وفاء أنور وفاء أنور عاشق النيل د. السيد السيد الحسينى رئيس الجمعية الجغرافية فى مصر
دون أن أدرى توقفت كثيرًا عند بداية كتابتى عن هذه الشخصية ، وصاحبها الذى له من الهيبة والوقار مايجعلك تشعر أنك وأنت فى طريقك إلى مكتبه لمقابلته كأنك فى طريقك إلى محراب علم . منحتنى الأقدار الطيبة فرصة اللقاء مع الأستاذ الدكتور السيد السيد الحسينى رئيس الجمعية الجغرافية المصرية . لفت نظرى وأنا أسير بشارع القصر العينى بوسط القاهرة ذلك المبنى العريق الذى يجاور مبنى مجلس الشيوخ ، وفى العديد من المرات تمنيت أن أدخل هذا المكان الذى بدا لى كقلعة حصينة ، وفى يومٍ تذكرت أن هناك صورة فوتوغرافية بقيت تفاصيلها منحوتة فى مخيلتى تلك الصورة لهذا الرجل المهاب ، والمتواضع فى نفس الوقت الذى كان يقف بين طلابه ، وهم بصحبته فى رحلة إلى وادى النطرون يقف بينهم شارحًا لتفاصيل هذا المكان . وقد كان من بين هؤلاء الطلاب أحد أفراد عائلتى . وعندما علمت بأن هذا الرجل المصرى العظيم يشغل منصب رئيس الجمعية الجغرافية المصرية ؛ برقت فى رأسى فكرة التعرف عليه ، وزيارته ، وأنا أحمل تلك الصورة التى ظلت عندنا منذ السبعينيات ، وحتى يومنا هذا ، وبالفعل تواصلت معه ، وأخبرته بأنى أرغب فى زيارته ، ودخول هذا المكان العريق فرحب بى ، وحدد لى موعدًا ، وذهبت فى موعدى وأنا أحمل فى قلبى رهبة طفل صغير يتوجه إلى مدرسته فى أول يوم من أيام الدراسة فى حياته . مزيج من الفرح ، والرهبة ؛ فأنا سأذهب لمحراب علم ، ومقابلة راهبه هذا السيد المهاب .
ولد الدكتور السيد الحسينى بإحدى قرى مصر التابعة لمركز كفر سعد بمحافظة دمياط وهى تطل على نهر النيل العظيم . تعود منذ طفولته ملاحظة فيضانه وانخفاضه فى بعض الأحيان وكان يعبره ليذهب إلى مدرسته فى مدينة فارسكوروقد تتعجبون مثلى وقت أن تعلموا أن تخصصه كان عن نهر النيل وكأنه قد أعطاه أسراره ليكون موضوع رسالة الدكتوراه أيضًا ومازال نهر النيل من أكبر اهتماماته وقد حصل طلابه على الدراسات العليا فى هذا المجال .
بعد حصوله على شهادة الثانوية العامة قرر أن يلتحق بالجامعة وكانت رغبته الأولى الالتحاق بكلية الآداب وفى نفس الوقت تقدم لكلية البوليس ( الشرطة حاليًا ) ولكنه أعلن لوالده عن رغبته فاحترم طلبه الالتحاق لكلية الآداب التى كان يطلق عليها كلية طه حسين عميد الأدب العربى . تم اختياره لقسم الجغرافيا والتحق بشعبة الخرائط . تم تعيينه معيدًا فهو أول الدفعة .
سافر الدكتور السيد الحسينى إلى المملكة المتحدة ضمن بعثة جامعة القاهرة للحصول على درجة الدكتواراة عام 1964 حصل على الدكتوراة من جامعة نيو كاسيل عام 1969
عاد إلى الوطن وعين مدرسًا للجغرافيا بجامعة القاهرة فى نفس العام تدرج فى المناصب من معيد إلى مدرس فأستاذ مساعد فأستاذ ، فوكيل لكلية الآداب لشئون التعليم والطلاب ثم عميدًا للكلية حتى عام 2000 والآن هو أستاذ متفرغ . يفخر دائمًا بأنه قد جلس على مقعد الدكتور طه حسين عندما كان عميدًا لكلية الآداب . ويخبرنا قائلًا أنه قد شرف برئاسة الجمعية الجغرافية المصرية التى أنشأها الخديوى إسماعيل عام 1875 ، وتولى رئاستها عباس حلمى الثانى قبل أن يتولى منصب خديوى مصر ، والأمير أحمد فؤاد قبل أن يصبح ملكًا على مصر ومن بين أعضاء مجلس إدارتها الزعيم سعد زغلول ، وطلعت حرب مؤسس الإقتصاد المصرى ، وإسماعيل باشا صدقى ، ومحمود الفلكى باشا ، وشريف باشا صبرى شقيق الملكة نازلى والدة الملك فاروق . ثم أساتذة الجغرافيا الرواد أمثال مصطفى بك عامر فى العام 1955 ، وسليمان حزين فى العام 1965، وصفى الدين أبو العز فى العام 1993، ثم ذلك الرجل ذو الخلق الرفيع ، والأدب الجم - الأستاذ الدكتور السيد السيد الحسينى .
وفى نهاية حديثى أتوجه لسيادته بأسمى معانى الشكر، والتقدير ، وأؤكد على أن من تعود العطاء إرضاءً لله لابد أن تصاحبه صفة عظيمة اسمها التواضع ؛ فعلى الرغم من تاريخه العلمى الملىء بمحطات النجاح تجده يتحلى بالبساطة ، وحسن المعاملة ، وكم كان أثره عظيمًا فى نفوس طلابه بهذا الشكل الذى جعل أحدهم يتغنى بسيرته وعطائه بكل فخر، واعتزاز ؛ لتبقى صورته الخالدة معه شاهدًا على أن الطالب لن ينسى يومًا من علمه علمًا نافعًا مهما مرت السنين .