×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
المخرج محمد فرحان

هيا العيد ممتنة جداً للناقد والكاتب الكبير الميلودي الوريدي

هيا العيد
ممتنة جداً للناقد والكاتب الكبير الميلودي الوريدي ، على هذه الكتابة النقدية الرائعة، بربي أكاد أُقسم أنه غاص في أعماقي وغطس في حِبر افكاري وأخرج المعنى وجمال الدرر،
والشكر الذي لن أنساه ماحييت للأستاذ خالد بدوي، راعي الأدباء هذا الأنسان الذي يعمل في صمت وإخلاص.
---------------------------
بلاغة اللفظ ,وفارقية الدلالة في بناء :
"القصة الومضة "

اِستقرارٌ
أغرقهَا في بحر تجاهُلهِ؛ طفتْ فوق مخيّلتهِ.
(هيا العيد/ السعودية)
العتبة النصية :
"اِستقرار": القرار في المكان ,الاستقرار فيه .تقول منه :قرِرْتُ بالمكان ,أقَرُّ قرارا , وأقرّه في مكانه فاستقرَّ...ومن شواهد مجازه في الذكر :
قوله تعالى: ولكم في الأَرض مُسْتَقَرّ؛ أَي قَرار وثبوت.
وقوله تعالى: لكل نَبَإِ مُسْتَقَرّ؛ أَي لكل ما أُنبأْتكم عن الله عز وجل غاية ونهاية ترونه في الدنيا والآخرة.
والشمسُ تجري لمُسْتَقَرٍّ لها؛ أَي لمكان لا تجاوزه وقتاً ومحلاًّ وقيل لأَجَلٍ قُدِّر لها.
وقوله تعالى: وقَرْنَ وقِرْنَ، هو كقولك ظَلْنَ وظِلْنَ؛ فقَرْنَ على أَقْرَرْنَ كظَلْنَ على أَظْلَلْنَ وقِرنَ على أَقْرَرنَ كظِلْنَ على أَظْلَلنَ.
وقال أَبو الهيثم: وقِرْنَ في بيوتكن، عندي من القَرارِ، وكذلك من قرأَ: وقَرْنَ، فهو من القَرارِ، وقال: قَرَرْتُ بالمكان أَقِرُّ وقَرَرْتُ أَقَرُّ.
والقرور من النساء التي تقرُّ لما يصنع بها , ولا تردّ على المقَبِّل والمراود كأَنها تَقِرُّ وتسكن ولا تَنْفِرُ من الرِّيبَة . ..
ولعل المجاز الأخير , هو الأقرب إلى بنية النص ومتنه اعتبارا لكون الشخصية الرئيسية فيه هي المرأة .. سواء قصدت الساردة تحقيق دلالة اللفظ عنوة , أو أرادت به مجازا لغويا : وهواستعمال اللفظ في غير ما وضع له لعلاقة ـ بمعنى مناسبة بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي ـ يكون الإستعمال لقرينة مانعة من إرادة المعنى الحقيقي، وهي قد تكون لفظيّة، وقد تكون حاليّة، وكلّما أطلق المجاز، انصرف إلى هذا المجاز...
الاستهلال :
الغَرَقُ: الرُّسُوب في الماء .. وأغرقه –متعديا – أغرقه الله إغراقا فهو غريق ... وله دلالة أخرى :
أغرق في الشيء: جاوز الحد والمسموح فيه وبه .. (أغرقهَا في بحر تجاهُلهِ؛) وعلى هذا نلاحظ أن للاستهلال معنى معياريا مألوفا يفيد أن الغائب رغم كونه نكرة إلا أنه مقصود لدى الساردة على أنه زوجٌ أو حبيبٌ أو من ارتبط بالنكرة المقصودة العائد عليها ضمير الغائبة (هي) المفعول به ..أو التي أُغرقها (هو) في بحر من التجاهل .. والملاحظ هنا أن التعبير تميز بمسحة جمالية جسدتها بلاغة المجاز اللفظي ,باستعمال لفظ "بحر " في غير ما وضع له بمعنى مناسب بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي ,وباستعمال قرينة مانعة من ظهور المعنى الحقيقي , تتجلى في (تجاهله ) ...ومعنى مجازي آخر استُعمل له فعل أغرق بمعنى التجاوز وبلوغ الحد الأقصى والمبالغة في تجاهل الطرف ألآخر (هي)ونسيانه والتحول عنه ...
القفلة : (طفتْ فوق مخيّلتهِ.)
راهنت الساردة على التوثر الذي أحدثه اختلاف المسند إليه في الفعلين الرئيسيين (أغرق (هو) طفت (هي) , مما أحدث صراعا دراميا محيلا على صراع وجودي أبدي قائم منذ وجود آدم وحواء بدأ بوجودهما واستمر بوجود (هو) و(هي)البطلان الأسطوريان المتشابهان والتناقضان.. وبما أن الموقف المحكي قائم على فعل (هو ) وردة فعل (هي) مما يفيد أن الساردة كأنثى تستعير صوت كل بنات جنسها في تحميل (هو) كل نكسات العلاقة التكاملية الطبيعية بينهما , وقد صدرت الساردة قفلتها بفعل "طفت " المناقض لمستهل الاستهلال "أغرق" لإحداث المفارقة السردية القائمة على التضاد الدلالي بين الفعلين كممثلين للصراع الدرامي الذي ذكرناه سابقا : هو أغرقها ≠ هي طفت ...وفعل طفا في معناه : طَفَا الشيء فوق الماء يطفو طفوا وطفُوّا:ظهر وعلا ولم يرسب .. أو بمعنى آخر لم يغرق ...وقد استخدم أيضا مجازا لفظيا على اعتبار أن الطفو يكون عقلا فوق الماء وليس فوق المخيلة ..وبدهيا أ ن نشير إلى استخدام الساردة لأسلوب التقابل في بناء النص وتأثيته بجمالية بلاغية محببة اعتبارا لخاصية الومضة الإحيائية للبلاغة ولمحسنات الكلام التقليدية . ولا بأس أخيرا أن نعود إلى الاستعمال المجازي للفظ "العتبة : اِستقرار على أساس استخدامه لوصف (هي) بكونها امرأة قرور : تقر لما يصنع بها إلا أنه استخدام فارقي على أساس استعمال اللفظ لنقيضه , بما أن (هي) لم تقر لما يصنع بها بل قاومت الإغراق بالطفو والتجاهل بالتذكير والسيادة على المتخيل وتوجيهه لصالحها ..وعليه أنصح بجعل لفظ "استقرار " بين قوسين
image
 0  0  282