×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
Ghada M. Salah

ماهية النقد الأدبي و الشاعر الناقد بكري جابر

ماهية النقد الأدبي
النقد الأدبي ذلك المصطلح الأصيل ، الذي خرج من رحم الإبداع الإنساني ، و جاء موازيا له منذ فجر الإبداع البشري، وقد أسست له منذ البداية الذائقة البشرية البكر ، و وضع أسسه أُناس عرفوا حقيقة الإبداع وماهيته ؛ ذلك العلم الذي يتناول المنتج الإبداعي تحليلا و تنقيبا عن خصائصه وجمالياته ليتماهى في معيته ويحلق في فضاءاته وعالمه الخاصة ، من أجل الوقوف على ميزاته الأبداعية وتشريح أوصاله وخلاياه ، وصولا إلي روحه و كنه جوهره ، إبرازاً لجيده و ردئه وعمق قضاياه ؛ ذلك العلم القيم المختص بجماليات الإبداع ، أصبح في الفترة الأخيرة مُفَترى عليه ، وصارا مُنفراً للقارئ والمبدع على حد سواء ، فصار معول هدمٍ لا بناء، وهو برئ من تلك الفَرية براءة الذئب من دم ابن يعقوب ، ولم يوصله إلى تلك المكانة من التنفير و الإزدراء إلا أُناسٌ لم يتفهموا حقيقته ، و أخذوا يلوكون مصطلحات أكاديمة جامدة حد الجمود ، بعيدة كل البعد عن حقيقته ، وعن ذائقة المبدع الحقيقي الذي هو مناط العمل الإبداعي وقلبه ، المتلقي . وما أوصله إلى تلك الزاوية الإنعزالية إلا واحدٌ من اثنين ، إما دارس إمتلك ناصيته ولكن بجمود روح وتعقيد فكر، رغبة في صنع هالة من التقديس و الكهنوتية المنفرة ، ليصنع حول ذاته المريضة هالة زائلة من التقديس ؛ و إما جاهل بحقيقة النقد الأدبي متنطع ، يحاول أن يُضفي حول نفسه هالة من الجلال والوقارالمصطنع ، فيعتمد على مصطلحات لا يفقهها ويصب جام جهله وحقده وغضبه ، وقصوره عن أن يكون مبدعا حقيقا، فيعمل مخالبه في تناول ـ ما يظنه ـ سلبيات وعيوب العمل الإبداعي ، بفقر روحه الإبداعية .
وحقيقة الأمر لابد من الوقوف برهة واعية، حول حقيقة هذا العلم الجليل ، الذي هو في حقيقته إبداعٌ موازٍ للعمل الإبداعي ؛ فالنقد الأدبي إبداع و إمتاع ، وجناح من أجنحة الإبداع ، فهو عقل و وروح ونبض وبصيرة واعية ، غواص يغوص في باطن النص يستخرج لآلئه و يميط اللثام عن درره ، ليضع يد المتلقى على بؤر النور الجمالية داخل المحيط الإبداعي ، تبصرة وتوطئة للقارئ ليذوب في سماوات العمل ويذوق شهده ؛ فالناقد المستنير نحلة عسلٍ تجوب رياض النص ، وتحلق في رُباه و بين أزاهيره ، و تتفيئ بين خمائله مرتشفة رحيقه ، لتخرج لنا عسلا نقديا شهيا ، يفجر داخل ذات المتلقي مناطق لا يمكن أن يصل إليها القارئ العادي إلا على جناح ناقد هو في حقيقته مبدع حقيقي ، متحاشيا تغليف نظرياته النقدية بتلك الدندنات الكهنويتيه التي تصرف القارئ عن جماليات وروح الإبداع نفسه ، ولا يقوى على تلك المهمة الشاقة إلا ناقد تسلّح بروح الإبداع و سلاح العلم التقني الواسع، فعلى الناقد البصير أن يكون ضاربا وبعمق في ضروب العلوم الإنسانية ـ على وجه الخصوص ـ والعلوم المادية في شتي المناحي و الدروب ، مطلعا على مختلف الثقافات الإنسانية على حد سواء ؛ كما أن الناقد الحقيقي لابد أن يكون ملما بكل أنواع الأجناس الأدبية قديمها وحديثها ، مستشرفا ما قد يِعنُ في الآفاق ، من مدارس و تشكيلات إبداعية ، بروح مبدع يقفز فوق عالم النمطية و اُلأطر السائدة ، فينظر بروحه وثقافته المتطورة والوثابة كمبدع يُخلّق ويبتكر أُطرأ و تشكيلات إبداعية ، تطمح إليها ذات المبدع الحق في أن يصنع لنفسه مدرسة إبداعية خاصة بذاته ، فعلى الناقد أن يكون ذا نفس مرنة ومبدعة في آن واحد ، يغوص في جوهر النص و إشكالياته الخاصة ، و ألاِّ يهمش أو يهدم بعقلية متحجرة ما يستحدثه المبدع ، بل يقف على جماليات العمل الإبداعي ويؤصل ـ إذا كان هناك ما يستحق التأصيل له ـ فجوهر الإبداع الجمال ، والجمال فقط نفسه، فكل مبدع حقيقي مدرسةٌ إبداعيةٌ في حد ذاتها .
النقد هو إحساس بعقل ، وعقل بوجد ، ثم علم بعد ذلك صرف ، فإذا كان علم النقد هو بيان الجيد من الردئ ، فكيف يعرف ذلك من كانت روحه غير مبدعة ومتطورة ؟! فكل جمال إبداع ، ولا يكون الإبداع إبداعا إلا إذا فجر في ذات المتلقى جمالا و رؤى غير تلك الرؤى المتعارف عليها سلفا ، وهنا يجئ دور علم النقد في إظهار و إبراز تلك المناطق الجمالية والمدارس الإبداعية الحديثة و التماهي مع رؤى النص الإبداع و اشكالاته .
أما ما نراه اليوم ممِنْ نصّبوا أنفسهم كهنةً لذلك العلم الجميل وحنطوه في نظريات معلبة ، مبتعدين عن جوهر الإبداع الحقيقي ، ما هو بنقد ، وما نراه من مجاملات سخيفة في التصدي لكتابات مترهلة ـ ليست نصوص إبداعية ـ لإضفاة صفة الإبداع عليها ، مجاملة لأصاحبها تحت أغراض خاصة ما هو بنقد . وتلك الممارسات الطفولية المريضة تقتل روح النقد ، وتجعل القارئ ينفرمبتعدا ويكفر بالنقد الأدبي و آله ، فالنقد الأدبي أرقى و أجلّ ، فهو في حقيقته إبداع و إمتاع .
image
بواسطة :
 0  1  316