×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
مديرة التخرير سعاد العتابي

إستراتيجية امرأة حالمة في قصيدة عاشق.. قراءة بقلم: الناقد رائد مهدي في قصيدة "عاشق" لـ... سعاد العتابي

image



إستراتيجية امرأة حالمة في قصيدة عاشق

عند الحلم يلزم الإنسان الصمت، فيرى، ويسمع، وأحيانا يبدع، ويعطي بالغ الأثر...

موضوع نقدي كتبته عن نص الشاعرة الأديبة سعاد العتابي والذي كان بعنوان (عاشق).

الناقد: رائد مهدي/ العراق

شفيف ليلنا/
يبدي ملامح الأحلام/

ما أجمله من وصف للإبتعاد عن الغش والتحايل والإلتواء تلك الأحوال المشينة التي لايكون لها وجود بغير العتمة والقتامة وحلكة الظلام، تلك الشفافية التي لاتمنع الأحلام من مقاربة السطح والسعي لكسر حواجز المنع لأجل إعلان الهوية والتحقق بالزمكان الموافق للرغبة والإختيار والقصد .

التصور البشري لمفهوم الانسحاب عادة مايقرنه الكثير بالهزيمة أو التقهقر أو الفشل أو الملل أو الفرار ولكثرة ماتكرر هذا الارتباط الوثيق بين الانسحاب وتلك المفاهيم غدت كلمة الانسحاب ضمن مصطلحات الجانب السلبي غير المرتبطة بمكسب.

الذي لفت انتباهي في نص الشاعرة سعاد العتابي الموسوم/ عاشق/ هذه الكلمات المنفردة والتي كل واحدة منها تختصر عبارة كاملة توجزها بكلمة وهي:

اختبئي/ بعشقي/ بلهفتي/
لوذي بعيدا عن مساحات المحال

ومعلوم تصورا أن الاختباء لايكون إلا عن خوف أو حذر لكن مراد الشاعرة هنا كان اختباء للمفاجأة بقرينة العشق ذلك الذي يكون مساحة عمله الأعماق الخفية لوجدان الإنسان والمخبأ العميق والذي فيه تعمل اللهفة ويضرم الشوق نيرانه وهو خير مكان آمن يمكن للمشاعر أن تحتمي به دون مضايقة من شخص وتمارس به حريتها دون فرض من أحد، ولأن انتماء تلك الأحلام للعشق لذا كانت مدعوة للإختباء في العشق واللهفة ذلك الاختباء الذي يعد بمثابة الإنتساب الطبيعي للأحوال والعودة من المهجر إلى الوطن والمقر. لذا كانت الشاعرة قد وُفّقت مكانيا بنسب الأحوال لمواطنها،
في قلبي المسكون /
أو تحت أهدابي /
فالقلب وطن الأمنيات والبحر الذي تتلاطم على سواحله أمواج المشاعر وتثار على سطحه زوابع الشوق وبروق الرغبة وغيث الحنين .
"وأما الأهداب فهي القشرة الأولى والمخبأ الأولي للحلم" "فما بين الحلم والواقع سوى رموش تنطبق حينا وتنفتح" .

وبعد الإنتساب الطبيعي والإقرار تنهال عبارات التحذير والتي هي الغاية من ذلك التنسيب والتوطين فتقول:

كي لا يلمحوك/

وواضح جدا أن المُتَحَذَّر منه رَجُلاً باعتبار أن الرجل كائنا صوريا والارتباط وثيق بين اللمح والصورة لأن الكلمة أو اللفظ المكتوب لايمكن إداكه بلمح البصر دون نظر كاف وتأمل المشهد فكان جانب الخطر هنا الرجل باعتباره مصدرا يمكن أن يتأتى منه ماحذرت فيه بآخر النص قائلة :

فيمارسون اللهاث/
تحت سمائك/

وجهة اللهاث الطبيعية هي التمدد إلى الأسفل والذي لايتأتى له أن يجري إلا تحت السماء ونحتمل أن تكون الشاعرة تقصد بذلك تحت قيم السماء المتمثلة بالارتباط المتعارف عليه بالشرعي، لذا كانت التحذير من أولئك اللاهثين للنيل منها بمسمى التشريع. ونحتمل أيضا أن المطلوب هو إخضاع المرأة بالحيلولة دون سقف آمالها وطموحاتها ولعل التحذير من حيلولة أولئك اللاهثين لكونهم في أغلب الأحيان دون مستوى طموح الأنثى وسقف أحلامها العالي دائما.

وتتواصل الحيطة والحذر من الوقوع بفخ قلما تنجو منه المرأة باعتبارها كائنا لفظيا فتعطيها جرس إنذار مما قد يواجهها من كم هائل من شباك الغزل التي ينصبها أرباب القصائد وكي لا تعلق بإحداها عليها اختيار المكان الصحيح واحلال نفسها بمرتبة آمنة بقولها :

وينظمون شعرا /
كلما لمحوك /
طيفا في الخيال... /

شاعرة النص تحدثت عن كائن صوري تمثل بالرجل وعن كائن لفظي متمثل بالمرأة وفي ذلك تكوين تام" للفكرة التي هي في حقيقتها نتاج اللفظ والصورة حين نتلقاها من الخارج، ونتاج الصورة واللفظ حين تنبثق من داخلنا واعماقنا" تلك التي جعلت منها الشاعرة موئلا وملاذا للإختباء.

من وجهة نظري أن تلك المعالم المتنوعة بين انسحاب واختباء وملاذ كانت استراتيجية امرأة حالمة تتحذر العشق على طريقة الرجال الذي هو صورة مجسمة ومجسدة بينما ترغبه على طريقة النساء التي هي لفظة ومعنى عميق يسهل إيداعه الأعماق لا عكس الصورة التي تنزع دائما للظهور والإعلان .

لقد أنْصَفَتْ الشاعرة بتوزيع صورة النص لرجل عاشق بينما المعنى لامرأة تحتاج إلى إستراتيجة لتحقيق أحلامها مأمونة من عشق قاطف للإحلام أم مبعد عنها.

الجميل في الأمر أنها أعطت الكائن الصوري دور المنادي للمعنى وأعطت للكائن اللفظي دور المُنادى والمقصود بالمعنى.
لعل في النص ترغيب للتكامل القصدي فيكون منحى الرجل معنويا مع المرأة وأن يتخطى رغبات الجسد ولكن سيكون ذلك أفضل لو أن امرأة النص لم تكن تسمع فقط للمناداة وللتحذيرات، لقد جعلت الشاعرة امرأة النص خاضعة في الإنصات كما هو المظهر الأغلب في الشرق وفي ذات الوقت أعطت لنفسها إنتاج ذلك الإبداع الهادف الذي يتوافق مع ماقيل وراء كل رجل عظيم امرأة لتعيد بذلك الرجل إلى رشده ولتعرفه بخارطة المعنى ومنبعه الأصيل.

لشاعرة النص سعاد العتابي فائق ودي وإعجابي وأطيب تمنياتي لها بالتوفيق والمزيد من العطاء الشعري.

رائد مهدي / العراق
 0  0  726