إلى ينبوع الحنان.. أمي. بقلم: ليلى عبد الواحد المراني/ العراق
إلى ينبوع الحنان، متدفّقاً سيظل رغم رحيلها.. إلى أمي..
لن أكرّر كلمات قيلت عن الأم واستهلكت؛ فكلّ ما في قواميس العالم أجمع، وبلغات الشعوب أجمع، لن تفي حقها، ولكنني سأذكر هنا صورةً حملتها عقوداً في ذاكرتي مذ كنت في السنة الأولى ابتدائي.. ملتصقةً بأمي، كجلدها كنت بعد أن فقدت ابنتها الكبرى ذات الأربعة عشر عاماً؛ غمرتني بكل ما يحمله قلبها من حب وخوف، فأصبحت ظلاّ لها، تقص لي قصص السعلوة والطنطل، تلك الكائنات الخرافية المخيفة.. أرتعب ويزيد التصاقي بها، وليلاً أنام في دفء حضنها.. ما يزيدني زهواً وتباهياً أمام اخوتي الكبار، أنها تضع رأسها في حجري الصغير ظهراً، تطلب مني أن ألعب بشعرها كي تسرق دقائق قيلولة من يوم طويل مجهد.. انتابني رعب وارتجفت يوماً، حين رأيت شعرة بيضاء تلمع في شعرها الأسود الطويل، إشارة حسبتها أن أمي سترحل وتتركني، أردت قطعها.." لا تفعلي، ستتكاثر.."، هكذا قالت أمي وهي تمسح دموعي التي تساقطت ساخنةً على وجهها.. من يومها، وأنا أراقب شعر أمي.
حين غزا الشيب بقسوة جدائلها الجميلة، فزعت.. ضحكت هي، احتضنتني،" يا حبيبتي، كل شعرةٍ بيضاء، هي يوم من حبي لكم.."، لم أفهمها، ولم أستوعب كيف تكون الشعرة البيضاء اللئيمة، حبّاً.. ولكنني حين أصبحت أمّاً، فهمت..
لك يا أمي، يا من أرضعتنا الخير والنقاء.. أبعث لك كل حبي بعيدك المجيد.. أستشعرك لا أزال.. أحسّ بأنفاسك الدافئة تذيب جليد غربتي.. أراك مبتسمةً، كما أنت.. بهيّةً كما كنت..