×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
Ghada M. Salah

نصف رسالة .. الرومانسية عبر الوسائل التكنولوجية - كتب معتز محسن عزت

image



نصف رسالة .. الرومانسية عبر الوسائل التكنولوجية
معتز محسن عزت
م
ا أجمل الرومانسية تلك الكلمة الخلابة التي تشعر الإنسان بإنسانيته و بمدى بشريته حينما ينبض قلبه بخفقات المفاجأة عند رؤية الحبيب دون سابق إنذار لتترجم تلك اللحظات عبر الملحمية سواء كان شعرًا أو نثرًا أو غناءً على مر العصور في كل بقاع الأرض التي عبرت عن تلك اللحظات فنًا و أدبًا ما بين الشرق و الغرب.
للرسام و الفنان الكبير جمال قطب موسوعة فنية بعنوان (الملهمات في الفن و التاريخ) مسطرًا بمداده الفنان و مجسدًا بريشته الرشيقة السر وراء خلود إبداع عظماء التاريخ في لوحاتهم وهي كلمة سرية ، هي الرئة الخفاقة لبقاءها أبد الدهر من خلال أشهر قصص الحب التي جعلتنا حتى الآن نتغنى بروعة اللوحات المنقوشة على جدار الزمن رغم تعاقب الأجيال و القرون.
من خلال تلك التيمة المميزة لتشييد الفن الخالد ، أراد أ/ أحمد منصور الخويلدي أن يرسم لنا عبر أدواتنا المعاصرة و أوعيتنا المتاحة من خلال وسائل التواصل الاجتماعي بورتريه الحب و الشقاء مستلهمًا ملاحم العشق الملتهبة عبر التاريخ من خلال ارتدائها لباس التكنولوجيا و المعاصرة حتى تنعم بالمنطقية و الإقناع.
تجسد هذا الكلام في روايته الأولى (نصف رسالة) ناقلاً الشعر و النظم المقفى إلى النثر و الحكي مستلهمًا تلك الطريقة عبر المكان الذي نبع منه من خلال سيناء الحبيبة ، التي تنبض في قلوبنا كلما نطقنا باسمها بأحلى اللحظات مولدة عبرات الحنين ما بين ذكرها في الأخبار أو في عمل إبداعي كالذي نتناوله الآن ، مذكرًا الجميع ببقعة غالية عانت النسيان و الهجران لأسباب شتى أراد عبر زيارته الأولى لهذا الفن أن يكرم أرض الفيروز بتخليدها في شكل أدبي يعمق أواصرنا بالجذور المتينة.
تداولت أحداث الرواية ما بين سيناء مسقط رأس (بدر) بطل الرواية ذلك الشاب البدوي الذي خرج من صفحات التاريخ من بين أحضان البيئة العريقة التي تنم عن الأصالة و العراقة متنقلًا إلى بقعة أكثر حضرية تتسم بالهدوء و الجمال و هي مدينة الإسماعيلية التي نبتت من بين أحضان مشروع قناة السويس في العام 1869 عقب حفل افتتاح القناة الشهير.
من بين حروف الرواية نستخرج العادات و التقاليد بين البيئتين من خلال أحداث قصة حب (بدر) مع زميلته (ثريا) و كأنه يعيد لنا في ثوب القرن الحالي قصص الحب العذرية مستبدلًا لغة الحكي الشفهي من خلال البيئة الصحراوية الذهبية في تفاصيلها مع تدوينها على الوسائط البدوية بالتسجيل و التوثيق من خلال الفيس بوك و الواتس آاب أي الأوعية التكنولوجية رئة العالم التدوينية الآن.
تحركت أحداث الرواية ما بين الحبيبين أرباب الأسر بالطريقة الجبرية حسب العادات و التقاليد العتيقة ، أزمة البشرية فيمن ينشد العشق بآخرين لكن العادات و التقاليد تقف كالصخر الجلمود في إتمامها بالخاتمة السعيدة لتتشابه مع مأساة قيس بن الملوح ، الذي فقد حبيبته ليلى لبعد مسافة القرابة من خلال الدم و النسب ، مما جعلنا نرى التشابه البسيط بين بدر و قيس في الإصابة باللوثة و الجنون حتى و هم يترنمون بدرر الشعر الكامنة في وجدانهم المنصهرة من لهيب الهجر و الفقدان.
ظهر لنا من بين طيات الأحداث شخصيات مختلفة ما بين الرئيسية و الثانوية ، لتضيف للرواية ثراء التفاصيل و الفجائيات لتزين في مضمونها بالمثير و الشيق من خلال البيئة و أصحابها لنتعرف على الموروثات المتواجدة حسب ما أقره الأجداد منذ وقت بعيد.
إتسمت الرواية في عبارات (بدر) التي جعلها كمعلقات الماضي أو كحبات العقد المنثور عبر الوسائل الحديثة لكي يقرأها الجميع ، كنوع من التوثيق الفوري الذي حل محل الرق و سعف النخيل و غيرها من الوسائط القديمة ، كي تكون في متناول من ينشد الإبداع.
أراد أحمد منصور الخويلدي أن يعيد لنا حنين الماضي البعيد لحياتنا المعاصرة عبر تأصيلها بوسائلنا الحديثة ، و هذا ما وجدناه في إستلهامه لعنترة و عبلة ، و قيس وليلى وقت تعبيراته الغزيرة لحبه المستحيل في إتمامه للزواج مع ثريا لعقبة التقاليد الموروثة لكلا الطرفين.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة و عنف :
هل كتب على قصص الحب الخالدة ألا تتوج بالنهاية السعيدة كي تبقى خالدة ؟!
لعل في سر بقائها أنها ظلت مفتوحة على مصراعيها بلهيب الحب المؤجج بالشوق و اللهفة أن يبقى الحب قائمًا حتى و لو خسر النهاية السعيدة بتاج الزواج ، لأن في الهجران ما يبهر الكلام في ظلال لوعة العاشق كي يُخرج حرارة الحرمان في كلمات تظل متشبثة بالوسائط المختلفة التي لا يمحوها الزمن أبدًا.
وجدنا هذا في قيس و عنترة في الماضي البعيد و لكي نقترب من منطقية صياغة الرواية تجسد هذا في ماضينا القريب لشاعر الشباب أحمد رامي الذي ذاب حبًا و شعرًا في سيدة الغناء العربي ، لنرى الآهات التي تخرج من أحشاءنا إلى الآن مكمنها هذا الحب المحال.
برع أحمد منصور الخويلدي في تضفير العقد التي لم تكمل نصف رسالة بدر لكي تكون رسالةً كاملة بزواجه من ثريا فمنها التقاليد الموروثة و الأكثر منها قوة تخابث الزملاء بالمدرسة ما بين هدى و حازم اللذان يعانيان العقد المختلفة و الأكثر بروزًا منها العيب الجسدي لحامد الذي يعاني البَرص الذي أفقده وسامته و حيويته ، لنجد قوة المبرر عبر النواحي السيكولوجية التي تدفعه لهذه الأفعال المعقدة مستعينًا بنماذج أدبية قديمة جسدت لنا هذا المثل كإدموند في مسرحية (الملك لير) الذي يعاني عقدة ميلاده سفاحًا ، و ياجو في مسرحية (عطيل) الذي يعاني النبذ و الرفض ليهوديته.
نكتشف أيضًا المعين الثقافي الأدبي للكاتب في إستفادته من تراث العملاقة لكي يبني صروحًا أدبية في المستقبل تستنبط الخلود المطلوب من تراث الكبار من مختلف أنحاء العالم.
وضع الكاتب مفتتحًا لكل فصل بجانب العنوان لكي يضفي بعدًا شعريًا حيث مكمنه الرئيسي للرواية ، ناقلاً آلية شكسبير في ما قدمه للتقنية المسرحية بجانب شاعريته و هنا نرى أن الطبيعة البدوية حيث منبت الكاتب وضحت في سعة مساحة الراوي لدى روايته لما يتسم به أصحاب البيئة الصحراوية برمالهم الذهبية في تضفير لأليء الحكي المتسم بالثراء الجامع بين الشاعرية و الحيوية كتراث السير الشعبية.
غلب على طابع الراوي لدى الكاتب طريقة الرواية الصحراوية و التي تضفي على القاريء اكتساب أبجديات جديدة لم يتم تداولها كثيرًا ليعطي للأدب صفة المنقذ للتاريخ من التزييف و التناسي.
وضح التفوق في اختياره لأسماء أبطاله بناءً على طبيعة البيئة مع لهيب مراقبة الزملاء لقصة حبهما و لكن عاب على الرواية ظهور شخصية خالد بشكل فجائي دون تمهيد تدريجي لظهوره لنرى شبحًا مفاجئًا يطل علينا في الرواية كنغمة نشاز طغت طغيانًا جزئيًا على الرواية.
أهم ما برز لنا وجود عنصر الصراع بين المتناقضين ، أي الخير و الشر فجانب الخير نجده في فوكس و الناقد و الكاتب أحمد أستاذ بدر الروحي و حفني الموجه الأدبي لبدر و هالة ابنة فوكس رمز الحيوية و الثقافة و الشباب و مشروع الملهمة الجديدة لبدر عوضًا عن ملهمته الرئيسية ثريا و كأننا أمام نصف رسالة أخرى كجسدة في هالة لعل في نهاية الرواية المفتحة التي تعطي الأمل بعودة بدر مجددًا لرشده قد يجد نصف رسالته المفقودة في هالة عند عودته لمعانقة اليراع مرةً أخرى.
أما جانب الشر فنراه في حازم و هدى و غيرتهما من قصة الحب التي حرما منها لأسباب مختلفة تنصب في مصب واحد ألا و هو مصب الغيرة العمياء و الحقد الدفين.
دب في صفحات الرواية لحظات الحنين للماضي وقت تذكر فوكس للحظات العبور الفارقة في تاريخنا الحديث متوسمًا في بدر أن يكمل ملحمته عبر التدوين و الكتابة مؤكدًا نظرية حماية الأدب لذاكرة الأمة من الطمس بعد أن إعتراها التغيرات المتزاحمة وسط ركام من عهود مختلفة حملت تغيرات عديدة ، تعاني من تخمة الذكريات المشوشة.
عاب على الرواية عدم التركيز على زوجة بدر و تسليط الضوء عليها من حيث الطبيعة و الشكل و جوهر حياتها معه ، و هل هي زوجة تدبر كل شئون زوجها أم هناك تقصيرًا بعينه جعله يبحث عن من يناشده الحب الموؤود من أسر العادات و التقاليد ؟!
لم يرد ذكر ماهيتها إلا في أخر الرواية بشكل تلغرافي شفهي على لسان أحمد و هو يشرح لهالة طبيعة حياته الزوجية مع زوجته و نجد بعض الإستخلاص لزوجها من بدر بناءً على التقاليد الموروثة في حياة سيناء الحبيبة و هذا ما كان ينقص الرواية من حيث تضفير الدراما بشكل أكبر على حيوات أبطالها و كان من الممكن أن تحل هذه الأحداث محل الخطابات الغرامية في بعض المواضع ليصل بالرواية لمرحلة السبك المأمول.
عانت الرواية من بعض الهنات الإملائية التي من الممكن تداركها في الأعمال القادمة للكاتب الذي يحمل في معينه الشاعرية المستمدة من مملكة القوافي التي نقلها للمملكة الرواية في (نصف رسالة) و التي تضفي مستقبلًا عليه بالنضج الرصين.
قدم لنا الكاتب شخصية بدر برفاهية حسه و رقة مشاعره مع تفوقه في نقل عبق الصحراء قديمًا للصحراء حديثًا حيث الإبقاء على شموخ تلك البيئة المتماسكة رغم كثرة التطورات التي تطرأ على المجتمع إلا أن سيناء و المدن المجاورة لها تتمتع بملامح التميز التي نبتت عليها عبر التاريخ.
لابد للكاتب أن يراجع بعض البيانات الهامة التي ترتبط بمعلومات واقعية و تاريخية لها مختلف الأسانيد عبر وسائط متعددة فنجد في صفحة 197 يقول على لسان (فوكس) :
يعجبني جدًا إحساسك المرتبط بالحكمة ، و طموحك و سعيك للتجديد ، فما تقدمه الآن من أساطير ، لم يسبقك إليها إلا كبار الفلاسفة ، لأن الأسطورة موروث شعبي حتى جاء أفلاطون و قدمها في أعماله ، و من بعده سقراط و كبار الفلاسفة ، و ستظل هذه الأساطير مرجعية لطلبة العلم و الدارسين للباحثين عن الحكمة و المهتمين بالأدب و الثقافة ، أهتم بوضعها بكتابك مع التوظيف الجيد لها.
في الجزء الخاص بأفلاطون و من بعده سقراط هذا خطأ لا بد من توضيحه كي لا تتكرر في الأعمال القادمة لأن الخطأ وارد ما دمنا نسعى للإجتهاد حتى لو وقعنا في الأخطاء من أجل التميز ، فأفلاطون تلميذ سقراط و سقراط لم يترك لنا أثرًا مكتوبًا و لولا أفلاطون ما عرفنا سقراط ، الذي ذكره في محاوراته الشهيرة ، كان من المفروض أن يكتب (و من بعده أرسطو) لأن أرسطو ذكر الموروث الشعبي في كتاباته عن المسرح و الشعر و هو تلميذ أفلاطون في أكاديميته الشهيرة التي أسسها في جبل أكاديموس بأثينا و من هنا أتت كلمة (أكاديمية).
ورد في الرواية صفحات الوفاء و الإخلاص برعاية أحمد و حفني لموهبة بدر التي عاد لها بعد عشرين عامًا من الإنقطاع ، مع دعم فوكس له كي لا تنضب تلك الموهبة التي تعطي الحصانة للمجتمع من بؤر الإسفاف و الإنحطاط.
(نصف رسالة) إتسم هذا العنوان ، بروعة التنوع في فحواه بأكثر من موضع و لعل أبرز هذه المعاني ما قاله شاعر المقاومة الفلسطينية محمود درويش كما أكد بدر في مدونته :
سأقول لك عكس ما قاله درويش : أنا نصف رسالة لن تكتمل إلا بك.
ظل هذا المعنى محتلًا جنبات الرواية حتى أخر كلمة ختمت فصولها بتمتمات الجميع على لسان الراوي:
هل رسالته إليها اكتملت ..؟! و سيكون الشفاء ، أم أنه وجد نفسه بالحب ، و ستظل هي نصف رسالة هاربة من روايتها..
أتى هذا الكلام مع قدوم الشرطة لكي يحموا بدرًا من جنونه الآتي من صدمة الحبيبة التي تلاعبت به ما بين المصلحة لدروس ولدها أو لكي تغيظ طليقها أو لتمرد على التقاليد البالية.
كل هذه الأسئلة تظل معلقة إلى أن تختمر أجوبتها ، حسب التغيرات المجتمعية مع تطور الظروف و الأحداث الجسام في حياة الأمم و هذا ما وضعه الكاتب في نهاية روايته مع السكتتين كنوع من إنتظار الغد بأجوبته المدخرة في رحم القدر.

الباحث و الناقد معتز محسن

 الباحث معتز محسن
الباحث معتز محسن
image
بواسطة :
 0  0  480