×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
المخرج محمد فرحان

المطربة العراقية سليمة باشا مراد مع كوكب الشرق أم كلثوم


المطربة العراقية سليمة باشا مراد مع كوكب الشرق أم كلثوم

ألف ياء
أضيف بواسـطة admin
النـص :

ذكريات من التراث الفني الثقافي



المطربة العراقية سليمة باشا مراد مع كوكب الشرق أم كلثوم



رياض محسن المحمداوي
image


في منتصف السبعينات رحلت الفنانة الرائدة سليمة مراد بعد ان عاشت حياة عريضة من الشهرة والمال والعطاء حتى انها حصلت على لقب (سليمة مراد باشا) وهذا لقب لا يحصل عليه الا نخبة من الناس. والمصادر توكد انها ولدت في بغداد محلة الطاطران سنة 1905 وفي هذه المحلة كان يسكن كبار العازفين من اليهود في الجالغي البغدادي ووسط هذه الاجواء المفعمة بالطرب نما عندها حب الطرب والغناء فاخذت تستمع الى المقام العراقي والبستات القديمة حتى صار عندها رصيد من الارث الغنائي الموسيقي فصارت تقدم الحفلات في البيوت حتى اخذت شهرتها في الانتشار فغنت في الثلاثينات في ملهى الشورجة ثم غنت في ملهى الهلال ثم انتقلت في عدد من الملاهي المشهورة انذاك .



وقد تعرفت بالشاعر عبد الكريم العلاف الذي كتب لها اجمل الاغاني منها (خدري الجاي خدري وكلبك صخر جلمود وعلى شواطىء دجلة مر) وغيرها كما كان يلحن لها صالح الكويتي وفي عام 1932 التقت بالفنانة ام كلثوم في مسرح الهلال عندما قدمت الى بغداد اول مرة وتاثرت باغنية (كلبك صخر جلمود) وحفظتها عن طريق الفنانة سليمة مراد وسجلتها على اسطوانة نادرة وقد استمع لها الاديب زكي مبارك في احدى الحفلات واطلق عليها لقب (ورقاء العراق) وكانت اول فنانة عراقية تحلق بالطائرة ميمنة شطر باريس بلد الفن والجمال.وفي سنة 1936 كانت من اوائل المطربات اللواتي دخلن الاذاعة فقدمت العديد من الحفلات الغنائية وكان لها منتدى ادبي في بيتها فيه كبار الشخصيات من الادباء والشعراء ورجال السياسة.

تروي سليمة باشا مراد .؟

لنرجع الى الماضي ايام المجد ومن ثم اعود الى الحاضر لأروي شقائي مع الناس كان عام 1932 يوم جاءت ام كلثوم الى بغداد لتغني في ملهى الهلال في منطقة الميدان وهي مطربة مبتدئة انذاك بالنسبة لي.

وفي حفلة خاصة احتضنت ام كلثوم العود واخذت تعزف احدى اغنياتي (قلبك صخر جلمود) وبدأت تغنيها وبعد اول مقطع توقفت عن العزف والغناء والتفتت نحوي وابتسامة خجل ترتسم على وجهها وهي تقول: (ياريت كنت اقدر اغنيها زيك) واخذ الحاضرون يصفقون لها وطلبوا منها في الحاح اكمال الاغنية ولكنها توجته بكلامها لي (ان شاء الله بعد عشر سنوات يكون لي قوة حنجرتك واوتارها الصافية، بعدها اغني الاغنية بتاعتك كويس ماتكونيش زعلانة مني). وبعد خمس سنوات سجلت ام كلثون الاغنية على اسطوانة تجارية دون ان تاتي على ذكري او صلتي بالاغنية برغم اني بذلت جهوداً كبيرة من اجل ان تتقن ام كلثوم لحن الاغنية.

وعن الرسالة التي وصلتها من ام كلثوم تقول:

ستي سليمة باشا وهنا لم تكشف اللثام عن مضمون الرسالة ولكنها تقول: لم اكن يوما بحاجة الى ام كلثوم لابني مجدي الفني فيكفي اني شغلت مئات العقول لسياسيين كبار وافرغت الكثير من الجيوب العامرة بسببي حتى ان بعضهم كان بسندات ملكية عقاراته متوسلاً بها ان يكون واحداً من عشاقي ومازلت اذكر التاجر الحلبي الذي ارسل لي من حلب اوراق تملك احد بيوته في الشام وعندما اعدت له الاوراق شاكرة باع البيت وارسل لي ثمنه ولم اطلب الحب من احد بل كان المئات يسعون الي ويزحفون على ركبهم من اجل كلمة كاذبة يقولها لساني دون احساس وشعور بل من اجل التسلية وهي (احبك) والتي قلتها مرات بلا احساس وجبر خواطر مئات العشاق المتيمين بحبي، ولا ادري كيف حالفني الحظ والنجاح وحالف الفشل شقيقتي (مسعودة) التي شاركتني الغناء في البداية برغم انها اكثر مني جمالاً وصوتها اكثر حلاوة كانت مرحة لاتعرف الهموم ولا تعبر بالا بالالام تضحك وتمرح ليومها وانا ابكي واتالم ليومي وللايام القادمة لاني لم اجد من يسعد قلبي برغم استعداد الالاف ليكونوا عبيداً لي.

وفي الوقت الذي كانت تسير به مسعودة نحو الفشل والنسيان كنت اصعد انا سلم المجد والجاه واحترقت هي في اضواء الشهرة التي احاطتني وانزوت في البيت منسية وجلست انا على قمة المجد دون مزاحم. وعن جمهور ايام زمان تقول:

الجمهور هو الذي منحني لقب (باشا) فذات يوم اخذ الطرب بمشاعر احد الحاضرين في المكان الذي كنت اغني فيه فوقف صارخاً (انت الباشا واحسن من الباشا) ومن يومها ينهي الجمهور اهاته وطربه بجمله (يا سليمة يا باشا) ومن يومها اقترن اللقب بأسمي.

وفي مقابلة تلفزيونية لها في بداية السبعينات عندما سألها مقدم البرنامج عن منحها رتبة الباشوية من قبل نوري السعيد فاجابت بالحرف الواحد وباللهجة العراقية ( محد كان خوارده وانطاني اللقب جمهوري همه سموني سليمة باشا ).

توفيت سليمة مراد في ليلة رأس السنة 1/1/ 1974 في احد المستشفيات في بغداد ودفنت الى جوار زوجها الراحل ناظم العزالي في مقبرة الشيخ معروف الكرخي في كرخ بغداد.

زيارة ام كلثوم الى بغداد:

وفي العام 1946 كانت قد زارت بغداد الانسة ام كلثوم وغنت في عيد ميلاد الملك فيصل الثاني في حفلة تنطبق عليها كل تفاصيل الحفلات الملكية حتى ان محرر مجلة الراديو الذي كان حاضرا في الحفل تذكر ليالي الرشيد فقارن ليالي ام كلثوم بها في ايامنا هذه يستطيع مدير الدعاية لاي مغن او مغنية ان ينشر الاضواء ويثير الكثير من الصخب على اي حفل يقيمه، لكنه سرعان ما ينسى.. ولا يبقى في البال سوى تلك الليالي الملاح. هنا نص المقال الذي نشر عن تلك الحفلة.

شهدت بغداد ليلتين من ازهى ليالي الرشيد حينما استقلت أم كلثوم متن الطائرة في صباح يوم الخميس الموافق 2 مايو/ ايار قاصدة الى ارض ليلى العراق لاحياء ليلة عيد ميلاد الملك الحبيب فيصل الثاني صاحب عرش العراق الشقيق. وقد كانت الحفاوة بام كلثوم في العراق احتفاء بمصر وبسيدة الفن في مصر كما كان سفر ام كلثوم لاحياء عيد مليك العراق رسالة عاطفية من القاهرة الى بغداد حملتها اكرم سفيرة للفن المصري.

وقد هبطت الطائرة التي تقل ام كلثوم في مطار الحبانية قبيل الظهر فوجدت في استقبالها صاحب السمو الملكي الوصي على عرش العراق الذي حياها باسم سموه الكريم ورافقها الى العاصمة في احدى السيارات الملكية حيث قصدت راسا الى القصر الملكي تقيد اسمها بدفتر التشريفات وهناك تشرفت بمقابلة جلالة الملكة الوالدة وصاحبات السمو الاميرات شقيقات جلالتها وشقيقها سمو الامير عبد الاله الوصي على العرش الذين غمروها بعطفهم ورعايتهم.

ثم ذهبت الانسة ام كلثوم الى فندق ريجنت الذي نزلت فيه ضيفة على الحكومة العراقية وفي المساء ذهبت الى الحفلة الساهرة الكبرى التي اقيمت بحديقة قصر الرحاب وهو مقر سمو الوصي على العرش، وقد لبست الحديقة حللا زاهرة من الزينات ونسقت المصابيح الكهربائية حتى بدت كما تصفها ام كلثوم كأنها قطوف دانية من فاكهة الربيع.وكانت الحفلة رسمية دعي اليها كبراء الدولة ورجال السلك السياسي وقد تفضل سمو الامير عبد الاله بتقديم الآنسة ام كلثوم بنفسه الى كبار المدعويين ثم غنت ام كلثوم فأرهفت لها الاسماع. غنت فسهر العراق كله ليسمعها اذ كانت الحفلة مذاعة في ارجاء العراق وكانت الوصلة الاولى "يا ليلة العيد" وقد اختتمتها بقول:

يا دجلة ميتك عنبــــر

وزرك عالعراق نــور

يعيش فيصل ويتهنى

ونحيي له ليالي العيد

فدوت الاكف بالتصفيق ودمع العيون فرحا وابتهاجا وتأثرا وهتف العراق كله لام كلثوم.وغنت بعد ذلك ثلاثة وصلات كانت كلها استجابة لرغبـــــات المدعويين انشدت فيها "شوي شوي" و "كل الاحبة تنين تنين" وقصيدة شوقي العذبة الخـــــــالدة التي مطلعها:

سلو كؤوس الطلا هل لامست فاها

واستخبروا الراح هل مست ثناياها.

ومما هو جدير بالذكر بكل فخر ان هذه الوصلة وحدها دامت ساعتين بين الاجادة والاستعادة . وكانت ام كلثوم وحدها نجمة الحفل من اول الليل الى اخره وقد لاحظ بعد المدعوين ان سمو الوصي تخلف قليلا اثناء الحفلة ومعه جلالة الملك الصغير اذ خرجا يطوفان ارجاء بغداد ليشهدا فرحة ا لناس بأم كلثوم فلما عادا قال الامير الوصي: لو اني وزعت على كل عراقي كيسا مملوءا بالذهب لما استطعت ان ادخل السرور على قلوب اهل العراق كما فعلت بهم الليلة ام كلثوم.

وقد غنت ام كلثوم في هذه الليلة واطربت الشعب العراقي الذي يتابعها عبر اجهزة الراديو وقداوشك ان ينتهي الليل والناس سكارى بسحر ام كلثوم والتحيات حولها تتناثر كالورد فهذا دولة الرئيس السيد توفيق السويدي يقول لها ؟ ( يا سيدة الغناء العربي ..من حقنا ان نقبض عليك الليلة بتهمة سرقة قلوبنا)

وقد قالت عنها الشاعرة العراقية الكبيرة نادية الشبيبي ابنة شاعر العراق ووزير معارفها الاسبق السيد رضا الشبيبي تقول لم اكن اشعر بأنني يقظة استمع الى ام كلثوم بل كنت احس انني مستغرقة في حلم جميل من احلام الفردوس لمنشود. وقد قدمت لها الشاعرة في اليوم التالي قصيدة من نظمها جاء فيها:

يا ربة الفن في دنيا الترانيـم

ويا حديث الملا يا ام كلثــوم

غنى الخلائق فالآذان صاغيــــة

وخففي هم محزون ومهموم

غني لنسمع بنت الدوح صادحة والدوح لولاك شوك جد مذمـوم

ورتلي نغما تصو النفوس لــه

فالنفس يطربها عذب الاناغيم

واصبح الصباح على ام كلثوم في فندق ريجينت فاذا هي مليكة الفن وجموع الشعب والهيئات الفنية والمعاهد باعلامها تهتف لها ولمصر في طرقات بغداد والكبراء والعظماء ورجال الصحافة والاعلام يتوافدون على الفندق لتحيتها.

اتصال هاتفي

وقبيل الظهر اتصل بها القصر الملكي تلفونيا يكيلون لها الثناء ويقـــــــول لها جلالة الملك نحن في انتظارك على الغداء.

وتناولت طعام الغداء على المائدة الملكية حيث قال لها جلالة الملك لقد اطربتي الليلة وطربنا معك اكثر مما سمعتك في الاسكندرية .

وبعد ظهر اليوم نفسه دعتها السيدة عقيلة دولة نوري السعيد باشا الى حفل استقبال في دارها، حضرتها صفوة سيدات العراق فما ان دخلت عليهن حتى قوبلت بعاصفة من التصفيق وكانت بلبلة الشرق موضع الحفاوة والتكريم حتى اذن ببدء الحفلة الساهرة التي اقامها حضرة صاحب العزة وزير مصر المفوض في العراق بدار المفوضية المصرية، وشرفها صاحب السمو الملكي والوزراء ورجال السلك السياسي ووجوه القوم وقد اعد بدار المفوضية جناح خاص لجلالة الملكة الوالدة وصاحبات السمو اميرات العراق وكرائم العقيلات. ذهبت ام كلثوم الى دار المفوضية المصرية مدعوة ولكنها ما لبثت ان اصبحت داعية فقد كانت السيدة حرم الوزير المصري متغيبة في القاهرة فقامت ام كلثوم باستقبال المدعويين وتحيتهم، وظلت تنتقل بين جناحي الرجال والسيدات ثم كانت خير تحية لضيوف مصر ان غنت لهم سلو قلبي ثم اهـــــــل الهوى فأبدعت ما شاء لها الابداع.

وفي ختام هذه الحفلة التاريخية تقدم حضرة صاحب السمو الملكي الامير عبد الامير عبد الاله فقلدها بيده الكريمة وسام الرافدين كما قدم لها باسم جلالة الملكة عقدا فاخرا من اللؤلؤ بين تصفيق الحاضرين وهتافهم للملكين فاروق وفيصل فتقبلتها بيد الشكر والدعاء للعراق ومليكها والملكة الوالدة والوصي.

وقد عزفت فرقة ام كلثوم السلام الملكي العراقي ثم السلام الملكي المصري. وكان الفرح يفيض على وجه الوزير المصري الذي قال لام كلثوم انها اولت بلادها شرفا عظيما اذ ان هذه اول مرة تشرف فيها جلالة الملكة الوالدة دار المفوضية من مفوضيات الدول.

ومما هو خليق بالذكر ان وسام الرافدين لا يمنح الا للرجال ـ حسبما تنص عليه القوانين العراقية ـ ولهذا عدل القانون، ومنح لام كلثوم لاول مرة في تاريخ العراق، انه شرف وأي شرف لام كلثوم ان تتقلد بعد نيشان الفاروق ووسام الاستحقاق السوري ووسام العراق الشقيق وشرف واي شرف لمصر ان ترفع ام كلثوم رأس مصر عاليا في ربوع الشرق.

هكذا كان العراق قد سبق غيره من الدول باحترامه للفن والفنانيين والثقافة بصورة خاصة لكونه يؤمن ان الفن والثقافة هي لغة الشعوب ومرآتها العاكسة للتقدم والبناء والحضارة .هكذا كان العراق في الزمن الملكي الزمن الذهبي الذي بات العراقيون يتحسرون على تلك الايام . وباتوا يطلقون عليها ايام الخير .

رحم الله ملوك العراق واعلامه وفنانييه ورحم الله سليمة باشا مراد وام كلثوم وجميع مبدعين العالم العربي الذين نشروا الحب ودعوا للسلام.
 0  0  498