×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
المخرج محمد فرحان

إلى Bedriya Alabdily الباحثون عن الثمن القليل!

إلى
Bedriya Alabdily


الباحثون عن الثمن القليل!
لن تجد في كتاب الله تعالى من عباده الصالحين من يشتري من الله تعالى، بل الكل يبيع، لأن المؤمن لا يملك شيئاً يساوي ما عند الله تعالى، فهو مهما ملك المال والنفس والولد والغالي أياً كان صنفه، فإنه يعلم علم اليقين أنه لا يساوي ما عند الله تعالى، لا يساوي رضوانه ولا نعيمه، ولذلك فهو لا يشتري من الله تعالى، بل يبيع ما عنده لله تعالى عسى أن يتقبله الله منه. يبيع لله ماله ونفسه وولده وحياته الدنيا بأسرها والله هو المشتري فإن قبل الله تعالى منه بيعه تكون تجارته رابحة، وإلا فلا.
(فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ الله الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ) [النساء: من 74] فهم يبيعون الحياة الدنيا متنازلين عنها بكل بساطة ليحصلوا على الآخرة؛ زهدوا بالحياة الدنيا لحقارتها في ميزان الآخرة،
(وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاء مَرْضَاتِ الله وَالله رَؤُوفٌ بِالْعِبَادِ) [البقرة: 207] فهو يبيع نفسه لينال رضوان الله تعالى.
(إِنَّ الله اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ) [التوبة: من 111] هؤلاء باعوا أنفسهم وأموالهم في تجارتهم مع الله تعالى والله هو الذي اشتراها منهم والمقابل هو الجنة.
أما الباحثون عن الثمن القليل فإنهم هم المذمومون، وهم لا يبيعون، بل يشترون، هكذا وصفهم الله تعالى، ولكن ماذا يشترون؟
إنهم يشترون الثمن القليل ويبذلون الدين من أجل الحصول على هذا الثمن. وقد يقول قائل: كيف ذلك؟ الأصل أنهم يبيعون الدين مقابل الثمن القليل وهذا هو واقعهم؟ والرد عليه أن الله لم يصفهم بالبائعين بل وصفهم بالمشترين، فهم يشترون الثمن القليل طلباً له وحرصاً عليه، ويبذلون فيه الغالي وهو الدين زهداً به واحتقاراً له.
(فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ الله لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ) [البقرة: 79]
لاحظ: ليشتروا به ثمناً قليلاً، وليس ليبيعوه مقابل الثمن القليل، فالفرق إذن أنهم صاروا طلاب الأثمان القليلة ومن أجلها فهم مستعدون لأن يضحوا بدينهم، بآيات الله، بكتابه، أن يحرفوا ويكذبوا وفي النهاية هم يخسرون آخرتهم وهي أغلى شيء مقابل هذا الثمن القليل.
انظر إلى من عنده درة ويريد أن يتخلص منها فقط ليحصل على دراهم معدودة بينما تساوي درته الآلاف، ماذا تقول عنه؟ إما جاهل بها أو مجنون. والصحيح أنه ليس جاهلاً ولا مجنوناً لأن هذه الدرة لا تساوي شيئاً عنده فهو زاهد بها من أجل أن يحصل على بضعة دراهم، وهؤلاء نظروا إلى الدين ونظروا إلى الدراهم المعدودة، فوجدوها أنفع لهم وأحسن في حياتهم من الدين، فزهدوا بالدين من أجل الدراهم، فتحولوا من بائعين للدين إلى مشترين للدراهم ببذل الدين، هذا هو الفرق. ولعلنا نقول بصورة أخرى أنهم طمعوا بالعاجل واستهانوا بالآجل.
(وَإِذَ أَخَذَ الله مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاء ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْاْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ) [آل عمران: 187]
فنبذوه وراء ظهورهم: لاحظ (وراء ظهورهم) والنبذ هو الطرح والإلقاء كمن ينبذ نواة التمرة، فهم نبذوه ولكن وراء ظهورهم إمعاناً في الاستهانة به، ولم ينبذوه أمامهم بل وراء ظهورهم لكي لا يرونه أمامهم وهم يمشون فلعلهم يلتقطونه، بل وراء ظهورهم كي لا يتذكروه أبداً، ولا يرونه على الإطلاق، لأنهم زاهدون به ولا قيمة له عندهم ولذلك قبلوا بنبذه الثمن القليل، ودين الله على أية حال لا ثمن له، فمهما قبضوا مقابله من أموال وقصور وبساتين وسفر وملابس وشهرة فإن هذا كله ثمن قليل. وعلى العكس منهم (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِالله وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لله لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ الله ثَمَنًا قَلِيلاً أُوْلَئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ الله سَرِيعُ الْحِسَابِ) [آل عمران: 199] هؤلاء الذين فهموا معادلة البيع والشراء فأبوا أن يشتروا الأثمان القليلة بآيات الله، ونالوا بذلك رضوانه.
وانظر إلى قوله تعالى: (أُوْلَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرُوُاْ الضَّلاَلَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُواْ مُهْتَدِينَ) [البقرة: 16] فلم يقل باعوا الهدى بالضلالة، بل اشتروا الضلالة، لتوجيه الخطاب إلى زهدهم بالهدى وحرصهم على الضلالة، لما فيها من منفعة دنيوية لهم. ومثلهم (أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُاْ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآَخِرَةِ فَلاَ يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ) [البقرة: 86] .
ولن تجد في كتاب الله من أمثال هؤلاء إلا مشترين، أما البائعون فهم المؤمنون عباد الله الصالحون، جعلنا الله وإياكم منهم.
والله تعالى أعلى وأعلم وهو الهادي إلى سواء السبيل
image
 0  0  232