×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
المخرج محمد فرحان

حياة النساء في حضارتي العراق ومصر سماح عادل

[SIZE="5"]كتبت: سماح عادل
image


لقد عاشت المرأة في العصور القديمة حياة تعتمد على المساواة والمشاركة، بعد أن كانت هي من تملك السلطة في العصور البدائية، فعلى الرغم من تحول سلطة المجتمع إلى الذكور إلا أنها طوال العصور القديمة قبل الميلاد كانت تمارس حقوقها وواجباتها مثل الرجل، ولم يظهر الاضطهاد التام لها إلا في العصور التي سبقت بقليل ميلاد المسيح وتلته، وساهمت في ذلك سيادة ثقافة البدو وأبناء الصحاري الذين لم يتعرفوا على ثقافة الحضارات الزراعية، التي كانت للنساء فيها مكانة عالية ودور كبير في تطورها، وسنحاول هنا التعرف على حياة النساء في حضارتين من أعرق الحضارات في منطقة الشرق الأدنى “العراق- مصر”.
image

الزواج في العراق..

معدل عمر الفتيات والذكور عند الزواج كان حوالي 16 عاما، ويظهر في عدد من المواد القانونية أن موافقة والدة الفتاة ضرورية عند الخطبة والزواج، وكان تدوين عقد الزواج يمثل مرحلة متطورة لتثبيت حقوق المرأة، وكان يضمن أسماء الشهود، وتاريخ إبرام العقد وشروط خاصة بالطلاق وتنظيم العلاقات المالية بين الزوجين، و يكون توثيق العقد بين الزوج وأبو الفتاة أو ولي أمرها، وهناك عقود تم توثيقها من قبل المرأة، خاصة إذا كانت بالغة أو أرملة أو مطلقة، وكانت تقرر بنفسها شروط الزواج، وبناء على عقد الزواج تصبح الزوجة ذات مركز رفيع في المجتمع، و يقدم لها مقدار من الأموال والهدايا.

وكان الأب يقدم لابنته أموالا أو أي ثروة أخرى كالمواشي والأثاث والمجوهرات والعقارات، تثبت في عقد رسمي عند تزويجها أو تقديمها كاهنة إلى المعبد، وذلك حصة الفتاة من ميراث أبيها، مما يدعم مركزها الاقتصادي والاجتماعي في بيتها الجديد، وكان يدفع بعد إتمام الزواج وعادة يسلم للزوج لإدارته، ولكن أحيانا كانت تشرف الفتاة على ممتلكاتها بنفسها، فضلا استمرار مزاولة أعمالها ونشاطاتها المالية التي كانت تقوم بها قبل الزواج، وكانت أموال المهر ملكا للمرأة وأولادها فقط، وعند وفاة الزوج تحتفظ المرأة بحق التصرف بأمواله إذا أنجبت، وإذا طلقها زوجها لعدم الإنجاب تحتفظ بالمهر لنفسها.

كان أساس الزواج في العراق القديم يقوم على مبدأ الزوجة الواحدة، فالرجل يتزوج من امرأة واحدة تشاركه مركزه الاجتماعي، لكن هناك استثناءات سمحت بتعدد الزوجات في ثلاث حالات:- إذا كانت زوجته كاهنة، إذ لا يسمح لها بإنجاب الأطفال – إذا كانت مريضة مرضا مزمنا أو عاقر- إذا كانت مدانة بسوء التصرف الحاد، من غير الزنا، إلا أن الزوجة الأولى هي صاحبة اليد العليا وتسأل عن رأيها عند اختيار زوجة ثانية.

كان يعاقب بالموت من يغتصب امرأة متزوجة، وعقوبة الزنا الإعدام بإلقاء الزاني والزانية في النهر، إذا كان الزوج هو من يقوم بالزنا فيحق للزوجة أن تتركه وتعود إلى بيت أبيها، وتأخذ مهرها معها، وعند الطلاق كان يتم عرض موضوع الطلاق على الهيئة القضائية، ما يشبه المحكمة، وبعض النساء كن يتمتعن بحقوق زواج خاصة كاهنات المعبد، حيث كان يقدم لهن تعويضا ماليا عبارة عن نصف أملاك الزوج، كما كان الزوج الذي أنجبت له زوجته ملزما بأن يتنازل عن نصف ثروته لتقوم هي بتربية الأولاد، والأولاد يبقون مع أمهم في حالة الطلاق من غير سبب، وإذا لم تنجب يدفع لها مهرها، وإذا أصيبت بمرض يمنع الزوج من طلاقها ويعولها بقية حياتها.
image

حق المرأة في الإرث..

كان العراق مجتمع زراعي ولم يكن يورث الأرض للفتاة، لكن تعطى لها حصة عند زواجها، وكانت الأم هي الوصية على أبنائها في حالة وفاة زوجها، وعندما يتوفى زوجها دون إعطائها هبة ترث مثل واحد من أبنائها.

زي المرأة العراقية..

تنوعت أزياء النساء نسبة إلى الطبقة الاجتماعية، ففي العصور السومرية المبكرة كان الرداء أشبه بتنورة قصيرة تغطى وسط الجسم وأعلي الفخذين، وكان يختلف في طوله إلى ما فوق الركبتين وتحتهما، والزينة إزارات مصنوعة من القماش، كذلك استخدمت السومريات الثياب الطويلة من القماش الذي يبدو كفرو الغنم، يغطي الجسم بحيث يترك الكتف والذراع اليمنى عاريين تماما، كما كان يلف أحيانا قماش بشكل عباءة تغطى كل الجسم من الرقبة حتى القدمين، وفي العصر الأكدي وما تلاه خلال الألف الثاني قبل الميلاد أصبح الثوب الطويل الزي العام للنساء الأكديات والبابليات، وتميز بأكمام قصيرة في الغالب وكان دائريا عند الرقبة وفضفاضا يسمح بحرية الحركة، كما بدت بعض أزياء النساء على هيئة ملابس طويلة مع عادة ترك الكتف الأيمن عاريا، فضلا عن الرداء المفتوح من الأمام، الذي يكشف عن الساق اليسرى كما صورت في المنحوتات.

أما المرأة الآشورية كان ظهورها على الآثار نادرا، ولا يعرف عن زيها الكثير ومن خلال بعض المنحوتات والنقوش أمكن تصور ملابس النساء التي مؤلفة من قطعة قماش تمر بين ساقي المرأة وتربط حول ساقها، وفوقها وزرة فضفاضة من الكتفين إلى الكاحل قصيرة الأكمام، ويشد على الوسط حزام، وكن يرتدين الشال الذي يغطي الكتفين، وغالبا ما كان القميص يصنع من الكتان وترتديه النساء تحت الشال، والكاهنات لم يكن لديهن زي خاص، ونتيجة لزيادة أموال الأميرات النساء والتاجرات والكاهنات ظهر الإسراف في المظهر الخارجي من ملابس وزينة وحلي، وقد استعمل الآشوريون والبابليون أحذية من الجلد، صممت بمهارة لتحمي كعب القدم وتترك الأصابع عارية وتثبت بأشرطة حول باطن القدم، وبالنسبة للألوان: عرفت العراقيات الأزرق والأحمر والأصفر والأخضر والأرجواني.

الكاهنات..

كانت عادة تقديم البنات وتكريسهن للمعبد من الأمور المستحبة، خاصة وأنه كان يسمح للكاهنات القيام بأعمال أخرى بالإضافة إلى دورهن الديني في المعابد، مثل ممارسة الأنشطة الاقتصادية من بيع وشراء وإيجار وإقراض، كما سمح لبعضهن بالزواج والتبني، وقد كرس بعض الملوك السومريون والبابليون بناتهن للمعبد مثل “سرجون الأكدي” و”حامورابي” و”نبونائيد”، وكانت أعلى درجات النظام الكهنوتي “إينتم” أي كبيرة الكاهنات “وتنذر للمعبد منذ الولادة، وكان أهم واجباتها القيام بدور العروس في طقوس الزواج المقدس سنويا مع الملك، الذي يمثل الكاهن الأعلى، وكانت كاهنة “الاينتم” تتصف بالعفة والحشمة، ثم تأتي كاهنة “ناديتم”وتعني “المرأة التي تحمل القوة الإلهية”، شغلت هذا المنصب بنات كبار موظفي الدولة، ومنعن من الزواج والإنجاب، ثم كاهنة “شوكيتم”كان لها الحق في الزواج والإنجاب وكانت تساهم في مراسم الزواج المقدس، ثم “قادشتم” وتعنى المقدسة، تعمل في خدمة المعابد، وهناك كاهنة “كلمشتم” وكانت تشغله نساء الأسر الكبيرة وكان لهن حق الزواج والإنجاب وحرية اختيار السكن، كما تولت بعض الكاهنات بأمور العزف وترتيل الأناشيد.
image

العمل..

كانت المرأة تقوم بأعمال خارج المنزل فضلا عن واجباتها الأساسية، تقلدت بعض النساء مهام القضاء في بلاد آشور وسومر، وكان التعليم للذكور والإناث، وقد تولت المرأة مهنة الكاتبة، وهذه المهنة تجمع ما بين مهام الكاتب العام وكاتب المحكمة وكاتب الملاحم الأدبية، وقد كانت الكاهنة “انخيدونا” كاتبة ومستنسخة في مدينة “أور” خلال مدة حكم والدها “سرجون الأكدي” وكانت مؤلفة لأعمال أدبية مهمة في السجلات التاريخية خلال الألف الثالث قبل الميلاد، معظم الناسخات الكاتبات كن كاهنات “ناديتم”، كما مارست المرأة العزف والغناء والرقص، ومهنة التجارة، وعملت في فلاحة الحقول الزراعية، وتصنيع المنتجات النباتية والحيوانية وأيضا تصفيف شعر والخياطة.

الزواج في مصر القديمة..

كان الزواج يوثق بعقد وكان أخذ رأي الفتاة أمرا مهما، كان قبول موافقة الفتاة مشافهة من دون ولي أو وكيل، وهو دليل على الأهلية الكاملة للمرأة في عقد الزواج، وكان العقد يتضمن ذكر المهر الذي تتسلمه الزوجة نقدا وكان يشترط أن:- إقرار الزوج في حالة كراهية الزوجة أو الزواج بأخرى أن يتنازل عن المهر المسجل لزوجته أو يعطيها ما يوازي نصف قيمة المهر وثلث الكسب المشترك بينهما،- إقرار الزوج أن أولاده من الزواج هم أصحاب جميع أملاكه، وفي بعض الحالات كانت تسجل قائمة بالمتاع الشخصي الذي تدخل به العروس منزل الزوجية.

تضمنت جميع العقود إلتزام الزوج بتوفير كل ما تحتاج إليه الزوجة من طعام وكسوة حتى العطور، ومبلغ شهري لنفقتها الخاصة ومبلغ سنوي أحيانا لتكليف زينتها، أما إذا طلبت الزوجة الطلاق ترد إلى الزوج نصف المهر، وتتنازل عن جزء مما تحصل عليه من أملاك أثناء زواجها، و كانت توضع حلقة في أصبع اليد اليسرى وتسمى “حلقة ايزيس المقدسة” ويرمز شكلها الدائري إلى الخلود أو الأبدية للزواج، وكان الرجل يتزوج بواحدة لها كل الحقوق، وظاهرة تعدد الزوجات اقتصرت على الملوك وكانت لأسباب سياسية.

الاهتمام بالإنجاب..

شيد المصريون معبدا يشبه “المشفى” أطلقوا عليه معبد الآلهة “نيت” إلهة التناسل قبل أكثر من أربعة آلاف عام لرعاية الأمهات الحوامل وإعانتهن عند الولادة، وكان له عملان أولا تعليم الطبيبات والممرضات والقابلات فن معالجة الحوامل، والثاني رعاية الحوامل وتقديم الدواء لهن.

الميراث..

أموال التركة تقسم على جميع الأولاد بالتساوي، دون اعتبار للجنس أو السن، وكان بوسع المرأة إجراء صفقات اقتصادية وقانونية، وملكية الزوجين، أي ما اكتسبه الزوجان أثناء فترة الزواج، يتم تقسيمه لثلاثة أقسام: القسم الأول للزوجة إذا ترملت أو طلقت، أما الثلثان الآخران لرعاية الأطفال ولتورثيهم، وكان يذكر نسب المتوفي من جهة أمه وليس من جهة أبيه إذ كان لنسب الأم مقام رفيع أكثر من نسب الأب.

زي المرأة..

كان لبس النساء من الملكة إلى الفلاحة ثوبا واحدا متشابها، رداء بسيط خالي من الثنايا، ضيق ينحدر من تحت الصدر حتى رسغ القدم، ومعه شريطان يمران فوق الكتفين، وأصبح يلف شريط حول الوسط وتنزل أطرافه حتى القدمين، وكان يسود اللون الأبيض في الأثواب، كما انتشرت ثياب حمراء وصفراء وخضراء، وقد برع المصريون في صنع الحلي كما برعوا في صناعة العطور، وكانت كثير من الملكات والأميرات يحتفظن بعطر خاص بهن، يحمل اسم صاحبته وتعد طريقة صناعته وإعداده من الأسرار، إذ كان لكل منهن ورشة خاصة في حديقة القصر لصناعة العطر الخاص بها، كما عرفت المرأة المصرية الكحل وأحمر الشفاه والحناء، كما صبغت شعرها بالألوان، حتى أنها صبغت الشعر باللون الأصفر والوردي والأخضر والأزرق، واستخدمت الوشم من عصور ما قبل التاريخ، وكان له معنى ديني، كما كانت تصنع المرايا من الذهب والفضة، وتعد أداة لا يمكن الاستغناء عنها.

الملكات..

لقد جلس على عرش مصر عبر تاريخها الطويل وفق قوائم”مانيتون” 18 ملكة، ابتداء من “مريت نيت” أول ملكة تربعت على العرش في القرن الخامس والثلاثين قبل الميلاد، حتى كليوباترا آخر ملكات مصر في القرن الأول قبل الميلاد، وكانت وراثة العرش في عصر ما قبل الأسرات مقتصرة على فرع الأمهات حتى نهاية الأسرة الأولى.

الكاهنة..

تولت المرأة مهنة الكاهنة وكان يطلق على رئيسة الكاهنات أسماء “الزوجة المقدسة للمعبود” أو “اليد المقدسة” أو “الساجدة المقدسة”، وكان للكاهنات مكانة عظيمة في “طيبة” وكانت سلطتهن أحيانا تفوق سلطة الملك، كانت كاهنات “حتحور” يقمن بالخدمة اليومية في معابد الملكات، وخلال عصر المملكة القديمة حملت بعض النساء ألقابا كهنوتية مختلفة، وكن يعملن في إدارة الشؤون الدينية في المعابد، وكن سيدات مجتمع وبنات عائلات نبيلة أو ملكات.

لقب “خمت نتر” ويعني زوجة الإله، وقد حملت بعض الأميرات والملكات هذا اللقب، وكانت رئيسة الكاهنات غالبا، وكانت ترتبط بالإله بنوع من الرباط المقدسة، ويعادل منصبها منصب الكاهن الأكبر، ولقب “وبت” أو المطهرة، وكانت هناك كاهنات منشدات وعازفات، وكان يحق لهن الحصول وفق شروط معينة على بعض المناصب الإدارية في المعابد.



في العمل..

تسلمت بعض النسوة مناصب مهمة في الدولة، مثل القضاء والكتابة، حيث كان بوسع الكاتبات العمل بإدارة المصالح، ومما عكس ذلك الألقاب التي حملنها، وقد أحصى أحد الباحثين تلك الألقاب في المجال الإداري فتوصل إلى 25 لقبا، منها مسئولة ورئيسة قسم المخازن، ومفتشة قاعات الطعام، ومراقبة الخزانة، وأمينة الخزنة، ومسئولة الكهنة الجنائزيين، إن وجود هذا العدد من الوظائف الإدارية للنساء كان في عصر المملكة القديمة، إلا أن الوظائف تقلصت في عصر المملكة الوسطى والمملكة الحديثة، كما عملت المرأة في مهنة الراقصة وكانت تؤدي حركات فنية بارعة، وكان للراقصة الدينية أثناء تشييع الجنازة أهمية كبرى، وكان الرقص يؤدي أمام المقبرة لتعود إليه الروح الراحلة، ولإدخال السرور إلى روح الميت، وطرد الأرواح الشريرة، والرقص الديني كان جزءا لا يتجزأ من الخدمة الدينية.
image

كما برع المصريون القدماء في الطب، ولقد عملت المرأة طبيبة وممرضة، وعملت بالتجارة كما ذكرت النصوص أن نسوة مارسن بيع الأراضي والعقارات كسيدات أعمال، كما كانت هناك ورش لتصنيع النسيج تعمل فيها النساء، ومهمة صناعة الخبز كانت تقتصر عليهن، وشاركت المرأة في حصاد القمح ومهن تصفيف الشعر، ومقلمات الأظافر والمدلكات.

المصدر:

“المرأة في حضارتي العراق ومصر القديمتين”-أطروحة دكتوراه- وسناء حسون الآغا- كليةً الآداب- جامعة الموصل
“مصر والحياة المصرية في العصور القديمة”، أدولف أرمان، ترجمة عبد المنعم أبو بكر.
“حضارة العراق وأثاره”، نيكولاس بوستغيت، ترجمة سمير الجلبي.
[/SIZEمنقول من موقع كتابات
 0  0  239