×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
مديرة التخرير سعاد العتابي

قصة قصيرة من واقع بائس عنوانها: (حمارة).. بقلم رائد مهدي/ العراق



image

إصطحب رجل حمارة له حملها على سفينة شقت أمواج المحيط لتضع أقدامها بفخر على تراب المملكة المتحدة حيث شمخت تلك الحمارة برأسها الصلب الى الأعلى وأصدرت عفطة من شفتيها وكشرت أسنانها لتبدو بحالة أسخف وأشد غباء مما كانت عليه في الشرق.

نقلوها هناك الى حضيرة للحمير وغسلوا جلدها الذي علق به الكثير من قذارة الشرق ونتن أوحاله ،وعرضوها على طبيب بيطري ليعالجها من ندوب نازفة سببها القراد الذي كان يعتاش على دمها ومن قروح سببتها السياط التي كانت تلهب ظهرها ونتج عنها تساقط لبعض الشعر من جلدها البائس.

لم تكن الحمارة سوداء ولا بيضاء بل كانت رمادية لأنها هجين من لونين أو أنها حصيلة تلون لأبوين أورثاها لونها النفاقي المركب.

كان يظن صاحبها أنها قد تستحيل بمرور الوقت الى كائن لطيف وتكف عن هوايتها بالرفس اللامبرر ، أو أنها على أقل تقدير ستكون على شاكلة حمير إنجلترا فهناك الحمير وديعة جدا ولا تحمل عقد نفسية فلم يعنفها أحد ولا تضرب بالسياط كما يحدث مع الحمير بالشرق، فلا ترفس أحدا مالم يؤذها أو يزعجها، هي العكس تماما لتلك الحمارة التي كانت ترفس بسبب أو من دون سبب.

فكر صاحب الحمارة بالتخفيف من سقف أحلامه على أمل أنها لن تمارس النهيق في الفجر فلاتزعج سكان الريف في لندن.

وجد أن أمله الأخير يبدو فيه من الصعوبة مالايمكن تحققه فقلل سقف آماله المعقودة عليها على أمل أن تتهذب بتناول الشعير في الصباح والمساء فلا تتبول على المعلف ولا تفرغ فضلاتها وقوفا وأينما كان، لكنه وجد أن هذه الأمور أيضا في غاية الصعوبة أن تتحقق لأن تلك الحمارة تعتبر هذه التصرفات حرية شخصية وسلوك جمعي يمارسه الكثير من الحمير وأنها لاتود أن تكون بدعة منهن.

لذا تسببت تلك الحمارة بالحرج الكثير لصاحبها وصغرته هناك في القارة البيضاء حيث حملت معها إنحطاطات الشرق لا حضاراته حتى فكر صاحبها يوما وتمنى لو أن السفينة قد غرقت وماأوصلت تلك الحمارة لذلك العالم المتطور.

فكر صاحب الحمارة أن يلبسها ثياب البشر أملا بتشبهها بهم ولو بالملبس لكنها كانت في كل مرة وما ان يقوم صاحبها بتلبيسها تلك الثياب تظل تلف وتدور حول صاحبها حتى يصاب بالغثيان ويفر منها بجلده لتستغل تلك الفرصة للذهاب الى مكان تجتمع فيه الحمير دون ثياب وعند الفجر تعود للإسطبل لتمارس نهيقها تزامنا مع الفجر كي يخالط صوتها النشاز أصوات الطيور المغردة للحياة عسى أن تنطلي حيلتها على صاحبها فيظن أنها حمامة تهدل من شعبة الطيور.

تلك الحمارة لم تكن تدرك أنها حمارة قلبا وقالبا بل كانت تتخيل في كل صباح لندني أنها عصفورة كتلك التي كتب عنها الشاعر نزار القباني عبارته (عصفورة قلبي).
وقد أجهدت تلك الحمارة نفسها لتبدو محلقة لكن طبيعتها التكوينية كانت تخذلها في كل مرة.

كانت الحمارة في كل يوم تعنف صاحبها لأنه لايتعامل معها مثل العصافير ، وفي أحد الأيام فكر صاحبها أن يجلب لها حبوب الدخن في إناء لكون الدخن طعاما لعصافير الحب، فما أن قدم حبوب الدخن اليها بمنتهى اللطف مبادرة منه لإعطائها طعام لكائنات هي تريد ألتشبه بها فعلى الفور ركلت تلك الحمارة وعاء الدخن وكسرت معصم صاحبا لأنها متمسكة بالشعير الى الرمق الأخير.

كان أقبح مافيها أنها تحمل هوية العصافير بينما تتناول خلف الكواليس أطعمة الحمير .

آمن صاحب الحمارة بأن تغيير الأوطان قد يغير في طبيعة الإنسان فيهذبها ويرفعها ويجعل منها شيئا جديدا أفضل مما كان، لكن الحمير تحتاج لملايين السنين بل تحتاج لأكثر من طفرة جينية لتكون نصف إنسان ولا أقول إنسان.

أيضا لم تفته فكرة أن طبيعة الحمار أنه كائن وديع وأن على البشرية جميعا أن تنظر إليه بعين العطف لأنه لايزال في طور التطور.

وأن الحمير المتأنسنة هي أقبح أنواع تلك الحمير بل أخطر مايكون على الحياة، لأنه حين يستحمر الإنسان ستكون الحياة بعينيه غابة وسينهق بملئ صوته دون مبالاة حتى وإن كان ذلك النهيق يؤذي صغار العصافير وهي غافية في أعشاشها الوديعة المرتفعة .
وقد يركل ذلك المستحمر كلما يكون بمحاذات قدمه ليثبت لنفسه أنه حر وليثبت لنفسه وللآخرين قوته وقدرته ولو بسلوك جائر أو بتصرف غير مسؤول.

رائد مهدي / العراق
 0  0  412