×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
المخرج محمد فرحان

انكسار ..القاصة والروائية فداء الحديدي الاردنi

انكسار ..ر.Feda Al Hadidi
قادني القدر إلى ذاك الطريق الخالي , رايته كما هو منذ سنوات يجلس وحيدا , خلال كل تلك السنوات التي مضت , لم أفكر يوما او حتى أحاول الاقتراب منه و مجاذبته أطراف الحديث , حاولت جهدي ان اترك له خصوصية وان لا أقحم نفسي في فسحة المكان الذي اختاره لنفسه .
اليوم كان قراري المفاجئ , ان اكون بقربه , أن استمع اليه , ارتوي من سنين العمر التي ارتسمت على جبينه , و خط الزمن الذي رسم على يديه أوردة زرقاء قاحلة , ظهرت امام عيوني و انا أصافحه.
كان يجلس على ذات المعقد الخشبي القديم , متكئا على جدار في الحي القديم , جلست بقربه , حاولت أن أستمع إليه ...كان يقلب قصاصات من الصحف القديمة بين يديه , مبتسما , وجوه تكررت في صفحات الصحف القديمة , منذ تاريخ جلوسه على هذا المقعد الخشبي , مّد يده باتجاهي لأقرأ بعضا منها .
لم أحاول أن أستفسر أكثر , دهشتي كانت أكبر و انا أرى دمعة تسقط تلو الأخرى على كفيه و هو يحضن وجهه يحاول أن يخفيها عني , أشار بإصبعه على الطرف المقابل , القصر المشيّد في أعلى الجبل .
حتى هذه اللحظة , لم أكن على يقين ماذا تعني كلمة على الطرف المقابل , كلمات نرددها , نعني بها ما نعني , لكن ان تكون على الطرف المقابل للحياة شيء مختلف , شيء جديد , ربما كانت أسهل لو انني عرفت ان الطرف المقابل هو الموت .. ربما سيكون استيعابي لها اكثر من ان الطرف المقابل هو الحياة لعمر قضى و مرّ و انتهى منذ سنوات و هو ينتظر على نفسالمقعد .
الغروب يأتي ببطء , مثل حال هذا الرجل , ينتظر منذ سنوات خلت ومضت , أخفت الشمس خدودها في كنف السماء , هّم بالوقوف ,بيده عكّاز أبيض حاول ان يستند عليه, كانت المرة الاولى التي ارى بها عكازا أبيض , سمعت كثيرا عنها من قبل , لكنها كان هذا اليوم المرة الاولى في حياتي أراه بقرب .
كان يقبضه بقوة شديدة , يثّبت قاعدته على الأرض بشدّة , يحاول النهوض من انتظار سنوات , لكن ازيزا اثار سمعي , جعلني انحني إلى الارض إلى منتصف عكازه الابيض, أنظر بحذر , بحزن , بثورة ايقظت روحي من سبات الحب و الابوة الشاردة في سنين العمر و في طي النسيان , ايقنت ان الطريق التي نسير بها قد تخذلنا في منتصف العمر , او حتى في نهايته.
نظرت إلى منتصف العكاز الابيض , كان يتمزق , حواف حادة تظهر , أصبحت عكازا هشة لا تسند صاحبها ,لا تعينه في مسيره , نهضت من جديد , انظر إلى عينيه التي كاد بريق دمعته ان يخطفني من عمري حتى أنا .
الشارع الخالي , امتلئ بالعابرين , مددت يدي إليه , حتى أعينه , قبل أن يعطيني يده إرتدى معطف الفراء فوق لباسه الرث , وقبل أن يحكم إغلاقه حول جسده النحيل , أخرج من جيبه شاشة بيضاء كبيرة , وضعها في منتصف صدره , اثار دماء لم تجف ...

image
 0  0  203