×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
المخرج محمد فرحان

فاتن الجابري مر عام

image
فاتن الجابري

مر عام
توسلنا كثيرا ان يمدوا بعمرك ولا يرفعوا عنك اجهزة التنفس الاصطناعي التي كبلوك فيها حرمونا ان نسمع صوتك وتسمعنا قالوا في تأثر انها ١٤ يوم لاغير ان لم يستجب ويتنفس تلقائيا سنرفع الاجهزة بكينا وصلينا وواصلنا الدعاء ختمت القران مرتين كلمات الدعاء لاتفارقني ليلا نهارا نتحلق حولك جميعا عسى ان تسمعنا وعندما ينهكنا الاعياء نرتمي على بلاط الغرفة البارد لا أمل من النظر الى وجهك المشرق وجسدك المكتنز وكأنما غادرك المرض ، حدثتك طويلا ، قلت لك يامحمد لاتتركني وحيدة في غربتي عد لاجلنا لبناتك وابنك وحفيداتك عد لاحلامنا المؤجلة وفرحنا القادم .. الم نتعاهد ان نزور مدن العالم ونعيش ايام سعيدة لم نعشها منذ ارتبطنا ، قاسينا كثيرا شظف العيش ،والغربة والمرض الذي اتى على ماتبقى لنا من شغف في هذة الحياة .
.. في اليوم الثاني كانت رفل تمسك يدك وانا في الجهة الاخرى من السرير نحكي معك ونبثك شوقنا واخبارنا ولهفتنا ان تعود لبيتنا مثل المرات السابقة ، أشرت بأبهامك في حركة مرتعشة كأنك تقول اشعر بكم لكنني مكبل بأصفاد الاجهزة
والمخدر ،صرت تتفاعل معنا بحركة ابهامك كلما طلبنا منك ذلك ، اخبرت الممرضة بسعادة انه يشعر بنا هناك امل اجابتني لا تفرحي لقد رايت اشارته من خلف الزجاج وكان يتاوه كلما قلبت جسده ، لقد زاد الطبيب جرعة المخدر دعيه يغادر بسلام انه يحتضر لكن دون ألم ، قلت لها باندهاش وسط دموعي اتقصدين اتوقف عن الحديث معه اردفت لا لكن لاتحفزيه ان يصحو من تخديره .. من اليوم الثاني انقطع حبل الرجاء بعودتك وبقينا نقتات على المستحيل ونراهن على رحمة الله وقدرته الواسعة
الممرضة الطيبة زودت الغرفة بسرير اضافي في غرفة الانعاش ، للنوم عليه بعد ان هدني السهر والجلوس على الكرسي ليلا ونهارا ، تخبرني بكلماتها المواسية وعطفها وتفاعلها ان اودعه كما ينبغي ، سريري مقابل سريره احصي ضربات قلبه ونبضه بنبضي ودموعي ودعواتي ، صفير الاجهزة مرعب ،اراقب الاوكسجين بدا يقل عن الطبيعي اهرع الى الممرضة تأتي وتصلح من الاسلاك المتشابكة أطمئن قليلا، صفير اخر نفذ المخدر واخرى نفذ المغذي وصفير اخر شل جسدي تضاؤل ضغط الرئة حسبتها توقفت ، في حقيقة الامر كانت رئتك الوحيدة شبه متوقفة حسب الطبيب انها تحجرت من الاورام الخبيثة ، كنت تتنفس من جهاز ضغط لدفع الاوكسجين ،
تمضي الايام باهتة حزينة مترقبة الصباح القادم ،من نافذة الغرفة تبدو السماء كتلة حمراء عند الغرب ادعو ياالله بيدك ملكوت الارض احييه لاجلنا أرجوك ياربي بحق كل الانبياء والائمة والاولياء الصالحين ،
ارى المدينة بشوارعها وبيوتها من هذا المرتفع الذي تقع عليه المستشفى ، وتمر الذكريات كيف بدات قصة غربتنا وما قاسيناه ،
كل ماكان بيننا جميل حتى تلك الايام القاسية ، أسافقدك حقا من غير المعقول وكيف أكمل حياتي دونك غريبة وحيدة كشجرة هرمة تكسرت اغصانها وتفتت جذورها ، لكن نداء الممرضة سحبني الى ماكنت اخشاه الطبيب المختص يطلبنا في غرفته ،حضرنا انا وبناتي وابني وكنا نرتعد بوجوه شاحبة وقلب تكسر حزنا ، بدا كلامه كونوا أقوياء سيرحل في نهاية هذا الاسبوع ، كانت دموعنا المتوسلة تسبق كلماتنا المبعثرة ، ارجوك حاول اعطه فرصة اخرى سينتصر ، كان ينظر الي بشفقة وربما يحسبني جاهلة ولا استوعب حالته المرضية ، قال لم يبق لك سوى ان تمسكي يده وتصلي ان يرحل بهدوء ..
image
image
image
image
image
image
image
image
 0  0  169