×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.
المخرج محمد فرحان

عمو لتسافر --- طفله تنتظر والدها بشغف ويسرق الاخرون فرحتها

كنت في مراجعة إلى قسم التعويضات الخاص بضحايا إلارهاب التابع لمحافظة بغداد ، وأثناء جلوسي في قاعة الإنتظار الخاصة بالمراجعين ، شدني منظر لامرأة يتخيل للناظر اليها لاول مره بأنها كبيرة في السن. لكن في الحقيقة هي لاتزال في عمر الشباب، يبدو أن التعب والهم قد أخذ ماخذا منها ، . كان يجلس بقربها فتاتين صغيرتين ، بان عليهن الفقر والعوز والحرمان ، عرفت فيما بعد بأنهن بناتها ، إحداهن كانت لديها ضفيرتان متدليتان على ( قمصلة ) قديمه كانت ترتديها، كانت تنظر إلي انا الجالس بالمقعد الموجود خلفهن ، ابتسمت في وجهها الصغير، فاخفضت رأسها خجلن مني، رفعت رأسها ثانية وردت لي الإبتسامة، كانت ابتسامتها جميلة للغاية، لكني رأيت خلف تلك الإبتسامة شيئا من المجهول الذي ينتظر مصير تلك الطفلة. نظرت اليها كنظرة ( الاحول ) كي امازحها، أطلقت حينها ضحكة بقهقهه عاليه، جعلت من أمها تنهرها بعبارة ( عيب ماما صيري عاقلة ) دارت وجهها عني إستجابة لطلب أمها، لحظات والتفتت الي مرة أخرى، وقالت لي ( عمو انته هم أبوك مسافر ودازلك فلوس وجاي تاخذهن؟ ) اجابتها أمها ( صيري عاقلة ماما لتحجين ) بادرت أنا بالرد عليها ( عوفيها أختي خليها تحجي براحتها متضوجني ) ماكان من الام الا ان سكتت مبديه عدم اعتراضها على فعل طفلتها بعد أن طلبت منها أن تتركها تتحدث وتمازحني ، كررت الطفلة سؤالها ( انت شسمك ؟ اني اسمي دنيا ، أبوك دازلك فلوس ) اجبتها مبتسما ( لا أبويه ميت )أحسست بأن جوابي هذا جعل الأم تشعر بعدم الارتياح، سألتني ثانية ( لعد منو دازلك فلوس؟ ) اجبتها ( محد دازلي فلوس ) ضحكت وقالت ( اني بابا دازلنه فلوس وراح ناخذهن هسه ) التفتت الأم إلى طفلتها الأكبر سنا وطلبت منها أن تأخذ أختها لتشتري لها من الكشك المجاور لباب الدائرة، بعد أن ذهبت الطفلتين استدارت الأم نحوي وقالت ( ابوهم استشهد بانفجار، وهاي بنتي من مات أبوها لحد هسه مثل الي صار عدها صدمه، وجذبنه عليها كنالها ابوج سافر علمود يشتغل ويجيب فلوس هواي، وإني كلما اراجع علمود المعاملة مال ابوهم الشهيد افهمها بأن ابوها دازلنه فلوس ونروح ناخذهن ) قبل أن تنهي الأم حديثها عادت الطفلتان ، التفتت الطفلة نحوي ( هاي اشتريت جبس. وهسه نأخذ فلوس دازهن بابا وراح ماما تشتريلي كل شي هيه كالت ) اجبتها ( أن شاء الله تستلمون الفلوس ) ابتسمت وقالت ( عمو انته هم سافر واشتغل ودز افلوس هواي علمود اهلك يجون يستلمون الفلوس منا ) ضحكت أنا حينها ( جهالي ميقبلون أسافر ) . في هذة الأثناء نادى الموظف بإسم ( حميد صبار مرهون ) نهضت الأم واتجهت إلى إحدى الشبابيك هي وطفلتيها ، دقائق قليلة وتركت الأم الشباك هامه بالخروج، نظرت الطفلة الي وركضت نحوي فتبعتها أمها ، ما أن اقتربوا مني قالت الطفلة والدموع على خديها ( عمو لتسافر أبقى يم اهلك احسن، لان بابا سافر وكلما نجي على الفلوس مال شغله ميطونياهن هنا ) انحنيت ومسحت دموعها وقبلتها وقلت( لا عمو مراح أسافر ، بس مرات الواحد يسافر غصبن عنه ) فهمت حينها بأن معاملة التعويض الخاصة برب العائلة الذي استشهد بانفجار منذ عام 2014 لاتزال في قسم التعويضات ومتوقف اكمالها لعدم صدور التعليمات الخاصة بتنفيذ قانون شهداء وجرحى الإرهاب ، أمسكت الأم بأيدي طفلتيها وخرجت ، ونظرات طفلتها تتجه خلفها باتجاهي وقبل وصولهم باب الخروج كان آخر ماسمعته منها ( عمو لتنسى مو تسافر ) ."
 0  0  284