قصة قصيرة
قبور صغيرة للكلاب
خرج فري و هو كلب جميل و حزين إلى الشرفة التي تطل على مدينة نيو التي تنحني مثل إمرأة تتغزل بها الأمطار و كان يعب من سيجارته بقسوة بينما شاهد حشدا من الناس في المقبرة المجاورة للعمارة التي يقطنها
فلطالما تألم لهذه الجنائز التي تصنع يوميات حياته الكئيبة هو و زوجته الذابلة فييرّا التي تركت عملها كحلاقة لتلتحق بشرفته الموجعة ...
بدأ الأمر حينما قدم فري إلي مدينة نيو في أواخر العام الماضي ككلب برجوازي مشرد طردته كلاب ضالة إستولت على قبو كان يسكنه في قرية لامونا تخلاّ عنه أصدقاؤه هنا ففشل في إيجاد حل لأزمته و انهار تماما و بينما كان يفكر في الإنتحار في شارع كودو الذي يسلكه مثل تلك الأمطار جذبته يد فييرّا ـ التي تحتسي كأسا آخر الآن و عينيها منصبتين على الحشد ـ و أدخلته دكان حلاقتها بدى ضائعا و سط عطور الكلبات العاريات و ابتساماتهن جلبت فييرّا منشفة و راحة تمررها على جسده الهزيل بعد أن نزعت عنه بدلته النتنة و المبلولة تماما ناولته فييرا سيجارة و أحضرت له كأس نبيذ و زادت صوت الموسيقى الرومنسية إحتسا النبيذ و انتصب زغبه و تحول المحل إلى مشهد آخر حين طلبت فييرّا الأنيقة المشعة كعروس البحر مراقصته ، كان يرقص بقسوة المطر الذي أساء إليه بقسوة الأصدقاء الذين تخلو عنه بقسوة الكلاب الضالة التي أهانته بقسوة الطريق إلى نيو ، كانت فييرّا قد أنهت علاقة عابرة منذ أيام ما زادها تعلقا ب فري خاصة بعدما روى عليهن قصته الحزينة ، قبل دعوة فييرّا إلى العشاء في بيتها ، نزلا إلى شارع كودو و سارا جنبا إلى جنب قطعا حديقة لامونيا فذكره الإسم بقريته البعيدة و هو يودع حياة الذل و الحقارة ، و كان يحلم بعمل محترم و أيام سعيدة مع فييرّا التي تزوجته بعد العشاء الذي تشاركا في طهيه ، لكنه سرعان ما إكتشف الشرفة الجميلة التي تضيؤها أنوار الشارع الطويل الذي يمضي بدوره إلى أسفل حيث تبدوا المدينة مشعة كجسد فييرّا
كان شهر العسل ممتعا لكنه بدأ ينزوي في الشرفة أكثر و دائما ما تجلس بجانبه فيقول " أنظري ، كم تشبه سحنة القبور هذه أحلامي المنقرضة "
" أترين تلك الواجهات العملاقة ، إنها أحزاني أيضا " .. " إلى متى تتضمد هذه المدينة في ضوئها ؟ مثل صمتي تماما" .. " آه .. أيتها الأمطار ، من جعلك قاسية "
تضائل خروج فييرّا إلى العمل و بدى ذبولها واضحا فكثيرا ما سألها معارفها عن سبب هذه الكئابة التي تغزو ألقها منذ قدم الكلب المتشرد في يوم ماطر
كانت الموسيقا منهكة و كأنها تنكسر رفقت المطر و أوراق الكاليبتس
و كان الحشد كبيرا بما يكفي ليعرفا أنها شخصية معروفة من تندفن الآن رافق الصمت عينيهما الحزينتين يتوخيان البكاء مثل أيامهما الأولى حين إكتشفا أمر الدفن و القبور و الحشود و المطر ..
خرج الحشد بعد إكمال الدفن في مشهد جنائزي حزين و ما أثار فضول فري أن حشودا اخرى من النساء توالى مجيؤها لزيارة القبر الجديد ما لم يحصل منذ إنصهاره في تلك الشرفة ، حشود كثيرة ، بكاء ، عويل ، و مطر لا يكف عن الهبل هذا المساء .. إحتسى ما تبقى في قعر الكأس من نيذ و قد خلى الشارع و المقبرة من الوافدات ،خرج مسرعا ،قصد القبر الجديد لم يجد شيء سوى إسم على الشاهدة " هنا ينام سي لخضر " و قبر صغير و فارغ بجنبه ، كان فضوله قويا و مخيفا ما دفعه إلى نبش القبر .. و جد كهلا ينام وسط صندوق من الخشب الثمين ما يميزه هو طول عضوه ، قطع العضو بسرعة و أغلق الصندوق و عاد به إلى الشرفة ، أشعل سيجارة و تأمل العضو و المدينة تخبو ضياؤها و سط الضباب ، حين سقطت الصينية النحاسية من يد فييرّا التي أطلقت صرخة عظيمة لا شك أنها أيقضت الجيران " لقد مات سي لخضر " ما جعل فري يرمي نفسه من الشرفة ثم لحقت به فييرّا
دفنا برفقت العضو في القبر الصغير جنب السي لخضر و كتب على شاهدة قبرهما " قبور صغيرة للكلاب"... و كانت الشرفة تطل و حيدة على حشود الكلاب التي حضرت جنازتهما...
جلال حيدر
خرج فري و هو كلب جميل و حزين إلى الشرفة التي تطل على مدينة نيو التي تنحني مثل إمرأة تتغزل بها الأمطار و كان يعب من سيجارته بقسوة بينما شاهد حشدا من الناس في المقبرة المجاورة للعمارة التي يقطنها
فلطالما تألم لهذه الجنائز التي تصنع يوميات حياته الكئيبة هو و زوجته الذابلة فييرّا التي تركت عملها كحلاقة لتلتحق بشرفته الموجعة ...
بدأ الأمر حينما قدم فري إلي مدينة نيو في أواخر العام الماضي ككلب برجوازي مشرد طردته كلاب ضالة إستولت على قبو كان يسكنه في قرية لامونا تخلاّ عنه أصدقاؤه هنا ففشل في إيجاد حل لأزمته و انهار تماما و بينما كان يفكر في الإنتحار في شارع كودو الذي يسلكه مثل تلك الأمطار جذبته يد فييرّا ـ التي تحتسي كأسا آخر الآن و عينيها منصبتين على الحشد ـ و أدخلته دكان حلاقتها بدى ضائعا و سط عطور الكلبات العاريات و ابتساماتهن جلبت فييرّا منشفة و راحة تمررها على جسده الهزيل بعد أن نزعت عنه بدلته النتنة و المبلولة تماما ناولته فييرا سيجارة و أحضرت له كأس نبيذ و زادت صوت الموسيقى الرومنسية إحتسا النبيذ و انتصب زغبه و تحول المحل إلى مشهد آخر حين طلبت فييرّا الأنيقة المشعة كعروس البحر مراقصته ، كان يرقص بقسوة المطر الذي أساء إليه بقسوة الأصدقاء الذين تخلو عنه بقسوة الكلاب الضالة التي أهانته بقسوة الطريق إلى نيو ، كانت فييرّا قد أنهت علاقة عابرة منذ أيام ما زادها تعلقا ب فري خاصة بعدما روى عليهن قصته الحزينة ، قبل دعوة فييرّا إلى العشاء في بيتها ، نزلا إلى شارع كودو و سارا جنبا إلى جنب قطعا حديقة لامونيا فذكره الإسم بقريته البعيدة و هو يودع حياة الذل و الحقارة ، و كان يحلم بعمل محترم و أيام سعيدة مع فييرّا التي تزوجته بعد العشاء الذي تشاركا في طهيه ، لكنه سرعان ما إكتشف الشرفة الجميلة التي تضيؤها أنوار الشارع الطويل الذي يمضي بدوره إلى أسفل حيث تبدوا المدينة مشعة كجسد فييرّا
كان شهر العسل ممتعا لكنه بدأ ينزوي في الشرفة أكثر و دائما ما تجلس بجانبه فيقول " أنظري ، كم تشبه سحنة القبور هذه أحلامي المنقرضة "
" أترين تلك الواجهات العملاقة ، إنها أحزاني أيضا " .. " إلى متى تتضمد هذه المدينة في ضوئها ؟ مثل صمتي تماما" .. " آه .. أيتها الأمطار ، من جعلك قاسية "
تضائل خروج فييرّا إلى العمل و بدى ذبولها واضحا فكثيرا ما سألها معارفها عن سبب هذه الكئابة التي تغزو ألقها منذ قدم الكلب المتشرد في يوم ماطر
كانت الموسيقا منهكة و كأنها تنكسر رفقت المطر و أوراق الكاليبتس
و كان الحشد كبيرا بما يكفي ليعرفا أنها شخصية معروفة من تندفن الآن رافق الصمت عينيهما الحزينتين يتوخيان البكاء مثل أيامهما الأولى حين إكتشفا أمر الدفن و القبور و الحشود و المطر ..
خرج الحشد بعد إكمال الدفن في مشهد جنائزي حزين و ما أثار فضول فري أن حشودا اخرى من النساء توالى مجيؤها لزيارة القبر الجديد ما لم يحصل منذ إنصهاره في تلك الشرفة ، حشود كثيرة ، بكاء ، عويل ، و مطر لا يكف عن الهبل هذا المساء .. إحتسى ما تبقى في قعر الكأس من نيذ و قد خلى الشارع و المقبرة من الوافدات ،خرج مسرعا ،قصد القبر الجديد لم يجد شيء سوى إسم على الشاهدة " هنا ينام سي لخضر " و قبر صغير و فارغ بجنبه ، كان فضوله قويا و مخيفا ما دفعه إلى نبش القبر .. و جد كهلا ينام وسط صندوق من الخشب الثمين ما يميزه هو طول عضوه ، قطع العضو بسرعة و أغلق الصندوق و عاد به إلى الشرفة ، أشعل سيجارة و تأمل العضو و المدينة تخبو ضياؤها و سط الضباب ، حين سقطت الصينية النحاسية من يد فييرّا التي أطلقت صرخة عظيمة لا شك أنها أيقضت الجيران " لقد مات سي لخضر " ما جعل فري يرمي نفسه من الشرفة ثم لحقت به فييرّا
دفنا برفقت العضو في القبر الصغير جنب السي لخضر و كتب على شاهدة قبرهما " قبور صغيرة للكلاب"... و كانت الشرفة تطل و حيدة على حشود الكلاب التي حضرت جنازتهما...
جلال حيدر