Samiha Koussa · Chaza Awad - شذى عواد لم يكن ينتابني سوى مشاعر الخوف عندما تناديني أمي لأحمل صحن الطعام إلى جارتنا الختيارة العمياء التي كانت تعيش وحيدة مع قطتها في غرفة مهجورة على تلة صغيرة فوق منزلنا في القرية .
Samiha Koussa
·
Chaza Awad - شذى عواد
لم يكن ينتابني سوى مشاعر الخوف عندما تناديني أمي لأحمل صحن الطعام إلى جارتنا الختيارة العمياء التي كانت تعيش وحيدة مع قطتها في غرفة مهجورة على تلة صغيرة فوق منزلنا في القرية .
اقرع الباب أترك صحن الطعام على الأرض، وأتراجع خطوات إلى الخلف خوفاً من استدعائي للدخول إلى غرفتها المظلمة .
انتظر قدومها من وراء حوش زهور برية نبتت من تلقاء نفسها أمام باب بيتها ، ربما زرعها الله هنا لتؤنس وحدتها . فأشعر بالأمان وكأن الزهور التي تؤنسها ، ستحميني من التقدم إلى عالمها المظلم المخيف لطفلة في العاشرة …
كان يصعب عليها لفظ اسمي فسمتني " وردي " باللهجة المحلية ، أي "وردة ".
وعندما تسأل من الطارق أجيب
" وردي وردي " ، افتحي يا ستي …
عبارات الترحيب تبلغ مسامعي من وراء الخشب المصدع ، وتدعوني للدخول .
كيف أدخل الغرفة التي كنت أتخيلها مليئة بالجن والأرواح فيعتريني الخوف ويرتجف قلبي أكثر لمجرد التفكير بالأمر فكيف لي أن أفعل…
حتى أنني لم أكن أجرؤ على مغادرة المكان قبل التأكد من أنها حملت صحن الطعام بيدها فقد تأكله قطتها دون أن تدري . فأحرس الطعام من شراهة القطة ، فكنت البطل الجبان …
كانت تناديني يا حلوي يا وردي ،
يا أم الشعر البني ،
كنت أتعجب كيف أدركت لون شعري الذي كان بنياً داكناً كلون تراب الأرض .
تجلس على مصطبة الباب بهدوء ، وأظل واقفة مكاني خلف حوش الزهور مترددة في المغادرة ، رغم أن طفولتي كانت تهاب شيخوختها وتجاعيد وجهها .
تروي لي حكايات غريبة عن زوار غرفتها من نسج خيالها ، فقلما يقصدها أحد ، إلا لإحضار الطعام من الجيران . كنت أتظاهر أنني أصدق ، وأهز برأسي موافقة متناسية أنها لا ترى .
تفاصيل مثيرة بين ثنايا حديثها المتلعثم ، لا أتذكر منها اليوم شيئاً سوى أنها كانت ممتعة رغم إدراكي عدم وجودها سوى في خيالها، ولم أكن أعارض خوفاً من خدش مشاعرها ، فهي تشتاق كما البشر للبشر ، تشتاق لنور الشمس ، وضوء القمر ، ففي داخلها يستوطن ليل كاحل أسود منذ زمن طويل .
كانت تصيب في معرفة محتوى صحن الطعام في كل مرة ، اعتقد من الرائحة ، رغم أن الأمر ليس بهذه السهولة ، فالروائح تتشابه وهي التي لم تبصر يوماً …
كنت أتعجب من قدرتها على تلمس طريقها وحيدة، والتعرف على كل شيء حولها باللمس فقط ، حتى قلبي الصغير المرتعد من ظلمة عينيها كانت قادرة على لمسه بحديثها الدافىء وبث الطمأنينة في حناياه . فيمر الوقت بين توجس وإقبال، ما جعلني أشك مرات كثيرة في أنها لا تبصر بل أن أمي لا تخبرني الحقيقة كي لا أجزع وأمتنع عن الذهاب لإيصال الطعام لكونها عجوزا وحيدة .
أتذكرها اليوم ، وقلبي يحن شوقاً لتلك الأيام، شوقاً لحجارة الدرب المؤدية إلى بيتها ، تلك المهمة التي كنت أتذمر منها في البداية ، وأعود منها مسكونة بالفرح،،،
يقودني بصري في الطريق وتتبعني دعاءاتها التي لا تتوقف إلى أن أغيب عن بصيرتها …