القصيرة جدا، وبناء مشروعه الشخصي…
المبحث الثالث:
1 ـ جمالية الغموض بين متاهات فصول المجموعة الأربعة، وفسيفساء فصول فيفالدي الأربعة:
لا يختلف اثنان عن مدى دقة وصلابة وعمق وجمالية قراءة الناقد والباحث الدكتور جاسم خلف إلياس للمجموعة القصصية ـ موضوع هذا المقال ـ (انظر مقدمة الكتاب)… خصوصا لما وضع الأصبع على الوتر الصحيح و المناسب، إذ كتب:
” (…) و من هذه النصوص، القصص القصيرة جدا التي ضمتها مجموعة (الفصول الأربعة) للقاص علي غازي، الذي شاكس فيها الذائقة الخاملة، وانطلق إلى الذائقة الفاعلة، وهو يعري الواقع الاجتماعي المؤلم، ويتوغل في تنضيد البعد اللغوي، وهو يشكل المرتكز الأساس في القصة، فيختزل ما يكتب في صفحتين أو ثلاث، في أربع أو خمسة أسطر، ويكثف الحدث إلى حد لا يحتمل زيادة جملة واحدة…”
وهنا تكمن جمالية الغموض لأن القارئ / المواطن العربي يتفوه بالمثل القائل “ما قل و دل”، ولكنه (كما شهرزاد) يحب الثرثرة، والاستفسار عن أدق الأمور، أو سرد أحداث بسيطة بالتفصيل الممل … لذا، هناك من لا يميل كثيرا لقراءة القصة القصيرة جدا لأنها لا تشبع دائما فضوله…
ولأن القاص علي غازي فنان ومبدع ومثقف وذكي، لجأ تفاديا لملل القارئ العربي (الذي أصبح يشعر تجاه قصص الظلم والقمع والسجن والنفي والقتل والدمار بقلق المريض بالمازوخية والسادية)، إلى تقنية تشبه “التناص” أو “التماثلية” ـ لا الاقتباس ـ (الفصل الخامس من المجموعة)، لما استلهم نموذج فيفالدي، ونقر على حروفه كما على النوتات الموسيقية، لتبدو قصصه القصيرة جدا على شكل معزوفات (كونتشيرتو)، بفسيفساء تتشكل هذه المرة وكما عند فيفالدي، حسب ألوان ورمزية الفصول الأربعة (ربيع، صيف، خريف، شتاء)… وحسب مقامات موسيقية متنوعة ومختلفة (allegro/ largo/allegro pastorale في الربيع)، و(allegro non molto/ adagio piano/ storn في الصيف)، و(allegro/ adagio molto/ allegro في الخريف)، و(allegro non molto/ largo/ دع الوحش يأمنك، في الشتاء)… ، وقد أطلق علي غازي على كل قصة/ كونتشيرتو اسم “حركة” (حركة أولى وثانية وثالثة لكل فصل)… وكأن لكل شهر من كل فصل من فصول السنة الأربعة حركة…
لكن، ورغم هذه الفسيفساء الغنية ظاهريا تركيبيا وموسيقى، إلا أننا نشعر بحرقة مواطن عربي يحلم بتعدد الفصول، وهو قابع تحت سماء فصل واحد لا اسم له (لا هو بربيع، ولا هو بصيف ولا هو بخريف ولا هو بشتاء).. فصل بلون الظرفية التي يمر بها العراق والعديد من الأقطار العربية… تمزق وتشتت وحرب ودمار وإخوة أعداء، وتسلط القوى العظمى، وصراع المواقع والمصالح بين القوى الاقليمية…
2 ـ النقر على نوتات وتر الذات، ووتيرة المعيش، وتوتر الأفق:
2 ـ 1 ـ النقر على نوتات وتر الذات:
أ ـ الذات الغائبة ـ الوجود والعدم توأم ـ
نقرأ:
“في خريف سنة الحرب، رحلت الراهبة، فتعاقبت على حقلها سبعة فصول جرداء، أذبلت زهورها، وكلما مرت ريح آذار، رتل الناقوس صلاة الغائبين، وأنت الفزاعة”… من قصة اشتياق ص. 12 .
ب ـ الذات المنسية المهملة:
نقرأ:
“وحدها فقط، من يتذكر ما تعود هو نسيانه وعدم الاكتراث له ـ …ـ . ما يؤلمها حد البكاء، أن ذلك كان يتكرر لثلاثين عاما..”، من قصة مناسبة ص. 14 .
ج ـ الذات المكبوتة:
نقرأ:
“منذ ليلة عرسها الأولى، تندس في فراشها بلا دفء، مستسلمة لصدمتها بزوج من سراب لا يطعمها إلا الحرمان”، ص. 19 و 20 .
د ـ ذات/ عدم:
نقرأ:
“دفنت، وفوق رخام القبر الوحيد، نمت عناقيد الورد بألوان، تشبه أمنايتها التي ظلت… مجرد أمنيات..”، من قصة انتظار ص. 29 .
2 ـ 2 ـ النقر على نوتات وتيرة المعيش:
أ ـ معيش تحت أجواء حرب:
نقرأ:
“دخل القمر في الحوت، فأعلن العراف نبوءته، عاما آخرا من الحرب والجوع”..، من قصة انحدار ص. 42 .
ب ـ معيش بوعود كاذبة:
نقرأ:
“أمرهم بالصلاة، وبعث مندوبه يؤمنهم. استبشروا فرحين بغيمة سوداء ظللتهم، سرعان ما أكلت أطرافها الريح… لم تجد عليهم بغير قطرة على حقل احتطبه السلطان في الخريف..”، من قصة استسقاء ص. 44 و 45 .
ج ـ معيش محفز للهرب نحو المجهول الآمن:
نقرأ:
“دق أبي مسمارا على الحائط، علق صورته و قال سأعود… مرت بعده السنين، المسامير زادت ـ… ـ ، ورحت أسارع الموج والمسافات بحثا عن وطن بلا حروب…”، من قصة هرب ص. 46 و 47 .
2 ـ 3 ـ النقر على توتر الأفق:
أ ـ لا أفق بدون قتال:
نقرأ:
“تذكر الرجال واجبهم الذي خرجوا من أجله، فعادوا للقتال…”، من قصة وصايا ص. 54 .
ب ـ أفق بلون التشاؤم و اليأس:
نقرأ:
“من معركة اشتبك بها الآلاف، نجا وحده. فخرج من خندقه بيدين عامرتين، إحداهما تستر عورته، والأخرى… تحمل راية بيضاء”،.من قصة بطل.ص.61 .
ونقرأ:
“حاول الوقوف للمرة الأخيرة، و النظر لما خلف المسافات ـ … ـ بين خوف وشهقة، ضغط إصبعه المتراعش على زناد، يعي لغة الموت جيدا…”،من قصة يأس ص. 64 .
ج ـ أفق الوجود بالقوة:
نقرأ:
“من فتحة زنزانتي، يجرني رأسي مرتين، إحداهما بحثا عن نفس يفك اختناقي، والآخر عندما يجري المأمور تعداده الليلي، أنادي: نعم (أنا موجود )..”، من قصة نقاهة ص. 75 .
ونكتفي بهذا القدر نظرا لقصر المجال، ومتمنياتنا للقراء بالاستمتاع بهذه المجموعة القصصية المتفردة، وللكاتب بالتوفيق والتميز.
د. بوزيان موساوي كاتب من المغرب.