×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
مديرة التخرير سعاد العتابي

التخطيط لكتابة رواية ناجحة.. بقلم: مختار أمين

image


عندما تنوي كتابة رواية بشكل احترافي، لابد أولا أن تتأكد من موضوعها أنه يصلح لهذا الجنس من الأدب، لأن كل جنس أدبي ينادي موضعه الذي يليق به، فهناك موضوع لا يتعدى الخاطرة العابرة، وموضوع يصلح للومضة، وموضوع يصلح للقصة القصيرة جدا، وموضوع يصلح للقصة القصيرة، وهكذا..
فموضوع الرواية هو أقرب لنقل حياة شبه كاملة، وأحداث ومواقف أشخاص وأماكن وتاريخ، والموضوع لابد وأن يتناسب مع هذا..
ثم يأتي أختيار الهدف، الهدف من هذا الموضوع، لابد أن يكون الكاتب مؤمنا به قبل أن يلبسه موضوع يناسبه، والهدف يخص المتلقي بشكل عام، مفيدا له في حياته، أشياء عديدة عليه أن يخرح بها من خلال موضوع الرواية وما تهدف إليه، وإن خرج موضوع الرواية وهدفهاعلى أنها أحداث غير مترابطة وتصوير لأشخاص وهم يمارسون حياتهم بلا هدف يستشفه المتلقي، واستعراض ثقافي معلوماتي أو بلاغي، أصبحت هراء عديم النفغ ومضيعة للوقت..
ثم تأتي مراحل التأليف، والتأليف بالفعل مراحل، مرحلة تحطيط، ومرحلة تنفيذ..
مرحلة التخطيط:
وهي مرحلة غاية في الأهمية، إذ أنها تحتاج من الكاتب أن يكون ملما بموضوعه إلماما جيداً، ويعد نفسه إعدادا كبيرأ للتخطيط بشكل يتناسب الموضوع فيه مع الهدف المرجو، ويتحدد الهدف وفق عناصر مدرجة في نوت خاصة، مقسمة إلى عناصر تنتشر كما ينتشر نور الصبح رويدا رويدا ليخفي ليلا حالكا، وينساب الهدف كالجدول الرقراق بمائه الفضي منحدرا من مسالك ومنحدرات الموضوع الذي يصيغه ويتلاشى ويغطيه ببروزه في ثناياه، والموضوع هو العمل والفعل اللذان يبرزان الهدف..
تفسيم الهدف إلى أجزاء تتحد مع كل انتهى بانتهاء الموضوع، وعلى الكاتب أن يختار بيئة موضوعه ويحددها بما يليق مع شخوص العمل التي يختارها المؤلف بعناية واقتدار وفق الهدف الذي يتحرك الموضوع في أثره، وهنا عليه أن يبرز الزمان والمكان والشخصيات التي تتحرك وتفعل فعلها المحسوب مراعيا لبعدهما، ويحتاج لدراسة واعية لهذه الشخصيات المخلوقة من مخيلته خلقا أشبه بالحقيقة لجذب المتلقي ليرى البعض نفسه فيها، وكأنها تحاكيه أو تحكي عنه ـ فلا يصح مثلا أن يكون البطل جراح مشهور والكاتب لا يعرف يفرق بين البنسلين والأسبرين ـ أو البطلة راقصة ولا يجيد قاموسها اللفظي ولا المعرفي.. هذه أشياء قاتلة للإبداع في مهده، ولا تجعل المتلقي مقتنعا بأن المؤلف الذي يحدثه يسحره ويجذبه ويعطيه معلومة مفيدة أوأنه سيخرج من هذه الرواية بشيء لأنها لا تقارب الواقع ولا تمثله..
ثم يقوم الكاتب بتأليف الحكاية، ويجعل لها مواقف وأحداث تتطور وفق الهدف المرجو، وبإمكانه تسجيل بعض المواقف والحوارات المهمة التي تساعده على سرد جيد يخلق لها الحياة التي يشعر بصدقها المتلقي، وأيضا يرى أشخاصه وهي تمارس الحياة وفقا لموضوع روايته، أو بالأدوار التي وزعها عليهم ـ اختبار الشخصيات ـ حتى يهبط عليه وحي الإبداع، وينسلخ في مووضوع روايته انسلاخا كليا..
ثم يبدأ بتقسيم الرواية من خلال عناصر الهدف المقسّم إلى أجزاء، ويتناول كل جزء من الهدف على أنه فصل من الرواية ـ أي أنه يقسّم فصول روايته وفق لعناصر الهدف..
ثم تأتي مرحلة التنفيذ بتقسيم كل فصل في الرواية، أن يبدأ من نقطة معينة وينتهي إلى نقطة مهمة تجذب القاريء حتى يشعر أنه كان يجب أن ينتهي هنا، أو هذا الفصل كان يوضح شيئا ما على وجه التحديد، أو يكشف عن شيء ما، أو يعلن عن بداية صراع أو مشكلة.. ثم يقسم الفصل إلى مواقف وأحداث، وهكذا يفعل مع كل فصل من خلال توزيع عناصر وأجزاء الهدف..
ثم يبدأ في كتابة فصل فصل..
وأنا أرجح في مرحلة التخطيط أن يعمل قاموس خاص للرواية يدون فيه المعلومات الضرورية التي بحث واكتسبها من الحياة، وبيئة الرواية التي قام بدراستها، ومهن الشخصيات، وطبيعتهم وسلوكهم، وأيضا تدوين معلوماته الثقافية وخبراته التي تحتاجها الرواية يلمها إلماما جيدا، ويقرأ قراءة مستفيضة عن هذه المعلومات..
ومن العناصر المهمة جدا، بل هي في غاية الأهمية بالنسبة للرواية، هي الحوار، وكثيرا ما تسقط روايات عظيمة في موضوعها وتكنيكها، ولكن الكاتب لا يجيد الحوار الطبيعي، الحوار الذي يتناسب مع تركيبة الشخصية بشكل كامل من النواحي الثقافية والفكرية والسلوكية، وأن يكون حوارا له هدف مفيد يعبر عن شيء مهم يضيف إلى موضوع الرواية، ومن أهم مميزات الحوار أن يقرب المتلقي لجو الرواية وطبيعتها، وأيضا يكشف عن الشخصيات ويرسمها ويصفها..
والحوار له تأثيرا مهما في أن يعطي جو الرواية على أنها حكاية من الواقع وشخوصها حقيقية يرى القارئ نفسه فيه، أو في جزء منها، والحوار أنواع:
الحـــوار: إما مونولوج أو ديالوج أو حوار جماعي:
المونولوج: هو حوار يقيمه الشخص مع نفسه، يعطي الأثر المسموع، وهو يشرح ما بداخل الشخص وما يدور في نفسه وفكره، وهو يساهم اسهاما كبيرا في تجسيد الشخصية وتوضيحها بالنسبة للقارئ.
الديالوج: حوار يدور بين شخصيتين، عن مشكلة ما، أو قضية تشغلهما أو تشغل أحدهما، أو اتفاق يتم بينهما لاجراء عمل أو مهمة، أو شخص يبث للآخر مشكلته أو ما يعتلج في نفسه.
الحوار الجماعي: هو كل حوار يدور بين أكثر من شخصين، أو أيضا حوار ذات قيمة ومضيفا للرواية، ويوضح ما تكلمنا عنه في النوعين السابقين للحوار...
والحوار إما محلي باللهجة المحلية ـ العامية التي يتكلمونها الناس في الشوارع والبيوت وكافة أمورهم الحياتية اليومية ـ وهذا له أثر كبير جدا في توضيح جو الرواية وبيئتها، وطبيعة الشخصيات فيها، وهو له القدرة الأكبر لتوصيف الرواية وشخصياتها وطبيعة مكانها وزمانها بعكس ما يفهم البعض..
وما هي الروايات التي يكون فيها الحوار العامي هو الأفضل؟
الروايات التي تهتم بالمحلية، وتهتم بنقل واقع طبيعي أقرب للحقيقة لمجموعة من الناس، أو بيئة معينة أو شريحة من المجتمع تخصهم جميعا قضية واحدة أو لهم هدف واحد، يكون التجسيد المحلي الحقيقي هو أقرب للواقع، ولا مانع أن نجد أحد الشخوص يتكلم بلغة معينة أو لكنة معينة تناسب طبيعة شخصيته، أو بلده أو منشأه أو ثقافته الخاصة.
الحوار الفصيح: وهو يناسب الرواية التي تتكلم عن طبيعة علمية أو ثقافية، أو وصف حالة فكرية أو اجتماعية لمجموعة من الناس طبيعتهم تناسب الحديث بالفصحى..
وأيضا في الروايات الاجتماعية والرومانسية، له أثرا كبيرا في إيضاح الشخصيات الأساسية الرئيسية في الرواية، وخاصة تركيز الضوءعلى بطل الرواية إن كان هو السارد الراوي، وهو له دوره المهم في الحوارات النفسية (المونولوج)
ولا مانع مطلقا أن يكون الحوار خليطا بين العامية والفصحى، ويفضل إن كان الحوار بالفصحى يكون العامي منه بين قوسين..
أخطاءالحوار الشائعة التي تسقط الرواية فنيا:
1ـ أن يكون الحوار بشكل عام لا يناسب وطبيعة الشخصيات.
2ـ أن يكون الحوار لا يمثل الواقع بشيء ـ من ناحية القول وتركيب الجملة، وخاصة في الحوار العامي ـ أو يكون ركيكا غير منطقي في الفصحى..
3ـ أن يستعمل ألفاظا ثقيلة (مقعرة) من باطن اللغة، ويستعمل الحروف والأدوات التي تناسب الخطابة وتبعده عن اللغة السهلة الدارجة.
4ـ أن لا يكون له أدنى أهمية تضيف للرواية أو الموقف المصور بشيء، ولا يناسب واقع الرواية وطبيعة المكان والأشخاص.
5ـ أن يكون حوارا مليئا بالوصف، أو يوغل في نقل حدث تم بين أشخاص أو وصف فعل أو حادثة كاملة على لسان شخص، أو نقل حوار تم بين عدد من الأشخاص على لسان المتكلم (قال لي فلان كذا، أو قال له فلان كذا ورد عليه علان بكذا) هذا حوار ضعيف فنيا.
وكل هذه الأخطاء تضعف الرواية في المجمل بشكل عام..
ولنا حديث مكمل لفنيات مهمة لكتابة رواية احترافية بشكل لائق..
وربنا الموفق تحياتي للجميع
 0  0  589