×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
مديرة التخرير سعاد العتابي

دق الناقوس في فنيات كتابة النصوص.. (1) كيف تحكي المحكي -الموضوع المعروف سلفا- من خلال نص أدبي في حرفية متقنة، بلغة جيدة، وثقافة جاذبة؟ بقلم: مختار أمين


image

روعة السرد وفن الحكي القصصي المبهر.. كم يشاكس بعض الكتاب في عالمهم المحدود على الفيس للدفاع عن الحداثة في كتابة النصوص الأدبية بفكر محدود، وقد ظن أغلبهم أن الحداثة تأتي في النصوص القصيرة البليغة التي ترقص أمام الجميع بقطعة أو قطعتين من رداء اللغة، في حين يبقى باقي الجسد (الموضوع ـ القضية ـ السرد ـ الحكاية) عاريا مستباحا لآخرين، والآخرون باتت هذه النخبة المحدودة – الفيسّيون – يطلق عليهم "عواجيز الفرح" هم الذين يتحركون في كل مجالات كتاباتهم بأرديتهم كاملة تغطي كل أجسادهم؛ فالفيسّيون يفسرون حداثة فيس بوكيّة تتوافق مع بطونهم المصابة بالتخمة مقارنة بـ (عواجيز الفرح) الراقدين وراء الكتب والأبحاث والقراءة والإطلاع، ونهمهم الأول لم يكن "التيك أواي" الذي يأكله الفيسيون ساعة بعد ساعة. فأصحاب البلاغة (عواجيز الفرح) يكتبون كل الأنواع لأن موروثهم كبير عميق؛ فللشطارة أمارة، والأمارة في أن تجعل القارئ يبحث عنك في المكتبات، ويشتري رواية لك من مائتي صفحة وما يزيد، وأحيانا يؤجل أمورا مهمة لأنه يقرأ لك ويسبح معك وحدك الآن، في عالمك وسحر عباراتك وجملك وأفكارك، وبحر ثقافتك الهائل.. في حديث عن السيميائية في الأدب التي يفسرها البعض بشكل محدود على أنها مدرسة مهمومة بالدلالة، ودلالة اللغة على وجه ممعن في التقصير والتفسير لهذه النظرية، ولكي أقنع من يتحاورون معي بفهمهم القاصر عن السيميائية وحصرها في دلالة اللغة(؛) قلت لو أنا طبقت نظريتكم السيميائية بفهمكم المقصر في حقها؛ فكيف أكتب رواية تتحدث عن موروثي الثقافي ككاتب، وأنا أضفر في عملي معلومات عن شعراء وبعضا من قصائدهم، وفلاسفة، وتشكيليين ورسامين وسياسيين، وأماكن، وتاريخ أمم؟ هل هنا أكون محكوما بهذه النظرية المحدودة، وأمعن في الشكل الخارجي، وهل إفادة المتلقي لروايتي تقف عند حد تفكيك اللغة ودلالتها؟ .. المقصود، أن البلاغة في اللغة العربية بحر كبير في كل شق منها له جماله الخاص. من ناحبة اللغة: تراكيب الجمل والألفاظ ودلالتها، وبيانها، والعبارة التي تحمل هدفا، كطوابق العمارة كل طابق يسلمك للطابق الذي يليه، والمتعة والتأثير على المتلقي في موسيقية هذه اللغة.. ثم في مضمون النص الأدبي كيف أحكي للمتلقي المحكي وهذه براعة وحرفة أديب، لم تكن نقيصة أبدا، كالنكتة مثلا، لو قلنا أن عشرة أشخاص يعرفون نكتة بعينها.. هل العشرة لو كل منهم ألقى هذه النكتة سنضحك بنفس الدرجة (؟)، أم أن مهارة الحاكي وطريقة إلقائه عامل مهم قد يمتاز فيه واحد عن آخر؟. فالمضمون الموضوع: نادرا ما يمسك الكاتب بموضوع جديد فهو يحكي المحكي؛ لذلك لابد له كأديب أن يوضح مهاراته في كيفية حكي هذا الموضوع كي يمتع ويفيد، ويعلم القارئ لكي يحصل منه على صك التفويض ليتكلم عنه.. لسماعه.. للقراءة له والبحث عنه، وهذا كله من خلال أسلوبه في السرد، وموروثه الثقافي والمعرفي، والخبرات المتعددة في فنون الدنيا والحياة.. لأن في مفهومي أن الأديب الجيد يحكي للحوذي، والصرماتي، والبناء، كما يحكي للطبيب، والعالم، والسياسي، وربة المنزل والفتاة الصغيرة، يحكي لكل شرائح المجتمع، قادر على الدخول لكل شريحة ليقنعها أنه منها، يدري بحالها، وبأمورها، وبصنعتها، وفنياتها، وإلا لماذا انتشرت رسالات مي زيادة وجبران؟ لأنها عبارة عن مخزون لأديبين عملاقين لهما ثقافة خاصة، وخبرة خاصة، ومعرفة خاصة، فللأديب حديثه الخاص، ومخزونه الثقافي والمعرفي بحر هائل. فالكاتب الذي يستعرض عضلاته بانسياقه وراء عبارات رنانة، وجمل ترقص لك وبك، وتخرج من حفلة نصه مخمورا بوهم الكلمات التي لا توحي إلى مضمون، كما يقع في براثنها الكثير من الكتاب الجدد، ويخطئ بعض النقاد بفهمهم الكلاسيكي بضرورة التجديد في اللغة بالإتيان بألفاظ، وجمل، وعبارات جديدة على الأذن.. ناسين أو ضاربين بعرض الحائط أن الكاتب مكلّف من قبل قارئ معين بثقافة معينة، وأن هذا القارئ أغلبه وقع في ردة التعتيم الثقافي السياسي، وهذا التعتيم أثر على مخزونه الثقافي من خلال انحدار التعليم، ورمى من يديه الصحيفة التي يتثقف منها في زمن الثقافة، وأهمل القراءة والكتاب ليبحث عن همه الأول والأخير لقمة العيش. لو أن كل صاحب رسالة تمسك ببرجه ولم ينزل منه داعيا كل من يحتاج رسالته الصعود إليه.. ستستبد الحكام أكثر على الشعوب لأنهم أصبحوا لم يشعروا بهم، وكذلك الأمر ينطبق على العالم والمعلم والأديب في وقت الحاجة إليه لابد له من النزول إلى المتلقي درجة أو درجتين لا أكثر ليعيده مرة أخرى لحب القراءة والإطلاع والمعرفة، وعملا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم وعلى صحابته الكرام: (خاطبوا الناس على قدر عقولهم) ليفهموكم ويتفاعلوا معكم، ثم يأتي دورك كأديب.. إحك له بلغة سهلة بسيطة جيدة ترمي له بلفظ أو لفظين من ثقافتك الخاصة سيفهم السياق، وابنِ له جملة بسيطة بأقل عدد من الكلمات بها صورة بلاغية قريبة للذهن، وخبرة بالغالبية التي تحاكيها وتحكي لها وعنها، عبارات تنسجم وموسيقاها مع أذنه، ثم صعّدها رويدا للحفاظ على التراث اللغوي. هذا ينطبق على هذا العصر وزمن الردة الذي تفشت فيه آفة عدم القراءة والإطلاع حتى وصلت للمتخصصين وأساتذة الجامعات، وأيضا في صفوف الأدباء والكتاب، وأذكر عصر كنا نتعلم فيه فن كتابة النصوص الأدبية على أيدي الكبار.. أساتذتنا كانوا لا يطيقون سماع نص منا إلا أن نخوض اختبار التأهل القرائي.. لمن قرأت؟ ولا يذكر كتابا بعينه، ولكن يذكر لك اسم الأديب بكامل أعماله. هل قرأت يوسف إدريس أو إحسان أو نجيب أو العقاد أو طه حسين؟ ومعنى السؤال أنك يجب أن تكون قد قرأت كل أعمال الكاتب، ويسمعك لو قرأت للبعض منهم وأشهرهم في مجال كتاباتك.. ذاك عصر، وما نحن فيه عصر (؟). فمن يتهور، ويتشبث برأيه، ويتأنق علينا، ويظن فينا أننا نسعى للتردي في الأسلوب الأدبي من خلال النصوص الأدبية، وأنا نخلق بهذا الرأي كتابا لم يأتوا بإبداع جديد، وهم تكرار للسالفين؛ فنظرته ضيقة، وغير حاملة للبعد القومي، والهدف والترقي، بل يفتقد أحاييل التعلّم، وإنشاء جيل وأجيال من الكتاب والمثقفين. فكل ما أوردته في مقالي هذا يوضح في فحواه مفهومي عن كيفية فنيات كتابة نص أدبي، وفن الحكي عن المحكي أو الموضوع الذي تناولته كتابات عديدة.
 0  0  325