أخبار قناة الشمس

×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
المخرج محمد فرحان

العرافات و البصارات:بين الاستغلال النفسي و المادي!! تحقيق ـ سناء الحافي


العرافات و البصارات:بين الاستغلال النفسي و المادي!!

تحقيق ـ سناء الحافي
image



انتشرت في الآونة الأخيرة، بل واستفحلت ظاهرة ارتياد النساء لأماكن العرافات وقارئات الكف والفنجان وخاصة غير المتزوجات، والمطلقات، و الأرامل، للبحث عن أمل يمكن أن يكون لدى هؤلاء العرافات.الشيء الجديد في هذه الظاهرة أن أكثر النساء اللوتي يترددن على العرافات وقارئات الكف والفنجان هنّ من المتعلمات والمثقفات وحاملات الشهادات العلمية، بحيث أن أكثرهن لا يؤمن بقضايا السحر ومعرفة الغيب إلاّ أنهن يترددن على العرافات بسبب الفضول، أو لمعرفة شيء مجهول ربما يتعلق بحياتهن المقبلة.
القضية من جانبي، ابعد من ان تكون كسباً صحفياً، او استهلالا عدائياً مباشراً، الغاية منه تأليب الرأي العام ضد العرافات وقارئات الكف، بل المسألة، وببساطة شديدة، ان هذا النوع من السلوك أصبح اليوم يشكل خطراً مرعباً يهدد كيان الاسر ويسفه عقول وضمائر الناس، ويستنزف مقدراتهم المالية والنفسية، ويثبت عجزهم عن تلافي الازمات والمشاكل، كما إن هذه الاعراض بمجملها أصبحت تشل حركة الناس وتمنيهم بالغيب، وبالقدرة الخفية التي تمتلكها العرافات وقارئات الكف لتدفع عنهم الشرور، وتعافيهم من الامراض المزمنة والطارئة.



والسؤال لماذا تتسابق النساء نحو عالم الغيب؟ هل عجزت المرأة عن تحسين وضعها على مستوى الواقع الفعلي، من خلال تغيير القوانين والذهنيات، فراحت تستعين بعالم العرافات، فيظل زوجها مثلاً إلى جانبها عبداً مأموراً، لا يعترض على شيء، ولا يتطلع إلى امرأة أخرى؟
و ما القول عندما تتوجه الطبيبات والمهندسات والقاضيات والوزيرات إلى العرافات؟ بل كيف نفسر اجتماع سيدات المجتمع في منتدياتهن وقصورهن حول قارئات الفنجان اللواتي يستأجرهن بمبالغ طائلة، كانت ستساهم في حل الكثير من مشاكل المعذبين في الأرض؟
أسئلة نطرحها من خلال مجلة (كل الناس)، حاولنا من خلالها ان نستطلع اراء الناس و المختصين في علم النفس و الشرع و الاجتماع، علنا نقف على حدود تلك الظاهرة واسباب انتشارها وسبل القضاء عليها عاجلا أم اجلا.
في العراق.. بيوت العرّافات لا تخلو من السياسيين، ونائبات البرلمان!!
اعتادت العرافة أم علي أن تفتح أبواب بيتها للزائرين والزائرات بشكل يومي لتقرأ للجميع مستقبلهم المرسوم، كما تقول، على كف اليد وربما على الخارطة المرسومة في قعر فنجان القهوة، التي تحسن صناعتها على نار هادئة. وأم علي واحدة من كثيرات امتهن قراءة المستقبل الذي بدا مجهولا لأغلب العراقيين وسط التغيرات الأمنية والسياسية التي تشهدها البلاد بشكل متواصل. وتولع كثير من العراقيين بالذهاب إلى قارئات الكف أو الطالع من الرجال والنساء.
بعض قارئي الطالع من يؤكد لزائريه بأنه يستطيع أن يكشف السحر عن الساحر، والبعض الآخر يكشف المستقبل المادي والأمني وربما السياسي أيضا، مثلما حصل مع أم علي التي أكدت أن شخصا جاء إليها في بيتها مع أفراد حمايته الذين يقارب عددهم الستة. وسألها الرجل عن من سيكون رئيس وزراء العراق المقبل. وتقول أم علي إنها لم تعرف كيف ترد على الشخص لكن شعورها بالخوف من هوية الزائر جعلها تتخوف من الرد.
و أضافت في حديثها لـ (كل الناس) أن هناك ايضا نائبة في البرلمان قامت بزيارتها، بدافع الفضول، والرغبة في معرفة بعض التفاصيل الغامضة في حياتها، للبحث عن علاج من حالة وسواس كانت وما زالت تعاني منه.. فضلاً عن معرفة مستقبلها السياسي..
شبح السّحر و الشعوذة بين الاستغلال المادي و النفسي!!
وبعيدا عن السياسة فإن بيوت قارئات الفنجان تمتلئ بكثير من النسوة الباحثات عن الزواج عسى أن تعثر في فنجان القهوة على عريس المستقبل. وتقول بتول علي، ربة بيت ليس لها معيل، يقترب عمرها من الأربعين، ولم تتزوج لحد الآن، مشكلتها أن أحد أبناء عمومتها يريد الزواج منها، لكن «سحرا» أصابه، فابتعد عنها. وتقول بتول إنها تريد أن تبعد «شبح السحر» لتتزوج ابن عمها. وتؤكد أن إحدى العرافات قالت لها إن بإمكانها الزواج منه إذا اقتطعت خصلة من شعر رأسه وأتت بها إلى العرافة لتخيط الخصلة بشعر رأسها، وإنها فعلت ما أرادت العــرافة لكن ابن عمهـــــــــا تزوج من امرأة أخرى.
تقول نورة محسن (موظفة)، ان ظاهرة لجوء الفتيات الى العرافات انتشرت بنحو واسع وباتت واضحة بسبب الضغوط النفسية التي تعرضت لها داخل المجتمع، والظروف المعقدة التي احاطت بها، فضلاً عن القلق النفسي والخوف من المستقبل والبحث عن سبل تزرع الطمأنينة في نفوسهن.
واضافت ان الفتاة تلجأ الى هذه الاساليب بسبب وصولها الى مرحلة اليأس، ما يشجع هؤلاء المشعوذين على اصطياد مثل هكذا حالات مستغلين الجانب النفسي والمادي لتلك الفتيات.. وفي الآونة الاخيرة نلاحظ ان بعض صالونات الحلاقة النسائية اخذت تستعين بالعرافة او ما يطلق عليها (الكشافة) للعمل في الصالون من أجل جذب اكبر عدد من الزبائن، والارباح طبعاً تقسم كنسب بين الحلاقة والكشافة.
اما ليلى القاضي (طالبة جامعية) فقالت ان كثيراً من صديقاتها في الجامعة يرتدن الى بيوت العرافات واحياناً كثيرة تكون صالونات الحلاقة التي تتواجد فيها "المشعوذات". لافتة الى ان العديد منهن ترددن على العرافات من دون علم ذويهن، مما يشكل خطورة اكبر على الفتاة في ظل الظرف الصعب الذي يمر به البلد.
انعدام الادراك و مدّ الخرافة في المجتمع!!
فيما بين مسلم علي استاذ جامعي لـ (كل الناس) عن خطورة التعلق بالأوهام، واصفاً هذه المهنة الخطرة بالشعوذة والدجل، داعياً العائلات الى الالتفات الى الشباب من كلا الجنسين وحثهم وتوجيههم على التمسك بالدين والايمان المطلق بما كتبه الله عز وجل، وتذكيرهم دائماً بالآية القرآنية من سورة الاعراف، والتي تقول: (قل لا أملك لنفسي نفعاً ولا ضراً إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون).
واضاف مسلم أن انعدام الادراك بأن تلك المشعوذة لا تملك ان تدفع عن نفسها السوء، قد غاب تماماً عن أذهان أغلب النساء اليائسات، لذا يتطلب ان تكون للمجتمع وقفة حقيقية تجاه مد الخرافة الذي اتخذ شتى الاشكال، وتغلغل فيه لينخر ما تبقى منه.
العرافة: أنواع و إشارات و حقول من الوهم !!
و يشير الباحث محمد عبد الحسين في حديثه لـ (كل الناس) أن سبب ظهور العرافة يرجع إلى ولع الإنسان الشديد بالتعرف على أسرار الماضى وخفايا الحاضر وغموض المستقبل، وكانت المصادفة تلعب دورها مع العراف فأحيانا يصيب وأحياناً يخطئ. لذا فهو يعتمد على قوتين الفراسة والإقناع.
و يضيف قائلا: "كان أهل الجاهلية يعرضون صبيانهم على العرافين لإخبارهم عن مستقبلهم فيذهبون إلى الأسواق مثل سوق عكاظ لوجود العرافين فى هذه الأماكن. ومن أشهر العرافين أيام الجاهلية. عراف اليمامة وهو"رباح بن كحلة" المذكور فى الشعر، وعراف نجد وهو "الأبلق الأسدى"، والأجلح الزهرى وعروة بن زيد الأسدى.
والعرافة بحر واسع، فهي ليست مقتصرة على قراءة الكف أو الودع أو الفنجان بل هناك الكثير والكثير.
فالعِرافة أنواع. العرافة المهملة والعرافة الاتصالية والعرافة الاستنتاجية. وحقول العرافة كثيرة، فتصنيف العرافة يشمل عرافة الخطوط والأشكال وهذا النوع هو الأكثر انتشاراً بين الشعوب على مر العصور حتى يومنا هذا لأنه يعتمد على خطوط وأشكال أو حركات تعطى دلالة على شيء بمثابة مفتاح لقراءة المستقبل، وهى مقسمة إلى (الطبيعة - النبات - الحيوان - الإنسان ) ويعتبر العرافون هذا النوع إشارات من السماء تنذر بوقوع حدث ما نظراً لأنه لا دخل للإنسان فى حدوثها فالخطوط والأشكال الموجودة طبيعية كما خلقها الله سبحانه وتعالى.
وأكثرها انتشاراً هى قراءة الخطوط والأشكال فى الإنسان وتتضمن أنواعًا كثيرة مثل قراءة اليد التى تتخصص بدراسة اليد بصورة عامة من حيث الشكل والحجم ودراسة الأصابع والأنامل من حيث الطول والقصر والغلظ ثم دراسة العقد والأظافر وأيضاً قراءة الكف الذى يدرس خطوط الكف، وهذا العلم يرتكز على قواعد وثوابت تقود الى معرفة شخصية صاحب الكف مستندة بذلك إلى شكل اليد وحجمها وما بها من هضبات وخطوط وأشكال.
ومن أنواع العرافة قراءة الخطوط والأشكال الاصطناعية (العرافة العملية) ويقع فى هذا النوع من جميع العمليات التى يقوم بها الإنسان لكى يحصل من العلامات أو الأشكال الناتجة عن عمله على إشارات يقيم عليها تنبؤاته. وهذه العرافة قديمة جدا مثل عرافة الأزلام. ضرب الأقداح. تصاعد الدخان. رمى النرد أو حجر النصيب. الودع. وطش الخرز. الرمل. صب الرصاص. ورق اللعب التاروت. وقراءة الفنجان.
وكثيرات من النساء ولا سيما المتزوجات منهن يقصدن فتاحات الفال التي تكون بمثابة الشخص الاخر الذي تحتاج إليه المرأة للبوح عما في داخلها حين لا تجد من يستمع إليها.
وغالبًا ما تلجأ المرأة الى فتاحة الفال حين تفقد القدرة على التعامل مع المشكلة بواقعية، وثمة نساء يلجأن إلى فتاحة الفال بسبب الشد النفسي والعصبي الذي يرافق تأخر حالة الانجاب او انعدامه تمامًا، فتكون المرأة في هذه الحالة هي المسؤولة مباشرة عن عدم حصول الرجل، وأهله، على امتداد لهم من الاولاد والبنات، فتتغير لذلك معاملة الرجل واهله تجاه الزوجة التي تقف مذهولة لاتعلم اين تتجه ولمن تشتكي، فهي الملامة دائمًا، ولا تجد أمامها نافذة تطل على الامل سوى فتاحة الفال ويسميها بعض العراقيين (ام الخيرة) الكشافة.
5 ملايين عراقي يشكون من أمراض نفسية..!!
طبيعة الحياة في العراق والضغوط التي يعاني منها العراقيون بشكل عام في العمل والحياة تجعل ادعاءات العرافات قابلة للتصديق، لكن ما إن يتجرأ أحد الأصدقاء أو المعارف أو الاشقاء على تقديم النصيحة للمريض بمراجعة طبيب نفسي حتى يرن صوته في أذن الناصح بعبارة"وهل أنا مجنون؟".
الطبيـب النفـسي شخص يرتبـط وجوده وحيـاتـه وعمله بوجود"المجانين"، ومن يمكن أن"يـعـتـرف بالجنون"، ولـذلك فالعراقيون لا يعرفون الكـثـيـر عـن الأطباء النفسيين ولا عن أدويـتهم أو عـياداتـهـم الـتي تخـتفي لـوحـاتـها الصـــغـيرة الـخــجــولـة بـيـن مـئـــات وآلاف الـلـوحات المنـــتشرة فـي الــشــوارع الـطــبيـة وغيرها.
ولأن مراجعة الطبيب النفسي"عار جسيم"يقوم كثيرون ممن يعانون من الأمراض النفسية بمراجعة هؤلاء الأطباء في الخفاء أو يذهبون إلى بيوتهم في حال كانت تربطهم بهم صلة قرابة أو معرفة.
ويشعر آخرون بالحياء من مراجعة الطبيب النفسي، فيلجأون الى العرافات وقارئات الفنجان للاستدلال الى"العلة"التي يعانون منها والتي عصت على طبيب الأمراض الجسدية، واللافت أنهم لا يشعرون بالخجل ذاته من التصريح بذلك حتى لو كانوا من حاملي الشهادات الجامعية العليا. فتلك الشهادات تقف عاجزة أمام عقل العرافات اللواتي لا تجيد كثيرات منهن القراءة والكتابة لكنهن يجدن فن النصب على من يعانون أمراضاً نفسية.
عين الاجتماع: النشأة الأسرية قد تكون مغلوطة!!
الباحثة الاجتماعية ميسون النبالي اضافت في حديثها لـ (كل الناس) أن الواقع الاجتماعي المرتبك والضغط الاجتماعي على الفتاة التي تصل العشرين او الثلاثين ولم تتزوج هما السببان الرئيسان للجوء الفتيات الى اماكن تواجد (ام الخيرة)، لاسيما بعد ان اخذت الحروب والنكبات والعمليات الارهابية، عدداً كبيراً من الشباب فاصبح التفاوت واضحاً بين الجنسين.
واضافت ان بعض الامهات هن من يقدن بناتهن الى اوكار العرافات وهو ما يعطينا انطباعاً واضحاً بأن النشأة الاسرية للام نفسها قد تكون مغلوطة، بدلاً من انتظار الفرصة المناسبة الى جانب التوفيق الالهي هو ما يجب ان تسعى وتتمسك به الفتاة عوضاً عن الحقن المخدرة والمضيعة للوقت والمستنزفة للجيوب.
وزادت ان السعادة حالة يشترك في صنعها الانسان اولاً والظرف الذي يعيشه ثانياً ولابد له من تقبل الواقع بتدرج حتى لو كان شديد المرارة خيراً من التعلق بأوهام واكاذيب هؤلاء المشعوذين.
عين الشرع: التبصير له علاقة بتدني مستوى الثقافة الدينية!!
وفي هذا الصدد يؤكد الدكتور منذر الجبوري (اختصاص شريعة ) الى ان قراءة الفنجان باطلة وحرام ولا يجوز الأخذ بهذه الخرافات وأشباه ذلك كل هذا طريق للحرام ومن دعوى علم الغيب فإذا قال إنه يعلم الغيب بهذه الأمور صار كافرا، لأن أمور الغيب لا يعلم بها إلا الله، ولا يعلم الكف و الفنجان ولا غير ذلك، فعلم الغيب لله سبحانه وتعالى، فمن زعم أنه يعرف بقراءة الكف بدعوى علم الغيب فهذا من الكفر بالله عز وجل. ويقول جل وعلا في كتابه العظيم لنبيه - صلى الله عليه وسلم: (قل لا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب)، فمن ادعى بهذا فكله باطل وكله كفر وضلال. مبينا ان العرافين وأمثالهم، إنما يكذبون على الناس ويقولون على الله غير الحق وهم يعلمون.
وأياً كان السبب، سواء للتسلية أم الاستكشاف أم المعرفة فإن هذا الأمر مرفوض في الشريعة الإسلامية،
وينفي علاقة هذا الأمر بالدين قائلاً "التبصير له علاقة بتدني مستوى الثقافة الدينية ولا علاقة للبصارة بدين معين فهو منتشر بين جميع الطوائف والأديان وليس حكراً على مسلم أو مسيحي أو يهودي أو أي دين آخر.
عين القانون: القانون لا يؤمن بما تدّعيه البصارات والعرافات من علم..!!
المستشار القانوني علي الأسدي يوضح بأن القانون يُدرج هذه المهنة تحت باب النصب والاحتيال، وتعني حمل المرء على سرقة أمواله أو النصب عليه بطريقة ما، وكانت العقوبة حسب المادة /641/ هي السجن من ثلاثة أشهر إلى سنتين، وتخفف إلى مدة ثلاثة شهور مع دفع غرامة مالية.
أما خلو سجلات القصر العدلي من مثل هذه الدعاوى المتعلقة بالنصب والاحتيال فيبرره المستشار الأسدي قائلاً "النصب من قبل هؤلاء البصارات يكون بمبالغ قليلة لا تستحق رفع دعوى، في حين أن تكلفة الدعوى قد تفوق المبلغ الذي حصل فيه النصب والاحتيال وكل ذلك يشجع على تمادي هؤلاء المحتالين في أعمالهم".
 0  0  1211