أخبار قناة الشمس

×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
المخرج محمد فرحان

أنا يا فاطمة . .. . بقلم : احمد منصور

أنا يا فاطمة . .. . بقلم : احمد منصورimage


سما العرب

كنتُ أترقب الفجر الذي يصحو بعينيها ، و الشمس طفلة تضفر أيام صبانا . مع إشراقةِ يومها أركض نحو السُّلم ، أنتظر أن أذاكر البراءة في عينيها و هي تنزل للذهابِ للمدرسة .. و مع أنها تكرهني ، فقط لأنها شعرت أني أفوقها جمالا . سنوات طويلة و حبي لها يتمدد مع أغصان العمر ، و كرهها لي يعزف على أوتار عينيها . لم أستطع التقدم لخطبتها ؛ برغم العلاقة الأسرية الشديدة التي تربط أسرتينا . ضاقت بي أحلامي ؛ إلا أنني لم أفقد الأمل يوما ، كنتُ أدرك تماما أن القلوب بيد الله ... بالقرب من مسكننا تُوجد حديقة مفتوحة ، بها مسلة من الرخام . كنتُ أخرج دائما إليها بعد العشاء ؛ هروبا من صهد الروح و المراوح . أسند ظهري للمسلة و أتجول في شرايين الأمل . لفتتَ نظري يوما رسالة كتبت على المسلة بقلم رصاص _ ارحمني يا الله . ما عاد لي رغبة فيه . لكنكَ أعلم أن روحه تسكنني ، فأجعل غيره يملأ دنيتي و مع أنها كلمات معدودة لكنها أخذتني من نفسي فهرولت كالمجنون لمنزلي و عدتُ بقلم رصاص ، و كتبت تحت رسالتها _ مَن أنتِ بالله . كأنكِ تكتبيني .. قَدرَ اللهُ لي أن أعشق فتاة تكرهني ، و هي مجري الروح بالجسد . بالله عليكِ لا تنسيني من دعائكِ بهذه الرسالة البسيطة بدأ الوجدان يحول بوصلة مشاعرة تجاه المسلة . سحابة من مطر الانشغال تَهطل بالفؤاد ، كل ما أتمناه أن أجد يوما ردا ... يوما بعد يوم و لا مجيب حتى جاء الفرج بعد أسبوعي الثاني ، و كأن نفسي السبع أعوام العجاف ، و رسالتها عام الاغاثة . لم اقرأ الرسالة في ساعتي الأولي فقط قبلتها ، و لم أسيطر على أنات الدمع التي كانت تغسلني من الماضي ، شيئا من هذيان الروح و فقد العقل .استجمعت قواي لأداعب حروفها بأنامل الخيال . بدأت عيني تحضتن الكلمات _ لقد صليتُ من أجلك و من أجلي . دعوتُ اللهُ أن يَجد مجرى أحزانك شلالا يولد لكَ طاقة من النور تحيى بها بقية حياتك . لكن بالله عليك لا تسألني من أنا ، و عليك أن تدعو الله لي بالشفاء . لأنك تُدرك أن الهيام أقوى داء كان قلمي الرصاص لا يفارقني . سحبته و أعطيته مساحة من المسلة . لكنه رفض الإنصياع .. غادرتُ وعدتُ باليوم التالي و أنا محمل بالاشتياق ، و فائض من عذب الكلام يتقاطر مع خطواتي . أشهرتُ قلمي و تركت المجال لوجداني _ أدركتُ مدى احترامكِ لنفسكِ ، و أعلم أنني سأتجاوز كل الخطوط فيما يلي . لكن إحساسي هو من يصيغني . لن أخفيكِ سرا بمدي اشتيقاقي إلى ردك الأول . لكني سأضع حدا لنفسي . سأقول لكِ جملة واحدة بكل جرأة . تعالي إلى ما قدره الله . لعلك تصلينّ خلفي يوما لم أنتظر الكثير هذه المرة ، جاء الرد باليوم الرابع ، طلبت مني أن أعرف نفسي في سطور ففعلت ، و بدون اسماء كما طلبت .. اتفقنا على أن نجعل وسيلة الاتصال المسلة بعدما أقسمت أنهم لا يمتلكون تليفون أرضي بمنزلهم . كان ذلك أوآخر الستينيات . استمر الحال بيننا حتى انطوى الصيف و احتلت رائحة البرد جسدي و أنا أخط رسالة الاعتراف _ حبيبتي . أشهد الله أن ما قبلكِ غيمة من الاحزان . فاضت على صحراء البراءة فإكتسي الفؤاد بعشب الحزن و الحيرة . حتى جاء نهر حبكِ ليجعل وادي الرجولة ريحان أمل و سكون . لم و لن اسألكِ عن شكلكِ لأنه لم يعد يعنيني في شىء . أن روحكِ التي انتزعتني من الهم لجديرة بكلمة أحبكِ . لن أرسمها في قلب . لن انقشها على شجرةٍ . بل سأغلف بها فستانكِ الأبيض ليلة عمرنا .أحبكِ يا فؤادي . أحبكِ يا روحي كنت أعلم أن الرد سيتأخر كثيرا هذه المرة ،لأن الخروج إلى الحديقة بالشتاء أمر صعب . لكن ما حدث كان العكس . جاء الرد باليوم التالي مباشرة _ دعني أراك بعد الغد إلى جوار مسلتنا بعد العصر مباشرة . كانت الصدمة بالنسبة لي غير متوقعة . لا أدري ماذا حدث لمشاعري ، ربما أكون قد وقعت تحت انفصام حاد . أخرجت قلمي و اعتذرت عن اللقاء بحجة السفر . فهمت و قرأت خفايا نفسي من حروفي التي ترتجف كذبا . و أقسمت علىَّ أن كنتُ ألعب بمشاعرها سأنتحر ، و حددت موعدا آخر للقاء . وعدتها أن أكون هنالك .. حضرت قبل الموعد بساعة ، و لا أدري لماذا تخفيت وراء شجرة بعيدة . دخلت حسناء كأني أعرفها ، و عندما تأكدت لي ملامحها رحلت عن الدنيا ؛ فوجدت نفسي بقسم استقبال بإحدى المستشفيات العامة . خرجت منه لمنزلي لفوري . فلم أجد فيه احدا . انتظرت الكثير من الوقت حتى عاد الجميع . لامني والدي :_ كيف تكون بالمنزل و فاطمة بنت جارنا قد شربت سما ، و أنتَ تجلس ها هنا يا أحمد . لم أستطع الرد أو حتى الوقوف ، و عجزت عيني عن مغازلة دموعها ، و تركت المهمة للفؤاد . بوساطة من الإحتيال على همي وصلت غرفتي . اطفأت الإنارة ، و سار الفجر يشقُ طريقه لنهاري كما تشق السلحفاة طريقها لأعلى قمة بالجبل ... معقول هذا !!! تخلص الفجر من بقايا صياح الديوك فاندفعت نحو أمي ، رجوتها أن تستأذن لي لرؤية فاطمة . اقتربت منها و جلست إلى كرسىٍ بجوارها . تجلى الكره القديم من أول نظرة فتغير وجهها ، قبل أن تعطيني ظهرها ، ظننتُ أنها غابت عن الحسِّ لدقائق . و عندما تحركت و أدركت أنها بوعيها ، بدأت اقرأ عليها بعضا من الجمل التي رسمناها على مسلتنا . و أنا أردد ... أنا يا فاطمة .. أنا يا فاطمة
 0  0  2410