أخبار قناة الشمس

×

اضغط هنا إن لم يقم المتصفح بتحويلك آليًا.

عبد الحميد الصائح · (قطار لندن بصرة) تداعيات الحرب لاتقل قسوة عن وقائعها

عبد الحميد الصائح  ·  (قطار لندن بصرة) تداعيات الحرب لاتقل قسوة عن وقائعها
 عبد الحميد الصائح ·
(قطار لندن بصرة)
تداعيات الحرب لاتقل قسوة عن وقائعها
عبد الحميد الصائح
في قصة (رجلان وامراة ) للكاتب الألماني ليونارد فرانك ترجمها منير بعلبكي مع قصة أخرى من قصص الحرب ( موت الاعزب) لآرثر شنتيزلر نشرتا في كتاب واحد عام 1960 بتقديم نقدي لطه حسين، جنديان في الأسر يقصّ أحدُهما على زميلِه أدقّ التفاصيل عن حياتِه مع زوجته،يهربُ الآخر من معسكر الأسر ، ويذهبُ الى زوجة زميله، يطرق الباب فتخرج له تسأله من أنت ؟ يجيبها أنا زوجك؟ زوجي!!! نعم زوجك وقد غيّرت الحربُ ملامحي ...تحاولُ الزوجة اقناع نفسها بذلك مع سيل التفاصيل التي يذكّرها بها عن حياتهما وطبيعة نومِهما وعيشهما وعاداتهما اليومية وكل كل شيء، لتتقبله مندهشة بين حاجتها لرجل، وبين ايهام نفسها بانه زوجها وأن المحاربين العائدين من الحرب متشابهون ، وهي الاشارة البليغة التي نلتقطها من القصة هنا كونها من التعابير المركزية التي طرحها عرض ( قطار لندن البصرة ) الذي افتتحت به المؤسسة العامة للسينما والمسرح موسمها المسرحي لهذا العام تاليف وإخراج مناضل داوود ،تمثيل محمد هاشم ورضاب احمد وفاطمة فراس.
حكاية الحرب
في (قطار بصرة لندن ) امراة ورجل من بقايا الحياة المعطوبة التي خلّفتها الحرب، وبينهما ذاكرتهما التي فقدها المحاربُ وهو يسترجعُ من الحربِ ما أخذتْه حياتَه وعشقَه وأخيراً نفسه واسمه، الحربِ التي لم تنته. الحرب التي وحّدت ذاكرات الناس،تداعياتها أقسى من وقائعِها، حيث توزّع أبناؤها بينَ المقابر والملاجيء فيما رمي ضحاياها الى مزابلِ الذكريات كما يُرمى اللقطاء . إنه الموت، الابن الأكبر للحرب ومخلفات انعدامِ المسافة بين الوطنِ والمنفى، تلك التجربة التي لن يعرفَها ويفكّك تشابكاتها سوى من عاشَها وتناوبَ اليأسُ والأملُ على افتراسِ حياته. وكاتب النص من هؤلاء بحكم حياته في المنفى وفاعليته السياسية ضحية لتلك التناقضات التي تبدو للعالم منطقية متسلسلة لكنها بلا حكاية معلنة،لايمكن صياغة حكاية تقليدية واضحة من فوضى المخيلة هذه.
حكاية العرض
للسبب اعلاه تحولت الحكاية في هذا العرض الى صمت وضيق في التنفس كما يبدو نص المسرحية الذي يشبه قصيدة يلقيها غريق بين موج وموج، من سكك وانفاق قطارات لندن وباريس الى زوارق شط العرب،يتعكز المحارب على أصواتٍ غامضة متداخلة لاستعادتها . فاذا كان فقدان الذاكرة يسببه تليّف الدماغ، فان فقدان الذاكرة الذي اصيب به بطل (قطار لندن بصرة) كان بسبب تلّيف الحياة وعطبها الذي يعالجُه بحوار مفتوح مع الذات وعالم من نساء تختصرهن امراة واحدة تتقلب في ظلام هذه الذاكرة، الامّ والأخت والمعشوقة التي تعيد هوية المحارب أو شيئاً من ذاكرته باعتبار أن فقدان الذاكرة فقدانٌ للهوية . حيث تختلط أمامَها ملامحُ حبيبها بأخيها فالمحاربون يتشابهون. وإن مهمة البحث عن الذات ستطول ولن يصل اليها القطار الوهمي بين الوطن والمنفى.
التمثيل
براعة التمثيل التي اتسم بها أداء محمد هاشم ورضاب أحمد جاءت من البناء المعقّد للشخصيتين ، فهما ليستا شخصيتي حكاية وانما شخصيتا تأمل وأبطال مأوّلين خرجا من نص شعري نفسي اكثر منه قصة تقليدية لمراحل متقاربة ، فكان عليهما ( محمد هاشم ورضاب أحمد ) وحتى الشخصية المساندة ( فاطمة فراس ) أن يؤديا اداءً متقلباً ، أن يركزا فيما الموقف عدم تركيز ، وأن يتذكرا ،فيما المناخ فقدان ذاكرة ، أن يفرحا ويحبّا ويختلفا ويتبادلا ادوارهم واداور الناس الذين عاشوا معهم ، والايحاء دائما بان من هم على المسرح انما هم فريق في رأس واحد مضطرب. وهي مهمة صعبه في التبني والتوفيق بين الصوت والجسد . لقد برع هاشم ورضاب فعلا ، خاصة رضاب التي كانت مرونتها مدهشة على المسرح .
الاخراج
رغم وجود اشارة صريحة للمكان لندن - بصرة ، لكنّ القطارَ جعل كل شيء زماناً ، الزمان هو بيئة العرض اكثر من المكان ، ولذلك لم يشأ مناضل داوود اغراق المسرح بالمفردات الثابتة، بل عمد الى استخدام مايشير الى رؤيا العرض نفسياً على المشاهدين ، حتى المكتب والحاسوب ومقاعد القطار كانت دلالات زمنية اكثر منها مفردات لبيئة العرض، ساعده في ذلك الاضاءة التي ابتعدت عن ثرثرة البقع وكاimage

image

image

image

image

image

image

image

image

image


دائرة السينما والمسرح