أخبار قناة الشمس

×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
المخرج محمد فرحان

عزة الخزرجي - تونس-- صحن طائر أو سيمياء الألوان القاص جابر خليفة جابر

صحن طائر أو سيمياء الألوان القاص جابر خليفة جابر
ء
عزة الخزرجي - تونس
انفتحت القصة القصيرة التي انتخب لها القاص جابر خليفة الصحن الطائر عنوانا بمقطع وصفي تخيَر له القاص آلياته منها اسمية الجملة وكانت جملا قصيرة مختزلة الصبي قصير، أقصر من السياج، السياج طويل، طويل، مطلي بالأسمنت الملون وواطئ،
أوطأ من الظل على ما يقتضيه شرط التكثيف والاختزال . وهو من شروط القصة القصيرة الأقرب الى كثافة الشعر وتوهجه ومنها الصفات المشبهة المعبرة عن ملازمة الصفة للموصوف مثل قصير وطويل وواطئ ومنها كذلك اسم التفضيل أوطأ لعقد المقارنة بين الظل والسياج ويرتبطان بعلاقة تتردد بين التجاذب والتنابذ اذ يتقاطعان عند صفة الذبول والشحوب واصفراره ويتمايزان ارتفاعا وعلوا اذ السياج أوطأ من الظل .واتخذ القاص من المجاز والاستعارات آلية للتركيز على صفة الاصفرار الباهت إذ عدَه شحوبا ونحافة مفارقا للاصفرار الفاقع رمز التوهج والإشراق باعتبار ان اللون الأصفر من الألوان الساخنة وأكثرها إضاءة ونورانية ولكن استعارة صفة الشحوب وصفة الذبول وإسنادها على وجه المجاز للأصفر يخرجه من دائرة النور ليلتحق بدائرة الجفاف والمرض الظل نحيف وشاحب كالساج والسياج مصبوغ بالأصفر الباهت. . وهو لون الموت فيختلج في النفس منه الشعور باقتراب الأجل والظاهر فيه هذا اللون الأصفر الشاحب الباهت من اهل القبور .وهكذا لم يكن الوصف وقد استهل به المتن القصصي من قيل الزخرف والتزويق ولغاية تزيينية بل كان من صميم الحبكة الفنية والبناء الدرامي ليكون وجها من وجوه الاستباق والتمهيد لما سيأتي كشكل من أشكال الإنذار بالفاجعة فاستصفى القاص المادة القصصية من الزوائد ولم يبق إلا على لبَ َفليس من نافلة القول ان يركَز على صفة الشحوب واللون الأصفر الباهت نقطة التقاطع بين السياج وظل الصبي .وتأكيدا على مبدا التكثيف طوى كل ما هو ثانوي واقتصد فيه مسارعة ببلوغ الحدث الرئيسي البؤرة والمركز وسلَط الضوء على الصبي وظله وأسرع بنا الخطى صوب بوابة مدينة الألعاب وعند السياج درة النسق القصصي وهو لا يعبر فقط عن مكان حقيقي بسيط بقدر ما يوحي بدلالات ومعان حافة لابد من تجويد النظر فيها فالسياج في العرف اللغوي حاجز يفصل بين مكانين فيمنع كل فعل يقصد به التجاوز والاختراق وهو يفصل بين عالمين عالم الراهن وعالم ما وراء السياج ولما كان الصبي وحركته متجهة الى الأمام متطلعة الى ما وراء هذا السياح كان لزاما ان تتغير طبيعة الجمل وصيغتها من الاثبات الى النفي ومن الموجب الى السالب لم يكن يملك ثمن بطاقة الدخول ليس لديه أية نقود، ليتجاوز بذلك السياج دلالته المعجمية ومدارها على المنع والحظر الى دلالة قصصية وجماعها تردد الصبي بين الرغبة في اللهو وولوج عالم مدينة الألعاب البهيج الفردوسي في نظره الممتع الأسر ومنع كل معرقل فهو لا يملك بطاقة الدخول وكان المانع الأول العوز والفاقة والمانع الأخر طول السياج الأصفر الباهت.. وهكذا كان السياج علامة الفصل بيت عالمين عالم أول واقعي بضيق به الصبي ويود مفارقته عالم الحاجة والفاقة والعوز والافتقار وعدم الاستطاعة والعجز وعالم أرحب في الهواء الطلق يغمره اللعب والانطلاق والحركة عالم الصحن الطائر وما يقترن به من تخيّل وخيال مجنح ويسعى الصبي الى خروج من عالمه الواقعي المكفهر الغائم المقيت عند السياج لولوج عالم أشبه بالحلم الذي يسكن وجدان الطفل وخياله ويسعى إلى التوغل فيه لتكون لثانية الرغبة ومعرقلها أبعاد رمزية ولتكشف عن تضاد كلي بين موجود منفَر باهت ومنشود بهي وهما عالمان متقابلان لا اتساق بينهما و يقف الصبي في الخط الفاصل بينهما عند السياج . وعمد القاص إلى مبدأ التتابع على أساس التقابل لرسم مسار قصصي يجعل النص يتحرك في عالم واقعي وعالم متخيل وليكون بذلك السياج دلالة المنع والنهي والرغبة والحائل دون تحقيقها وكم من رغبات لنا تلجم وتقمع وتسقط عند أسجية عدة. ولما كان السياج أوطأ من الظل فقد علاه وولج الصبي عبره عالم الطفولة البهيج عالم الألعاب الآسرة وتراجع الشحوب والذبول ليحلَ محله اللون والبريق واللون الرمَاني المبهج وتخطى الصبي الحاجز وكان ظله مطيته وبراقه وجواده المجنح اذ توسل ظله ليدحر حرمانه وعوزه وفاقته ويعانق الفرح والحبور. وكانت برهة من ابتهاج وسرعان ما تطفو على سطح النص أداة الاستدراك لكن لتكون بمثابة ناقوس الخطر المنذر بشر مستطير وبسقوط وتهاو من علَ لكنه اصطدم بالسياج لتكون لحظة الكشف والتنوير لحظة الفاجعة والارتطام بالسياج سياج الحظر والمنع مجددا فينحسر تبعا لذلك اللون الرمَاني الزاهي و يطفو على السطح مجددا الأصفر الباهت وبقعة الدم الأحمر هوى أسفله بصمت، تاركا عليه ، على السياج الأصفر الباهت بقعة دم حمراء صغيرة المعلن صراحة عن الفاجعة . وتتراجع حركة الصحن الطائر المنطلق المحلَق لتخفت الحركة شيئا فشيئا وتسكن ومع ذلك كانت النهاية مفتوحة على الآتي على انطلاق ظل الصبي على متن الصحن الطائر صحن الحلم والأمنيات انطلق ظله على صحن رماني طائر وكان المنطلق بقعة الدم الحمراء كإشارة من القاص الممسك زمام نصه ان الحرية الحمراء بكل يد مضرجة تدق ...وصفوة القول فقصة الصحن الطائر كانت قصة الصراع بين محورين دلاليين محور الراهن والحلم الواقعي والمتخيل ليكون السياج قطب رحى المادة السردية ويكون المعادل الموضوعي لكل حاجز وفاصل فتتراوح دلالات النص القصصي بين محور المنع والمحظور ومحور الغبطة والحضور والحبور وعلى هذا النحو يكون السياج استعارة للعائق والمانع أكثر منه صورة حقيقية ليكون الرمز الذي ينتشر في فضاء النص والاستعارة التي تتوسع في أديمه . وقد توخى القاص مبدأ التداعي في انتظام نسيج نصه وحبكته القصصية إذ استدعى الصبي السياج والسياج استدعى الظل والظل نفذ إلى ما وراء السياج إلى عالم الحلم الفردوسي عالم الصحن الطائر الرمَاني اللون ليكون دورانه سعيا حثيثا للإفلات من أسار كل ما يجهض مشروع سفر وإبحار لاستعادة جنة ضائعة وفردوس فقيد ولعل هذا الحلم المتقد بين جوانح الطفل الكامن فينا والذي ضاق ذرعا بكل ضروب الأسيجة يعكس توقا تجلَى في انشغال القاص جابر خليفة بمعضلة المورسكيين ومحاكم التفتيش والأندلس جنة العرب الفقيدة المحيلة دوما على انكسارات وخيبات متوالية متتالية وعلى فقد ينسل فقدا . ولكن قصة الصحن الطائر ما بكت هذه الجنة وضياعها بقدر ما كان الصحن ودورانه وسرعته مبشرا بإمكانية ان تكاشف تلك الجنة الممعنة في الغياب مجددا.
 0  0  936