17- تموز-1998 ولادة الفضائية العراقية الوطنية ورحلة المسؤولية الشاقة... بقلم الأستاذ الدكتور وليد الحديثي...
وليد الحديثي الشمري
17- تموز-1998 ولادة الفضائية العراقية الوطنية ورحلة المسؤولية الشاقة...
بقلم الأستاذ الدكتور وليد الحديثي...
كل عام والعراق وأبناءه المخلصين، الذين نذروا أنفسهم في خدمة بلدهم ورفع رايته بين بلدان العالم من خلال أعلام فضائي مميز، في فترة كان عدد الفضائيات العربية لا يتجاوز 30 قناة حكومية وخاصة، وقد سعى عدد من المخلصين في وزارة الإعلام ومنهم الأستاذ الأسير عبد الغني عبد الغفور فك الله أسره، وحامد يوسف حمادي والدكتور همام عبد الخالق من أجل الحصول على وصلة قمرية كي تنطلق الفضائية العراقية، في ظل اعتراضات عدد من الدول العربية، ومنها المملكة العربية السعودية وعدم السماح لنا باستثمار حقنا في قمر (العرب سات Arabsat)، وتم التحرك بشكل مكثف نحو القمر (النايل سات Nilesat)، ونجحت المحاولات، وتم استئجار الوصلة القمرية بمبلغ قدره أربعة ملايين دولار كون الوصلة كانت اعتيادية (انلوگ Analog) أي قبل التحول إلى النظام الرقمي (الديجيتال Digital).
في يوم رمضاني مبارك من ذلك العام، أتصل بي الأخ والصديق العزيز علاء العاني أبو شهد الذي كان يشغل حينها منصب مدير مكتب وزير الثقافة والإعلام الأستاذ الدكتور همام عبد الخالق رعاه الله، وقال لي: "سيادة الوزير يسلم عليك ويريد أن يلتقي بك مساء الغد بعد الفطور".
وفي اليوم التالي ذهبت للقاء الدكتور همام، الذي تربطني به علاقة طيبة ولازلت أراه الأخ العزيز والصديق الراقي، فدخلت عليه ورحب بي ترحيبا أعتز به ويعكس علو أدبه وأخلاقه، فطرح علي ترشيحي لمنصب المدير العام لدائرة (تلفزيون بغداد الدولي) والتي كانت أولى خطواتها (الفضائية العراقية)، وقال لي: "أنا أريد أن اعتمد على أخوتي أصحاب الاختصاص وهم من يُعينني على هذا التكليف الكبير ."
وافقت...، وفِي اليوم التالي سلمت ما كان مطلوبا من الصور والوثائق للأخ علاء، وهو سياق إداري معروف في الدولة حينها، وعلمت أن معي اثنين آخرين تم ترشيحهما، ومن خلال أحد طلابي في الوجبة المسائية بقسم السمعية والمرئية / كلية الفنون الجميلة جامعة بغداد/ والذي كان يعمل في مكتب سكرتير رئيس الجمهورية، ابلغني بأن السيد الرئيس القائد صدام حسين رحمه الله اختارني لهذه المهمة، وقد صدر أمر (ديواني) بتاريخ ٢٨-٥-١٩٩٨ بتعيني مديراً عاماً لدائرة تلفزيون بغداد الدولي، علماً إن الدكتور صباح ياسين كان المدير العام بالوكالة.
تَسَنَّمت عملي مباشرة قبل انطلاق الفضائية العراقية بخمسة وأربعين يوماً، ولكني للأسف الشديد لم أجد أي مقومات لانطلاق فضائية تليق بالعراق وشعبه، وكانت المرحلة الصعبة التي كان يمر بها بلدنا الحبيب قد زادت من ثقل المهمة، وعندما سألت الدكتور صباح ياسين: ما هي خطتك...؟ قال: كنت أريد ربط بث القناة العامة بها، وعندما قلت للدكتور همام إنني لم أجد شيئا أستند إليه في الخطوة الأولى، ردّ عليّ قائلا: هذه مشكلتك، رميتك بالبحر وعليك أن تسبح!
لم يشكل الإحباط أي تردد في داخلي، بل على العكس خلق تحديا كان حافزاً لي، ومنذ اليوم الأول عملت على الاستغناء عن الموظفين الذين لا نحتاجهم في القناة، والتركيز على رفد القناة بدماء شابة منبعها كلية الفنون الجميلة وكلية الإعلام جامعة بغداد إلى جانب بعض دوائر الدولة، وبينما كنا نحاول أن نسرع الخطى استعدادا للانطلاق، قام فيصل الياسري مع الأسف، بسحب عدد من المصورين وفنيي المونتاج (مونتيريه) وتشغيلهم بمكتب الجزيرة وشبكة (أي آر تي Arab Radio and Television Network) وأغراهم طبعا بأجور أعلى في ظروف الحصار الظالم المعروفة آنذاك، كما إن قسما آخر كان يعمل مع مكاتب القنوات العربية والأجنبية الموجودة في بغداد فتفرغ لها حين وجد أن في الأمر جدية لا تخلو من حساب!
تم عقد الاجتماع الأول لقادة العمل وأذكر منهم (المهندس بيان صلاح الدين- طيف المدرس- محمد السبعاوي- حسام سري- والمرحوم مؤيد مدير الحسابات- ومحمد طالب) ومن بين العاملين الأوائل الذين لا بد من ذكرهم مديحة معارچ- عبد الحكيم زعلان- فائزة العزي- حسن كامل- هاني مهند الأنصاري- أنور الحمداني- أيمن خالد- رياض سعدي- أحمد محسن- ناجحة كاظم- داود كاظم- والمترجمة فائزة محمد صالح- سارة الصراف- إيناس القباني- زينب رشيد- أسماء الدليمي- رغد الشابندر- حسن عواد-زينب العبيدي- وَعَبَد السلام الضاري- والمرحوم علي الخطيب- اماني ورائد أبو أمنية- جواد ناهي- أياد السعيدي وعدد من المندوبين، وفِي التنسق مشتاق المعموري، هيثم عباس وحسن جلال الدين (ابن أخت الأستاذ نهاد نجيب) وفِي الإخراج غازي ساجت- المرحوم المخرج فيصل جواد كاظم- خيرية عبود- المرحوم جاسم الذهبي- جمال محمد- بشار يسر- غزوان- نهاد السنوي- مصطفى موفق- نوفل عبد دهش- غسان سلمان- عبد الخالق الجواري ومقدم البرامج المخضرم الدكتور مجيد السامرائي- والدكتورة هديل كامل وغيرهم. وفِي الديكور جاسم فرمان ومساعده صلاح ومن المونتاج محمد عبد الجبار كاظم والمالكي وسعد بريس وعمر النقيب وآخرون .ومن مقدمات البرامج لبنى البياتي- مناهل خلف- سهاد إبراهيم ولن أنسى حسين وحاد ووفاء وكل من عمل في الشؤون المالية والإدارية واعتذر لمن نسيت اسمه. انطلقت القناة بوصلتها القمرية على القمر العربي (النايل سات) من القاهرة وتم الضغط على الزر من قبل الرئيس الراحل حسني مبارك وكان ممثل القناة الزميل طيف المدرس والذي حضر ممثلاً رسميا. وكنا قبل ذلك وخلال شهر ونصف من العمل الجاد وبمعاونة عدد من أساتذة كلية الفنون الجميلة تم تقييم البرامج المنتجة في الفترات السابقة فوجدنا ١٧ ساعة تلفزيونية، نعم فقط ١٧ ساعة! وعدم جاهزية ستديو الأخبار وهو الوحيد، وقد تم إنجاز العمل فيه الساعة الرابعة فجرا من يوم ١٧ تموز ١٩٩٨...
وانطلق بث القناة في اليوم نفسه الساعة العاشرة صباحاً وتم بث خطاب السيد الرئيس الراحل وعدد من الأناشيد الوطنية وكان البث ٣ ساعات صباحية و٣ ساعات مسائية، وأذكر أن الأخ أحمد محسن مسؤول التنسيق جاءني وهو يبكي ويقول: ما عندنا برامج للفترة المسائية فطلبت من الهدوء وأن يجلس، وطلبت له الشاي ووضعت له الخطة البرامجية المناسبة، واستمر العمل وشمرت السواعد وتدفق ينبوع العمل والتحق معنا عدد من العاملين الجدد وأذكر منهم المرحوم الأستاذ ضياء حسن مديراً للأخبار والمرحوم الأستاذ بهجت عبد الواحد والأستاذ نهاد نجيب والمرحوم أكرم محسن والمبدع وهاد يعقوب وحازم السويدي وبعد فترة التحق الدكتور فارس مهدي ليكون معاون المدير العام والأخت ميسون عبد الخالق مديرة للعلاقات العامة، ومن الشخصيات المتعاونة والرائعة الدكتور حارث عبود والذي شكلت إطلالته تميزاً للقناة وكان خير عون وسند. ولا بد من ذكر اسم المرحوم الدكتور سلام مهدي الذي عزز الجانب الإخراجي للقناة والدكتور كريم السوداني في إعداد البرامج والدكتور رعد عبد الجبار في الإخراج والذي قدم لشاشتنا تعريفا مصورا جميلا بالمدن العراقية، وكل هؤلاء من كلية الفنون الجميلة.
كذلك كان للمخرج عادل طاهر وعبد الإله محمد حسن ومحمد فرحان وتعاون الأستاذ فاروق هلال والدكتور فتح الله أحمد دور مؤثر في الولادة والانطلاق. وحق علينا أن لا ننسى من دعمنا بأفكار برامجية ومنهم الدكتور ناجي الحديثي وكان البرنامج عن منجزات ثورة تموز عندما كان مستشارا لوزير الثقافة والإعلام الدكتور همام عبد الخالق
والشيء بالشيء يذكر كنت مسافراً إلى القاهرة فاستلم الدكتور محمد مظفر الادهمي وكالة القناة وكان يجلس في التنسيق وكان بوقتها هاني الأنصاري رئيس قسم التنسيق وبعد عودتي قال لي الدكتور همام "إن القناة العامة عرضت فواصل تلفزيونية جميلة لماذا لا تأخذها من الدكتور محمد مظفر الادهمي؟" وحين عودتي للدائرة سالت عن الفواصل التلفزيونية، قالوا إن الدكتور الادهمي أخذها منا وعرضها على القناة العامة دون موافقتك .
ومن طلبة الكلية الذين التحقوا بنا محمد عبد الجبار الشمري، غزوان صادق علي شاهين، عبد الباسط سلمان، بشير كامل المشهداني، فراس فؤاد الجبوري، عمر فوزي. وفِي الإنارة مهدي الفتلاوي وصفاء الياسري، ولابد من ذكر بعض المصورين ومنهم حكيم جوني، رائد سلمان، عدنان هاشم، حسين علي، وليد خلف، ماجد تمر، جواد ناهي، صلاح العسكري، المرحوم نجم عبد الله وآخرون.
وكان معنا في قسم (المؤثرات الصورية) محمد عزمي الصالحي- أمامة الصالحي- المرحومة ألاء محسن- محمد رياض- خضير محمود- داليا الونداوي- رغيد- زيد حكمت العزاوي- محمد عبد الباقي- سلوان مضر وعلي الجنابي الذي كان له دور مهم أيضاً، وغيرهم...
وكان معنا كذلك عبد اللطيف العمر، حسام أحمد، علاء جعفر، داليا الاوچي، لمياء الصفار، أزهار الطائي، منى محمد العبيدي، دنيا محمد، علي عادل طاهر، مثنى ياسين إبراهيم، محمد عرفان، أمير هاشم، أسعد كاظم، إشراق نيازي، عمر ملوكي، رائد نبيل، سماح إبراهيم، عبير ادمون، هديل علي الحسون، نوال عبد الجبار، هدى عبد القادر، سيف الدين محمد، كريم القريشي، المخرجة نهلة مولود، إبراهيم آل جعفر، محمد البحراني ، والتحق بنا الشاعر محمد نصيف والكاتب وليد خالد المسافر وأخرون.
لقد خلقت إدارة القناة تعاوناً متميزاً مع مؤسسات الدولة وخصصت مندوباً لكل وزارة كي تسجل الإنجازات في زمن الحصار البغيض، وقد تم تكليف علي الزبيدي مسؤولا عن المندوبين بعد تركه العمل في مجلة صوت الطلبة وللأمانة لا بد من ذكر رجال الجهد الهندسي المرحومة المهندسة سوسن عبد الجبار الأمينة والمبدعة المهندسة آسيا، والمهندس المبدع عبد الحكيم جمعة، ورازميك وبقية الرائعين.. وعلي أن اذكر مبدعين ومبدعات التحقوا بالقناة منهم المرحومة أطوار بهجت- شيماء عماد زبير- فردوس العبادي- ذكرى محمد نادر- شمعون متي -إقبال حامد - طلال بهنام -خليل فرمان محمد السيد محسن- كمال جبر - طلال خضر، وفِي برامج الرياضة الدكتور هادي عبد الله- الصحفي خالد محفوظ- عمار علي- محمد إبراهيم الناصر- رافي حمدي وآخرون، ولن أنسى طبعا أعضاء مكتبي المرحوم أحمد محسن- فراس الجدة- آسر مؤيد- عبد الباقي وغيرهم.
ومن كادرنا المتميز في (قسم التصوير) المصورين محمد غازي، سلام قاسم، فتحي غانم، علي بدري، أنور بدري، أسعد قاسم، محمود شاكر، ياسر كاطع، المرحوم ضياء كمال الدين، عمر حرفش، سهيل غازي، عباس خضر، كامل خضير، قاسم يونس، مجيد عماد، أنور صبيح.
لقد عملت الفضائية العراقية الوطنية بروح الفريق الواحد، وكان من يقدم أكثر هو الذي يتقدم على أقرانه بعيدا عن أي اعتبارات أخرى، والحمد لله فأن عددا كبيرا من أبناء الفضائية العراقية يعملون اليوم في عدد من وسائل الإعلام العربية والأجنبية. وللعلم إن الفضائية العراقية ، لم يسمح لها أن تأخذ أي برنامج من القنوات العربية، كما كانت تفعل القناة العامة وتلفزيون الشباب، حيث إن توجيه المرحوم الأستاذ طارق عزز أن تقدم الفضائية العراقية برامج عراقية حصرا، مما فرض علينا مسؤولية كبيرة كان للعاملين جميعاً دور في انجاز المهمة على أعلى مستوى... فلهم كل الحب والتقدير كل حسب عنوانه ومكانته...
وكان هناك دور بارز ورائع لفريق الجهد الهندسي في الوزارة والذي كان على رأسه الدكتور نشأت شوكت الخالدي المدير العام للشؤون الهندسية، حيث عملوا ليل نهار من أجل أن تنطلق إشارة البث، وكان ذلك بحق دوراً كبيراً ومميزاً في إنجاح عمل القناة. ولابد لنا من ذكر دور اللجنة المشكلة من قبل الرئيس صدام حسين رحمه الله، والتي كانت برئاسة المرحوم طارق عزيز وعضوية الأستاذ لطيف نصيف جاسم فك الله أسره والدكتور همام لتطوير عمل الفضائية، والتي اطلعت على الواقع الفعلي من حيث الإمكانيات التقنية بشكل خاص، على تطوير الشاشة وتنوع البرامج، والحق يقال إن الأستاذ طارق عزيز رحمه الله كان خير عون لي وللفضائية ومعه دكتور همام.
ودعت الفضائية العراقية بتاريخ ١٢-١١-٢٠٠٢، ملتحقاً بعملي الجديد بوزارة الخارجية العراقية. أنهي شهادتي بالقول ومع الأسف، إن اللجنة التي كلفت بوضع آليات إنشاء الفضائية لم تكن منصفة أو ربما لا تملك الأهلية لمثل هذه المسؤولية، فقد كان أغلب الكادر ضعيفا ودون المستوى، وكذلك الأجهزة والمعدات وحتى البناية فقد كانت متهالكة وقديمة ولَم تكن تصلح لتكون مبنى لفضائية عراقية! صحيح أنها ولدت في زمن الحصار لكن الأعمار كان جارياً بأعلى وتيرة، والتفسير الوحيد إن من كلّف بإدارة دائرة تلفزيون بغداد الدولي وتحمل مسؤوليتها بالوكالة لم يكن مهتماً بالإعلام التلفزيوني وكان يفتقر إلى فهم طبيعة وحاجة هذا العالم الكبير، والحقيقة وأقولها للتاريخ إن وكيل وزارة الثقافة والإعلام كان يردد دائما: أنتم لستم صحفيين! وهذا قصور في النظرة جعل الوزارة غير مؤهلة لفهم الإعلام التلفزيوني، ومشكلتنا كانت أن أكثر من قاد الإعلام هم من الأدباء ولَم يكونوا من المهنيين أصحاب حرفة التلفزيون.
تحية لكم زملائي وإخوتي أينما كُنتُم وأسأل الله أن يرحم من غادرنا إلى دار البقاء وأن يحفظ من هم بيننا في هذه الحياة، وندعوه سبحانه وتعالى أن يكتب لنا العودة إلى بلدنا الحبيب العراق، وقد تحرر من المحتلين والعملاء إنه سميعٌ مجيب. وإذ نستذكر يوم انطلاق القناة في هذا اليوم المجيد، فلابد من ذكر رعاية السيد الرئيس الشهيد صدام حسين رحمه الله، والمرحوم الأستاذ طارق عزيز، ودعم وإسناد الدكتور همام عبد الخالق وزير الثقافة والإعلام ومعاونة الدكتور عبد الحليم الحجاج الوكيل الفني للوزارة وعدد من المسئولين في الدولة العراقية الذي قدموا الدعم من أجل إيصال رسالة وصوت العراق عبر الفضائية إلى العالم.
رسالة إلى جميع العاملين في الفضائيات العراقية بعد التوجه لكم بالتحية والتقدير... حافظوا على هويتكم العراقية الجميلة، وابتعدوا عن الطائفية المقيتة، وان يكون خطابكم الإعلامي خطابا وطنيا.
فقد كان أخوتكم في الفضائية العراقية الوطنية قبل الاحتلال يعملون بهذه الروح لأنهم امنوا بعراقيتهم وحبهم لشعب العراق وولائهم لوطنهم. وهذا لسان حال كل من عمل في هذه القناة. كما أتمنى أن تحترموا لغتنا العربية وتعملوا على سلامتها.. كنا نعمل الدورات المتخصصة باللغة العربية ونوليها اهتمام خاص وكان يساندنا في ذلك الدكتور عبد المنعم احمد صالح وزير الأوقاف والشؤون الدينية مشكورا وهو المتخصص باللغة، وتفرض عقوبات على كل من يقع بالخطأ اللغوي اعتزازا بلغتنا العربية.
أتمنى لكم الخير والنجاح والفلاح وعاش العراق الواحد العظيم.....
17- تموز-1998 ولادة الفضائية العراقية الوطنية ورحلة المسؤولية الشاقة...
بقلم الأستاذ الدكتور وليد الحديثي...
كل عام والعراق وأبناءه المخلصين، الذين نذروا أنفسهم في خدمة بلدهم ورفع رايته بين بلدان العالم من خلال أعلام فضائي مميز، في فترة كان عدد الفضائيات العربية لا يتجاوز 30 قناة حكومية وخاصة، وقد سعى عدد من المخلصين في وزارة الإعلام ومنهم الأستاذ الأسير عبد الغني عبد الغفور فك الله أسره، وحامد يوسف حمادي والدكتور همام عبد الخالق من أجل الحصول على وصلة قمرية كي تنطلق الفضائية العراقية، في ظل اعتراضات عدد من الدول العربية، ومنها المملكة العربية السعودية وعدم السماح لنا باستثمار حقنا في قمر (العرب سات Arabsat)، وتم التحرك بشكل مكثف نحو القمر (النايل سات Nilesat)، ونجحت المحاولات، وتم استئجار الوصلة القمرية بمبلغ قدره أربعة ملايين دولار كون الوصلة كانت اعتيادية (انلوگ Analog) أي قبل التحول إلى النظام الرقمي (الديجيتال Digital).
في يوم رمضاني مبارك من ذلك العام، أتصل بي الأخ والصديق العزيز علاء العاني أبو شهد الذي كان يشغل حينها منصب مدير مكتب وزير الثقافة والإعلام الأستاذ الدكتور همام عبد الخالق رعاه الله، وقال لي: "سيادة الوزير يسلم عليك ويريد أن يلتقي بك مساء الغد بعد الفطور".
وفي اليوم التالي ذهبت للقاء الدكتور همام، الذي تربطني به علاقة طيبة ولازلت أراه الأخ العزيز والصديق الراقي، فدخلت عليه ورحب بي ترحيبا أعتز به ويعكس علو أدبه وأخلاقه، فطرح علي ترشيحي لمنصب المدير العام لدائرة (تلفزيون بغداد الدولي) والتي كانت أولى خطواتها (الفضائية العراقية)، وقال لي: "أنا أريد أن اعتمد على أخوتي أصحاب الاختصاص وهم من يُعينني على هذا التكليف الكبير ."
وافقت...، وفِي اليوم التالي سلمت ما كان مطلوبا من الصور والوثائق للأخ علاء، وهو سياق إداري معروف في الدولة حينها، وعلمت أن معي اثنين آخرين تم ترشيحهما، ومن خلال أحد طلابي في الوجبة المسائية بقسم السمعية والمرئية / كلية الفنون الجميلة جامعة بغداد/ والذي كان يعمل في مكتب سكرتير رئيس الجمهورية، ابلغني بأن السيد الرئيس القائد صدام حسين رحمه الله اختارني لهذه المهمة، وقد صدر أمر (ديواني) بتاريخ ٢٨-٥-١٩٩٨ بتعيني مديراً عاماً لدائرة تلفزيون بغداد الدولي، علماً إن الدكتور صباح ياسين كان المدير العام بالوكالة.
تَسَنَّمت عملي مباشرة قبل انطلاق الفضائية العراقية بخمسة وأربعين يوماً، ولكني للأسف الشديد لم أجد أي مقومات لانطلاق فضائية تليق بالعراق وشعبه، وكانت المرحلة الصعبة التي كان يمر بها بلدنا الحبيب قد زادت من ثقل المهمة، وعندما سألت الدكتور صباح ياسين: ما هي خطتك...؟ قال: كنت أريد ربط بث القناة العامة بها، وعندما قلت للدكتور همام إنني لم أجد شيئا أستند إليه في الخطوة الأولى، ردّ عليّ قائلا: هذه مشكلتك، رميتك بالبحر وعليك أن تسبح!
لم يشكل الإحباط أي تردد في داخلي، بل على العكس خلق تحديا كان حافزاً لي، ومنذ اليوم الأول عملت على الاستغناء عن الموظفين الذين لا نحتاجهم في القناة، والتركيز على رفد القناة بدماء شابة منبعها كلية الفنون الجميلة وكلية الإعلام جامعة بغداد إلى جانب بعض دوائر الدولة، وبينما كنا نحاول أن نسرع الخطى استعدادا للانطلاق، قام فيصل الياسري مع الأسف، بسحب عدد من المصورين وفنيي المونتاج (مونتيريه) وتشغيلهم بمكتب الجزيرة وشبكة (أي آر تي Arab Radio and Television Network) وأغراهم طبعا بأجور أعلى في ظروف الحصار الظالم المعروفة آنذاك، كما إن قسما آخر كان يعمل مع مكاتب القنوات العربية والأجنبية الموجودة في بغداد فتفرغ لها حين وجد أن في الأمر جدية لا تخلو من حساب!
تم عقد الاجتماع الأول لقادة العمل وأذكر منهم (المهندس بيان صلاح الدين- طيف المدرس- محمد السبعاوي- حسام سري- والمرحوم مؤيد مدير الحسابات- ومحمد طالب) ومن بين العاملين الأوائل الذين لا بد من ذكرهم مديحة معارچ- عبد الحكيم زعلان- فائزة العزي- حسن كامل- هاني مهند الأنصاري- أنور الحمداني- أيمن خالد- رياض سعدي- أحمد محسن- ناجحة كاظم- داود كاظم- والمترجمة فائزة محمد صالح- سارة الصراف- إيناس القباني- زينب رشيد- أسماء الدليمي- رغد الشابندر- حسن عواد-زينب العبيدي- وَعَبَد السلام الضاري- والمرحوم علي الخطيب- اماني ورائد أبو أمنية- جواد ناهي- أياد السعيدي وعدد من المندوبين، وفِي التنسق مشتاق المعموري، هيثم عباس وحسن جلال الدين (ابن أخت الأستاذ نهاد نجيب) وفِي الإخراج غازي ساجت- المرحوم المخرج فيصل جواد كاظم- خيرية عبود- المرحوم جاسم الذهبي- جمال محمد- بشار يسر- غزوان- نهاد السنوي- مصطفى موفق- نوفل عبد دهش- غسان سلمان- عبد الخالق الجواري ومقدم البرامج المخضرم الدكتور مجيد السامرائي- والدكتورة هديل كامل وغيرهم. وفِي الديكور جاسم فرمان ومساعده صلاح ومن المونتاج محمد عبد الجبار كاظم والمالكي وسعد بريس وعمر النقيب وآخرون .ومن مقدمات البرامج لبنى البياتي- مناهل خلف- سهاد إبراهيم ولن أنسى حسين وحاد ووفاء وكل من عمل في الشؤون المالية والإدارية واعتذر لمن نسيت اسمه. انطلقت القناة بوصلتها القمرية على القمر العربي (النايل سات) من القاهرة وتم الضغط على الزر من قبل الرئيس الراحل حسني مبارك وكان ممثل القناة الزميل طيف المدرس والذي حضر ممثلاً رسميا. وكنا قبل ذلك وخلال شهر ونصف من العمل الجاد وبمعاونة عدد من أساتذة كلية الفنون الجميلة تم تقييم البرامج المنتجة في الفترات السابقة فوجدنا ١٧ ساعة تلفزيونية، نعم فقط ١٧ ساعة! وعدم جاهزية ستديو الأخبار وهو الوحيد، وقد تم إنجاز العمل فيه الساعة الرابعة فجرا من يوم ١٧ تموز ١٩٩٨...
وانطلق بث القناة في اليوم نفسه الساعة العاشرة صباحاً وتم بث خطاب السيد الرئيس الراحل وعدد من الأناشيد الوطنية وكان البث ٣ ساعات صباحية و٣ ساعات مسائية، وأذكر أن الأخ أحمد محسن مسؤول التنسيق جاءني وهو يبكي ويقول: ما عندنا برامج للفترة المسائية فطلبت من الهدوء وأن يجلس، وطلبت له الشاي ووضعت له الخطة البرامجية المناسبة، واستمر العمل وشمرت السواعد وتدفق ينبوع العمل والتحق معنا عدد من العاملين الجدد وأذكر منهم المرحوم الأستاذ ضياء حسن مديراً للأخبار والمرحوم الأستاذ بهجت عبد الواحد والأستاذ نهاد نجيب والمرحوم أكرم محسن والمبدع وهاد يعقوب وحازم السويدي وبعد فترة التحق الدكتور فارس مهدي ليكون معاون المدير العام والأخت ميسون عبد الخالق مديرة للعلاقات العامة، ومن الشخصيات المتعاونة والرائعة الدكتور حارث عبود والذي شكلت إطلالته تميزاً للقناة وكان خير عون وسند. ولا بد من ذكر اسم المرحوم الدكتور سلام مهدي الذي عزز الجانب الإخراجي للقناة والدكتور كريم السوداني في إعداد البرامج والدكتور رعد عبد الجبار في الإخراج والذي قدم لشاشتنا تعريفا مصورا جميلا بالمدن العراقية، وكل هؤلاء من كلية الفنون الجميلة.
كذلك كان للمخرج عادل طاهر وعبد الإله محمد حسن ومحمد فرحان وتعاون الأستاذ فاروق هلال والدكتور فتح الله أحمد دور مؤثر في الولادة والانطلاق. وحق علينا أن لا ننسى من دعمنا بأفكار برامجية ومنهم الدكتور ناجي الحديثي وكان البرنامج عن منجزات ثورة تموز عندما كان مستشارا لوزير الثقافة والإعلام الدكتور همام عبد الخالق
والشيء بالشيء يذكر كنت مسافراً إلى القاهرة فاستلم الدكتور محمد مظفر الادهمي وكالة القناة وكان يجلس في التنسيق وكان بوقتها هاني الأنصاري رئيس قسم التنسيق وبعد عودتي قال لي الدكتور همام "إن القناة العامة عرضت فواصل تلفزيونية جميلة لماذا لا تأخذها من الدكتور محمد مظفر الادهمي؟" وحين عودتي للدائرة سالت عن الفواصل التلفزيونية، قالوا إن الدكتور الادهمي أخذها منا وعرضها على القناة العامة دون موافقتك .
ومن طلبة الكلية الذين التحقوا بنا محمد عبد الجبار الشمري، غزوان صادق علي شاهين، عبد الباسط سلمان، بشير كامل المشهداني، فراس فؤاد الجبوري، عمر فوزي. وفِي الإنارة مهدي الفتلاوي وصفاء الياسري، ولابد من ذكر بعض المصورين ومنهم حكيم جوني، رائد سلمان، عدنان هاشم، حسين علي، وليد خلف، ماجد تمر، جواد ناهي، صلاح العسكري، المرحوم نجم عبد الله وآخرون.
وكان معنا في قسم (المؤثرات الصورية) محمد عزمي الصالحي- أمامة الصالحي- المرحومة ألاء محسن- محمد رياض- خضير محمود- داليا الونداوي- رغيد- زيد حكمت العزاوي- محمد عبد الباقي- سلوان مضر وعلي الجنابي الذي كان له دور مهم أيضاً، وغيرهم...
وكان معنا كذلك عبد اللطيف العمر، حسام أحمد، علاء جعفر، داليا الاوچي، لمياء الصفار، أزهار الطائي، منى محمد العبيدي، دنيا محمد، علي عادل طاهر، مثنى ياسين إبراهيم، محمد عرفان، أمير هاشم، أسعد كاظم، إشراق نيازي، عمر ملوكي، رائد نبيل، سماح إبراهيم، عبير ادمون، هديل علي الحسون، نوال عبد الجبار، هدى عبد القادر، سيف الدين محمد، كريم القريشي، المخرجة نهلة مولود، إبراهيم آل جعفر، محمد البحراني ، والتحق بنا الشاعر محمد نصيف والكاتب وليد خالد المسافر وأخرون.
لقد خلقت إدارة القناة تعاوناً متميزاً مع مؤسسات الدولة وخصصت مندوباً لكل وزارة كي تسجل الإنجازات في زمن الحصار البغيض، وقد تم تكليف علي الزبيدي مسؤولا عن المندوبين بعد تركه العمل في مجلة صوت الطلبة وللأمانة لا بد من ذكر رجال الجهد الهندسي المرحومة المهندسة سوسن عبد الجبار الأمينة والمبدعة المهندسة آسيا، والمهندس المبدع عبد الحكيم جمعة، ورازميك وبقية الرائعين.. وعلي أن اذكر مبدعين ومبدعات التحقوا بالقناة منهم المرحومة أطوار بهجت- شيماء عماد زبير- فردوس العبادي- ذكرى محمد نادر- شمعون متي -إقبال حامد - طلال بهنام -خليل فرمان محمد السيد محسن- كمال جبر - طلال خضر، وفِي برامج الرياضة الدكتور هادي عبد الله- الصحفي خالد محفوظ- عمار علي- محمد إبراهيم الناصر- رافي حمدي وآخرون، ولن أنسى طبعا أعضاء مكتبي المرحوم أحمد محسن- فراس الجدة- آسر مؤيد- عبد الباقي وغيرهم.
ومن كادرنا المتميز في (قسم التصوير) المصورين محمد غازي، سلام قاسم، فتحي غانم، علي بدري، أنور بدري، أسعد قاسم، محمود شاكر، ياسر كاطع، المرحوم ضياء كمال الدين، عمر حرفش، سهيل غازي، عباس خضر، كامل خضير، قاسم يونس، مجيد عماد، أنور صبيح.
لقد عملت الفضائية العراقية الوطنية بروح الفريق الواحد، وكان من يقدم أكثر هو الذي يتقدم على أقرانه بعيدا عن أي اعتبارات أخرى، والحمد لله فأن عددا كبيرا من أبناء الفضائية العراقية يعملون اليوم في عدد من وسائل الإعلام العربية والأجنبية. وللعلم إن الفضائية العراقية ، لم يسمح لها أن تأخذ أي برنامج من القنوات العربية، كما كانت تفعل القناة العامة وتلفزيون الشباب، حيث إن توجيه المرحوم الأستاذ طارق عزز أن تقدم الفضائية العراقية برامج عراقية حصرا، مما فرض علينا مسؤولية كبيرة كان للعاملين جميعاً دور في انجاز المهمة على أعلى مستوى... فلهم كل الحب والتقدير كل حسب عنوانه ومكانته...
وكان هناك دور بارز ورائع لفريق الجهد الهندسي في الوزارة والذي كان على رأسه الدكتور نشأت شوكت الخالدي المدير العام للشؤون الهندسية، حيث عملوا ليل نهار من أجل أن تنطلق إشارة البث، وكان ذلك بحق دوراً كبيراً ومميزاً في إنجاح عمل القناة. ولابد لنا من ذكر دور اللجنة المشكلة من قبل الرئيس صدام حسين رحمه الله، والتي كانت برئاسة المرحوم طارق عزيز وعضوية الأستاذ لطيف نصيف جاسم فك الله أسره والدكتور همام لتطوير عمل الفضائية، والتي اطلعت على الواقع الفعلي من حيث الإمكانيات التقنية بشكل خاص، على تطوير الشاشة وتنوع البرامج، والحق يقال إن الأستاذ طارق عزيز رحمه الله كان خير عون لي وللفضائية ومعه دكتور همام.
ودعت الفضائية العراقية بتاريخ ١٢-١١-٢٠٠٢، ملتحقاً بعملي الجديد بوزارة الخارجية العراقية. أنهي شهادتي بالقول ومع الأسف، إن اللجنة التي كلفت بوضع آليات إنشاء الفضائية لم تكن منصفة أو ربما لا تملك الأهلية لمثل هذه المسؤولية، فقد كان أغلب الكادر ضعيفا ودون المستوى، وكذلك الأجهزة والمعدات وحتى البناية فقد كانت متهالكة وقديمة ولَم تكن تصلح لتكون مبنى لفضائية عراقية! صحيح أنها ولدت في زمن الحصار لكن الأعمار كان جارياً بأعلى وتيرة، والتفسير الوحيد إن من كلّف بإدارة دائرة تلفزيون بغداد الدولي وتحمل مسؤوليتها بالوكالة لم يكن مهتماً بالإعلام التلفزيوني وكان يفتقر إلى فهم طبيعة وحاجة هذا العالم الكبير، والحقيقة وأقولها للتاريخ إن وكيل وزارة الثقافة والإعلام كان يردد دائما: أنتم لستم صحفيين! وهذا قصور في النظرة جعل الوزارة غير مؤهلة لفهم الإعلام التلفزيوني، ومشكلتنا كانت أن أكثر من قاد الإعلام هم من الأدباء ولَم يكونوا من المهنيين أصحاب حرفة التلفزيون.
تحية لكم زملائي وإخوتي أينما كُنتُم وأسأل الله أن يرحم من غادرنا إلى دار البقاء وأن يحفظ من هم بيننا في هذه الحياة، وندعوه سبحانه وتعالى أن يكتب لنا العودة إلى بلدنا الحبيب العراق، وقد تحرر من المحتلين والعملاء إنه سميعٌ مجيب. وإذ نستذكر يوم انطلاق القناة في هذا اليوم المجيد، فلابد من ذكر رعاية السيد الرئيس الشهيد صدام حسين رحمه الله، والمرحوم الأستاذ طارق عزيز، ودعم وإسناد الدكتور همام عبد الخالق وزير الثقافة والإعلام ومعاونة الدكتور عبد الحليم الحجاج الوكيل الفني للوزارة وعدد من المسئولين في الدولة العراقية الذي قدموا الدعم من أجل إيصال رسالة وصوت العراق عبر الفضائية إلى العالم.
رسالة إلى جميع العاملين في الفضائيات العراقية بعد التوجه لكم بالتحية والتقدير... حافظوا على هويتكم العراقية الجميلة، وابتعدوا عن الطائفية المقيتة، وان يكون خطابكم الإعلامي خطابا وطنيا.
فقد كان أخوتكم في الفضائية العراقية الوطنية قبل الاحتلال يعملون بهذه الروح لأنهم امنوا بعراقيتهم وحبهم لشعب العراق وولائهم لوطنهم. وهذا لسان حال كل من عمل في هذه القناة. كما أتمنى أن تحترموا لغتنا العربية وتعملوا على سلامتها.. كنا نعمل الدورات المتخصصة باللغة العربية ونوليها اهتمام خاص وكان يساندنا في ذلك الدكتور عبد المنعم احمد صالح وزير الأوقاف والشؤون الدينية مشكورا وهو المتخصص باللغة، وتفرض عقوبات على كل من يقع بالخطأ اللغوي اعتزازا بلغتنا العربية.
أتمنى لكم الخير والنجاح والفلاح وعاش العراق الواحد العظيم.....