مصدق الجنابي مضيف العراق الكبير ٣١ ديسمبر ٢٠٢٠، الساعة ١٠:٣٧ ص · المحاضرة – 28 نظام الثنائية الحزبية ( نظام الحزبين)
مصدق الجنابي
مضيف العراق الكبير
٣١ ديسمبر ٢٠٢٠، الساعة ١٠:٣٧ ص ·
المحاضرة – 28
نظام الثنائية الحزبية ( نظام الحزبين)
تعني الثنائية وجود حزبين رئيسيين يسيطران على الساحة السياسية بحيث يتمكن أحدهما من الفوز بأغلبية أصوات الناخبين و تشكيل الحكومة بمفرده ، ثم يحدث التناوب بين هذين الحزبين الكبيرين على المدى الطويل، و مع ذلك، فإن نظام الحزبين لا يمنع من وجود حزب ثالث أو أحزاب أخرى بجوار الحزبين الرئيسيين، و لكن هذا الحزب أو هذه الأحزاب تكون صغيرة الحجم ، قليلة التأثير في الساحة السياسية
. إذ أنه من الممكن أن يظهر حزب ثالث يدخل حلبة المنافسة على الحكم و ينتزع الصدارة من الحزبين الرئيسيين، و لكن لفترة زمنية مؤقتة تعود الأوضاع بعدها إلى سابق عهدها من سيطرة حزبين كبيرين على الميدان السياسي. .
يرجع ذلك إلى أن الأمر سينتهي بالحزب الثالث إما إلى التقهقر إلى الوراء نتيجة وقوعه بين فكي الحزبين الكبيرين التقليدين ، وإما التقدم إلى الأمام ليطيح أحد الحزبين القديمين ويحتل موقعه. و تعتبر الثنائية الحزبية ظاهرة أنغلوسكسونية خاصة ، و لكن هذه رؤية تقريبية ، لأن بعض البلاد الانجلوسكسونية تعرف التعددية الحزبية. و يعتبر نظام الحزبين الموجود في كل من بريطانيا و الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة للنظام الانتخابي المطبق هناك، إذ استقر العمل على تطبيق الانتخاب الفردي بالأغلبية النسبية أو البسيطة الذي يستلزم إجراء العملية الانتخابية. في جولة واحدة، منذ ما يقرب من قرن ونصف قرن من الزمان. و يفسر ذلك بقاعدتين أو قانونين:
- قانون نسبي يدفع الناخب دائما إلى أن يكون تصويته مجديا، عن طريق استبعاد المرشح السيئ، و إنجاح المرشح الأقل سوءا و إن لم يكن المفضل لديه. و يؤتي هذا القانون ثماره في ضغط عدد من الأحزاب المتنافسة إلى حزبين فقط أي إقامة الثنائية الحزبية، وذلك يجعل المعركة الانتخابية مبارزة بين شخصين في كل دائرة.
- القانون الثاني ، فهو قانون رياضي يؤدي إلى تضخيم تمثيل الأغلبية، و تقليل تمثيل الأقلية بشكل واضح ، و بذلك تتوفر للحزب الفائز أغلبية برلمانية ساحقة . و هكذا ، فإن نظام الانتخاب بالأغلبية النسبية في بلد متجانس – أي إجراء الانتخاب في جولة واحدة – يؤدي بشكل حتمي تقريبا إلى وجود الثنائية الحزبية. رغم حدوث بعض الاستثناءات المحدودة في فترات زمنية متباعدة كما يحدث في بريطانيا خلال الانتخابات.
و لقد أدى استقرار نظام الحزبين لمدة زمنية طويلة إلى بروز ظاهرة معينة ، وهي ظاهرة التناوب أو التعاقب بين الحزبين الرئيسيين في الحكم و المعارضة .
فكما ذكرنا بدأت المنافسة في بريطانيا بين المحافظين و الأحرار في القرن التاسع عشر، و أسست بين المحافظين و العمال ابتداءا من الثلث الثاني من القرن العشرين .
بحيث يتم تبادل الحكم بين كل حزب في ثنائية من هذه الثنائيات ثم يعود إلى المعارضة في حركة متأرجحة متناوبة. كما شهدت الولايات المتحدة الأمريكية حركة تناوب حزبية واضحة بين الجمهـوريين و الديمقراطيين بعد الحرب الأهلية حيث تبادل الحزبان الكبيران مواقعهما في الحكم و المعارضة بصورة متعاقبة حتى يومنا هذا ، سواء بالنسبة لرئاسة الجمهورية ،أو الأغلبية النيابية في الكونغرس الأمريكي.
وفي محاولة لتفسير ظاهرة التناوب درس هماتشك النظام الإنجليزي ووضع قانون تفكك حزب الأغلبية ، و أرجع هذا التفكك إلى عملتين أساسيتين:
فمن جهة تضطر ممارسة الحكم الحزب إلى تخفيف غلواء برنامجه ، و إلى عدم الوفاء بجميع الوعود لمقطوعة للناخبين، فينتج عن ذلك خيبة أمل نسبة كبيرة منهم ، و يكون من الطبيعي أن يرحلوا أصواتهم نحو الحزب الخصم.
ومن جهة ثانية يثير العمل الحكومي اختلافات داخل حزب الأغلبية و يزداد الشقاق بين يسار لا يساوم ، و يمين معتدل مساوم.
أما في المعارضة ، فإن الحزب المعارض يبقى أكثر اتحادا أو تماسكا منه في الحكم فمهما يكن النزاع في داخله ، فإن أعضاءه يبقون على اتفاق لمقاومة الحزب الحاكم من أجل الحلول مكانه، فإذا انتصر في المعركة الانتخابية و حل عليه الدور ليحكم ، فإن الخلافات تطفو على السطح.
و هكذا ، يؤدي استلام الحكم إلى عملية تفكك في الحزب تضعفه لمصلحة خصمه ، و بالطبع ينزع هذا الأخير إلى أخذ مكانه ، فإذا تم له ذلك ، تعود عملية التفكك إليه لمصلحة المغلوب. و يرى " موريس دوفرجيه" أن الوصف السابق ينطبق بصفة عامة على الواقع المعاش.
ومن الممكن ضرب أمثلة عديدة على تفكك الأحزاب السياسية و هي في السلطة ، كانقسامات الأحرار الإنجليز في نهاية القرن التاسع عشر ، و خصوصا سنة 1885 و سنة 1892 وهي تقترب من أزمة حزب العمال سنة 1931
. و كذلك للنزعات الداخلية في حزب الأحرار البلجيكي التي جعلته يخلي المكان للكاثوليك في القرن التاسع عشر.
كما يرى أنه إذا كان التناوب يظهر في الأنظمة الحزبية الثنائية بالذات ، فإن التفكك في الأحزاب الحاكمة يكون ظاهرة عامة ، فالتفكك لا يكفي إذن لتفسير التناوب و يلعب عدد الأحزاب دورا هاما للغاية في هذا المجال بوضوح، فالتناوب يفترض الثنائية، و النظام الانتخابي يكون عاملا حاسما أيضا ، و هو الانتخاب بالأغلبية النسبية ذو الجولة الواحدة .
نظام تعدد الأحزاب :
توجد التعددية الحزبية في كل دولة بها نظام حزبي يتضمن ثلاث أحزاب فأكثر كما هو الشأن في دول الأوربية و الدول الإسكندنافية ، و الهند و غيرها من الدول.
و يتعين التفرقة بين تعدد الأحزاب وتعدد الآراء والاتجاهات السياسية إذ أن تعدد الأحزاب يعني وجود أكثر من حزبين سياسيين ، قد يكون ثلاثة أو أربعة أو أكثر من ذلك ، بحيث ينطبق على كل منها تعريف الحزب السياسي السابق بيانه. كتجمع سياسي منظم له برنامجه و أعضاؤه و سعيه للوصول إلى السلطة والمشاركة في الحكم .
أما تعدد الآراء و الاتجاهات بين جماعات غير منظمة ، تتصف بالتوقيت فهذا يمثل المرحلة السابقة على نشأة الأحزاب السياسية، كما هو الحال في إفريقيا و أسيا و أمريكا الجنوبية، و قد تظهر التعددية في صورة رباعية، كما جرى في بعض الدول عقب ظهور الحزب الشيوعي كحزب رابع بجوار المحافظين و الأحرار و الاشتراكيين.
و أخيرا فهناك العديد من الدول التي يوجد بها تعـددية حـزبية غير محدودة كإيطالـيا وفرنــسا و اليابان و غيرهما من الدول.
و يؤدي نظام تعدد الأحزاب السياسية إلى إعطاء الفرصة للمواطنين للاختيار بين برامج وسياسات مختلفة علاوة أن وجود الأحزاب يكفل تحقيق المشروعات العامة و يحول هذا النظام دون استبداد الحكومة لأن وجود حزب أو أحزاب في المعارضة يخضع الحكومة و تصرفاتها لرقابة ويقظة واعية مما يحول دون استبدادها و يسمح بتحديد مسؤولية السياسية العامة حيث تكون كل حكومة مسؤولة عن الأعمال والسياسات التي باشرتها خلال فترة توليها الحكم.
و ترجع نشأة التعددية الحزبية إلى أسباب وعوامل مختلفة لعل أهمـها الأوضاع الاجتمـاعية و الطوائف العرقية في الدول من ناحية، و النظام الانتخابي المأخوذ به من ناحية أخرى.
و يمكن أن نعطي مثال على ذلك سويسرا الذي يتوزع انتماء الشعب فيها إلى ثلاث ثقافات مجاورة لحدودها هي الألمانية و الفرنسية و الإيطالية.
أما عن لتأثير النظام الانتخابي في وجود التعددية الحزبية ، فإنه الفقه الدستوري يؤكد أن تعدد الأحزاب يتواجد معه الأخذ بنظام الانتخاب الفردي بالأغلبية المطلقة من ناحية ، و يتكاثر عدد الأحزاب بشكل متزايد عند تطبيق نظام القوائم الحزبية مع التمثيل النسبي من ناحية أخرى .
و يوجد نوعان من النظام التعددي نوع يكون فيه جزء أكثر أهمية من بقية الأحزاب الأخرى و له سطوة عن غيره من الأحزاب باعتباره يحوز أغلبية قد تتجاوز 50 %.
فبالنسبة للانتخاب الفردي بالأغلبية المطلقة فانه يسمح بوجود تعددية حزبية واضحة تمثل الاتجاهات السياسية في الدولة, لأنه يترك حرية كبيرة للناخبين والأحزاب السياسية في الجولة الانتخابية الأولى ,و لكنه يجبرهم على تركيز مرشحيهم و أصواتهم في الجولة الثانية . ويظهر تأثير النظام الانتخابي على الناخب الذي يختار في الجولة الأولى, ويستبعد في الجولة الثانية, لكي يكون تصويته مجديا. كما يتجلى تأثيره على الأحزاب السياسية في قيامها بعقد اتفاقات سرية أو علنية بعد الجولة الأولى. ينتج عنها وجود تكتلات حزبية تحصل على اغلبيات واضحة في الجولة الثانية ,بعد أن كانت تتصارع مع بعضها قبل إجراء الجولة الأولى .
وإذا كانت التعددية الحزبية لا تعتبر نتيجة حتمية للانتخاب بالأغلبية المطلقة إلا أنها تعتبر النتيجة الطبيعية المتكررة لهذا النظام الانتخابي. ويعتبر الانتخاب الفردي بالاغلبيةالمطلقة هو النظام المفضل في فرنسا ,اذ يؤخذ به بصورة مطردة باستثناء بعض الفترات الزمنية القصيرة ,سواء بالنسبية للانتخابات التشريعية والانتخابات المتعلقة برئيس الجمهورية ، وهذا ما نلاحظه لدى الأحزاب الفرنسية الموجودة في الساحة السياسية في الوقت الحاضر, فإننا نلاحظ أن الأحزاب السياسية الكبيرة تتمحور في محورين رئيسيين:
- محور اليمين
- محور اليسار,
ويوجد على جانبي هذين المحورين أحزاب صغيرة تمثل اليمين المتطـرف الذي تزايدت شعبيته في الفترة الأخيرة من ناحية، و اليسار المتطرف من ناحية أخرى . يضم محور اليمين حزب التجمع من اجل الجمهورية (P.RR_( حزب الديغولي _ بزعامة جاك شيراك رئيس الجمهورية السابق المنتخب سنة 1995, وحزب الاتحاد الديمقراطي الفرنسي ( U..D.F) بينما يشمل محور اليسار الحزب الاشتراكي ( S.P والحزب الشيوعي(C.P) ويتمتع محور أحزاب اليمين بالأغلبية في الجمعية الوطنية الفرنسية منذ الانتخابات سنة 1993 .
أما عن نظام الانتخابات بالقوائم الحزبية مع التمثيل النسبي فانه يؤدي إلى كثرة عدد الأحزاب السياسية وانقسامها, وقد تنشأ أحزاب سياسية لا تستند إلى قاعدة شعبية ,أو بدون مبادئ أو برامج سياسية حقيقية ,لان جميع الأحزاب تدرك أنها ستدخل البرلمان ستحصل على عدد من المقاعد يتناسب مع نسبة عددالاصوات التي نالتها الانتخابات
. وينتج عن ذلك صعوبة قيام أغلبية برلمانية قوية تتولى السلطة ,و لهذا تشترك الأحـزاب في وزارات ائتلافية ضعيفة . مما يؤدي إلى حدوث أزمات وزارية تزعزع الاستقرار وتقود إلى الجمود السياسي في الدولة . وكثير ما يتم اللجوء إلى الإنتخابات مبكرة لحسم الوضع، و لكنها لا تأتي بجديد. إذا يحصل كل حزب على مقاعده السابقة تقريبا، و تشكل حكومة ائتلافية جديدة كسابقتها ، إلى أن تحدث أزمة كبيرة قد تؤدي إلى إحداث تغيير دستوري في الدولة.
مضيف العراق الكبير
٣١ ديسمبر ٢٠٢٠، الساعة ١٠:٣٧ ص ·
المحاضرة – 28
نظام الثنائية الحزبية ( نظام الحزبين)
تعني الثنائية وجود حزبين رئيسيين يسيطران على الساحة السياسية بحيث يتمكن أحدهما من الفوز بأغلبية أصوات الناخبين و تشكيل الحكومة بمفرده ، ثم يحدث التناوب بين هذين الحزبين الكبيرين على المدى الطويل، و مع ذلك، فإن نظام الحزبين لا يمنع من وجود حزب ثالث أو أحزاب أخرى بجوار الحزبين الرئيسيين، و لكن هذا الحزب أو هذه الأحزاب تكون صغيرة الحجم ، قليلة التأثير في الساحة السياسية
. إذ أنه من الممكن أن يظهر حزب ثالث يدخل حلبة المنافسة على الحكم و ينتزع الصدارة من الحزبين الرئيسيين، و لكن لفترة زمنية مؤقتة تعود الأوضاع بعدها إلى سابق عهدها من سيطرة حزبين كبيرين على الميدان السياسي. .
يرجع ذلك إلى أن الأمر سينتهي بالحزب الثالث إما إلى التقهقر إلى الوراء نتيجة وقوعه بين فكي الحزبين الكبيرين التقليدين ، وإما التقدم إلى الأمام ليطيح أحد الحزبين القديمين ويحتل موقعه. و تعتبر الثنائية الحزبية ظاهرة أنغلوسكسونية خاصة ، و لكن هذه رؤية تقريبية ، لأن بعض البلاد الانجلوسكسونية تعرف التعددية الحزبية. و يعتبر نظام الحزبين الموجود في كل من بريطانيا و الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة للنظام الانتخابي المطبق هناك، إذ استقر العمل على تطبيق الانتخاب الفردي بالأغلبية النسبية أو البسيطة الذي يستلزم إجراء العملية الانتخابية. في جولة واحدة، منذ ما يقرب من قرن ونصف قرن من الزمان. و يفسر ذلك بقاعدتين أو قانونين:
- قانون نسبي يدفع الناخب دائما إلى أن يكون تصويته مجديا، عن طريق استبعاد المرشح السيئ، و إنجاح المرشح الأقل سوءا و إن لم يكن المفضل لديه. و يؤتي هذا القانون ثماره في ضغط عدد من الأحزاب المتنافسة إلى حزبين فقط أي إقامة الثنائية الحزبية، وذلك يجعل المعركة الانتخابية مبارزة بين شخصين في كل دائرة.
- القانون الثاني ، فهو قانون رياضي يؤدي إلى تضخيم تمثيل الأغلبية، و تقليل تمثيل الأقلية بشكل واضح ، و بذلك تتوفر للحزب الفائز أغلبية برلمانية ساحقة . و هكذا ، فإن نظام الانتخاب بالأغلبية النسبية في بلد متجانس – أي إجراء الانتخاب في جولة واحدة – يؤدي بشكل حتمي تقريبا إلى وجود الثنائية الحزبية. رغم حدوث بعض الاستثناءات المحدودة في فترات زمنية متباعدة كما يحدث في بريطانيا خلال الانتخابات.
و لقد أدى استقرار نظام الحزبين لمدة زمنية طويلة إلى بروز ظاهرة معينة ، وهي ظاهرة التناوب أو التعاقب بين الحزبين الرئيسيين في الحكم و المعارضة .
فكما ذكرنا بدأت المنافسة في بريطانيا بين المحافظين و الأحرار في القرن التاسع عشر، و أسست بين المحافظين و العمال ابتداءا من الثلث الثاني من القرن العشرين .
بحيث يتم تبادل الحكم بين كل حزب في ثنائية من هذه الثنائيات ثم يعود إلى المعارضة في حركة متأرجحة متناوبة. كما شهدت الولايات المتحدة الأمريكية حركة تناوب حزبية واضحة بين الجمهـوريين و الديمقراطيين بعد الحرب الأهلية حيث تبادل الحزبان الكبيران مواقعهما في الحكم و المعارضة بصورة متعاقبة حتى يومنا هذا ، سواء بالنسبة لرئاسة الجمهورية ،أو الأغلبية النيابية في الكونغرس الأمريكي.
وفي محاولة لتفسير ظاهرة التناوب درس هماتشك النظام الإنجليزي ووضع قانون تفكك حزب الأغلبية ، و أرجع هذا التفكك إلى عملتين أساسيتين:
فمن جهة تضطر ممارسة الحكم الحزب إلى تخفيف غلواء برنامجه ، و إلى عدم الوفاء بجميع الوعود لمقطوعة للناخبين، فينتج عن ذلك خيبة أمل نسبة كبيرة منهم ، و يكون من الطبيعي أن يرحلوا أصواتهم نحو الحزب الخصم.
ومن جهة ثانية يثير العمل الحكومي اختلافات داخل حزب الأغلبية و يزداد الشقاق بين يسار لا يساوم ، و يمين معتدل مساوم.
أما في المعارضة ، فإن الحزب المعارض يبقى أكثر اتحادا أو تماسكا منه في الحكم فمهما يكن النزاع في داخله ، فإن أعضاءه يبقون على اتفاق لمقاومة الحزب الحاكم من أجل الحلول مكانه، فإذا انتصر في المعركة الانتخابية و حل عليه الدور ليحكم ، فإن الخلافات تطفو على السطح.
و هكذا ، يؤدي استلام الحكم إلى عملية تفكك في الحزب تضعفه لمصلحة خصمه ، و بالطبع ينزع هذا الأخير إلى أخذ مكانه ، فإذا تم له ذلك ، تعود عملية التفكك إليه لمصلحة المغلوب. و يرى " موريس دوفرجيه" أن الوصف السابق ينطبق بصفة عامة على الواقع المعاش.
ومن الممكن ضرب أمثلة عديدة على تفكك الأحزاب السياسية و هي في السلطة ، كانقسامات الأحرار الإنجليز في نهاية القرن التاسع عشر ، و خصوصا سنة 1885 و سنة 1892 وهي تقترب من أزمة حزب العمال سنة 1931
. و كذلك للنزعات الداخلية في حزب الأحرار البلجيكي التي جعلته يخلي المكان للكاثوليك في القرن التاسع عشر.
كما يرى أنه إذا كان التناوب يظهر في الأنظمة الحزبية الثنائية بالذات ، فإن التفكك في الأحزاب الحاكمة يكون ظاهرة عامة ، فالتفكك لا يكفي إذن لتفسير التناوب و يلعب عدد الأحزاب دورا هاما للغاية في هذا المجال بوضوح، فالتناوب يفترض الثنائية، و النظام الانتخابي يكون عاملا حاسما أيضا ، و هو الانتخاب بالأغلبية النسبية ذو الجولة الواحدة .
نظام تعدد الأحزاب :
توجد التعددية الحزبية في كل دولة بها نظام حزبي يتضمن ثلاث أحزاب فأكثر كما هو الشأن في دول الأوربية و الدول الإسكندنافية ، و الهند و غيرها من الدول.
و يتعين التفرقة بين تعدد الأحزاب وتعدد الآراء والاتجاهات السياسية إذ أن تعدد الأحزاب يعني وجود أكثر من حزبين سياسيين ، قد يكون ثلاثة أو أربعة أو أكثر من ذلك ، بحيث ينطبق على كل منها تعريف الحزب السياسي السابق بيانه. كتجمع سياسي منظم له برنامجه و أعضاؤه و سعيه للوصول إلى السلطة والمشاركة في الحكم .
أما تعدد الآراء و الاتجاهات بين جماعات غير منظمة ، تتصف بالتوقيت فهذا يمثل المرحلة السابقة على نشأة الأحزاب السياسية، كما هو الحال في إفريقيا و أسيا و أمريكا الجنوبية، و قد تظهر التعددية في صورة رباعية، كما جرى في بعض الدول عقب ظهور الحزب الشيوعي كحزب رابع بجوار المحافظين و الأحرار و الاشتراكيين.
و أخيرا فهناك العديد من الدول التي يوجد بها تعـددية حـزبية غير محدودة كإيطالـيا وفرنــسا و اليابان و غيرهما من الدول.
و يؤدي نظام تعدد الأحزاب السياسية إلى إعطاء الفرصة للمواطنين للاختيار بين برامج وسياسات مختلفة علاوة أن وجود الأحزاب يكفل تحقيق المشروعات العامة و يحول هذا النظام دون استبداد الحكومة لأن وجود حزب أو أحزاب في المعارضة يخضع الحكومة و تصرفاتها لرقابة ويقظة واعية مما يحول دون استبدادها و يسمح بتحديد مسؤولية السياسية العامة حيث تكون كل حكومة مسؤولة عن الأعمال والسياسات التي باشرتها خلال فترة توليها الحكم.
و ترجع نشأة التعددية الحزبية إلى أسباب وعوامل مختلفة لعل أهمـها الأوضاع الاجتمـاعية و الطوائف العرقية في الدول من ناحية، و النظام الانتخابي المأخوذ به من ناحية أخرى.
و يمكن أن نعطي مثال على ذلك سويسرا الذي يتوزع انتماء الشعب فيها إلى ثلاث ثقافات مجاورة لحدودها هي الألمانية و الفرنسية و الإيطالية.
أما عن لتأثير النظام الانتخابي في وجود التعددية الحزبية ، فإنه الفقه الدستوري يؤكد أن تعدد الأحزاب يتواجد معه الأخذ بنظام الانتخاب الفردي بالأغلبية المطلقة من ناحية ، و يتكاثر عدد الأحزاب بشكل متزايد عند تطبيق نظام القوائم الحزبية مع التمثيل النسبي من ناحية أخرى .
و يوجد نوعان من النظام التعددي نوع يكون فيه جزء أكثر أهمية من بقية الأحزاب الأخرى و له سطوة عن غيره من الأحزاب باعتباره يحوز أغلبية قد تتجاوز 50 %.
فبالنسبة للانتخاب الفردي بالأغلبية المطلقة فانه يسمح بوجود تعددية حزبية واضحة تمثل الاتجاهات السياسية في الدولة, لأنه يترك حرية كبيرة للناخبين والأحزاب السياسية في الجولة الانتخابية الأولى ,و لكنه يجبرهم على تركيز مرشحيهم و أصواتهم في الجولة الثانية . ويظهر تأثير النظام الانتخابي على الناخب الذي يختار في الجولة الأولى, ويستبعد في الجولة الثانية, لكي يكون تصويته مجديا. كما يتجلى تأثيره على الأحزاب السياسية في قيامها بعقد اتفاقات سرية أو علنية بعد الجولة الأولى. ينتج عنها وجود تكتلات حزبية تحصل على اغلبيات واضحة في الجولة الثانية ,بعد أن كانت تتصارع مع بعضها قبل إجراء الجولة الأولى .
وإذا كانت التعددية الحزبية لا تعتبر نتيجة حتمية للانتخاب بالأغلبية المطلقة إلا أنها تعتبر النتيجة الطبيعية المتكررة لهذا النظام الانتخابي. ويعتبر الانتخاب الفردي بالاغلبيةالمطلقة هو النظام المفضل في فرنسا ,اذ يؤخذ به بصورة مطردة باستثناء بعض الفترات الزمنية القصيرة ,سواء بالنسبية للانتخابات التشريعية والانتخابات المتعلقة برئيس الجمهورية ، وهذا ما نلاحظه لدى الأحزاب الفرنسية الموجودة في الساحة السياسية في الوقت الحاضر, فإننا نلاحظ أن الأحزاب السياسية الكبيرة تتمحور في محورين رئيسيين:
- محور اليمين
- محور اليسار,
ويوجد على جانبي هذين المحورين أحزاب صغيرة تمثل اليمين المتطـرف الذي تزايدت شعبيته في الفترة الأخيرة من ناحية، و اليسار المتطرف من ناحية أخرى . يضم محور اليمين حزب التجمع من اجل الجمهورية (P.RR_( حزب الديغولي _ بزعامة جاك شيراك رئيس الجمهورية السابق المنتخب سنة 1995, وحزب الاتحاد الديمقراطي الفرنسي ( U..D.F) بينما يشمل محور اليسار الحزب الاشتراكي ( S.P والحزب الشيوعي(C.P) ويتمتع محور أحزاب اليمين بالأغلبية في الجمعية الوطنية الفرنسية منذ الانتخابات سنة 1993 .
أما عن نظام الانتخابات بالقوائم الحزبية مع التمثيل النسبي فانه يؤدي إلى كثرة عدد الأحزاب السياسية وانقسامها, وقد تنشأ أحزاب سياسية لا تستند إلى قاعدة شعبية ,أو بدون مبادئ أو برامج سياسية حقيقية ,لان جميع الأحزاب تدرك أنها ستدخل البرلمان ستحصل على عدد من المقاعد يتناسب مع نسبة عددالاصوات التي نالتها الانتخابات
. وينتج عن ذلك صعوبة قيام أغلبية برلمانية قوية تتولى السلطة ,و لهذا تشترك الأحـزاب في وزارات ائتلافية ضعيفة . مما يؤدي إلى حدوث أزمات وزارية تزعزع الاستقرار وتقود إلى الجمود السياسي في الدولة . وكثير ما يتم اللجوء إلى الإنتخابات مبكرة لحسم الوضع، و لكنها لا تأتي بجديد. إذا يحصل كل حزب على مقاعده السابقة تقريبا، و تشكل حكومة ائتلافية جديدة كسابقتها ، إلى أن تحدث أزمة كبيرة قد تؤدي إلى إحداث تغيير دستوري في الدولة.