×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
المخرج محمد فرحان

الاستفتاء الكردي وهؤلاء الصهاينة ولاء سعيد السامرائي

من أبرز ما ميز مشهد الاستفتاء الذي نظم في العراق، في 25 سبتمبر/أيلول الماضي، من أجل استقلال الأكراد، وجود صهاينة في أثنائه، فقد انتشرت، بشكل واسع، صورة رئيس إقليم كردستان العراق، مسعود البارزاني، جالساً وراء مكتب، وعلى يمينه يجلس برنارد هنري ليفي وعلى يساره برنار كوشنير، ومن خلفه مجموعة من "المكلفين بالمهمات" من اللوبي الصهيوني الأميركي. كما شوهدت أعلام إسرائيل في أربيل ابتهاجا بالمناسبة، وبتصريحات الدعم التي أطلقها بعض ساسة الكيان المحتل في فلسطين. ونشرت مواقع فرنسية خبر اتفاق بين البارزاني ورئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، لتوطين 200 ألف عائلة إسرائيلية من أصل كردي في شمال العراق. ومن الطبيعي أن يستفز هذا الوجود شعوب المنطقة، وأولها الشعب العراقي، لأن القضية العادلة لا تحتاج مستشارين من المحافظين الجدد يقبضون ملايين، ليس همهم الشعب الكردي، بل حدود الدم ومصالح إسرائيل ورغبتها في زعزعة استقرار العراق وتقسيمه.
حاول الأكراد، كما العرب والأتراك بعد نهاية الحرب العالمية الأولى وتقاسم الدول الاستعمارية ومعاهدة سيفر، إقامة دولتهم، لكن أمر هذه الدولة لم يكن بيد أي شعب وأي حكومة من حكومات المنطقة، بل بيد الدول التي اقتسمت الإمبراطورية العثمانية، بدليل قيام جمهورية مهاباد وانتهائها بعد 11 شهرا من إعلانها عام 1946. وكما نشأ كيان مهاباد، عقب أزمة بين الاتحاد السوفييتي والولايات المتحدة، حصل الأكراد على وضع خاص فرضته الولايات المتحدة بعد حرب تحرير الكويت مع خطوط حظر الطيران الذي مهد لما سيحصل بعد غزو العراق في 2003 في دستور الاحتلال الذي وطد علاقه ساسة الأكراد بلوبي المحافظين الجدد الأميركيين والفرنسيين وإسرائيل، لتبدأ حقبة جديدة في تاريخ الحركة الكردية، بعد أن كانت علاقه ساسة الأكراد سرية مع إسرائيل، كما في عهد الملا مصطفى البارزاني الذي ساعد في تهجير يهود أكراد من العراق، وإعطاء معلومات واستلام أسلحة، تم تطبيع هذه العلاقة مع الساسة أكثر وأكثر، فقد دفع ساسة الأكراد لبيتر غالبرايت، وهو أحد أبرز المستشارين، أكثر من مائة مليون دولار، ليكتب لهم الفقرة 115 في الدستور، تطلق يدهم في اتخاذ القرارات الخاصة بالإقليم، من دون العودة إلى المركز. ويقول غالبرايت نفسه إن ساسة الأكراد لم يفكروا بما اقترح عليهم من فكرة تشرع تفتيت العراق وتمزيقه.
أعقب ذلك تكثيف تبادل الزيارات وحضور المناسبات بين الوفود الكردية والإسرائيليين، وفي
"يتطيَّر الشعب الفرنسي من وجود هنري ليفي وكوشنير في أي مكان وبلد"
مقدمتهم السيدة هيوا زوجة الرئيس العراقي السابق، جلال الطالباني، وقد انتشرت صورتها مع وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة، تسيبي ليفني، في أحد المؤتمرات. وعلى رغم علاقة النسب بين عائلة الطالباني والمحافظين الجدد، يبدو هؤلاء أقل انغماسا في الموضوع الكردي، من أشخاص من طينة الفرنسيين، برنار كوشنير وبرنار هنري ليفي، كما يبدو من صورتهم مع البارزاني.
ومن المعلوم أن كوشنير تحمس، هو وزوجة الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتران، ومنذ وصول الحزب الاشتراكي إلى السلطة عام 1981، للتدخل في الشؤون العراقية، مستغلين الحرب العراقية الإيرانية، بل إن ميتران سمّى كوشنير الدكتور الكردي، والذي لم يكن شخصية رسمية، بل رئيسا لمنظمة أطباء بلا حدود، المعروفة بتوجهاتها وخدماتها الأطلسية، فهو صاحب فكرة الممر الإنساني الذي فصل خصيصا لإثارة الموضوع، وللحديث في الإعلام الفرنسي، عن أكراد العراق في أثناء الحرب العراقية –الإيرانية، وهو من اقترح فكرة التدخل الإنساني المفصلة أيضا للعراق فقط، وليس غيره، فهل هي محض مصادفة أن يقوم كوشنير بكل هذه الخدمات محبةً بأكراد العراق؟ وهو الذي أعلن، بعد عودته من أربيل، ومن على شاشة التلفزيون الفرنسي، أن المهم هم أكراد العراق، وليس الأكراد في الدول الأخرى. وحين سأله الصحافي عن استفتاء كتالونيا في إسبانيا، أجاب إنه معهم بالقلب فقط.
وقال كوشنير عن الأكراد "إنهم أصدقاؤنا، وهم معنا. تصوروا أن نصف جيشهم نساء" (متحضرون مثلنا)، ونافسه برنارد هنري ليفي في قوله "الأكراد جندنا على الأرض" (أرض العراق). وبذلك، يكون استفتاء استقلال كردي في العراق، يحضره كوشنير وليفي وغالبرايت، اعتداء على العراق وشعبه، عربا وكردا، ورغبة مع سبق الإصرار لزعزعته أكثر، وفتح أرضه للأعداء الذين يتربصون به لتمزيقه وسرقته. لا يعرف أبناء شعبنا الكردي حاشية الوكلاء من كل بلد، ولا يعرفون خططها، إذ يقدّم هنري ليفي فيلسوفا فرنسيا، كما قدم للشعب الليبي الذي لم يسمع عنه قط، وكذلك كوشنير الطبيب الإنساني المتهم، بحسب الوثائق، بتواطئه في تجارة الأعضاء البشرية في كوسوفو (كتاب بيار بيان، كوسوفو حرب عادلة من أجل دولة مافيا). والاثنان يتطير الشعب الفرنسي من وجودهما في أي مكان وبلد، لمعرفتهم بأن خرابا سيحل أينما وجدا.
إلى ذلك، على الرغم من ادعاء الإعلام والقنوات الفضائية الكردية، وبعض الإعلام الغربي، أن 72% من الشعب الكردي قد ذهب إلى صناديق الاقتراع، والضجة الواسعة المفتعلة بشـأن مشاركة كبيرة لبعض المدن، مثل كركوك والسليمانية، إلا أن المشاركة وصلت إلى نسبة
"باءت نتائج الاستفتاء بالفشل لمسعود البارزاني المنتهية ولايته منذ عامين"
50%، حسب أحد قادة البشمركة، نقلا عن المفوضية العليا للانتخابات في أربيل التي أكدت أن نصف السكان صوتوا ضد الاستقلال، وكان الأقبال على التصويت في السليمانية بنسبة 50% وليس 78% كما أعلنت جهات الاستفتاء، وصوت 19% منهم ضد الاستقلال، بينما صوّت 27% من سكان حلبجة ضد الاستقلال، ما دعا النائب، آلاء الطالباني، إلى القول إن بعض الناس دعوا إلى قصف حلبجة بالكيمياوي لعدم تصويتهم للاستفتاء. وكتبت على اللافتات التي أبرزتها القنوات التابعة لحكومة الإقليم عدد من يحق له التصويت، وهم 5 ملايين و200 ألف، ما يعني أن هناك ما لا يقل عن عشرة ملايين كردي، وهذا عدد هائل لا صحة له، فنسبة أكراد العراق هي 13% فقط. فيما نشر موقع رووداو مشاركة أربعة ملايين، وهو رقم غير دقيق، ولا يتطابق مع العدد الحقيقي، بحسب الإحصائيات العراقية التي يتم تعمد إخفاؤها. وتدل هذه الأرقام على فشل ذريع للاستفتاء، وعن تمسك أكراد العراق بوطنهم، وعدم رغبتهم بالانفصال.
وقد أبرز هذا الاستفتاء وعيا سياسيا شعبيا مشابها لمثيله في باقي المحافظات، أن ساسة العراق بعد الاحتلال قد أساءوا للعراق وشعبه، من زاخو إلى البصرة، فلم يصبح الجنة التي وعدوهم بها، بدليل تفاقم التذمر في المدن الشمالية منذ سنوات، بسبب تفشي الفساد والمحسوبية والمنسوبية وهيمنة الحزبيين وعشائرهم على ثروات النفط ومناصب السلطة والعمل في كل مرافق الحياة، وفقدان الخدمات الأساسية. ليس ذلك فحسب، بل إن أكراد العراق هم أول من هب في انتفاضةٍ بعد شرارة الربيع العربي، فقد انتفضت مدينة السليمانية، معقل الاتحاد الوطني الكردستاني التابع لجلال الطالباني ليطالب أهلها بالتغيير، حيث نزل مئات الآلاف للهتاف بذلك عام 2011، وقمعت هذه التظاهرة لأن أكبر لافتة رفعتها عراقية كردية كتب عليها فلسطين عربية.
وشعبيا، باءت نتائج الاستفتاء بالفشل لمسعود البارزاني المنتهية ولايته منذ عامين، والذي لم يتمكّن من الحصول على دعم أي دولة، صغيرة أو كبيرة لهذا الاستفتاء، حتى التي أغرته بالمحاولة، إذا تخلى عنه نتنياهو في اللحظة الأخيرة، كما أن جميع الدول، وحتى شعوبها، نظروا بعين الريبة إلى اختيار هذا الوقت للانفصال. والأهم أن الفشل التاريخي للاستفتاء أرسل رسالة من أكراد العراق لكل "المكلفين بالمهمات" من الدول الغربية ووكلاء الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط بانهيار كل مشاريعكم القديمة والجديدة من أجل إنهاء العراق
image
 0  0  167